جلسا متجاورين في الطائرة، كلاهما أمريكي من أصل مصري، متشابهان في كل شيء
تقريبا إلا شيئا واحدا، فأحدهما حضر بباسبوره المصري لأنه لا يجد سببا
لاستخدامه إلي عودته لبلده الأصلي.. أما الثاني، فهو أكثر معرفة، وربما
خبرة بـ «الأمور» أفهمه في سخرية خفيفة أنه لا يحمل إلا الباسبور
الأمريكي.. انفصل الراكبان عند وصول الطائرة لمطار القاهرة لنتابع مع بطلنا
الأول رحلة العودة للوطن بعد عشرين عاما في الوطن الثاني، وبعد أن توفي
الأب الذي هاجر مع أسرته وكان الابن طفلا.. وها هو يعود شابا يحمل اسما
معفرا بطين مكان مولده «مصري سيد العربي» الذي يقوم بدوره أحمد حلمي في
سيناريو لخالد دياب عن قصة شاركه في كتابتها مخرج الفيلم خالد مرعي الذي هو
أيضا فنان لمونتاج الفيلم.
يأخذنا الفيلم من اللحظة الأولي لنري ما نعرفه ولا يعرفه البطل عن استغلال
السائقين للقادمين من المطار وبرغم هيئة مصري التي تشي بأمركته فإن القناص
الباحث عن زبون يضع سيارته في خدمته «لطفي لبيب» يسيء معاملته حين يتحدث
بالعربية، ثم يتراجع حين يؤكد له أمريكيته، وفي الطريق يكتشف راضي السائق
أنه - أي الزبون - غائب منذ عشرين عاما، أي فريسة سهلة لنهب ما يحمله من
دولارات، وحين يكتشفون في الفندق الذي حجز فيه عبر النت أنه لا يحمل
الباسبور الأمريكي يرفضون إعطاءه الحجرة، لتتحول لحظة عودته للوطن إلي
كابوس طويل يتعلم خلاله ما لم يحلم به أو يجرؤ.
الوجه الكرية
ويضعنا الفيلم مع بطله أمام وجه كريه لمدينتنا الكبري حين يحاط أصحاب
الجواز الأمريكي بكل ترحيب واحترام ويضطر «مصري» للنوم في الشارع أو في
حجرة السائق لأنه أمريكي المظهر.. ومصري الباسبور، ويجري إلي السفارة
الأمريكية طالبا باسبوره، لكنهم يرفضون مساعدته لأنه لم يخرج به، ولم يفقده
ويشعر بالخناق والعالم يضيق به، يرسل إلي أهل بيته للبحث عنه «لم نر أيا من
أهله في أمريكا» ويحضر الباسبور الثاني، ينطلق به سعيدا منتشيا وقد قرر
الذهاب إلي كل مكان في مصر مع راضي بسيارته، وفي لحظة تصطدم بها سيارة من
الخلف، لكن رجل الأمن لا يوقف صاحبها المتواري داخل سيارته الفاخرة بل علي
العكس يحييه وهو ما يستفز صاحبنا، فيتوجه إلي الضابط مطالبا بحق سائقه،
وحين يستهين به رجل الأمن يخرج له باسبوره الأمريكي فيأخذه إلي سيادة
اللواء «قام بدوره أحمد راتب» الذي وقف مع مجموعة أمنية في مواجهة مظاهرة
ضد أمريكا، يطالبه سيادة اللواء بأن يبرز شجاعته وباسبوره إلي هؤلاء
الغاضبين في لفتة موحية ومزدوجة، فرجال الأمن الذين يهدرون حقوق المصريين
العاديين، يمارسون أيضا تلك اللعبة أمام الجنسيات الأخري، في إطار لعبة
السياسة، وهو ما حدث لصاحبنا الذي ألقوا به للغاضبين ضد سياسة أمريكا
ففتكوا به في نوبة انفعال، ليفقد هذه المرة باسبوره الجديد.. ويقوده بعد
ضربه وغيابه في نوبة إغماء طويلة ينهض منها بمساعدة أولاد الحلال.
البيت القديم
وقد قرر البحث عن بيت الأسرة القديم.
ثم ليدخلنا الفيلم في إطار مختلف وعالم مختلف يواجه بطله في القاهرة، حين
يصل للبيت القديم، وللشقة التي خربت لكنها محفوظة في حراسة الجيران، عائلة
سعيد تختخ صديق طفولته «إدوارد» وأبيه الراحل وأمه الحنون «إنعام سالوسة»
وأخوات سعيد البنات وشقيقه الصغير عبدالله، وبسرعة تظلل أم سعيد رعايتها
وحفاوتها بمصري ابن جارتها القديمة، ويساعده الباقون علي إصلاح الشقة
وبالتدريج يجد مصري نفسه وسط عائلة يعرفها من مائة عام، ليصبح جزءا من
منظومة أخري، بكل ما فيها من أحلام وإحباطات وأمل وغضب، فسعيد خريج الجامعة
لم يجد عملا، وأخته المتزوجة عادت بسرعة لبيت الأسرة مع زوجها لأنه عجز عن
إيجاد شقة بعيدا عن بيت أسرته، وهكذا يضعنا الفيلم من خلال البطل في موقف
فريد بين هويتين، واحدة نما من خلالها وتعذب من أجلها بلا سبب، والثانية هي
هويته الأولي التي تركها قبل مرحلة الوعي وعاد ليجد هذا الفارق الكبير بين
ما حدث له في البداية من استغلال وما يحظي به من محبة ودفء وسط أسرة سعيد،
وغيرهم مثل العجوز هلال «يوسف داود» وبقية الجيران.. وهو اختبار لا يواجه
مصري وحده، وإنما يواجهنا جميعا نحن الذين نعيش في مصر، اختبار يحدث لنا
دائما بين ملامح التوحش التي حولت البعض منا إلي مصاصي دماء لغيرهم، من
أبناء نفس البلد، وبين هؤلاء الذين مازالوا يحملون قيم وملامح المصريين
الأصلاء، وهو اختبار يعيشه مصري حتي لحظة العثور علي باسبوره الضائع ونقوده
كاملة بواسطة الأمن فيذهب فورا لحجز تذكرة العودة لأمريكا، ودون أن يدري
ثقل وطأة وداع سعيد وأمه والأسرة.
المربع الأول
وبطريقته «الأمريكية» يترك لأم سعيد مظروفا تكتشف منه أنه ترك شقته لابنتها
وزوجها، فهما أكثر احتياجا لها، وترك لسعيد الكاميرا التي أبدي براعة في
استخدامها، وفي الطائرة يغير «مصري» رأيه ويحتال علي المضيفة بحجة «وجع
البطن» لتعيده الطائرة إلي مصر.. وهي نهاية غير مقنعة وتفتقد كثيرا من
المنطق أولها أنه - أي مصري السيد العربي - عاش وتربي في مجتمع يحسبها بكل
المقاييس قبل المشاعر، لكنه هنا بدا كما لو كان شخصا آخر.. لم يخرج من
مصر.. أو أقرب لهذا.. إنها نهاية عاطفية تعيدنا إلي المربع الأول، فلو لم
يحضر «مصري» لزيارة مصر لما أتيحت له هذه المعرفة عنها، والتي جعلته يسافر
من جديد، وهو إنسان آخر، مصري بالمعايشة والفهم وليس بالمولد.. مع ذلك
فإنها نهاية اختارها صناع الفيلم الذي استطاع أن يأخذنا منذ اللحظة الأولي
في رحلة مليئة بالمفارقات في أماكن نعرفها ونطرحها ولكننا لا ندركها لأننا
لا نتعامل بالباسبور من موقع الزوار ولهذا لا نري الوجه القبيح الذي رآه
البطل، لكننا نري بقية الوجوه التي نعرفها جيدا ولا يعرفها هو من خلال
كاميرا يقظة ومصور فنان هو سامح سليم الذي أعطي تصويره للشوارع والأماكن
العامة والبيوت صورة نابضة تصل إلي درجات من الشموخ والشجن ونحن نعيش
القاهرة القديمة وبيوتها وحاراتها وبائع الفول وشهامة سعيد وكل العلاقات
المتينة التي لم يمحها الزمن الردئ، الصورة واحدة من أبطال هذا الفيلم
والمونتاج وإن بدا أبطأ في الجزء الثاني.
عمر خيرت
وأضافت موسيقي عمر خيرت قوة تعبيرية في مواقف عديدة واستطاع خالد مرعي
قيادة أبطاله لأداء فنانيه عبر لغة بصرية مؤثرة وبليغة في مواضع متعددة،
يبقي أن نلاحظ اختيارات بطل الفيلم أحمد حلمي من فيلم لآخر وبحثه المستمر
عما يثير قلق ومواجع هذا المجتمع في مستويات متعددة، سواء علي مستوي السلوك
الفردي مثل فيلمه السابق «ألف مبروك» أو علي مستوي السلوك العام هنا لبلد
فقد احترامه لرمز هويته مفضلا عليها هوية أخري، وقبلهما في «آسف علي
الإزعاج» دخول في منطقة أخري تمس الكثيرين من الذين يتعرضون لضغوط الحياة..
ولهذا يستحق هذا الفنان التحية لقدرته علي رفض النجاح السهل بتكرار ما نجح
فيه من قبل مثل كثيرين غيره، ولرغبته الدائمة في الدخول إلي مناطق جديدة
وأزمات لم يقدمها أحد من قبل.. وأهمية هذا تأتي من كون البطل أو النجم الآن
هو المحرك الأول لظهور الفيلم السينمائي إلي النور.. ونظرة سريعة إلي أفلام
هؤلاء النجوم تجعلنا ندرك أي اهتمامات يتمسك بها أغلبهم.. لذا لابد من تحية
هذا الممثل وفكره المختلف.
الأهالي المصرية في
15/07/2010
أحمد حلمي .. شريكا في عربة فول
مدمس
بقلم : ماجد رشدي
هل لابد لكي تشعر بالفقراء أن تعيش مثلهم؟
وإذا قدم فنان فيلما عن أوجاع الفقراء ثم ذهب للعشاء في فندق خمس نجوم هل
يكون
بالضرورة كاذبا في فيلمه؟
وماذا لو خرج كاتب شهير بمقال عن معاناة البسطاء التي لا يعيشها هل وقتها
يكون
مخادعا؟
وما هو موقف مذيع يتصدي لمواجهة مشاكل الغلابة ويدافع عنهم ثم يقبض
الملايين
عن عمله، هل يعني هذا أنه ليس المذيع المناسب للتعبير عن
هؤلاء أو أنه يتاجر
بالفقراء ويزايد عليهم؟
تساؤلات كثيرة راودتني وأنا أتابع بعض ردود الفعل علي دخول أحمد حلمي عالم
البيزنس، من خلال مشاركته في أحد الكافيهات الراقية التي
تكلفت الملايين،
حيث
إعتبر البعض إقدام حلمي علي هذه الخطوة خيانة منه للفقراء
والبسطاء الذين يعبر عنهم
في أفلامه، ومنطقهم هو: كيف يعبر حلمي عن الفقراء في أفلامه ثم يفتتح
كافيها
تكلف الملايين وزبائنه من الاثرياء فقط،
ولا يستطيع أحد من جمهور البسطاء الذي
يخاطبهم في أفلامه أن يقضي ليلة واحدة في هذا الكافية!
ولم افهم أي منطق هذا الذي يتحدث به البعض عن فنان أراد استثمار ما كسبه من
شغله في مشروع تجاري قد يري أنه يؤمن به مستقبله في ظل سوق
سينمائي متقلب، خاصة
أن التاريخ لمن لا يعرفون ولا يتذكرون يحمل مآسي لفنانين اعتمدوا تماما علي
الفن
فغدر بهم في أيامهم الاخيرة..
وأعيدوا قراءة ما حدث في الأيام الأخيرة لأمين
الهنيدي وتوفيق الدقن وفاطمة رشدي وعماد حمدي وعبدالفتاح القصري وغيرهم.
والقضية هنا ليست في الهجوم علي أحمد حلمي أو الدفاع عنه،
لكنها تتجاوز ذلك
إلي التشكيك في صدق النجوم وهم يعبرون من خلال أفلامهم عن مشاكل البسطاء
وأحلامهم،
خاصة أن الفقراء أنفسهم الذين تنفس السينما عن معاناتهم وتعبر عن طموحاتهم
يدركون
جيدا أن نجوم الفن يكسبون الملايين وأنهم ليسوا من نفس طبقتهم
لكن هذا لا يمنع أن
يكون بعض النجوم مشغولين بصدق بقضايا البسطاء،
ولا يمنع أيضا أن الجمهور البسيط
يتفاعل مع ما يقدمه لهم هؤلاء النجوم، وإلا فإن نجما كبيرا مثل عادل امام الذي
كثيرا ما عبر عن البسطاء والفقراء في أفلامه كان يخدع الجميع ولا يعبر بصدق
عن
الغلابة لانه كان يكسب الكثير من أفلامه!
لمصلحة من إذن التشكيك في صدق فنانينا وإثارة جمهور البسطاء ضدهم لمجرد
أنهم
إستثمروا أموالهم بشكل أو آخر؟.
أم أن الفنان الذي يكسب الآلاف عليه فقط أن يقدم
أفلاما لجمهور معه الاف.
ومن يكسب ملايين عليه أن يقدم أفلاما تناسب أصحاب
الملايين مثله!
هذا التشكيك في فنان لمجرد أنه دخل شريكا في كافية أمر خطير لأنه يحمل معه
تشكيكا في كل النجوم الذين من الطبيعي بحكم ما يكسبونه من
عملهم لا ينتمون بشكل أو
آخر إلي طبقة البسطاء، أم إنه مطلوب من النجوم أن يعيشوا حياة الفقراء ليكونوا
صادقين بالضرورة وهم يعبرون عنهم؟..
إذا كان الأمر كذلك فهذا هو نداء أقدمه لأحمد
حلمي، من فضلك أرتدي حذاء مقطعا وأدخل شريكا في عربة فول
مدمس!
أخبار النجوم المصرية في
15/07/2010 |