عن عمل أدبي كتبه توماس
كوب، وسيناريو وضعه المخرج سكوت كوبر الممثل السابق، ليقدم أول افلامه
كمخرج، شارك
في انتاج الفيلم الممثل المخضرم روبرت دوفال مع اشتراكه في تقديم إحدى
الشخصيات
القريبة من البطل الرئيس، رغم عدم تأثيرها بسير الأحداث وشارك
في الانتاج أيضاً روب
كارتيز مع وجود المنتج للعمل بالتنسيق مع شركة فوكس للقرن العشرين السيد
جودي
كايرو، وكانت
إدارة
التصوير لباري مارلو واتيز، ووضع الموسيقى التصويرية ستيفن برتون التي
اقتربت
كثيراً من الجو العام لحياة المغني الريفي باد بلايك والذي
يكتب الأغاني
أيضاً.
إشترك في اداء الشخصيات مجموعة من الممثلين توزعوا بين مخضرم وشاب، قدموا
أدوارهم ضمن رؤية المخرج للأحداث، وكانت هادئة ولا تخلو من
استرخاء، منهم ماجي
جلينهال في اداء شخصية الصحفية التي تعيش مع ابنها الصغير وحيدة، بعد
انفصالها عن
زوجها بسبب سوء معاملته لها، ويبدو من خلال سير الأحداث نكتشف بأن السيدة
جين تحتفظ
بموقف مغاير ومأزوم اتجاه الرجل!
وهناك توم باور الممثل المندفع بقوة على واجهة
الأفلام في أمريكا، وهو يجسد شخصية المطرب الشاب الذي تجمعه صداقة قديمة مع
البطل
الرئيس، خاصة وأن المغني باد بلايك كان قد ساعده كثيراً ليكون مطرباً يتمتع
بجماهيرية واسعة، ويكون أيضاً وحسب الثيمة الرئيسية في الفيلم
بديلاً طبيعياً
للمغني الأصلي باد، على أساس منطق الزمن. وهناك ممثلون قدموا ادوارهم
بطريقة
الإسناد للشخصية الرئيسة مثل مسؤول الإنتاج ورئيس شركة الأسطوانات التي
توزع أغاني
باد بلايك وآخرون مثل انا فيلكس وباول هيرمان وبيت كرانت.
الثيمة الرئيسة
للفيلم، تمحورت في اتجاهين، الاتجاه الأول هو حياة المغني الريفي ذو
الشعبية
الواسعة في الغرب الأمريكي باد بلايك المدمن على الكحول
والتدخين، حتى اثناء نومه
تراهُ يتأبط قنينة خمر وعلبة السكائر القريبة دوماً من يديه! والاتجاه
الآخر هو
محاولة باد بلايك الاقتراب من الحياة الاجتماعية ومحاولة تجريب ذلك رغم
فشله الذريع
في زواجه وابتعاد ابنه الوحيد عنه، والذي لم يعرهُ أي اهتمام اثناء محاولة
اتصاله
بهِ للتعرف عليه، بعد أن تركه وهو في عمر الأربع سنوات وهو
الآن في الـ 28 عاماً،
حيث كان الحوار من خلال التلفون جافاً وغير ذي جدوى مما شكل صعقة له. ثم
فشله في
التمكن من الحصول على عاطفة مطلقة أثناء التعرف على الصحفية المغمورة من
خلال تواجد
باد في إحدى الحانات حين كان أحد المولعين بالموسيقى قد طرحها له لإجراء
مقابلة
صحفية قد تفيد جين في عملها باعتبار أن باد بلايك اسمٌ فني
مشهور وكون جين قريبة
جداً لعازف البيانو المسن!
وكان إخفاقه الكبير حين دشن تلك العلاقة بالرضا التام
من قبل جين وصغيرها، لكنه ارتكب خطأً جسيماً حين كان الصبي معه في رحلة
بسيطة
بالاتفاق مع والدته أثناء ذهابها للعمل. وفقدانه للصبي بعد أن تركه في مكان
داخل
حانة مخصصة لتناول الكحول وبعد أن استغرق في الشرب كثيراً ولم
يكن الصبي في مكانه،
وبعد بحث طويل مع رجال الأمن وبحضور والدته تمكنوا من العثور عليه. لتبدأ
بعد ذلك
عملية الرفض المطلق من قبل جين له، لأنه يشكل لها نموذج اللامبالي جراء
إدمانه على
تناول الخمور. مما يشكل له صدمة إضافية مع كل توسلاته لثني جين
عن موقفها لكن دون
طائل.
انتقالات عديدة في حياة هذا المغني الريفي، تدفعه دائماً لتأمل نفسه مع
وجود انهيار واضح على جسده والسعال المرافق له وتقيؤه المستمر
بعد أي عملية تناوله
الكحول، وقد كان واضحاً على انكساره تلك المتغيرات وهو يتأمل المطرب الشاب
واهتمام
الجماهير به ليعطي انطباعاً ضمنياً على أفوله الإبداعي جراء إدمانه وعدم
وضوح خط
واضح على مسيرته الغنائية التي غيبها إدمانه المعلن والذي وصل أمره الى
اقصاه حين
قاد سيارته الى مدينة بعيدة لحضور حفلة غنائية، وأثناء سيره في منطقة
مفتوحة وشارع
وحيد وطويل يستوقفه هاتف عمومي ليجري اتصالاً عاطفياً مع جين
وتدعوه للرجوع
لزيارتها بعد أن توسل اليها ليراها، وعند عودته يغفو على مقود السيارة
لتنقلب به
وسط الطريق ليستيقظ في مستشفى قريب وهو يعاني من كسر كاحله وتشوه وجهه مع
نصيحة
الطبيب له بترك الخمر والسكائر لأنها قد تقتله باعتباره مدمناً
على رأي الطبيب،
وبعد أن تقوم جين بإخراجه من المستشفى على عربة، لينتهي به الأمر على عكازة.
قدم
المخرج سكوت كوبر والذي كتب السيناريو أيضاً قراءة وجدانية لحياة المغني
الريفي باد
بلايك، بأسلوب هادئ ورصين رغم وجود بعض الهفوات الفنية أثناء
تقطيع المشهد،
والانتقال المفاجئ والسريع لحال’ أخرى لـ(باد) وهو يواصل حياته المتعثرة.
لم يكن
هناك أي نوع من البذخ والمبالغة في انتقالات الكاميرا في المشاهد بشكل عام،
حيث
اقتصرت بالتحرك ومرافقة باد في تحركاته لتقدم قراءة بسيطة وغير
منفعلة لسلوك المغني
الريفي الذي يعاني تقدمه بالسن وعدم اهتمامه بفنه وعربدته ونشوته الموحية
بفقدانه
الإحساس بالحياة جراء الضربات الموجعة التي تلقاها في حياته الاجتماعية.
تعامل
المخرج مع اللقطة المفتوحة والثابتة، حيث لا وجود للتباهي في زوايا التصوير
وظل على
هذا المستوى الفني طوال مشاهد الفيلم وحتى الخاتمة، حين يخرج المغني باد من
قاعة
لتسجيل الأغاني وبعد أن شفي من الإدمان لخضوعه لبرنامج التخلص
من الإدمان، وبعد
حضوره لحفلة للمطرب الشاب والذي دائماً ما قام بإسناده وهذا ما أكده المطرب
الشاب
أمام الجمهور بأن باد هو أستاذه وسوف يهدي أغنية له، وكان باد قد كتب أغنية
جميلة
جراء صدمته بفقدان الصبي ورفض جين لمواصلة العلاقة معه لتسجيل
هذه الأغنية أعلى
المبيعات ليتم تقديم مبلغ مهم له من قبل مسؤول توزيع أعماله الغنائية
ليستلم المبلغ
وهو منتشي.. ثم يخرج الى الشارع وسط زحام أدوات وسيارات التسجيل خارج
القاعة ليصطدم
بوجود جين وهي تنادي عليه فيمسك بيديها بقوة وهي تنظر إليه
بود، لكنه تفاجأ حين قرأ
اسماً جديداً معلقاً على صدرها ككناية لها مما اضطره للاستفسار عن ذلك
فقالت له
بأنه زوجها وأنه رجل طيب ويعي مسؤوليته، لكنه استقبل الأمر بروح المحب
المتعاطي على
الصعاب ولأنه يحبها تمنى لها السعادة وقام باهدائها المبلغ
الذي حصل عليه كله
واضعاً اياه بين يديها أمام دهشتها وبأن المبلغ ليس بالقليل لكنه أصر على
أن تأخذه
هدية منه لها وللصبي، لينتهي المشهد وهما يسيران بهدوء صوب نهاية الشارع.
فيلم
يحاكي الحياة الخاصة للمبدع في تفاصيلها الصغيرة، ومحاولة جعل تلك المحاكاة
بمستوى
الشخصيات المؤثرة بالحياة الاجتماعية كون الفنان صانعاً في مساحته الجمالية
للحياة،
وإضافة تلك اللمسة الوجدانية على سلوكه إنما هي مدعاة للاحتفال بهِ.
فيلم هادئ
وبسيط، وواضح من خلال اشتغاله بطريقة شفافة لجس حياة تضج بالصراع الداخلي
في اثناء
محاولة توافقها مع نفسها أولاً وتماهيها مع ما يحيط بها لكن
دون جدوى. حبكة درامية
رومانسية راقية قدمت فنان ريفي على بساطته ليرتقي الاشتغال الفني بها الى
مصاف
الشخصيات الوطنية أو تلك التي لها صفات وخصوصيات تفردها عن غيرها.
وأكثر الظن ان
الثقافة الأمريكية تتعكز كثيراً على إظهار البطل البسيط ليبدو ممثلاً لوجه
الثقافة
الأمريكية والتي تبحث في تفاصيل الحياة التقليدية والعادية
والتماس معها في محاولة
لتفجيرها لتغدو اقرب للمألوف ولتكن نموذجياً يجب التعاطي معه كونه يمثل
إنتماءاً
ثقافياً يستوجب الانتباه اليه.
هناك افلام عديدة ومتنوعة قدمت شخصيات معروفة
لكنها مفضوحة بمعرفة الناس بتفاصيلها مثل شخصية مانديلا والتي ترشح عن أداء
الشخصية
الرئيسة فيها الممثل مورغن فريدمان للأوسكار، لكن الجائزة ذهبت للممثل جيف
بريدجز
والذي جسد شخصية المغني الريفي في قلب مجنون والتي أداها بشكل
مذهل وبارع لتحتل
شخصيته الحصة الأكبر في عدد من مشاهد الفيلم التي ظهر فيها.
إن خصوصية البحث عن
تقديم شخصيات غير معروفة وموثقة أخذ الكثير من اهتمامات صناع السينما وذلك
لامتلاء
تلك الشخصيات بشحنات إنسانية وعاطفية تعطي للمشتغلين في الشأن
السينمائي من إضافة
رؤيتهم الفنية والفلسفية عليها كونها شخصية تمت صناعتها وتنميتها بطريقة
قصصية لا
تخلو من لمسة الخيال.
المدى العراقية في
14/07/2010
التجريد الحسّي الملون
أ.د. عقيل مهدي يوسف
لو كانت تركيبة
الذهن الإخراجي، تتشابه مع تركيبة الذهن الإخراجي لدّي، كما لدّى الآخرين،
لاستحال
الحديث أو النقاش عن فنون المسرح، أو ضعف، وبات تكراراً لما
عند الآخرين من فنون
الفرجة التي ستنحسر تأثيرها المتميز.حين سأل ستانسلافسكي، لماذا يسند الدر
إلى
ممثلين اثنين، ولكل واحد منهما ذاكرته الانفعالية، ألا يشكل هذا خروجاً على
الدور،
وبالتالي مروقاً
على وحدة العرض؟فأجاب بأن ذاكرتي خضراء، وذاكرة الممثل الذي يلعب معي الدور
نفسه،
ستكون وردية. فالمخرج الذي ستكون براكين عروضه متميزة بالألوان
الحارة
المتفجرة.ونحن بخلاف رأي (كانط) فلسفي، لا نبحث في حقيقة الأشياء،
الكيمياوية-
مثلاً بل نبحث في ظواهريتها في حالة
(الاخضرار) و (الاحمرار) التي ندركها في
الأشياء، وحسب ملكة تصورنا وتفكيرنا إخراجاً فنياً، أو مشاهدة
جمالية.لأن أفكارنا
الفنية تظهر بلغة مجازية، و مشاعر عينية، بخلاف مصطلحات الفلسفة العقلية
المجردة.
أو وصايا الموهومين، الذين يحاولون تطبيق معايير نقدية فقيرة، لصد تدفق
أمطار الفن الغزيرة، ومجراه الكاسح.
المدى العراقية في
14/07/2010
بـيـكـاسـو وبـراك يـذهـبان إلـى
الـسـيـنـمـا
ترجمة: نجاح الجبيلي
بمناسبة عرض
الفيلم الوثائقي "بيكاسو وبراك يذهبان إلى الأفلام" في منهاتن كتب الناقد
السينمائي
من صحيفة نيويورك تايمز ستيفن هولدن مناقشا ً تأثير الأفلام على
التكعيبية.إن
الفيلم الوثائقي الاستطرادي " بيكاسو وبراك يذهبان إلى
الأفلام" لآرن غليمشر يجادل
بأن الأفلام من الأيام الأولى لتوماس أديسون والأخوان لومييه كان لها
تأثير مشكّل
على الرسم الحديث وبالأخص التكعيبية.
استعمال المقارنات
البصرية الخصبة يحاول الفيلم أن يظهر كيف أن التكعيبية التي أنشأها بيكاسو
وبراك في
عام 1907 حولت على نحو افتراضي التصوير الثوري للزمن والفضاء والحركة في
الأفلام
إلى فن جميل. كان التصوير الفوتوغرافي قد التقط لحظات ربما
كانت تتملص من العين.
مكنت الأفلام الفنانين البصريين لتجميد كتل الزمن وتحليلها عند سرع
متنوعة.في
الحركة المشرحة بوعي والمنظورات المزدوجة المنتخبة يلمّح الفيلم الوثائقي
إلى أن
التكعيبيين قد يكونون حاولوا أن يعينوا بالاتفاق الشكل الفني
الهش الجديد.
فيلم "بيكاسو
وبراك يذهبان إلى الأفلام" مليء بكبار المتحدثين الموهوبين بضمنهم مارتن
سكورسيزي الذي أنتج الفيلم مع السيد "غليمشر" وروبرت غرينهت؛
إن فنانين مثل "جوليان
شنابيل" و"جك كلوز" و"إريك فيشل" ولوكاس سماراس وفنان أداء
الفيديو روبرت وايتمان
يناقشون العلاقة بين الأفلام وأعمال الفنانين. الفيلم الوثائقي
أغلبه خليط من الناس
الذي يتكلمون بلا تحضير عن هذا وذاك لكن لا يوجد بينهم إيجاز رابط.
إن ما يجعل
الفيلم موحداً تقريباً هو التيار المطرد من المقاطع الفيديوية من الكوميديا
العاصفة
في بواكير السينما – وبالأخص الحيل السحرية الفوتوغرافية لجورج
ميليه – التي وجدت
روحها العابثة طريقها داخل لوحات التكعيبيين ورسوماتهم وبالأخص بيكاسو. كان
مستهلكاً نهماً للثقافة الشعبية وحين كان في الخامسة عشرة دخل لأول مرة إلى
الأفلام
عام 1896 وأصبح حالاً متيماً بها. وفيما بعد أصبح بيكاسو
معجباً ومتحمساً لشارلي
شابلن؛ وأسس هو وبراك الأكبر عقلاً نادياً للسينما. اهتمامهما وشغفهما
بالتقنيات
امتد إلى الطيران ولقب كل منهما الآخر "أورفيل" و "ويلبر". (الأخوان أورفيل
وويلبر
رايت طياران رائدان أمريكيان-م)
في عام 1900 زار بيكاسو المعرض العالمي في باريس
حيث كان متيماً بحب الراقصة الأمريكية "لوي فوللر" التي كانت ترتدي خماراً
منتفخاً
ينتأ من داخله نور ملون. لاحظ المؤرخ الفني برنيس روز بأن تلك الصور اتخذت
طريقها
إلى اللوحة التي كانت تحمل بذرة التطور "آنسات أفينون" المرسومة عام 1907
وهناك
تخمين أيضاً بأن صور المراوح والآلات الموسيقية في اللوحات التكعيبية كانت
مستعارة
من الأفلام. وكلما كان تحليل الفيلم للوحات بيكاسو دقيقاً كلما انجرف
بعيداً عن
موضوعه.
يبدأ فيلم "بيكاسو وبراك يذهبان إلى الأفلام" من الافتراض أن التقنية
المتغيرة تحفز الإبداع الفني. بلغة السيد سكورسيزي ، البطل
الصاخب للسينما كونها
شكلاً فنياً خطيراً فإن" التكعيبية ليست أسلوباً بل هي ثورة فجرت التغير
الجذري
العميق للشكل- وفي الواقع تغير جذري للرؤية نفسها". وفي رأيه أن الأفلام
كانت
الماكينة وراء هذه الثورة.
فيلم "بيكاسو وبراك يذهبان إلى الأفلام"
إخراج :
آرن غليمشر
صوت السارد: مارتن سكورسيزي
مدير التصوير: بيتر
هلينوماز
مونتاج: سابين كرينبول
إنتاج: السيد غليمشر والسيد سكورسيزي وروبرت
غرينهت
إصدار شركة أرتهوس فيلمز
مدة الفيلم: ساعة ودقيقتان
المدى العراقية في
14/07/2010 |