يؤكد أحمد راتب في كل أعماله أهمية دور الخبرة في العمل الفني.. فعلى الرغم
من أنه قد يشارك في أعمال أقل من قامة موهبته كثيرا، فإنه دائما ما يترك
بصمة واضحة ببساطته وسلاسة أدائه.. يحقق دائما التوازن ما بين متطلبات
السوق وجودة الأداء الفني، الأمر الذي انعكس على رواج بضاعته الفنية دون أن
تفقد قيمتها العالية.. وجعل أدواره تجذب الجماهير التي قد تنسى العمل
ولكنها تتذكر هذه الأدوار. «الشرق الأوسط» التقت أحمد راتب خلال تصويره أحد
أعماله في القاهرة، فكان الحوار عن آخر أخباره الفنية وعن خبراته التي
اكتسبها من عمالقة الفن..
·
كيف تستطيع اللعب على التنوع في
تقديم الشخصيات على الرغم من تكرار القوالب؟
- الشخصية تحكمها طبيعة العمل الفني نفسه.. فتقديم شخصية المحامي، على سبيل
المثال، في عمل كوميدي يتطلب أن يكون التناول ساخرا، ولكن في عمل آخر جاد
يحتاج التناول إلى واقعية أكثر، كما ظهر المحامي الذي يتلاعب بالقانون في
فيلم «واحد من الناس».. وهذا لا يمنع أن تكرار الشخصية بنفس الشكل النمطي
في أعمال مختلفة هو مقدرة فنية، فالفنان العظيم عادل أدهم قدم معظم أدواره
بطريقة واحدة، ومع ذلك أحبه الناس.. ولكنني أستطيع أن أخرج من حالة إلى
حالة في وقت قصير، فليس كل صعيدي كالآخر وليس كل كفيف كآخر.. وهذه خبرات
سنين وتعامل مع أساتذة الفن والثقافة والاطلاع وتنمية المهارات والمواهب،
وكل ذلك يجعلني أستطيع أن أتحول بالشخصية من شكل إلى شكل آخر رغم كونها نفس
الشخصية.
·
وماذا عن تصنيف الفنان ككوميدي
أو تراجيدي؟
- التصنيف والنمطية أمران لا أحبهما في عملي.. وأنا أحب كلمة «ممثل» التي
تندرج تحتها كل التصنيفات، فأنا أحب الدور المكتوب ولا أهتم بتصنيفه..
ومهما كان الدور، أقوم به ما دام أنه يعجبني.
·
هل تواجه صعوبة في قراءة الورق
واختيار الدور؟
- حلاوة الدور تكون في سهولة الورق وانسيابيته.. فأنا لو وجدت الدور صعبا
فذلك يدل على أنني لم أحسن الاختيار، ولو أحسست أني مجهد عند قراءة
السيناريو أشعر أن الدور لم يكتب بشكل صحيح.. والحمد لله أنا لم أسئ
الاختيار ولو مرة واحدة، فجميع أدواري سهلة وسلسلة.. فالدور السهل كالفاكهة
الطازجة.. والتمثيل لا بد أن يصاحب بحالة من الصدق حتى ينجح.. وأحيانا
ينتابني الضحك من مشاهد بعض الممثلين الذين تجزم وأنت تراهم أنهم يمثلون،
ويكون ذلك واضحا بشكل كبير.
·
تاريخك الفني ثري بالعمل مع كبار
الفنانين، ولكنك في الفترة الأخيرة تقبل القيام بأدوار لا تتعدى المشهدين
مع نجوم شباب؟
- أنا فنان غير معقد.. وعندما بدأت حياتي الفنية بدأت مع عمالقة مثل فريد
شوقي وعادل إمام وعبد المنعم مدبولي، ولم يضطهدني أحد في بدايتي.. وشبعت من
التمثيل.. وأنا أعتبر نفسي محظوظا وأثق في خطواتي ولم أتكبر على دور، فلم
لا أساعد الشباب؟ ولكن الدور هو الفيصل، فعندما قمت بمشهدين مع الفنان أحمد
حلمي في فيلم «مطب صناعي» كانت السينما كلها تصفق لهذين المشهدين.
·
وماذا تعلمت من النجوم العمالقة
الذين عملت معهم؟
- كان الفنان فريد شوقي مدرسة في التمثيل، ولكنه يتعامل مع الفنانين بشكل
مختلف عما يحدث الآن.. فكان يعاملنا كأصدقاء دون أن يشعرنا أنه هرم فني..
وتعلمت منه الصبر والإرادة. وتعلمت من فؤاد المهندس ولعه بالمسرح، ومن عادل
إمام الاهتمام بالتفاصيل.
·
رغم أنك من كبار الفنانين فإنك
حتى الآن لم تقدم عملا واحدا من بطولتك؟
- أنا بطل في كل أدواري ونجوميتي خاصة وتختلف عن الآخرين.. وهناك ممثلون
فازوا بالأوسكار لمشهدين أو ثلاثة، فنجوميتي لا تقل عن نور الشريف وحسين
فهمي عند المشاهدين، ففي بعض الأحيان أكون موجودا في موقع تصوير مع أبطال
العمل وأجد الناس تجري علي أنا.. فنجوميتي تعتمد على أدائي لا على الدعاية
و«الأفيشات».
·
صرح الفنان عادل إمام بأنك تستحق
جائزة الأوسكار في عمل كان من بطولته.. أليس ذلك غريبا بعض الشيء؟
- هذه مقولة تحسب للفنان عادل إمام، لأنه هو بطل العمل، وهي لمحة لا يستطيع
أحد غيره أن يقولها.. وسبب نجاحي معه هو إعجابنا المتبادل، فأنا كمشاهد
معجب بعادل إمام وأعتقد أنه كذلك.. وهذا ما يساعدنا على النجاح معا.. وعادل
إمام يتربع على عرش النجومية لأكثر من عشرين عاما، ورغم أن شهادتي له شهادة
مجروحة، فإنني لست الوحيد الذي يقول هذا.. ولكن الجميع يعترفون بنجومية
عادل إمام.
·
أصبحت كلمة «الواقعية» مبررا
لاستخدام مفردات سينمائية غريبة تنفر المشاهدين، فما تعليقك؟
- لا بد أن يكون الفن على علاقة بالحياة والمجتمع، ولكننا نقوم بهذا بشكل
خاطئ.. فالواقعية يجب أن تكون في سياق فني درامي.. وهي معادلة صعبة، ولكنها
لو تحققت تؤدي إلى عمل ممتاز. فيجب أن يحتوي العمل على جماليات مختلطة بلغة
الواقع.. ويجب أن يسود العمل اللغة الفنية لا اللغة الواقعية.. فصلاح أبو
سيف عندما قدم فيلم «المواطن مصري» جعلنا نبكي ولكن في شكل فني.. ولكن
عندما تشاهد فيلم «حين ميسرة» لخالد يوسف، تبكي على ناسك ومجتمعك.. وهذا لا
علاقة له بالفن.
·
نجحت في مشاركاتك بأعمال السير
الذاتية، ألا تفكر في عمل من بطولتك تقدم فيه هذه الشخصيات بشكل أكثر
تفصيلا؟
- قدمت شخصية نجيب الريحاني في مسلسل «قلبي دليلي».. وأتمنى أن أقوم بتقديم
شخصيته في عمل مستقل، وكذلك شخصية الراحل سيد مكاوي، لكن لو قدمت أي شخصية
منها فسأقوم بتقديم المرحلة المتأخرة فقط ولن أستطيع أن أقوم بأدائها في
مرحلة شبابها، فالمكياج يمكن أن يقدم الشخص بشكل أكبر من سنه الحقيقية،
ولكنه لا يستطيع أن يقوم بالعكس.
·
من وجهة نظرك ما هي أفضل الطرق
لتناول السيرة الذاتية؟
- المشكلة الحقيقية أن الكتاب يتعاملون مع السيرة الذاتية ككتاب تاريخ،
فيقوم الكاتب بتفسير الشخصية متى ولدت وكيف عاشت ومتى تخرجت في الجامعة،
وهي معلومات موجودة ومتاحة.. ولكن اللمحات الشخصية هي الأفضل، فعلى سبيل
المثال كان هناك فيلم يتحدث عن مايكل أنجلو، وعن سماح البابا برسم سقف
الكنيسة مجبرا رغم أنه لا يحب الرسم.. وكان اسم الفيلم «العذاب والمتعة»،
وهو جزء من السيرة الذاتية لأنجلو.. فقام العمل بتلخيص حياته في موقف واحد.
وفي فيلم «ناصر 56» نجح الكاتب محفوظ عبد الرحمن في توصيل رسالته عبر مواقف
تعبر عن شخصية عبد الناصر وطريقة اتخاذه القرارات، فخرج المشاهد بنتيجة
إيجابية.
·
ولماذا لم يتكرر نجاح أي سيرة
ذاتية بعد السيرة الذاتية لأم كلثوم حتى الآن؟
- لأن من قامت بدور أم كلثوم ممثلة مصرية، ومن وضع الموسيقى التصويرية هو
المصري عمار الشريعي.. فلا يمكن أن تقوم بتقديم شخصية عاشت في مصر ممثلة لم
تعش هنا. وأثناء التحضير للمسلسل رشحت ممثلة لبنانية للقيام بدور أم كلثوم،
ولكن إنعام محمد علي رفضت وقالت إن من تقوم بدور أم كلثوم يجب أن تكون
مصرية. والعمل بكل تفاصيله، من كتابة وإخراج وتمثيل، كان حالة مصرية
خالصة.. حتى تيم الحسن عندما قام بدور الملك فاروق نجح، لأن الملك فاروق لم
يكن مصريا في الأصل، فهو من أصل ألباني، ولكنه لا يستطيع أن يقوم بدور
السنباطي أو عباس العقاد على سبيل المثال.. وكذلك كانت سولاف فواخرجي ذكية
في اختيارها ونجحت في مسلسل «أسمهان» لأنها ليست مصرية، ولكنها لا تستطيع
أن تقدم هدى سلطان مثلا.
·
ولكن سولاف تقوم الآن بتصوير
السيرة الذاتية لكليوباترا؟
- سوف تنجح لأن كليوباترا ليست مصرية في الأصل، ولكنها بيزنطية استقرت في
مصر وأصبحت ملكة مصرية ولكن أصلها غير مصري كالملك فاروق.
·
ولماذا رفضت المشاركة في هذا
العمل؟
- لم أرفض.. الأمر كان صعبا بسبب السفر إلى سورية للتصوير، وأنا متعاقد على
أعمال هنا، ولذلك اعتذرت عن المشاركة لارتباطاتي الحالية.
·
وما هو سبب فشل صفاء سلطان في
تقديم شخصية ليلى مراد؟
- لأنها تناولت الشخصية من منظورها الخاص وسرحت بالشخصية، والموسيقى
التصويرية قام بها موسيقي سوري، والمخرج أيضا لم يكن مصريا.. بينما ليلى
مراد من أصل مصري، مما أدى إلى فشل العمل.
·
هل تعتقد إذن أن ليلى مراد قد
ظلمت بتقديم هذا العمل؟
- فعلا.. ليلى مراد ظلمت جدا بتقديم هذا العمل، ومن الممكن أن يتم عمل
مسلسل آخر لها وتقوم به ممثلة مصرية.
·
ولماذا أنت مقل في أعمالك
المسرحية برغم عشقك للمسرح؟
- قدمت أعمالا مسرحية لعشرين عاما متتالية.. ولكن لم يظهر منها إلا ما
تقدمه القنوات الفضائية، وهي لا تتجاوز 7 أو 8 أعمال.. وكنت في بداية عملي
كموظف في مسرح الطليعة.. وآخر أعمالي كان «أولاد الغضب» ولاقت نجاحا جيدا..
ولكن العائد المادي للسينما والتلفزيون يفوق العائد من المسرح بكثير، ولذلك
أحاول التركيز عليهما في الوقت الحالي.
·
وهل نمر بأزمة في المسرح؟
- لدينا كتاب مسرح عظماء ومخرجين ليس لهم مثيل وعندنا ممثلين عباقرة.. ولكن
المشكلة مشكلة «زحمة» في البلد، فالرجل عندما يخرج ذاهبا إلى المسرح مع
أسرته سوف يتعارك مع زوجته وأولاده قبل أن يصل ويعود إلى البيت.
·
حدثنا عن دورك في مسلسل «بابا
نور» الذي تقوم بتصويره حاليا؟
- أشترك في بطولة المسلسل مع حسين فهمي وعلا غانم وعبد الرحمن أبو زهرة
ومجموعة من الشباب الجدد، وهو عمل سياسي يدور في قالب كوميدي. والدور
واقعي.. ومن شدة واقعيته يثير الضحك، فالشخصية التي أقدمها هي لسياسي بأحد
الأحزاب تضطره ظروف الحياة والمعيشة لأن يتنازل وتجعله يقوم بأشياء لا
تناسب عمله السياسي.. وهو واقع عند السياسيين، فالكلام أصبح كثيرا ومجرد
كلام ولا يتماشى مع متطلبات الرجل البسيط في الشارع المصري.
·
وماذا عن مسلسل «سقوط الخلافة»؟
- سقوط الخلافة يناقش موضوعا لم يتطرق إليه أي عمل من قبل وهو الخلافة
العثمانية وكيفية سقوطها.. وقت أن كانت الأمة العربية دولة واحدة وحاول
الإنجليز تفكيكها، وكيف نجحوا في ذلك.. ويفسر العمل أسباب العداوة
والمشاحنة الموجودة حاليا.. وأنا أقدم شخصية إيمانويل الصهيوني في نحو
خمسين مشهدا، وهي شخصية محورية لما لها من دور رئيسي في سقوط الخلافة. ولم
أتقابل مع بطل العمل عباس النوري، الذي يقوم بدور السلطان عبد الحميد، حتى
الآن.. ومن المقرر أن نتقابل في مشهد واحد فقط في نهاية العمل.
·
ماذا عن أعمالك السينمائية
القادمة؟
هناك فيلم «ألزهايمر» مع النجم عادل إمام، وتم البدء في تصويره في شهر
يونيو (حزيران) الماضي. ومن فريق العمل فتحي عبد الوهاب وغادة عادل وأحمد
رزق.. وأقدم من خلاله كوميديا تنبع من رحم المأساة.. كما أقوم بالتجهز
لفيلم «محترم إلا ربع» من بطولة محمد رجب ومن إخراج ياسر سامي، وأجسد شخصية
رجل صاحب نفوذ، في إطار الصراع التقليدي بين الخير والشر.
·
من أكثر نجوم الشباب لفتا لنظر
الفنان أحمد راتب؟
- محمد سعد وأحمد السقا.. وأحب من الجيل الحالي عمرو سعد وأحمد عزمي
والقنبلة هند صبري والجميلة منى زكي، التي استطاعت أن تخرج من عباءة الفتاة
الصغيرة إلى تجسيد أدوار امرأة كاملة الأنوثة.
الشرق الأوسط في
09/07/2010 |