في عروض الاسبوع الثاني من شهر حزيران 2010 لنادي السينماالتابع
لمنتدى عنكاوا للثقافة والفنون شاهدنا ثلاثة افلام كوردية اخرى لثلاثة
مخرجين شباب ، احدهما لمخرجة تعمل مدرسة في قسم السينما التابع لكلية
الفنون في جامعة صلاح الدين، وهي المخرجة ( جوانا سعيد ) وعنوان فلمها (
تراوما ) . اما الفلم الثاني فكان بعنوان (مصنع الاختطاف ) للمخرج (ريفين
عساف ) وهو الاخر يعمل استاذ للفن السينمائي في نفس الكلية وكان قد تلقى
علوماً سينمائية في المانيا واشرف على تدريس عدد من طلبة الفن السينمائي في
تركيا .
اما الفلم الثالث فكان بعنوان ( الرهان ) للمخرج ( تنيا كريم ) ، وهذا
المخرج لم يتلقى تعليماً اكاديمياً لفن السينما وقد جاءت خبرته الفنية
والحرفية من خلال اشتغاله بعدد من الاعمال الدرامية التي جعلته مرتبطاً
بهذا الفن رغم ماضيه المسرحي .
تراوما :
هذا الفلم يعد من افضل الافلام الثلاثة وقد توفرت فيه جملة من العناصر
الفنية اهلته لكي يقترب في بنائه الدرامي الى مستوى من النضج الواضح في
حبكة الموضوع الجرىء والذي تتطرق الى موضوع (ختان الاناث ) . وإن كان لا
يحتل مساحة مهمة في حياة المجتمع الكوردي، لكنه يشكل مبعثاً للقلق والخطورة
في مجتمعات اخرى والمخرجة هنا تمارس دورها في الطرق على موضوعات تسيىء الى
الانسان عموماً والنساء خصوصاً .
ويعد تناول مثل هذا الموضوع من قبل مخرجة كوردية يعني اولا ً : الفهم
السليم للدور الذي ينبغي ان تضطلع به السينما عندما تتصدى لقضايا مجتمعية
تتسم بالتعقيد والحساسية .
لذا يعد فلم ( تراوما ) للمخرجة جوانا سعيد خطوة جريئة للاقتراب من
شرفة الحرية التي يقتضيها الفن حينما يتصدى لموضوعة ما . فما جدوى ان
تُقدِم على انتاج عمل فني دون ان تمتلك الجرأة لقول ماتريد.
اما بالنسبة للجانب الفني في هذا الفلم فقد تمكنت المخرجة من خلق
علاقات انسانية متوترة مابين الزوج و الزوجة التي تحمل ماضياً ثقيلاً عليها
بعد ان كانت قد تعرضت في طفولتها الى عملية ختان قتلت فيها انوثتها
وبرائتها . مما سبب لها بروداً في العلاقة الجنسية مع زوجها الذي كان في
حيرة من امر زوجته وهو يراها على تلك الحال من الرفض للعلاقة الشرعية
الطبيعية التي تفرضها وتوجبها طبيعة العلاقة الزوجية بينهما ليصل الامر به
في لحظة ما الى ان يشك بها، معتقداً بوجود علاقة اخرى ترتبط بها زوجته مع
شخص اخر . وحين تصل العلاقة الى هذه المرحلة من الخطورة تقرر الزوجة الكشف
عن ماضيها وعن خفايا وتداعيات تلك التجربة التي مرت بها وهي طفلة، مما سبب
لها بروداً جنسياً تبعه عقدة خوف ورفض من اقامة علاقة طبيعية مع الزوج
خوفاً من انكشاف الامر .
كانت مشاهد غرفة النوم التي كانت تجمع مابين الزوجين قد تمت ادارتها
بشكل جيد من قبل المخرجة، وتمكنت من رسم صورة واضحة ومعبرة لطبيعة العالم
الداخلي والنفسي الذي تعيشه الزوجة ،وهي تعاني بصمت تجربة الماضي ،وتحملها
معها كل تلك السنين ، لتخدش ذاك الحب الذي يكنه لها الزوج . كما نجحت ايضاً
في ادارة الممثلين والوصول بهم الى اداء عفوي خال من التكلف والمبالغة،
وهكذا كانت ايضاً مشاهد الختان التي تم تقديمها ضمن اجواء نقيضة لتلك
الاجواءالهادئة التي كانت عليها حياة الزوجين في غرفة نومهما .
مصنع الاختطاف :
اما الفلم الثاني ( مصنع الاختطاف ) للمخرج ( ريفين سعيد ) والذي حاول
ان يحكي من خلاله عن الصراع الطائفي الدموي الدائر في بغداد، من خلال
شخصيتين يلتقيان في المقهى ، احدهما يلقب (ابو علي )والثاني (ابوعمر ) !.
والاثنان ينافقان على بعضهما بالمحبة الظاهرة بينما يبيّتُ كل منها للاخر
نية اختطافه وقتله ، وعلى ذلك يتصل كل منهم منفرداً دون ان يعرف الاخر
برجال العصابات عبر الهاتف لغرض تنفيذ عملية الاختطاف وبالتالي يتم اختطاف
الاثنين من قبل نفس المجموعة .
إن هذا الفلم اخفق في رؤية هذا الصراع الدائر في العراق من الزاوية
السليمة التي تتيح له ان يرى جانباً مهماً ومعبراً عنه وعن غموضه وتقاطعه .
فالمسألة هنا معقدة جداً والصورة غير واضحة على ارض الواقع طالما تداخلت
المواقع والقوى مع بعضها ولم يعد بالامكان معرفة القاتل من الضحية، وليس
كما جاء به الفلم عندما اختصر الصراع بين نموذجين اثنين فقط ! ، نمذجَهُما
المخرج قسراً بشكل مُبسط جداً، الى شخصية سنية وشخصية شيعية. ولم يقتصر
تعميمه السلبي هذا على الشخصيتين المحوريتين بل تعداه الى شخصية الفنان
عازف العود الذي لم يكن له اي دور فاعل في حركة الاحداث .لذا لم تكن هذه
الشخصية تملك خصوصيتها الانسانية والواقعية ، فكانت بالتالي شخصية مسطحة
ومجردة من كينونتها الانسانية المرهفة اضافة الى شخصية صاحب المقهى الذي هو
الاخر لم يكن سوى اطاراً زخرفياً مكملاً لصورة المقهى .كما اتسم الحوار
بالضعف الواضح جداً لم يساهم في تطوير وبناء الفعل الدرامي ليبقى الحدث
ساكناً في مكانه .
والسؤال هو : هل ان مدينة بغداد التي تحيا في ازمنة العنف هذه تتسم
بهذا الهدوء والسكينة التي ظهرت عليها في الفلم !؟ أليست بغداد تعاني من
ضجيج الانفجارات ودوي القنابل وصافرات الاسعاف وصوت اطلاقات الرصاص !؟ اين
تلك الاصوات في هذا الفلم ؟ . لقد خلا الفلم منها تماماً ! ومع كل هذه
الملاحظات إلاّ انني اجد ان المخرج كان قد امسك جيداً بعناصر التصوير
،وتوزيع الاضاءة ، سواء مايتعلق منها بالمكان بشكل عام او في مجموع اللقطات
،وتمكن من ايصال الجو الملائم للمكان عبر تدرج الالوان ،ومساقط الضوء ،وتضاداته،
فكان جوا درامياَ عكس طبيعة الصراع الخفي الذي تضمره الشخصيات لبعضهاالبعض
.
الرهان :
الفلم الثالث والاخير كان للمخرج ( تنيا كريم ) بعنوان ( الرهان )
والفلم يتحدث عن ممثل مسرحي ابتعد عن مهنة التمثيل في المسرح لان هذه
المهنة لم تعد تجدي شيئاً ، واحالها الى الحياة ليتقمص عبرها شخصيات متنوعة
يقتنص من خلالها الفرص لخداع الاخرين بعد ان يكون قد لجأ الى الرهان معهم
حول امر ما . ليثبت لهم انه قادر على تحقيق مايراهن عليه مهما بدا صعباً .
وبهذا استطاع ان يجمع ثروة بات يودعها في البنك يوما بعد اخر ، مما اثار شك
وحيرة مدير البنك حول مصدر هذه الثروة ، ولما اعلمه بالكيفية التي يجني بها
المال،وذلك بالاعتماد على المراهنات مع الاخرين ،سقط المدير هو الاخر في
الفخ عندما اقنعه الممثل بأنه متأكد من وجود ( علامة ) على ظهره . فما كان
من المدير إلاّ ان يخلع ملابسه ليثبت للمثل خطأه بعدم وجود علامة على ظهره
. عند ذاك فتح الممثل الباب للموظفين الذين كان قد سبق ان اتفق معهم على
رهان مالي مقابل استعداده للضحك على المدير وخداعه ليجعله يخلع ملابسه
ويبقى عارياً في الغرفة ، عندها صُدِم الموظفين عندما شاهدوا بأمِّ اعينهم
مدير البنك وهو عارٍ من ملابسه . . هذا الفلم ليس فيه من الجرأة بشيء ،سواء
على مستوى الموضوع المطروح او على مستوى المعالجة الفنية، فهو فلم مصنوع
بطريقة تقليدية من حيث حبكته وبناء شخصياته، ولم تكن هنالك اية مفاجأت
درامية على مستوى بناء الشخصيات ،ولا ألاحداث باستثناء الدقائق الاولى من
زمن الفلم ، عندما كانت الكامرة تتجول في الشوارع وتمرُّ على الدكاكين
والاسواق من وجهة نظر ( ذاتية ) للشخصية الرئيسية ( الممثل ).كانت هذه لمسة
ذكية تمكن المخرج من خلالها الى شد انتباه الجمهور واثارة مخيلته لمعرفة من
يكون وراء الكامرة التي تتجول بشكل حر في الشارع . لكن ذلك لم يستمر بعد ان
تم الكشف عنها ،داخل غرفة المدير لتتحول الى لقطة متوسطة ( موضوعية )
لشخصية الممثل ، وهنا تحديداً فقد الفلم عنصر المفاجأة والتشويق الذي كان
قد بدأ به . ولكن اعتماد المخرج على الممثل الكوميدي الموهوب ايام اكرم
الذي يملك خبرة اكاديمية وعملية انقذ الفلم من الترهل الذي كان من الممكن
ان يصيبه وتمكن عبر قدرات هذا الممثل الذي لايقل شأناً عن افضل ممثلي
الكوميديا في العالم ان يحافظ على ايقاع الفلم ، كما لم يلجأ المخرج الى
تنويع اللقطات وتغيير الزوايا داخل المشهد مكتفياً باللقطة العامة التي
بأمكانها ان ترصد امكانات الممثل ايام اكرم بأدائه الذي يقترب في الكثير من
تفاصيله من الاداء المسرحي . لكن خفة الظل التي يتسم بها ، خففت من تلك
الايماءات المبالغ بها، والتي عادة ماترافق الاداء المسرحي وليس الاداء
السينمائي .
أدب وفن في
03/07/2010 |