يحمل هذا
الفيلم إدانة واضحة جدا للعسكرية ولأجهزة المخابرات الأميركية التي تواطأت
في غزو العراق بحجة وجود أسلحة للدمار الشامل، يحتفظ بها نظام صدام حسين،
تهدد الأمن الدولي. ثم نكتشف من خلال الضابط الأميركي الذي أدى دوره مات
دايمون أن كل ذلك مجرد مبررات لكي تدعم قرار احتلال أميركا للعراق والغرض
الأساسي غير المعلن هو الاستحواذ على النفط. «المنطقة الخضراء» هي قطعة
الأرض الآمنة داخل بغداد، بعد أن أحكم الجيش الأميركي السيطرة على تلك
البقعة فصارت تحمل اسم هذا اللون الأخضر الذي يعني الأمان المطلق، لكننا
نكتشف أنها منطقة متعددة الألوان بما فيها رمز الخطر الأحمر!! الفيلم يبدأ
بظلام يسيطر على الشاشة، لا تستبين منه سوى أصوات أغلبها باللغة العربية
تسعى للهروب، تتشبث بآخر أمل للحياة، بعضها تحدث عن صفقة تمت قبل وقت قريب
في الأردن وتنتظر أن تنتهي تلك الأحداث الدامية لتعلن تفاصيلها.. على الفور
بعد هذا المشهد، تقدم الكاميرا صورا للقنابل القاتلة وهي تزمجر فوق سماء
العراق وكأنها تعلن امتلاك الأرض ومقدرات البشر بالقوة المفرطة.. ثم نقرأ
اسم الفيلم «المنطقة الخضراء» مع تعليق على الشاشة يشير إلى مرور أربعة
أسابيع.. الجيش الأميركي يتحرك وفق أجندة تؤكد له أن أسلحة الدمار الشامل
تمتلكها العراق، ويتم تحديد مكان بعينه تتوجه إليه القوات الأميركية.. لا
نزال نرى بقايا مقاومة هنا وهناك. المخرج غرينغراس لا يقدم العراقيين وقد
استسلموا تماما، ولكن لا تزال هناك بقايا مقاومة. وهكذا نرى قناصا عراقيا
فوق أحد الأبنية التي يتوقع أنها تحوي أسلحة الدمار الشامل.. تتوجه جحافل
القوات الأميركية للتخلص منه وتكتشف بعد اقتحام المبنى أنه لا توجد أسلحة.
ونرى وجه مات دايمون وهو يؤكد بصوت عال أنه لا آثار لأسلحة الدمار الشامل،
ولكن ما عثر عليه داخل المخزن هو نفايات عمرها 10 سنوات.
القوات
الأميركية تتوجه ناحية مطار صدام لتستقبل أول محاولة لزرع رئيس عراقي، وكان
متعاملا مع المخابرات الأميركية، منحه الفيلم اسما غير حقيقي وهو الزبيدي..
السيناريو يقدم الزبيدي وهو يتحدث عن الديمقراطية بعد التخلص من حكم
الطاغية صدام حسين.. وهكذا تتأكد أصابع أميركا التي تريد أن تتحكم في كل
التفاصيل.. الجيش الأميركي نستطيع أن نرى أنه خُدع هو الآخر بسبب تقارير
المخابرات.. سؤال من الجيش يردده مات دايمون عن حقيقة المعلومات التي جاءت
إليهم، لأن التجربة العملية أثبتت أنها غير صادقة.. هو يريد أن يعرف مصدر
المعلومات، ولكن القاعدة التي يعرفها ويطبقها العسكريون هي أن عليهم تنفيذ
الأوامر الصادرة دون سؤال.
العربات
تخترق شوارع العراق في طريقها إلى مكان آخر لاكتشاف موقع أسلحة الدمار
الشامل، خاصة وأن البيت الأبيض ينتظر أن يجد دليلا ملموسا لكي يواجه به
الرأي العام العالمي.. هل كان بوش الابن مخدوعا أيضا من قبل المخابرات
العسكرية؟ يعقب هذا التساؤل لقطة من أعلى نرى فيها البيوت العراقية وكأنها
تنتظر القرار هي الأخرى.. المخابرات الأميركية تبدو أيضا في حالة انقسام
داخلي مع من يتعاونون، مع رجل كان يبيع لهم الأخبار قبل 30 عاما وأغلبها
غير موثوق فيه ولا يعرفه العراقيون؟ أم أنهم يبحثون عن البديل داخل العراق
الذي يتوق للديمقراطية ولهذا يقفون وراء الزبيدي؟
لقطة
لرجال المقاومة العراقية.. ما هو موقفهم الآن بعد أن هرب صدام، ثم لقطة
لعراقيين في الشارع، ليبدأ ظهور الشاب فريد الذي أدى دوره خالد عبد الله،
الممثل العربي المصري الجذور الذي بدأت السينما الأميركية تسند له الكثير
من الأدوار.. يقدمه الفيلم وهو يقف في منطقة اختارها كثير من العراقيين
الشرفاء، وهي رفض ديكتاتورية صدام ورفض الغزو الأميركي في نفس الوقت.. نعود
إلى نفس المشهد مرة أخرى لنرى رجال المقاومة وهم يتناحرون: هل الأميركان
يقفون مع الأكراد والشيعة ضد السنة، أم أنهم ضد الجميع ويلبون النعرات
الطائفية والعرقية لكي يموت العراق بعد أن يقتل العراقي العراقي؟ وبعض رجال
المقاومة في عز هذا التناحر يتساءلون وينتظرون أن يتصل بهم الأميركان..
الخيط الذي يبحث عنه الأميركيون هو محمد الراوي، الذي لديه معلومات عن
الأسلحة الكيماوية في العراق ويعرف الكثير من التفاصيل التي تكشف أوراق
اللعبة.. وتبقى شخصية خالد عبد الله..هل هو متواطئ مع الأميركيين؟ الأحداث
تؤكد دائما وطنيته، حتى تعاونه مع الأميركيين من أجل أن يحصل شعبه على
الاستقلال. خالد فقد ساقه في الحرب العراقية - الإيرانية، لكنه لم يفقد
انتماءه لوطنه. إنه يفعل كل ذلك من أجل بلده وليس من أجل المصلحة الخاصة،
نرى في هذه اللحظة تمثالا لصدام حسين ورأسه نصفه محطم وكأنه يقرأ في الزمن
القادم. داخل القصر الجمهوري نرى حياة أخرى حول حمام السباحة. شخصية
الصحافية الأميركية التي تبحث عن الحقيقة بعد أن خذلتها المخابرات
الأميركية بمعلومات غير موثقة نشرتها في جريدتها وضللت الرأي العام.
السيناريو زرعها مع بداية الأحداث، التعذيب داخل المعتقل الأميركي للقبض
على الراوي. داخل المعتقل ينتقل مات دايمون من أجل أن يعرف الحقيقة ومعه
خالد عبد الله. في السجن نرى الإضاءة الخافتة، وعلى الوجوه غطاء أسود وصوت
نباح كلاب وأصوات المعتقلين وهم يئنون من العذاب وأحيانا تنفجر بالدعاء..
الضابط مات دايمون يذهب للصحافية لمعرفة الحقائق، يريد أن يتأكد من حقيقة
المعلومات التي حصلت عليها ونشرتها، هي نفسها تعرف أنها متشككة في مصادر
المعلومات.. بوش يوجه رسالة إلى الجنود تقدم عبر «الستالايت» وهم يتناولون
الغداء يشكرهم على هذا الموقف، ويؤكد أن العراق في طريقه للديمقراطية..
الضابط الأميركي مات دايمون يقتحم بيت الراوي.. الراوي في لقائه مع الضابط
الأميركي يؤكد أنه لا وجود لأي أسلحة دمار شامل، ويضيف: «لقد أوقفنا كل شيء
عام 1991».. الراوي يقول للضابط «حكومتك» قررت أن تصدق أكذوبة من أجل إقصاء
صدام حسين، صدقوا الأكاذيب لأنهم يريدون تصديقها.. الراوي يتساءل لماذا
تسرحون الجيش العراقي؟ لماذا تفككون العراق إلى أجزاء؟ الصفقة التي يقدمها
له مات دايمون هي الحفاظ على الحياة مقابل الحصول على الأسرار. اللقطة
والراوي يسأل بنظرة تجمع بين التحدي والرجاء والندم في نظرة واحدة ويقول
موجها حديثه إلى مات دايمون: «تعاونت معكم من أجل أن يكون لي دور في العراق
الجديد أين المقابل؟». الأميركان يحاصرون قصر الراوي لاقتحامه في الضربة
الأخيرة وهو يقول بشماتة: «هل تعتقدون أن الحرب انتهت لأنكم في بغداد؟
الحرب بدأت الآن». قوات الجيش الأميركي تحكم الحصار على الراوي وأتباعه،
طائرة هليكوبتر من أعلى تتابع الرؤية لموقع المقاومة، لقطات من زوايا على
الأرض مع تصاعد إيقاع موسيقي لاهث.. الهروب من القصف إلى البيوت العراقية،
الكل يهرع في انتظار تلك اللحظة للهروب.. الإظلام يخيم على الموقف..
الطائرة المروحية تنقل صورة الراوي من أعلى.. قوات المقاومة تستدرج
المروحية لإسقاطها حتى يفقد الجيش الأميركي قدرته على التفوق في المراقبة..
الراوي يلهث في الهروب وتتابعه طلقات المدافع والبنادق الأميركية..
الموسيقى يزداد إيقاعها اللاهث، الإضاءة تقدم لنا ومضات على الوجوه التي
يغلفها الظلام.. تنفيذ جيد لتلك المعركة الختامية ذروة الفيلم.. مات دايمون
والراوي وجها لوجه.. خالد عبد الله يقتل الراوي، فهو بالنسبة له الخائن
الأكبر، في نفس اللحظة التي تمكن فيها مات دايمون من إلقاء القبض عليه..
يسأل دايمون: «لماذا فعلت ذلك؟»، يرد خالد: «لستم أنتم الذين ستحددون ما
الذي يجري هنا»، وكأنه يوصل رسالة للعالم كله «العراقيون أدرى بمشاكلهم وهم
القادرون على إيجاد مخرج منها».
الكاميرا
تنتقل لأعلى، أصوات القتل والدمار لا تزال تملأ مشاعرنا.. الزبيدي يمثل
المخابرات الأميركية، يكرر حديثه عن الديمقراطية في العراق في مؤتمر
صحافي.. نظرة من الصحافية الأميركية إلى ضابط المخابرات الذي خدعها
بمعلومات خاطئة، ثم مات دايمون يسلم ضابط المخابرات تقريرا يؤكد أن كل ما
حدث هراء وكذب، وأن المخابرات تورطت. ونظرة عتاب قاسية من الصحافية إلى
الضابط، ثم مؤتمر الديمقراطية، أصوات صاخبة للعراقيين وهم يتصارعون باسم
الديمقراطية.. وتبدأ الصحافية في معرفة الحقيقة عن تزوير الحقيقة، نتأكد
كلنا كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الديمقراطية؟! قدم المخرج رؤية
سينمائية تعتمد على الإثارة والمفاجأة بدرجة حرفية عالية وفي نفس الوقت
استند إلى عمق فكري وإلى جرأة في انتقاد النظام الأميركي، وكم نتوق في
عالمنا العربي إلى أن نتمتع بتلك الحرية التي تتيح لنا أن نناقش كل قضايانا
المسكوت عنها.
الشرق الأوسط في
09/04/2010 |