سيتطلب الوصول إلى الفيلم الذي نتناوله اليوم الحديث عن فنون أخرى غير
السينما، ولعل التعريف بداية بأن حديثنا هنا سيكون عن فيلم للرسام
الانجليزي بانكسي عنوانه
Exit Through The Gift Shop «الخروج من متجر الهدايا» سيوضح لمَ علينا
بداية المضي خلف بانكسي بوصفه رساماً وما يمثله من تيار سائد في أرجاء
كثيرة من العالم لا بل إن هذا الحديث سيمضي بنا إلى عوالم أخرى تتدافع وفق
املاءات تسليط الضوء على أدوات التمرد الراهنة بالاعتماد على رسوم بانكسي.
جدران المدن الكبرى في العالم تعيش منذ زمن طويل صراعاً مع فن «الغرافيتي»
أو «الستنسل»، الذي يعتمد تفريغ الأشكال ورشها بالألوان، ومع هذه الرسوم
التي تعتبر محظورة وتسيء إلى جمال المدن ورونقها، ظهر فن كامل يتخذ من هذا
الفعل الموصوف رسميا وحكوميا بالتشويه، باعتباره فعلا جماليا خالصاً، لا بل
إن رسامي هذا النمط يعيشون ملاحقين من قبل الشرطة، ولهم أسماء حركية بمعنى
أنهم يوقعون أعمالهم دائماً بأسماء مستعارة مثل «ماسح الدماغ»، «الفضائيون»
و«أعلى»، وغيرها من ألقاب كثيرة بما فيها بانكسي نفسه الذي لا يعرف أحد من
يكون.
يتخذ هذا الفن من عراء الشارع معرضاً دائماً يمكن لأي أحد أن يراه، خارج
صالات العرض وضدها، وفي مسعى لمواكبة الحياة اليومية ورصدها والتندر عليها،
أو كما يقول بانكسي على الرغم مما يقولون فإن «الغرافيتي» ليس بأحط أشكال
الفنون، ومع أن عليك أن تتسلل ليلاً وتكذب على أمك فهو حقيقة من أشرف أنماط
الفن الموجودة، ما من نخبوية أو ادعاء، فهو يُعرض على أفضل الجدران التي
تقدمها المدينة ولا أحد ينفر من أسعار رسوم الدخول، الناس الذين يديرون
مدننا لا يفهمون «الغرافيتي» لأنهم يؤمنون بأن لا شيء يمتلك حق الوجود ما
لم يحقق ربحاً، ما يجعل رأيهم عديم القيمة.
مع بانكسي يمسي «الغرافيتي» محملاً برسائل سياسية واجتماعية واقتصادية، وفي
استخدام آليات إعلانية مناهضة للإعلان نفسه، وفي رصد لروح العصر
الاستهلاكية، وتعقب للمفاصل السياسية، الأمر الذي سيقود بانكسي إلى الخروج
من لندن التي صارت رسومه فيها معلماً من معالمها، والرسم على سبيل المثال
على جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، مثل لوحته الشهيرة لفتاة يطير بالونها
بما يتخطى الجدار، أو رسمه منظر شاطئ بحر، كما لو أن الجدار يطل عليه بينما
طفلان يلعبان في الرمل، وغيرها من رسوم أنجزها في فلسطين يهيمن عليها خرق
هذا الجدار بمشاهد حياتية تهزأ به وتصور مناهضته للحياة في آن، ففي كتابه
الذي ضم أعماله يقول: «بدأت اسرائيل عام 2002 في إقامة جدار عازل بينها
وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو في أغلبه غير قانوني وفقاً للقانون
الدولي، إنه مراقب بعدد من نقاط التفتيش وأبراج المراقبة، وبارتفاع يفوق
ارتفاع جدار برلين بثلاثة أضعاف، ويمتد لأكثر من 700 كيلومتر، المسافة التي
تفصل لندن عن زيورخ، فلسطين الآن أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم ووجهة
فناني «الغرافيتي» لتمضية عطلة مملوءة بالأعمال».
بانكسي رجل غاضب كما يقول عنه رسام «الغرافيتي» الفرنسي بلاك لو رات، الذي
يعتبره بانكسي ملهمه، ولعله في فنه، أي بانكسي، يمثل حالة شبيهة بالمنشور
السياسي الذي كان يمارس في الخفاء في مناهضة السلطات وأرباب العمل وغيرهم
من رموز السلطة، فهو يصنع لوحاته ليلاً وفي سرية تامة لتستيقظ المدينة على
لوحة تصور التلاميذ يؤدون تحية العلم، لكن لعلم سوبر ماركت، أو عبارة كتبت
تحت كاميرا مراقبة تقول «أمة واحدة تحت كاميرا المراقبة»، أو قد يتسلل إلى
«ديزني لا ند»، ليضع مجسماً بالقرب من قطار الألعاب يمثل معتقلي «غوانتانامو»،
وصولاً إلى عمله «التنصيبي» المتمثل في وضعه بأحد شوارع لندن حجرة هاتف
حمراء مرمية على الأرض وقد زرع فيها فأساً وقد سال منها اللون الأحمر، لا
بل إن بانكسي يؤمن بأنه «ما من مقدورنا القيام بشيء ما لم تنهر الرأسمالية،
وفي الوقت نفسه، فإن علينا جميعا القيام بالتسوق لتعزية أنفسنا».
هذه أمثلة سريعة من آلاف الأعمال التي نفذها بانكسي، وبمسعى منا للوصول
للفيلم الذي عرض هذا العام في مهرجان برلين السينمائي وقد تشكلت لدى القارئ
فكرة موجزة عن هذا الفنان الذي أجرى لقاء واحداً في حياته نشر في
«الغارديان» دون أن يكون من أجرى اللقاء معه متأكداً تماما من أنه هو، مع
أنه كذلك حقاً، كون «الغارديان» نفسها كانت تنشر لقاءات أو أخباراً خاصة
ببانكسي من قبل منتحلين لشخصيته سرعان ما يتم تكذيبها في اليوم التالي.
لن تكسر قاعدة التخفي في فيلمه «الخروج من متجر الهدايا»، فهو سيظهر مقنعاً
مع بداية الفيلم، ولكم أن تستعدوا لأنكم ستكونون أمام وثيقة مهمة عن فن «الغرافيتي»،
لكن حسب ما يورد بانكسي في البداية «الفيلم جيد إن كانت توقعاتكم ليست
بالكبيرة»، ودون أن يغيب عن الفيلم اللعب، بمعنى أنه لعبة تشبه إلى حد بعيد
رسوم «الغرافيتي»، ستتحكم في بنية الفيلم الذي جاء وثائقياً لكن بمرح كبير،
ونبش كبير لعوالم من يقومون بالرسم على الجدران وفي أنحاء كثيرة من العالم.
فالفيلم سرعان ما يكون قصة الفيلم نفسه وهو يعرفنا بشخصية تتحلى بكل
الغرابة ومتطلبات الهوس الذي يستدعيه أي فن، اسم هذه الشخصية تيري غواتيه،
وسنقع عليه في متجر الهدايا الذي يملكه في أميركا، وهو مهووس بتصوير كل
شيء، حاملاً الكاميرا أينما ذهب، ومصوراً لكل ما يقع عليه أثناء يقظته، وإن
كان من طريقة من أن يقوم بالتصوير وهو نائم لما تردد.
تيري سيقع في غرام رسامي «الغرافيتي»، سيلاحقهم واحداً واحد وهو يصورهم
ويمضي معهم في أسفارهم، وصولاً إلى قراره في البحث عن بانكسي بغية القيام
بالشيء نفسه معه، الأمر الذي يبدو في البداية على قدر كبير من الصعوبة، لكن
وقبل أن يتعرف إلى بانكسي يكون قد قدم من خلال ما تقدم رصدا استثنائيا
لعوالم رسامي «الغرافيتي»، الأمر الذي يمتد إلى بانكسي نفسه الذي يطارده أو
للدقة يطارد تيري أعماله، ومن ثم يقبل بانكسي أن يقوم تيري بتصوير فيلم
عنه، لكن وكما يبدو تيري في الفيلم فإن الأخير لا يعرف إلا أن يصور ويصور
بلا نهاية، ولتكون النتيجة فيلماً رديئاً يؤدي إلى تحول تيري إلى رسام «غرافيتي»،
بينما يقوم بانكسي نفسه بتصوير فيلم عنه بحيث نرى النجاح الهائل الذي يحققه
تيري من خلال المعرض الذي يقيمه وبانكسي يقول بتندر إنه تعلم ضرورة ألا
يشجع أحداً على الرسم.
بنية الفيلم، كما استعرضناها، ستكون الحامل الأنسب الذي وجده بانكسي لتقديم
فنه ورفاقه عبر السينما، وذلك بالاتكاء على نسج قصة لطيفة مملوءة بالتندر،
وبما يتيح تقديم عوالمه وعوالم هؤلاء الرسامين في إيقاع عال على الدوام،
وإيجاد معادل سينمائي لها يتيح له ومن معه تقديم رسومهم بالاعتماد على
الصوت والصورة، في استثمار سينمائي له أن يتناغم مع اعتماد رسامي «الغرافيتي»
على الانترنت في ذلك.
الإمارت اليوم في
29/03/2010
عصافير "دلال" وصفر "إلهام" يعيدان للسينما المصرية ريادتها
في مسقط
سمير الجمل من سلطنة عمان
النتائج التي تم الاعلان عنها في ختام مهرجان مسقط السينمائي السادس "12-20
مارس".. تؤكد ان السينما المصرية هي سيدة الموقف رغم المنافسة الشرسة من
سينما تونسية ومغربية وسورية وفلسطينية بتمويل غربي.. وحضور نجومنا
ونجماتنا يعطي للمهرجانات العربية تميزا مهما كان الحضور الدولي بارزا
بوجود الهندي الشهير أميتاب باتشان الذي حل ضيفا علي حفل الافتتاح بينما
جاء زميله سانجاي في الختام.. في إشارة من المهرجان إلي اهمية السينما
الهندية وتقديرا للجمهور الهندي الكبير الذي يعيش في السلطنة.
وخطفت إلهام شاهين الأبصار بحضورها في الافتتاح وبفيلمها "واحد/صفر" وجاء
فتحي عبدالوهاب مع فيلمه "عصافير النيل" ونجح بثقافته وموهبته وبساطته في
اكتساب المزيد من التقدير والحفاوة.. وجاء الكبير عزت العلايلي في ليلة
الختام.. لكي يؤكد الحضور المتوهج للسينما سواء بأفلامها أو أبطالها مهما
حضر من نجوم أجانب من هنا وهناك.
وحاولت جومانا مراد بصفتها رئيس لجنة التحكيم وهي التي عرفت طريق السينما
في مصر أن تكون محايدة وسط لجنة فيها خبراء لهم أوزانهم ونجحت في ذلك إلي
حد كبير وساعدها ان التمثيل المصري في المهرجان كان قادرا علي المنافسة
بقوة.
فيلم "واحد/صفر" يعتبر ذروة النضج للمخرجة كاملة أبوذكري وفي قدرتها علي
الامساك بعصا الابداع من منتصفها بين اعجاب النقاد.. والجمهور معا.
وجاء فيلم "عصافير النيل" للمخرج مجدي أحمد علي لكي يقدم درسا بليغا لمن
أهانوا الطبقات الشعبية مرارا في أفلامهم باسم العشوائية.. فالعمل وثيقة في
قيمة الطبقة المتوسطة في مصر ودورها في التنمية.. فهي ليست مرتبطة بالجهل
والفقر والمرض.. فالقدير محمود الجندي بدور موظف بريد يحفظ بالانجليزية بعض
أعمال شكسبير والأم دلال عبدالعزيز امرأة صلبة وقد قدمت أفضل أدوارها
باقتدار ورغم عدم حصول أحد من فنانينا علي جائزة التمثيل بشكل فردي.. لكن
الفيلمين حصدا الذهب والفضة.. "واحد/صفر" كأحسن عمل في المهرجان والثاني
"عصافير النيل" الذي نال جائزة الجمهور.
بالأكاديمي أيضا
ولم يكن حضور النجوم فقط هو اللافت للأنظار فالسينما المصرية كانت متواجدة
بأساتذة كبار من معهد السينما شاركوا في لجان التحكيم المختلفة وهم
الدكاترة شوقي محمد علي ونجدي محروس وغادة جباره ويحيي عزمي وعادل يحيي وتم
تكريمهم في شخص المخرج الدكتور مدكور ثابت الذي يعتبر الأب الروحي لمهرجان
مسقط وكان من أساتذة مدير المهرجان العماني المخرج خالد الزرجالي الذي يدين
بالولاء لهم جميعا حيث درس في مصر كما حضر المهرجان الناقد الكبير علي
أبوشادي وهو ايضا من الوجوه الدائمة في مسقط ورغم اعتراضي علي الأفلام التي
يتم صناعتها خصيصا للمهرجانات وتتسابق في كشف عوراتنا بشكل فاضح لحساب
الآخرين.. إلا ان عصافير "دلال" و"صفر" الهام حاولا اصلاح ما افسدته هذه
النوعية.. واساس الدراما تقديم الصورة من جميع جوانبها دون التركيز علي
زاوية وتجاهل الأخري.
الجمهورية المصرية في
29/03/2010 |