قدومه للعالم لم يكن حادثاُ سعيداً بالمرة
كتب - أحمد خير الدين
جاء إلي الحياة، فرحلت والدته، ولم يمض بعدها سوي عام واحد فقط، ليلحق بها
والده أيضا، ومن بعدهما ترحل عمته التي انتقل للعيش عندها. هكذا يمكنك
اختصار قصة عبد الحليم حافظ مع فقدان والديه، لكن خلف هذه القصة مئات من
التفاصيل المؤلمة التي لازمته منذ ولادته وحتي آخر محطات حياته، فالطفل
الصغير الذي التقطته أخته "علية" محاولة أن تكون له أما بديلة، بدأ مشوارا
من الألم والعذاب بالبحث عن سيدة ترضعه بعد وفاة أمه.. انتقل بين عشر سيدات
ترضعه كل واحدة منهن مرة، ويحاول بعدها أخوه الأكبر إسماعيل، ومعه أخته
علية أن يعتمدا علي نفسيهما ، ويبقوا في منزلهم الصغير، لكن تقاليد الريف
وواجب خالهم عليهم، أجبرهم علي الانتقال إلي منزله، ومع مرور الأيام تثقل
الحياة ونفقاتها علي الخال، فيضطر إلي أن يلحق عبد الحليم بأحد ملاجئ رعاية
الأيتام، ليخفف ذلك من نفقات الأسرة وليتعلم الولد أساسيات القراءة
والكتابة، وهناك يلتقي بعبقري آخر هو الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم.. كل هذه
المحطات استرجعها عبد الحليم مع بداية وعيه، لتطبع في عقله صورة حزينة عن
نفسه وعن مشوار حياته، ولتخلق لديه قناعة لازمته فترة طويلة من حياته، وهي
أن قدومه للعالم لم يكن حادثا سعيدا بالمرة، وتفسره تلك النظرة الحزينة
التي تلفت انتباهك بسهولة شديدة في وجه عبد الحليم، والتي حاول الكاتب
محفوظ عبد الرحمن أن يقدم تفسيرا آخر لها علي لسان هيثم أحمد زكي في فيلم
"حليم" فقال: «أنا طول عمري باغني للحب، بس مش بإحساس اللي حب.. بإحساس
اللي محتاج له واللي بيتمناه.. اتمنيته وأنا صغير من أب وأم ملقيتهمش
واتمنيته لما كبرت من حبيبة تعوضني الأيام والليالي اللي عشتها في عمري من
غير حب».
الدستور المصرية في
28/03/2010
رفض نظرات الشفقة والحنان المغشوش
كتب - أحمد خير الدين
«عاش يتيمًا».. جملة من كلمتين فقط، تقرأها في سير وقصص حياة الكثيرين، وقد
تمر عليها عيناك ببساطة شديدة أو ربما بقليل من التأثر، دون أن تدرك أن
الكلمتين تركا في حياة صاحب قصتهما شحنة هائلة من العذاب والألم. أحمد زكي
واحد من هؤلاء الذين ذاقوا مرارة الفقد واليتم، فلم ير والده الذي توفي وهو
في أولي سنوات حياته، ونظرًا لصغر سن والدته، فقد تزوجت مرة أخري بعد أن
وصل إلي الرابعة من عمره، لينتقل إلي العيش مع جده وجدته.. صدمات مؤلمة
تركت في نفسه مرارة شديدة علي الرغم من منعه أن تظهر في ملامحه أو سلوكه أو
يستسلم لها، فكتم طوفان الأحاسيس المؤلمة كي لا تنكشف فتلاحقه نظرات الشفقة
التي يكرهها بشدة، حتي إنه كان يسد أذنيه ليهرب من سماع كلمة «يتيم» التي
اشتهر بها في بلدته الزقازيق. كان يرفض هذا الحنان المغشوش الذي لا ينبع من
إحساس صادق، بل من شعور بالواجب يجعل تلك التصرفات التي لابد أن تكون نابعة
من عاطفة صادقة تخرج بشكل آلي يجرح ويؤلم بدلا من أن يحنو ويعطف، هكذا حكي
عن يتمه.. يتحدث زكي عن زياراته القليلة لمنزل والدته بعد زواجها واستقبال
رجل غريب له.. يربّت علي رأسه من باب الواجب والإحسان.. كبر زكي، وكبر
إحساس الرفض لهذه التصرفات التي اعتبرها شفقة وحنانًا مغشوشًا معه، وولد
ذلك لديه كرهًا شديدًا لزيف المشاعر، كما جعله يتخذ قرارا بإخفاء مشاعره عن
كل من حوله، سواء كانت مشاعر سعادة وفرح أو حزن وألم، حتي لا يأتيه سؤال من
أي شخص عن أسباب فرحه أو حزنه.. وبعد أن التحق بالمدرسة الثانوية الصناعية،
اشترك في نشاط المسرح بها، اكتشف الشاب الصغير أن تلك الخشبة التي يقف
عليها تمنحه مساحة ليخرج تلك المشاعر التي ظل يكتمها طوال هذه السنوات،
فبدأ في البكاء من أعماق قلبه ليخرج رصيد الحزن والوجع المخزون في روحه.
الدستور المصرية في
28/03/2010
قذائف البيض والطماطم لم تقتل الحلم
كتب - إيهاب التركي
وهن جسده وبنيته الضعيفة انهزمت أمام صلابة شخصيته وعناده في مواجهة
الإحباطات المتكررة في حياته.. ظروف طفولته التعيسة في قريته الفقيرة،
وحياته البائسة في الميتم، وبدايات حياته الشخصية المتعثرة، ووظيفته الأولي
كمدرس موسيقي تقليدي، لم تمنع طموح الفنان داخله من الانطلاق، وبقدر الطموح
المحلق في عنان السماء، كان الإحباط حليفه يجذبه إلي الأرض، خصوصا في
بداياته الفنية. بعد استقالته من مهنة التدريس عمل عازفا لآلة الأوبوا في
الإذاعة، وبعد مجهود أجيز كمطرب وغني أغنيته "صافيني مرة" من ألحان «محمد
الموجي» التي رفضها الجمهور لأنها كانت مختلفة، طالبه الجمهور بغناء أغاني
«محمد عبد الوهاب» القديمة التي كانت النموذج السائد وقتها للغناء، فرفض أن
يغني أي أغنيات إلا أغنياته الخاصة، بل حرص علي أن تصل أغنياته إلي الناس..
قذفه جمهور إحدي الحفلات علي مسرح لونابارك بالإسكندرية بالبيض والطماطم
رفضا لغنائه ورفضا لأغنياته، لكنه أصر علي مقاومة الإحباط، حتي عندما انطلق
نجمه وأصبح مشهورا صاحبه الإحباط حينما انتشرت الشائعات لتشكك في مرضه
وتتهمه بلفت النظر بادعاء المرض، وأخري تتهمه بأنه كان بوق النظام الناصري
وأنه جعل من فنه وأغانيه وسيلة لخداع الشعب. وفاته في النهاية أخرست من
اتهمه بادعاء المرض، ومن عاشروه علموا أنه مثل كثير من فناني ومثقفي عصره،
آمنوا بالثورة وبعبد الناصر. لم تقف إحباطات الحب والحياة أمام انطلاق
جموحه وإبداعه الفني.. لم تمنعه حبات الطماطم والبيض التي قذفها عليه
الجمهور في بدايته من أن يصبح أسطورة الغناء.
الدستور المصرية في
28/03/2010
كيف يحب هذا الأسمر السندريلا؟!
كتب - إيهاب التركي
لم يكن دور الفتي الأسمر الفقير المنطوي الذي قدمه في مسرحية «مدرسة
المشاغبين» بعيداً عن حياته الحقيقية التي بدأها منطوياً فقيراً..
طفولته البائسة والوحدة كانت السبب وراء تفضيل أحمد زكي العيش في الفنادق
لاحقاً، حينما أصبح مشهورا.. أحبطه الفقر كثيراً في بداياته، وكاد أن يتسبب
في ألا يكمل تعليمه لاستنفاده مرات الرسوب.. كان محباً للتقليد، وكأنه يحب
إحاطة نفسه بشخصيات كثيرة يقوم هو بتقليدها. نجح في الالتحاق بمعهد الفنون
المسرحية وتفوق فيه، إلا أنه كان يرسب في اللغة الإنجليزية، وأسند له مدير
المعهد وقتها الدكتور «رشاد رشدي» دوراً مهما في مسرحية «القاهرة ذات الألف
وجه»، لكن الممثل «سعيد أبو بكر» اعترض عليه، ورأي أنه لا يصلح للدور، لكن
الدكتور «رشاد رشدي» أصر عليه، وحينما بدأ رحلة التمثيل لم تتح له سوي
الأدوار الصغيرة التي قام بها في المسرح، الي أن جاءته فرصة البطولة
المطلقة أمام «سعاد حسني» في فيلم «الكرنك»، إلا أن موزع الفيلم اللبناني
حسين الصباحي اعترض علي اختياره، وأشار إليه قائلا: كيف يمكن لهذا الولد
الأسمر ذو الملامح المحروقة والشعر المجعد أن يحب السندريلا؟! وخشي أن يفشل
الفيلم، وفضل استبداله بنجم معروف هو «نور الشريف». هذه الحادثة المحبطة
كانت وراء ما قيل عن محاولته الانتحار بقطع شرايين يده، أو جرح يده بشدة،
حينما حطم كوب ماء في يده لشدة غضبه حسب روايته هو. حلم في حياته الشخصية
بدفء الأسرة، فتزوج من الفنانة الراحلة «هالة فؤاد» وأنجب منها ابنه الوحيد
هيثم، ولكن تفشل الزيجة ليعيش مرة أخري وحيداً
الدستور المصرية في
28/03/2010
كلما مرت السنون.. توهجت مشاعر الجمهور نحوه
كتبت ـ رضوي الشاذلي:
عرف حليم معني التألق والحضور الفني الحقيقي خلال سنوات مشواره الفني الذي
لم يتجاوز الستة وعشرين عاما، وهي الفترة التي بدأ خلالها حليم من الصفر،
ووصل إلي أن أصبح أسطورة بخطوات واثقة وناجحة في الوقت نفسه.. اختلف الناس
حول أسباب تألق حليم، لكنهم اتفقوا علي كونه أهم مطرب ظهر في الوطن العربي
كله، فهو الحبيب الذي تشجينا أغنياته مثل «تخونوه» و«حلو وكداب» و«قارئة
الفنجان» و«في يوم في شهر في سنة»، بقدر ما تحتوي أغنيات أخري له علي معاني
الفرحة الحقيقية مثل «صدفة» و«علي قد الشوق» و«جانا الهوي» و«وحياة قلبي
وأفراحه».. هو صوت الثورة ورسولها للملايين، وهو الممثل قريب الشبه من أغلب
المصريين في شقائهم ومعاناتهم. كل هذه العوامل كانت سببا في تألق حليم
وتفرده الذي ظهر واضحا في أول احتكاك حقيقي له بالجمهور، في حفلة أضواء
المدينة بحديقة الأندلس. الحفل الذي يعد أول احتفال رسمي بإعلان الجمهورية،
والذي قدمه خلاله للجمهور فنان الشعب يوسف وهبي، وهو الاختلاف الذي أكدته
اختياراته الفنية فيما بعد من خلال تعاونه مع شعراء وملحنين مثل صلاح جاهين
والأبنودي وكمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي، وهي الاختيارات التي راهن
عليها حليم فكسب الرهان وتحولوا جميعا فيما بعد لنجوم في عالم الشعر
والتلحين، فصنعوا أسطورته وصنع تألقهم.. استفاد من موهبتهم، فتوهجت موهبته،
وأصبح مستقرا في قلوبنا وقلوب أبنائنا وأحفادنا من بعدنا.
الدستور المصرية في
28/03/2010
هل كان يلبس الشخصية أم كانت تلبسه؟!
كتب - مصطفي شاكر:
من منا يستطيع أن يحدد أسباب تألق أحمد زكي وتفرده فنيا؟! الإجابة ببساطة
لا أحد.. لأن هذا التألق لم يحكمه سبب واحد، وإنما عدة أسباب يصعب فصلها عن
بعضها البعض، أو الحديث عن أحدها دون الآخر.. هل نتحدث مثلا عن اهتمامه
الزائد بأدق التفاصيل، أم عن الكاريزما المرعبة التي كان يمتلكها الفتي
الأسمر، أم عن موهبته الفذة التي لم تتكرر حتي الآن، فالممثل الذي استطاع
أن يتقن الدور علي أقرب الناس إليه، عندما أصيب بالعمي في أواخر أيامه
وأقنع جميع المحيطين به حتي ابنه هيثم بأنه قادر علي قراءة الجريدة.. ألا
يستطيع أن يقنع المشاهدين بأدواره «ويسبكها» عليهم في كل مرة يقف فيها أمام
الكاميرا؟ فهو الذي من كثرة إتقانه لدور المحامي في فيلم» «ضد الحكومة»
وتعايشه مع الشخصية ظل مرتديا نفس البدلة لمدة خمسة أيام متواصلة حتي وهو
نائم، وهو نفسه الذي شعر لحظة نزوله من علي المنصة في فيلم «ناصر56» بعد
خطبة التنحي بأنه غير قادر علي الحركة من كثرة شعوره بالألم النفسي، حتي
إنه ارتكز علي جانب السلم حتي لحظة وصوله لأرض الاستوديو. وهو نفسه الذي
انبهر به المخرج عاطف الطيب في فيلم «البريء» عندما كان يجلس الطيب مع مدير
التصوير سعيد الشيمي علي شاطئ الترعة «موقع التصوير الخارجي» في انتظار
أحمد زكي ليشاهدا جنديا قادما من بعيد، فيقول عاطف للشيمي: «عايز زكي يبقي
زي العسكري ده»، ليكتشفوا في النهاية أن الجندي المقبل من بعيد هو أحمد زكي
بشحمه ولحمه.
الدستور المصرية في
28/03/2010
حليم وزكي .. النجاح والتألق .. الفشل العاطفي .. المرض ..
الإحباط
قصص حب فاشلة.. مبتورة وغامضة جدًا
كتبت - عبير عبد الوهاب
في حياة حليم عشرات القصص والأساطير العاطفية التي سمعنا عنها، لكننا لم
نلمس لأي منها وجودًا واضحًا وصريحًا، لتبقي مساحة الخيال فيها أكبر من
مساحة الواقع بكثير، فالحب في حياة حليم لغز يصعب تفسيره، والوحيدة من
بطلات رواياته العاطفية التي شاهدها الجمهور وعرفها، كانت سعاد حسني بحكم
كونها فنانة مشهورة، وهي القصة التي كانت ومازالت الأشهر في حياته وحياتها
وفي الوسط الفني كله. بدأت القصة بشائعات ترددت عن علاقة حب تجمع النجمين
الكبيرين، واشتعلت من جديد بعد وفاة حليم بحوار صحفي مسجل أجراه الإعلامي
مفيد فوزي مع سعاد حسني في أوائل التسعينيات اعترفت خلاله بزواجها من حليم
عرفيا، وانقسم المقربون من الطرفين بين مؤيدين للقصة ومكذّبين لها،
ومازالوا منقسمين حتي الآن، والواضح أنهم لن يتفقوا أبدا. أما الحب الأول
في حياة حليم، فجمعه بسلوي الفتاة التي كانت تعشق صوته عندما كان يعمل
مدرسا للموسيقي في إحدي مدارس البنات بالزقازيق قبل انتقاله للقاهرة. وتظل
قصة الحب التي جمعته بالسيدة السكندرية من أقوي قصص الحب في حياة حليم، وهي
السيدة التي لم يشاهدها أي من معارفه فيما عدا سائقه الخاص.. عاش معها حليم
قصة حب احتوت علي كل العناصر التي تجعل منها قصة حب سينمائية من الدرجة
الأولي، لكنها انتهت كالعادة بالفشل، فقد توفيت السيدة متأثرة بمرضها بعد
أن رفض أهلها فكرة زواجها من مطرب، حتي إن كان عبد الحليم حافظ شخصيا. أما
حبيبته المغربية فكانت متزوجة من جنرال، وكان حليم يسافر إليها المغرب، إلا
أن القصة انتهت كالعادة بالفشل، عندما فضل حليم الانسحاب من حياتها بسبب
زواجها، لتنضم لقائمة الصدمات العاطفية التي اختلفت في تفاصيلها لكنها
اتفقت فيما بينها علي البداية الغامضة، وعلي الفشل كنهاية موحدة لكل قصص
الحب التي عاشها الرجل الذي أثر بأغنياته العاطفية في وجدان جيلنا وما قبله
وما سيأتي بعده من أجيال.
الدستور المصرية في
28/03/2010
وحدة لا تتسع لها إلا الفنادق
كتب ـ رامي المتولي:
أحمد زكي الفنان المصاب بأمية عاطفية، واجتماعية نتيجة لظروف فقده لأبويه..
«الأب توفي دون أن يخلف وراءه حتي صورة تؤنس وحدته»، «والأم تزوجت وأنجبت
من زوجها الثاني، وانشغلت به، ليستقر به المطاف متنقلا بين أفراد أسرته»،
لكن هذا لم يمنعه من تقديم مشاهد حب مؤثرة، ومبكية في أفلامه، ليصبح
التمثيل ملاذاً وإشباعا لرغبته في زوجة تحتويه ومنزل كبير يضم أولادا،
يعوضونه عن إحساسه باليتم المبكر والوحدة، فذلك كان أكبر أحلامه، ومثلما
حصد وهو صغير إعجاب الجميع بموهبته بدءا من ناظر مدرسته في الزقازيق، نهاية
بأبسط مواطن يتابع أعماله، حصد أيضا وحدته التي جعلته شديد الحساسية
والتأثر بما يحدث حوله، لذا فلفظ «الوحيد» كان يتكرر دوما في محطاته
العاطفية والاجتماعية. زوجته الوحيدة وأم ابنه الوحيد أيضًا «هيثم» هي
الفنانة الراحلة «هالة فؤاد»، التي كان يأمل أن تكون تعويضا عاطفيا مرضيًا
له، بعد كل هذا الفقد الذي عاشه في حياته، لتبدأ المشاكل بين عاشق التمثيل
الذي كان يري نفسه دائما أمام الكاميرا، وزوجته المصابة بنفس الداء، لتنتهي
قصة الزواج والحب بعد محاولات عدة من وسطاء ليصلحوا بينهما، أهمهم الشاعر
الكبير صلاح جاهين، وفشلت المحاولات وتم الطلاق، لينتقل أحمد زكي بعد
الطلاق رافضا الوحدة والبرودة في شقه الزوجية التي اختارتها هالة في الدور
12 في منطقة المهندسين، ورضخ لرغبتها علي الرغم من خوفه من الأماكن العالية
رغبة منه في الاستقرار والقضاء علي الوحدة، منتقلا إلي أحد فنادق القاهرة
ليجد الألفة في ابتسامة أو وردة يقدمها له عمال الفندق.. كان أحمد زكي في
رحلة بحث دائمة عن الدفء، ومع مرحلة العيش في الفندق، بدأت فترة من حياته
طاردته فيها أكثر من شائعة عاطفية انتهت كما بدأت. لم يبق لأحمد زكي في
النهاية غير الحب الأول والعشق المرهق للفن، الذي كان دوما يكافئه علي
عشقه، ويرد المحبة له بجوائز، وشهادات تقدير.. وحب لا ولم ولن ينقطع من
الجمهور.
الدستور المصرية في
28/03/2010
صرخ في جمهوره.. خطف الأبنودي.. وأكل الملوخية أيضًا
كتبت ـ حميدة أبوهميلة:
قليل من الجنون، قد يؤكد صدق الفنان، وعبد الحليم يمتلك في سجله الفني عددا
لا بأس به من لحظات الجنون، التي كان سببها غالبا التوتر الذي يصيب الفنان
الذي تخصص في التمرد علي نفسه وعلي نجاحاته.. يقدم أغنية في قمة
الرومانسية، وبعدها يقرر أن يقدم أغنية شعبية يفاجئ نجاحها زملاءه، لذا
فشطحات مطرب الرومانسية الأول كان الهدف من ورائها حماية أغنياته، وصورته
أمام الجمهور الذي ظل محافظا علي مسافة معينة بينهما، فقد قام عندليب
الغناء بالصراخ في وجه جمهوره في إحدي الحفلات قائلا لهم: «بس بقي.. أنا
كمان باعرف أصفر»، كان ذلك في أواخر عام 1975 عندما كان يغني أغنيته
الشهيرة والأخيرة «قارئة الفنجان»، حيث واصل الجمهور إطلاق الصافرات
إعجابًا باللحن الذي وضعه محمد الموجي، فما كان من عبد الحليم حافظ إلا أن
فقد أعصابه ووجه لهم تلك العبارة الغاضبة والمفاجئة. عبد الحليم هنا كان
يرغب في أن يوجه رسالة لجمهوره مفادها أن هناك طرقا أخري يمكن لهم أن
يعبروا بها عن إعجابهم غير إطلاق الصافرات». ورغم ذلك فإن حليم لم يصل أبدا
في جنونه إلي مرحلة العبث الذي يمكن أن يؤذي تاريخه بل إنه استعمل جنونه
ليحافظ علي مكانته من خلاله، فقد قرر مثلا أن يتعاون مع الشاعر الذي حقق
نجاحات باهرة مع المطرب محمد رشدي، وبعث باثنين من أصدقائه إلي الشاعر
الكبير عبد الرحمن الأبنودي حيث كان في استديو «مصر فون» مع بليغ حمدي،
وقام الصديقان بأخذ عبد الرحمن الأبنودي دون أن يعرف هويتهما الحقيقية حتي
تصور الرجل أنهما من رجال المباحث، فذهب معهما دون أن يتفوه بكلمة، ليجد
عبد الحليم منتظرا في منزله. كان حليم يشتاق دوما للجنون وللعبث بكلام
الأطباء، ويتناول وجبة «ملوخية»، رغم أنه يعلم أنه سوف يظل بعدها أياما
ينزف بشكل متواصل.
الدستور المصرية في
28/03/2010
نام في ثلاجة مشرحة.. .. وهدد باعتقال خان
كتبت - حميدة أبوهميلة:
شطحات أحمد زكي كان يخبئها تحت جلده، عندما يتحدث مع الناس، لكن عندما
يتعلق الأمر بالفن، قد يصل به الحال إلي استعمال المطواة، أو القفز من
القطار أثناء سيره. أحمد زكي فعل كل هذا.. لم يرض أحمد زكي سوي بقمة الأداء
وقمة التقمص. أثناء تجسيده لشخصية "عيد" الفتي النصاب في فيلم «أحلام هند
وكاميليا» والتي تلبسته تماما، هدد مخرج الفيلم محمد خان بالمطواة بعد خلاف
بسيط بينهما، مثلما يفعل عيد بطل الفيلم، كذلك نام علي ظهر القطار، وهو
يسير في فيلم "الهروب" ليقدم مشهدا عبقريا، لا يمكن محوه من الذاكرة
البصرية لمشاهدي السينما، كما أنه أصر علي أن يقفز من القطار عدة مرات
أثناء سيره! كي يكون المشهد حقيقيا تماما. جنون أحمد زكي بالفن وعشقه التام
لجميع تفاصيله أوصله إلي أن يجري عاريا في الشارع ليصور مشهدا رائعا في
فيلمه «ولاد الإيه». أيضا نام أحمد زكي في ثلاجة مشرحة حقيقية، من أجل مزيد
من التألق في أداء دوره في في فيلم «موعد علي العشاء». ومرة أخري وموقف آخر
مع رفيق رحلته المخرج محمد خان، وأثناء تجسيده لشخصية الرئيس السادات في
فيلم "أيام السادات" يتقمص زكي الشخصية قبل وبعد وأثناء التصوير، وبعد خلاف
بين زكي وخان، علا فيه صوتهما، لينهي أحمد زكي الموقف بكلمة قالها جادا
ومحذرا: «هاعتقلك»!
هو هنا كان يتصرف كرئيس جمهورية.. يعيش داخل الشخصية، ويغضب وينفعل، ويضحك،
مثل الرؤساء. أحمد زكي ومحمد خان تعاونا كثيرا، وأيضا اختلفا في وجهات
النظر كثيرا، والخلاف دوما كان له هدف واحد، وهو أن يخرج العمل الفني بصورة
ترضي عبقري التمثيل، وتكون لائقة باسم عبقري الإخراج، والنتيجة دوما كانت
ترضي جمهور الكبيرين.
الدستور المصرية في
28/03/2010
بلهارسيا أتلفت الكبد ولم تمس الموهبة والحضور
كتب ـ محمد عبد الكريم:
عبد الحليم حافظ شغل بال الناس بصحته مثلما شغل تفكيرهم وقلوبهم بأعماله..
الناس كانت تسأل: «هي صحة عبد الحليم عاملة إيه؟»، مثلما تسأل «اسم أغنيته
الجديدة إيه؟».. أخباره الصحية كانت أحيانا تطغي علي أخبار حفلاته،
وأفلامه.. عبد الحليم ظل يتعذب لمدة عشرين عاما كاملة، ومشكلاته الصحية لم
يقو جسده الضعيف علي تحملها، ورغم ذلك كان يبدو منطلقا تماما وهو يغني،
اكتشف عبد الحليم حافظ إصابته بتليف الكبد في عام 1956، وهو لم يزل في
السابعة والعشرين من عمره. حليم ببساطة تعرض لنزيف مفاجئ أثناء تناوله
لإفطار رمضان مع أحد أصدقائه، وبالبساطة نفسها أخبره الطيبب أنه يعاني
تليفًا للكبد سببته له البلهارسيا التي أصيب بها في صغره بسبب نشأته
الريفية.. تلك الرواية أكدها الدكتور هشام عيسي أحد الأطباء المعالجين
لحليم خلال فترة مرضه، وأشار الدكتور هشام أيضا إلي أن البلهارسيا لم تكن
هي السبب الوحيد لوفاته، ولكن السبب الأساسي إصابته بفيروس سي بعد أن تم
نقل دم ملوث بالفيروس له عن طريق الخطأ عام 1970 أثناء احتجازه بمستشفي
المواساة بالإسكندرية. المفارقة أن وجوده في المستشفي أساسا كان بعد نوبة
عصبية حادة أصابته بعد سماعه خبر وفاة جمال عبد الناصر، وتسبب الهياج
العصبي في تعرضه لنزيف استدعي نقل دم له علي وجه السرعة. حليم توفي في 30
مارس عام 1977 في مستشفي كنجز كولدج في لندن إثر نزيف حاد في المعدة، فشلت
معه محاولات أربعة أطباء في إيقافه، وقد حضر جنازته ما يقرب من ربع مليون
شخص ظلوا معه حتي مدفنه في البساتين.
الدستور المصرية في
28/03/2010
سرطان بحجم الإمبراطور
كتب ـ إسلام مكي:
كان طبيعيا جًداً أن يكتشف أحمد زكي مرضه بسرطان الرئة متأخرًا لتكتمل
المعاناة.. اكتشف مرضه تحديداً عام 2004، في الوقت الذي كان المرض قد وصل
فيه لمرحلة خطيرة جداً، فنتيجة لمضاعفات الورم السرطاني في صدره، انتشر في
الكبد والغدد الليمفاوية. المعاناة كانت ممتدة، وكأنها تريد أن تكون بحجم
نجومية هذا الرجل.. فقد وصل الأمر عنده إلي المعاناة من استسقاء بروتيني،
والإصابة بالتهاب رئوي، وضيق حاد في الشعب الهوائية.
دخل أحمد زكي فيما بعد مستشفي «دار الفؤاد» الخاص للعلاج، لينتقل بعدها إلي
باريس لكي يواصل رحلة العلاج.. لم يمكث بباريس طويلاً.. الإمبراطور أراد
الموت علي أرضه.. عاد زكي إلي مصر ليستكمل علاجه، ودخل المستشفي في حالة
صحية حرجة، فقد تضاعف الورم السرطاني أكثر وأكثر، وكشفت تقارير المستشفي عن
إجراء عدة عمليات منها «بذل مياه» من علي الرئة في الأيام الأخيرة، وأكدت
التقارير ضرورة استكمال باقي حلقات العلاج في مصحات متخصصة.
أثناء كل ذلك كان أحمد زكي مصرًا علي استكمال رحلة شخص آخر، وهي تصوير قصة
حياة عبد الحليم حافظ في فيلم «حليم»، وذلك بعدما سمح له الأطباء بممارسة
العمل.. دخل زكي في حالة غيبوبة عميقة إثر ذلك أثناء تجوله بالكرسي المتحرك
في حديقة المستشفي، وذلك بعد فقده لبصره في أيامه الأخيرة، إلي أن توفي في
27 مارس 2005. إلا أنه مازال يعيش في وجداننا.
الدستور المصرية في
28/03/2010
يكبران ويصغر من يقلدهما
دعاء سلطان
ليس ثمة ما يؤكد أن المعاناة تثقل الفنان بالضرورة، لكن ثمة ما يؤكد أن
المعاناة تهدينا فنانا ناضجا متوهجا.. يملك زخم التجارب ودفقة الألم.. يجتر
معاناته، فيهدينا أجمل ما طبعته في نفسه وروحه.. عبد الحليم حافظ وأحمد
زكي.. وجهان لعملة واحدة.. مالي أستخدم نفس التعبيرات والمفردات التي تفتخر
وتنتشي بوضع الاثنين في جملة مفيدة؟!
ببساطة لأن مسيرتهما ومشوارهما الفني والحياتي، ربط دونما سابق إنذار
بينهما.. لا مجال للابتكار عند تناول الشخصين.. نفس شهر الوفاة، وإن اختلف
شهر الميلاد.. نفس مكان الميلاد.. نفس اليتم.. نفس الإحباط.. نفس خيبة
الأمل.. نفس البدايات.. نفس النهايات.. ونفس البقاء في الوجدان بنفس البريق
ونفس الومضة التي توهمنا بأنهما كانا مجرد حلمين استيقظنا منهما، ونعاني
حتي الآن من الرغبة في نسيان أن الجسدين رحلا.. يشكلان معا ثنائية عجيبة
تأبي إلا أن تستمر هكذا، وتتردد تفاصيلها كلما حلت ذكراهما في مارس الحزين.
هكذا خلق الله البشر.. البعض يبذل قصاري جهده ليفني وينتهي، بينما ومضات
خاطفة بذلت قصاري جهدها لتبقي، ولهذا سنتذكرهما دائمًا لنؤكد لهما أن
ومضتهما الخاطفة في تاريخ الإنسانية وفي تاريخنا، مازالت متوهجة، وأن
مجهودهما لم يذهب سدي، وأن حياتهما الحافلة بالإحباطات والفشل والانكسار
والحزن، والتألق والنجاح والانتصار والفرحة، مازالت ملهمة لكل إنسان يمتلك
موهبة حقيقية، ويأسًا من تحقيق ما تمني، فليس أجمل من هذين الرائعين أملاً
وحافزًا.
سنظل نتحدث عن ثنائية حليم - زكي كلما هل علينا شهر مارس، وكلما دق الربيع
علي أبواب السنة، لنتذكر أن حليم وزكي أبهي وأعذب وأصدق فناني مصر، قد ودعا
الدنيا في الربيع.. لم يصلا إلي خريف عمرهما.. لم تذبل موهبتهما.. سلما
روحيهما إلي بارئهما، وهما في قمة النضج.. بموهبة خضراء كأوراق الربيع،
وأجساد لم تحتمل ثقل الموهبة، ففنت قبل أن تذبل مع أوراق الخريف وبرودة
الشتاء.نحن بدورنا نؤكد لهما أن أعمالهما أبدا لن تعاني برودة الذكري، فكما
كانا دافئين.. ستظل الذكري محتفظة بسخونتها وشوقها إلي من يجدد ما انتهي
إليه هذان العظيمان.
حتي الآن مازال حليم وزكي عظيمان يكبران، ومازال كل من يحاول تقليدهما
صغيرا قزمًا.. هما - شخصيًا - كانا مجددين، وبالتأكيد كانا سيكرهان كل من
يحاول تقليدهما، وطبعا كانا سيشدان علي أيدي من يرغب في كسر القواعد التي
سارا عليها، ليسير علي أحسن منها، مثلما فعلا هما مع أسلافهما.. العندليب
الأسمر، وفتي الشاشة الأسمر.. يخلق من الشبه اتنين بس، ومن يرغب في أن
يتشبه بهما فمصيره بائس جدا، أما من يرغب في تلمس خطوات نجاحهما فقط،
فأحفادنا سيكتبون عنه أكثر مما نكتب نحن عن حليم وأحمد زكي.. رحمهما الله
وأهدانا بمن ينافسهما علي مساحة الاحترام والتقدير التي يشغلانها في قلوبنا
وأرواحنا.
الدستور المصرية في
28/03/2010
الجغرافيا والتاريخ
طارق الشناوي
بين «أحمد زكي» و«عادل إمام» مساحات شاسعة من الخلافات، بعضها معلن وبعضها
خفي.. إنه صراع بين قمتين كل منهما وصل إلي الذروة في مجاله.. «عادل إمام»
هو نجم الأرقام الأول في الفن المصري، وفي فترة زمنية موازية لذلك كان
«أحمد زكي» هو نجم الإبداع الأول.. كنت ضيفاً علي الكاتب الصحفي الكبير
«عادل حمودة» في أول برنامج يقدمه علي «نايل سينما» في الذكري الخامسة
لأحمد زكي وتطرق السؤال إلي تلك المنطقة الشائكة في العلاقة بين «عادل»
و«أحمد» الذي يشبه الاختلاف بين التاريخ والجغرافيا.. الجغرافيا تتحرك علي
مساحة من الأرض، بينما التاريخ ملعبه مساحة من الزمن.. «أحمد زكي» هو
التاريخ و«عادل» الجغرافيا.. أرقام «عادل إمام» وبقاؤه علي القمة الرقمية
كل هذه السنوات هو لا شك تعبير عن أذواق الناس..مما وضعه بالفعل علي أعلي
قمة رقمية لا تضاهي مهما اختلفت فنياً مع قسط وافر من أفلام «عادل» فإن
أذواق قطاع عريض من الجماهير تعلقت به ولهذا دفعوا ثمن الدخول إلي أفلامه..
علي الجانب الآخر فإن تلك المكانة الرقمية لا تستطيع أن تراهن علي أن الزمن
يلعب بالضرورة لصالحها؛ فهناك أفلام عديدة سوف تموت.. «عادل» يتجاوز في عدد
الأفلام التي لعب بطولتها أو شارك فيها ضعف ما قدمه «أحمد زكي» ورغم ذلك
فسوف يعيش لأحمد زكي عدد أكبر يدخل التاريخ أكثر بكثير مما لدي «عادل
إمام».. «أحمد زكي» تتجاوز أفلامه التي تتحدي الزمن نسبة 60% بينما «عادل
إمام» يسقط القسط الوافر من أفلامه علي باب الزمن تباعاً.. لأن «عادل» لم
يستطع أن يلون في مساحات الأداء فهو يسبق دائماً الشخصية التي يؤديها..
عندما تري الشخصية الدرامية فأنت بنسبة كبيرة تري «عادل إمام» الذي تعرفه
سابقاً للشخصية الدرامية بينما «أحمد زكي» يذوب تماماً وتكاد لا تراه..
ولهذا تستطيع أن تشاهده في عدد من الشخصيات المختلفة.. كل من «عادل إمام»
و«أحمد زكي» كان بداخله يتمني أن يجمع بين الحسنيين «أحمد زكي» يسعي لكي
يصبح أيضاً نجماً للأرقام، بينما «عادل إمام» كان حريصاً علي أن يدخل أيضاً
إلي دنيا الإبداع.. «أحمد زكي» شارك في عدد قليل من الأفلام التجارية وهو
ينتظر أن يحقق الرقم الذي يعلو به علي «عادل إمام» ولم تنصفه الأرقام
و«عادل» انتظر أن يقدم شخصيات درامية يذوب فيها تماماً، ولكنه كان يعود إلي
الشخصية، إلي «عادل إمام".. هما قمتان ولا شك متنافرتان؛ لأن التاريخ
والجغرافيا لا يلتقيان دائماً.. ملحوظة: عندما سألني «عادل حمودة» في
البرنامج لم أذكر شيئاً عن التاريخ والجغرافيا!!
الدستور المصرية في
28/03/2010 |