تلجأ المخرجة الفلسطينية – الأردنية ميس دروزة في فيلمها الوثائقي ( خذني
إلى
أرضي ) إلى جدتها وطفاء وشقيقتها جهاد المقيمتان في دمشق كي
تنجزه في اثنين وخمسين
دقيقة بعد أن تبلغنا في تيترات المقدمة أن كثرا من أهلها قد غادروا فلسطين
بعد صدور
أحكام بالاعدام ضدهم من قبل سلطات الانتداب البريطاني ، وهي هنا تقود
المشاهد بعد
هذا الافصاح إلى بدء محاولة تصحيح علاقته بالفيلم ، اذ سرعان
ماتقدم له طائفة من
الصور الوثائقية بالأسود والأبيض تكشف بشكل أو بآخر عن تاريخ العائلة التي
تذهب
إليها المخرجة . ربما بحثت دروزة عن ذريعة غير مكتملة هنا للتأكيد على
سلامة
"
لجوئها " للعرين العائلي ، اذ ظهرت الجدة وطفاء في حومة مربكة ،
سببها التقدم في
السن والضجر والعزلة المؤكدة ، بدليل أنها ضجرت بدورها من هذا
اللجوء " الاضطراري
"
للمخرجة إليها ، حتى من قبل أن يتسلل هذا الاحساس إلى المشاهد نفسه .
وبالطبع نحن
لانستقوي بردات فعل الجدة على الشريط المصور، وقد جاء مترهلا عموما ،
ويفتقد إلى
الايقاعية الوثائقية الحاسمة ، فبدا متقدما على جبهتي وطفاء وجهاد من دون
ذلك
المونتاج الذكي الذي كان يتطلبه ، فقد ظهرت الجدة لماحة
بمافيه الكفاية لتقول
مالديها ، ولكن المعالجة المتورمة لحكايتها أظهرها ، وكأنه ليس لديها
ماتفعله في
عزلتها المضنية بعد رحيل الجد خالد طالب دروزة في عام 2007 ، ورحيل العديد
من
معارفها وأصحابها ، فهي في هذا العمر لم يعد يرن الهاتف كثيرا
في أرجاء بيتها
الدمشقي الذي استقرت به بعد الخروج الكبير من فلسطين ، وهذا يعني ببساطة
أنه لم يعد
لديها من يبادلها الذكريات في منفاها ، ولو عبر سماعة الهاتف ، فتلجأ
أحيانا إلى
تقليب بعض الرسائل القديمة التي تعود إلى أربعينيات القرن الماضي محاولة
استعادة
مالايمكن استعادته بصريا على الأقل .
فيلم ( خذني إلى أرضي ) لاتكمن مشكلته بعد
معاينة أولى في عزلة وطفاء وشقيقتها جهاد ، بل في القدرة المضيعة على
التقاط ماهو
جوهري في حكايتهما معا ، وهذا ماأفقدتنا اياه المخرجة بلهاثها وراء تفاصيل
لم تكن
مهمة في الحكاية ، لأن عدم التمكن من هذه " المثلبة التوثيقية
" في سرد تفاصيل
"
الأوذيسة " العائلية أضاع على المخرجة دروزة امكانية الوصول إلى فيلم
مقنع في
حكائيته ، بغض النظر عن خيارها المتمثل بقريبتين لها ، فنحن لم نعثر في
أسئلتها عن
وجهة الفيلم الدرامية ، وظلت المعاني في الفيلم تفتقد إلى الحرارة
الانسانية
المتوخاة التي يمكن لها أن تشعل الهاما ما في الشخصيتين
المختارتين للوقوف أمام
الكاميرا، وكأنها كانت تنتظر تجميعها في فرصة فيلم آخر بالرغم من أن
الفرصة كانت
متوفرة ، ولكن عدم الاحساس بها أفقد الفيلم بريق ووهج الايقاع المطلوب ،
وأطاح بقصة
السيدتين ، فبدتا كما لو أنهما الصوت والصدى البعيدين لأحاسيس متشظية
ومتناثرة لم
يسعفها اللجوء إلى بعض الصور والرسائل القديمة من أرشيف
العائلة .
بالتأكيد حكاية وطفاء تختلف عن حكاية شقيقتها جهاد ، التي ربما للصدفة تحمل
اسما مشتقا بالفعل من طينة حياتها ، فهي قد انغمست في غمار
النضال السياسي ، وأصبحت
تمتلك وجهة اتصالية مختلفة مع العالم المحيط بها ، ولها مفرداتها القاموسية
في هذا
المجال درجة ان لغتها التي كانت تتحدث بها أمام الكاميرا لم يكن ينقصها هذا
التباهي
والتعالي الخفي المنسلين من إرث آفل ومتوار في ظلال الماضي البعيد نسبيا ،
وبخاصة
أن لغة شقيقتها وطفاء جاءت في مستوى أقل ، فهي لم تجنح من
خلالها إلى تفلسف من أي
نوع ، فيما فات المخرجة دروزة أن تخلق مساحة من التوازن بين الحكايتين ،
ولو من
خلال الاتكاء على معادلات بصرية مقنعة ، فوقعت الشقيقتان في تباينية واضحة
أضرت
بثراء المادة الخام ودفعت بها إلى التحلل والتشتت تحت " ضربات " ورحمة
البطلتين
الغارقتين في زمنين لايمكن استعادتهما بحسب ادارة دروزة لهما.
بالطبع كنا نحسب
أن ضجر الجدة وطفاء خاص بها بالدرجة الأولى ، وهي إن كانت قد "هددت"
المخرجة
مطالبة باعفائها من البقاء مسمرة ومشدودة إلى كرسيها أمام الكاميرا بمايشبه
جلسات
اعتراف لاتفضي إلى كل شيء ، دفعت بها في الجانب الآخر من الحكاية إلى تشهي
مغادرتها
متذرعة بالتعب والتعرق والجوع ، واذا كان هناك من حسنات في بقائها وتحملها
هذا
"
الجلد " الوثائقي المبرح ، فإنه يكمن في صيد ذاكرة أخيرة لم تعد تجد
من يراسلها أو
يهاتفها في الواقع الدمشقي ، لكثرة ماتغيب عنها أحباب وأصدقاء خلّص ، وهذا
مافوتته
دروزة وهي تكتفي بالدوران المغلق من حول الكرسي الذي غادرته الجدة وطفاء
غير آسفة ،
وكأنها تضع بسلوكها هذا نهاية غير متوقعة للفيلم
.
الجزيرة الوثائقية في
10/03/2010
"طريق
181" فيلم روائي عن فلسطين الحقيقة والحنين
نقولا طعمة – بيروت
عرض "مركز بيروت للفن" فيلما تسجيليا عنوانه "طريق 181" لمخرجيه الفلسطيني
ميشال
خليفي، واليهودي إييال سيفان، والعنوان إشارة إلى الخط الذي كرّسته
المعاهدات
الدولية لدى تأسيس دولة اسرائيل في فلسطين عام 1948، ويفصل بين
العرب الفلسطينيين
واليهود في فلسطين.
أربع ساعات قدم الفيلم خلالها حقيقة الواقع الفلسطيني بعد
تأسيس الكيان الاسرائيلي، حيث يقوم تعايش صعب غير متكافيء بين الفلسطينيين
واليهود.
يعبر الفيلم على الخط المذكور مستنطقا أناسا يقيمون عليه، ويظهر تنوّع
الواقع حيث يعرب يهود عن الكره المطلق للفسطينيين, ويتحدثون عن
استحالة التعايش
بينهما، متمنين نقل الفلسطينيين إلى الدول العربية حيث مساحات واسعة تستطيع
استيعابهم.
يهود آخرون يعربون عن قناعتهم باستحالة استمرار الكيان الاسرائيلي
إذا لم يتكرّس التعايش
السلمي بين الشعبين، وإذا لم يعط الفلسطينيون حقهم
بالحياة في فلسطين.
أما الفلسطينيون بحسب الفيلم فهم في قلق دائم على مصيرهم،
ولا يأمنون جانب الاسرائيليين الذين ارتكبوا بهم المجازر، وأخرجوهم من
بيوتهم
ليسكنوا محلهم.
يجري الفيلم عبر حوارات يقيمها المخرجان من خلف الكاميرا، مع
أشخاص من العرب الفلسطينيين والاسرائيليين. ويبدو من خلال
الصوت القادم من خلف
الكاميرا أن كلا من المخرجين حاور الناس من أبناء جنسه وهويته لكي يترك
المجال
للمتحدث النطق بالحقيقة، والتحدث بحرية.
ويبدو المخرج سيفان، صاحب 15 فيلما
عالج جلها الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي والمجتمع الاسرائيلي، من خلال رسالة
كتبها
إلى أصدقاء أنه متهم يالدفاع عن التجربة الاسرائيلية لناحية "ديمقراطيتيها"
و"حداثة
حياتها" و"طيبة سكانها تجاه العرب"، لكن سيفان ينكر في رسالته هذه التهم،
ويقول أنه
حاول دائما أن يكون محايدا وخارجا من التأثير الذاتي في أعماله.
وينتقد سيفان في
رسالته موقف الانتلجنسيا والديمقراطيات الغربية لوقوفها إلى جانب السياسة
الإجرامية
لإسرائيل، رغم يهوديته وأخلاقياته التي تجبره في الظروف
السياسية الراهنة، لأن
يؤكّد بوضوح وقوة، لكن من دون عنف، إدانة نظام التطهير العرقي الجاري في
اسرائيل في
الوقت الحاضر.
أما مخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، فعرف بأفلامه الروائية الطويلة،
ونال جائزة المهر العربي لأحسن فيلم طويل في مهرجان دبي السادس
للأفلام لفيلمه
"زنديق"، ونال الجائزة الأولى في "أيام قرطاج السينمائية" عام 1980،
لفيلمه الذاكرة
الخصبة، ومن أفلامه: "عرس الجليل"، و"نشيد الحجر"، و"الجواهر
الثلاث".
وعلّقت
المخرجة الفلسطينية-الأردنية ساندرا ماضي على فيلم "طريق 181" ل"الجزيرة
الوثائقية"
بقولها: هذا الفيلم أظهر الجانب الخفي البعيد، ليس فقط عن المشاهد العربي،
إنما عن
المشاهد الآخر، أي الأجنبي والغربي، الذي يشاهد فقط جزءا من الصورة.
وتساءلت: "من
يعرف كيف يعيش الفلسطيني في أراضي 1948، ومن يصادف عابر الطريق على خط 181؟
وتجيب: "بالتأكيد، لن تشاهد أبي، ولا فلسطينيي حيفا ويافا،
ولكن المحتل الجديد،
وهذا ما يظهره الفيلم".
وعن المخرج خليفي، قالت: "هو مخرج فلسطيني أنجز أول فيلم
فلسطيني روائي طويل، تبعها بأفلام سينمائية وثائقية على مستوى
عال من العالمية،
ووصلت أفلامه إلى كلّ مكان، وكانت خير سفير معبّر عن قضية الشعب الفلسطيني،
وعن
الانسان الفلسطيني".
أضافت: "خليفي صاحب موهبة واضحة، لكن يبدو أن هناك دائما
حسابات من نوع آخر، فأي شخص ينجح عربيا، ويصل إلى العالمية
مبكّرا، قد يتعرض للطعن
في أي من تجاربه، وأذكر مثالا المخرج ايلي سليمان الذي أنجز فيلم "الوقت
المتبقي"
الذي شارك في مهرجان كان، وله أفلام حصدت جوائز متعددة".
وختمت قائلة أن "أمثال
هؤلاء الناجحين يتعرضون في العالم العربي إلى مواقف وانتقادات ليست موضوعية
دائما،
فسليمان قدم فيلمه، ولم يلاق تلك التعليقات الكثيرة، لكن بعدما عرض فيلمه
في مهرجان
"كان"، ولقي نجاحات عالميّة، بدأت أعماله تتعرض للانتقادات والمواقف
الصارمة".
الجزيرة الوثائقية في
10/03/2010 |