يتحدث المخرج والممثل العراقي بشير ماجد في هذا الحوار حول مهرجان
ثقافات للفيلم العراقي القصير الذي اختتم الاربعاء، عن الفكرة
والمضمون والآمال
والظروف الصعبة المحيطة بالفن السينمائي والفنان في العراق اليوم.
·
ما سر اختياركم لاسم المهرجان
بثقافات العراق ألا يوحي بتوجيه الأفلام
في اتجاه معين يقترب من الخطاب السياسي الرسمي فيما السينما
لا حدود
لتطلعاتها؟
كوني سينمائي ، وعضو مؤسس في ( مركز عراق ثقافات ) تبنيت
منذ وقت ليس بالقليل فكرة مهرجان للفيلم العراقي القصير يتبناه المركز ،
وكون
المركز منظمة مجتمع مدني ، تعنى بالحضارات والاديان والاقليات ، لذا جاء
اسم
المهرجان باسم المركز الذي يسلط الضوء على ثقافات عراقية ،
وكما تعلم ان العراق
يحوي الكثير من الحضارات والقوميات والاديان ، ففي شمال العراق حضارة
الارمن ونمرود
، وفي الجنوب بابل وسومر ، والقوميات عربية وكردية وتركمانية وشبك ،
والديانات
اسلامية ومسيحية وايزيدية وصابئة ، ولكل من هذا التنوع ثقافته الخاصة ،
التي ربما
يجهلها الكثير ، اذا اسم المهرجان لا علاقة له بالخطاب السياسي الرسمي كما
تظن ،
ولان السينما – كما ذكرت – لا حدود لتطلعاتها ، اثرنا ان يكون
اسم المهرجان يمتد في
افق معرفي وتنوع ثقافي ، من خلال اسمه ( ثقافات ) وهذه المفردة تنطوي على
الكثير من
التنوع الثقافي الديني او القومي او الحضاري .
·
ما علاقة هذا بالوضع
العراقي الحالي هل تقصدون بثقافات مقابل طوائف و أحزاب أم تقصدون ثقافات
سينمائية
أي مدارس السينما التي تأثر بها المخرجون العراقيون ؟
ان الوضع العراقي
الحالي ممزق اجتماعيا ، تارة لاسباب دينية او طائفية او عرقية ، مما ساعد
في تفتيت
اللحمة الوطنية في نسيج الشعب العراقي ، ولان الفنان في كل
زمان ومكان هو رسول سلام
ومحبة ، وناقد جارح ومصلح اجتماعي وداعيا للوعي الذي يمجد الانسان ويدين
الظلم
والتعسف ، ويرمم احيانا مايصدر عن السياسي من خراب ودمار يعصف بالبلاد
والعباد ،
لذلك اثرنا ان يكون المهرجان صوتا موحدا لكل الثقافات العراقية
المختلفة ، المتمثلة
بالاديان والقوميات ، لا الثقافات السياسية المتشنجة ، والتي غالبا ما يصدر
عن
اختلافها دمار اضافي يتكبده الناس ، ولدينا افلام في المهرجان تتطرق
للديانة
المسيحية والديانة الصابئية ، وفلم عن الغجر ، ووجهت دعوة
للافلام الكردية ، وبذلك
يكون المهرجان حقق هدفة من خلال عرض جميع الثقافات العراقية كلحمة واحدة ،
يتوجب
على الجميع احترام ثقافة الاخر ، وبذلك نحاول ان نعيد النسيج الوطني
والمعرفي بين
مختلف الطوائف والقوميات والاديان ، لطالما يجمعهم وطن واحد .
·
لماذا
تم اختياركم للأفلام القصيرة وهل تفكرون في تنويع الفئات في
المستقبل
؟
كتجربة اولى اقتصرت على الافلام القصيرة ، واحد اهداف المهرجان ،
اتاحة الفرصة امام افلام الشباب التي انتجت وبجهود فردية ،
خارج دعم المؤسسة
الرسمية ، من خلال عرضها امام الجمهور العراقي ، فبعض الافلام شاركت في
مهرجانات
عربية وعالمية ، لكنها لم تجد مكانا عراقيا تعرض فيه ، واقصد هنا مهرجانا
عراقيا ،
والذي غالبا مايكون بامكانية دولة ، لكننا بامكاناتنا الخاصة ،
وبدعم خاص من
الاستاذ المحامي ( احمد البراك ) استطعنا ان نهيأ مكانا ملائما لعرض هذه
الافلام
بشكل جيد ، وكذلك تخصيص جوائز من اجل تشجيع المخرجين ، الذين ياملون ان
تكون هناك
دورة اخرى في العام القادم ، ارجوان نوفق في ذلك ، وببعض الدعم
ممن يسندون الحركة
السينمائية والثقافية في العراق.
اختيار الزمان هل هو مقصود خاصة
وأنه يأتي في ظل التحضيرات للانتخابات في ظرفية سياسية دقيقة
المرحلة
الحالية حرجة جدا سياسيا ، فحمى الانتخابات بلغت الذروة ، وهذه الحمى بثها
السياسي
الى الناس الذين كوتهم الشعارات الفارغة ، وكلما اختلف
السياسيون القوا باختلافهم
على الناس ليكونوا ادوات لنزاعهم ، وبالتالي يعني مزيدا من التفكك ، واجبار
المواطن
ان يلوذ بقوميته او دينه او طائفته ، لانهم يصورون له بان خلاصه وامنه ضمن
هذا
المكون او ذاك ، ومن اجل تخفيف حمى الانتخابات ، جاء مهرجان (
ثقافات ) ليذكر بان
ثقافاتنا مختلفة لكن يجمعها الوطن الواحد الذي يملك فيه الفرد ما يملكه
الاخرون بغض
النظر عن انتمائه او دينه او عرقه ، وهذه مهمة الفنان الذي يتسلح بقوة فكره
، مقابل
سلاح الجاهل ، لهذا تجدنا دائما نعمل بامكاناتنا الخاصة سواء بانتاج
افلامنا او
اقامة هذا المهرجان ، فالهوة واسعة بين الفنان والسياسي في
العراق ، الا القليل من
السياسيين يتفهمون دور الفن في صناعة الحياة ، فمثلا بالامس حصد فيلم ( ابن
بابل )
للمخرج محمد الدراجي جائزتين في مهرجان
برلين السينمائي ضمن مسابقة ( بانوراما
)
هما جائزة السلام والفيلم الانساني ، دون ان يثير ذلك اي شعور لدى اي سياسي
، وحتى
الاعلام ، فاغلبه مؤدلج .
·
كيف تتوقعون إقبال الجمهور في ظل
هذا
الوضع الأمني الذي تمر به بغداد
الشعب العراقي شعب حي لايريد ان يموت ،
واقصد ان يموت معرفيا ، وكل هذه القطيعة المقصودة بين العراقي والثقافه ،
وبقصد طمس
ارثه الثقافي والمعرفي ، لن تثني من متابعة النشاط الثقافي والفكري المعروض
هنا ،
مثلا خذ شارع المتنبي ( هو شارع في بغداد لبيع الكتب ) في كل
يوم جمعة ترى حشود
الناس تتدفق عليه ، برغم كل التفجيرات التي حصلت في الشارع ، وهذه
التفجيرات عادة
ماترمى في عنق الارهاب ، لكن وعي الناس ينظر الى ذلك من زاوية المعرفة بان
البلد
محتل ، من قبل قوة سرقت تاريخ العراق من متحفه ، الم تكن قادرة
على تفجير شارعه
المعرفي ، وحتى الان يشهد شارع المتنبي تدفق المتعطشين للثقافة والمعرفة ،
كذلك
جميع النشاطات التي تقام في بغداد ، لذا اتوقع ان يحظى المهرجان باقبال
جماهيري
كبير ، فهذه الظاهرة الاولى من نوعها منذ عدة سنين .
·
ما هي آفاق
المهرجان ؟
نحن مراهنون على نجاح هذه التجربة ، والتي تمت بامكانات
متواضعة ، لكن بعد نجاحها ممكن ان نمد جسور تعاون مع جهات عربية في ذات
الشان ،
وتوطيد الروابط مع المهرجانات العربية بشكل خاص ، فلدينا الثقة الكافية
بالدعم
العربي ، لكن المهم ان نقول اننا خطونا الخطوة الاولى ، ولاباس
بالمساعدة في الخطوة
الثانية ، حتى مجيء حكومة عراقية تنظر للفن بعين الاحترام
.
الجزيرة الوثائقية في
03/03/2010 |