كل شيء يمكن أن تطبق عليه شعار إيليا أبي ماضي الذي يقول
كن
جميلاً تري الوجود جميلاً إلاّ
مشاهدة الأفلام،
تذهب إلي الفيلم من دول
متوقعًا الأسوأ، ولكنك تخرج وقد شاهدت ما يفوق توقعاتك،
تذهب حاملاً هامشًا
معتبرًا من التسامح، وتخرج ولديك شحنة هائلة من الغضب بسبب الاستخفاف الذي
كنت
شاهدًا عليه، في كل الأحوال،
مهما كان جمالك وتسامحك لن تري الأفلام الرديئة
جميلة لأن رداءتها تفوق الاحتمال!
أحد هذه النماذج هو فيلم عايشين
اللحظة الذي كتبته ألفت عثمان في أولي تجاربها كمؤلفة للسينما، وأخرجته
أيضًا ألفت عثمان
في ثاني تجاربها كمخرجة بعد فيلم الحكاية فيها مِنَّة
لا
اعتراض أبدًا علي بساطة الحدوتة والسرد،
بل إنني أصلاً
لست ضد سينما الحواديت،
ولكن الفارق شاسع بين البساطة والسطحية، بين بساطة الحبكة وانفراط العقد
بأكمله، بين أن تحاول أن تقول شيئًا عن شباب هذه الأيام، وعن سطحية اهتماماتهم
فتقوله بنفس درجة السطحية والاستخفاف التي تنتقدها،
بين أن يتم تعقيد الخيوط
وصولاً إلي نهاية تتسق مع المقدمات،
وبين أن ندور ونلف في حلقة مفرغة تشعرك
بالدوار وتجعلك في حال أقرب إلي الكابوس،
عايشين اللحظة
يعبر عن سينما فقيرة
آخر حاجة، علي حد مصطلحات الأجيال الجديدة.
الفقر هنا ليس بمعناه المادي
من حيث الإنتاج المحدود ولكنه -
وهذا هو الأهم تعبير عن الفقر الإبداعي
الشامل،
أو ما أطلقت عليه في أكثر من مقال مصطلح أنيميا الإبداع،
وهذا هو العنصر
المشترك بين عايشين اللحظة وبين أفلام المقاولات القديمة،
وإن كان الفيلم
الذي شاهدته وسط عدد محدود من الجماهير صورته أفضل بالتأكيد من أفلام
مقاولات
الثمانينيات البائسة حيث لا صوت ولا صورة ولا أي شيء.
من حيث المضمون
يفترض أننا أمام فيلم عن مشاكل الشباب التي قدمت في أفلام مصرية كثيرة
سطحية
التناول من ديسكو..
ديسكو إلي قبلات مسروقة إلي بدون رقابة، في
عايشين اللحظة تكديس لعدة نماذج غريبة ممن يفترض أنهم شباب،
وعلي مستوي
الشكل نعيش معهم في عدد محدود من الأماكن المغلقة التي تصيبك بالملل، ولا
نخرج
إلا في رحلة مفتوحة إلي الصحراء، والرحلات عمومًا من لوازم هذه الأفلام التي تنسج
علي نفس المنوال. سأحاول أن ألخص لك الشخصيات:
سلمي (راندة
البحيري)
القادمة من الزقازيق بعد حصولها علي الماجستير، وهي تحاول الحصول علي الدكتوراه
في القاهرة، ولا مانع من أن تحاول أيضًا أن تكون صحفية، ودنيا (إيناس
النجار) العائدة من فرنسا، والتي تؤمن بالعلاقات الحرة خارج إطار الزواج،
والمذيع في إحدي القنوات الفضائية
شادي (إيساف)، ويفترض أنه شاب متعدد
العلاقات وشديد الجاذبية، وكريم (ياسر فرج)
ابن خالته الذي تورط في دخول
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لأن والده يريد أن يصبح دبلوماسيا، وچيسي (ميار
الغيطي) أخت كريم التي عاشت حياة مُغلقة وتحت الرقابة جعلتها بلا تجارب
عاطفية، ولدينا شخصيات شبابية تقليدية شاهدناها في عشرات
الأفلام تمارس شرب
البيرة والمخدرات، وتتفرغ لتدبير المؤامرات العبيطة،
ومن هؤلاء شاب يكره
كريم ويريد تدميره،
وشاب فقير آخر اسمه ماندو
ليس طالبًا أصلاً
ولكنه
يقوم ببيع المخدرات للطلاب، وكلها نماذج أو تنويعات علي شخصيات شاهدنا ما يقترب
منها في أفلام سابقة تدَّعي أنها تحاول مناقشة مشاكل الشباب.
الحقيقة أن
علاقات هذه الشخصيات ستتعقد بدرجة تصيبك بالدوار، وبطريقة لا تستطيع أن تحدد
خطوطًا أساسية بالذات للشخصيات الأربع:
سلمي ودنيا وشادي وكريم وخُد عندك
يا سيدي وركز معايا واستحملني كما تحملت أنا الفيلم:
كريم
له علاقة جنسية مع
دنيا، شادي يدخل علي الخط ويقيم معها علاقة مماثلة، دنيا
صديقة لـسلمي
التي تحب شادي دون أن تعرف علاقته بصديقتها،
والشاب
ماندو له علاقة
بشقيقة كريم، وهكذا تدخل في دائرة مفرغة جديرة بمسلسل عربي من الدرجة
الثالثة، وفي الطريق تتعثر في مشاهد كلاسيكية مكررة كأن
تلتقي سلمي
مصادفة
أكثر من مرة مع
شادي فتقع في غرامه، أو مثل مشاهد كريم أو ياسر فرج
مع الشلة الفاقدة والتي يبدو أنه اصطحبها معه من فيلم الاكاديمية،
وهناك
أيضًا أشياء طريفة جدًا تدعو للابتسام حيث تظن أن اصرار والد
كريم الذي يلعبه
فتوح أحمد علي أن يكون ابنه دبلوماسيا يرجع إلي كونه من السفراء أو
العاملين في
الخارجية.
هكذا يقول المنطق والسياق،
ولكنك ستكتشف أنه مدير مكتب مكافحة
المخدرات، ولا أدري لماذا لم يفكر في إدخاله كلية الشرطة مثلاً، ومما يدعو
للابتسام أيضًا تساؤلات جيسي التي تسأل زميلتها:
إزاي واحدة تحمل من
غير
جواز؟!، وهناك مشروع حكاية عجيبة لم تكتمل، أو ربما لم يتم تصوير نهايتها
لضغط الانفاق الانتاجي حيث سنفهم بصعوبة أن والد كريم
قتل والد ماندو ظلمًا
في إحدي حملات مطاردة مروجي المخدرات منذ سنوات بعيدة، ولا أعرف بالضبط ما علاقة
ذلك بالحكاية الأساسية عن الشباب الضائع،
ولا علاقة أي شيء بأي حاجة.
تركت ألفت عثمان شخصياتها تتخبط في المواقف والتحولات الغريبة معتقدة
أنه يكفي أن نراهم يرقصون ويخطئون ليكون الفيلم فيه مضمون
ومعني، ظلت كل شخصية
مثيرة للدهشة وللاستغراب أكثر من كونها قابلة للتصديق، سلمي مثلاً يفترض
أنها
حاصلة علي الماجستير، كما أنها تمتلك ثقة بالنفس تجعلها تعيش في العاصمة
بعيدًا
عن أسرتها، ولكنها تبدو ضعيفة ومترددة،
ولن تفهم أبدًا معني علاقة
دنيا
بالصديقين شادي
وكريم لدرجة أنها تحمل من الاثنين معًا، والظريف أن والد
دنيا الذي لم نشاهده أبدًا وإنما سمعنا عن خططه،
قرر أن يبيع الشقة التي تعيش
فيها ابنته بمفردها بعد أن زاد كلام الناس، وهذا هو التصرف الوحيد الذي قرر
القيام به في حين ظلت ابنته تائهة وضائعة من شادي
إلي ابن خالته، وبالعكس،
وسيؤدي هذا التخبط في رسم الشخصيات إلي فبركة كاملة حيث تلفق قضية آداب
لـشادي
وسلمي لمجرد أنها ذهبت إليه في شقته،
وسيحاول زملاء كريم
اغتصاب اخته
فيظهر لهم ويقتل أحدهم،
وتموت دنيا بعد حملها أو اجهاضها والله لا أعرف،
والأعجب أن عناوين النهاية ستنزل علي مشاهد سلمي
وهي تناقش رسالتها
للدكتوراه، بذمتكم حد يجيله نفس يعمل أي حاجة بعد هذه الكوارث.
عايشين اللحظة يمثل سنة أولي سينما في سطحيته وفي أسلوب سرده
المضطرب وفي حشر أغنيات
سينما كليب للمغني إيساف
بين المواقف العجيبة التي
شاهدناها، أما الممثلون فقد تم حشدهم لأداء أدوار
غير مقنعة، راندة البحيري
بوجهها الصغير تصلح لدور طالبة وليس معيدة في حين تصلح إيناس النجار لدور
أكبر
سنًا من شخصية الطالبة المتحررة، وإيساف
لا يصلح للتمثيل عمومًا ولدور المذيع
الوسيم خصوصًا، وياسر فرج يكرر أدوار الفتي الشرير بطريقة مستفزة،
ويذكرني بالدائرة المفرغة التي استمر فيها محمد رجب
لسنوات قبل أن
يحاول التغيير ميار الغيطي التي شاهدناها مع تامر حسني في
كابتن هيما
وجه واعد جدًا ولكنها تحتاج فرصًا أفضل.
لا شيء يمكن أن تتذكره بعد الهروب إثر
انتهاء الفيلم، وكل ما تحلم به أن تفكر ألفت عثمان مرتين قبل أن تحاول
التأليف، وأن تفكر ثلاث مرات قبل اخراج عمل جديد،
وبالنسبة لي فسأفكر أربع مرات
قبل التورط في مشاهدة هذه الأفلام المؤسفة!
روز اليوسف اليومية في
03/03/2010
المركز الكاثوليكي يكشف الأعلام والثقافة في التصدي لأحداث
نجع حماد
كتب
مها متبولى
يأجوا ء المشاعر الوطنية الفياضة فرضت نفسها في مهرجان المركز
الكاثوليكي للسينما حيث رفع شعار
الوحدة الوطنية لتكون عنوانًا له في دورته
الـ58 وليؤكد أن أحداث نجع حمادي لم تكن إلا مؤامرة
مدسوسة للتفريق بين جناحي
الأمة ونشر بذور الشقاق بين أبنائها، لقد انتابتني انفعالات متضاربة تجاه موجات
التآخي بين المسلمين والمسيحيين في المهرجان فلم أعرف هل أفرح بتماسكنا
يدًا واحدة
في مواجهة من يريدون ضرب وحدتنا أم أحزن لما يعترض هذه الوحدة من مطبات، في
الحقيقة كنت أتابع وقائع المهرجان بقلب المواطن المصري البسيط وعقل الناقد
لأنني
لمحت في عيون صلاح السعدني شيئًا من الحزن وهو يتلقي التكريم
حيث قال:
إن مصر
نسيج واحد بكل طوائفها وأن ما حدث في نجع حمادي علي يد بعض الآثمين يدل علي
أنهم
ليسوا مسلمين بل هم أعداء لهذا الوطن.
شعار المهرجان الكاثوليكي في دورته
الحالية حول الوحدة الوطنية كرم خمسة فنانين، أربعة منهم مسلمون وفنان واحد مسيحي
وهم صلاح السعدني وميرفت أمين وسهير الباروني وفاروق الرشيدي والمنتصر
بالله ولم
يكن ذلك من فراغ
بل إيمانًا من المركز بمهمة الفن وجوهر رسالته وهي أن تكون
السينما عنصرًا موازيا لتحقيق السمو الأخلاقي في الإنسان،
لقد اختار المركز
الكاثوليكي شعار الوحدة الوطنية في هذه الدورة بالذات ليؤكد أن أحداث نجع حمادي
قد فشلت في شق الصف المصري ويوجه رسالة طالما رددها الأب يوسف مظلوم وهي
أنه علي
صناع السينما المصرية أن يتحدوا من أجل تحقيق الرسالة السامية
للفن في النهوض
بالمجتمع.
<
لقد مس الاحتفال بالدورة
58
لمهرجان السينما أوجاع
المؤسسات الرسمية إن لم يكن قد كشفها لأنه تصدي لأحداث نجع حمادي بشفافية
كبيرة
وصدق أكيد بينما وقفت الأجهزة الإعلامية في حالة ذهول ضد ما
تشنه الفضائيات
المسمومة من تحريض وادعاءات ففي الوقت الذي لعبت هذه الفضائيات فيه دور من
يقوم
بسكب الزيت علي النار قام المركز الكاثوليكي بمبادرته التي أثلج بها صدر
الجميع
مؤكدًا أن مصر بلد ووطن للمسلمين والأقباط،
وأن ما حدث هو جريمة جنائية بعيدة كل
البعد عن الطائفية، فمصر ليست لبنان أو العراق وإنما أرض الكنانة التي تتوحد فيها
المصائر وتتآلف فيها القلوب وتتحد الإرادة.
الفن ضد
التطرف
يتعامل المركز الكاثوليكي مع الفن من خلال وجهة نظر راقية
لا تصادر الإبداع وإنما تناقشه وتختار منه الأعمال السينمائية
التي تسمو بالشباب
وتدعم المجتمع وتنمي قدراته علي التقدم والبناء ويتم ذلك وفق قواعد محددة
وضعها
الآباء والتزموا بها منذ عام 1952
ولذلك فإن جوائز المركز ليست مجرد جائزة فنيه
وإنما وسام استحقاق في السمو والأخلاق ومبادئ الفرسان وإذا كان المركز يسير
علي
الخط الذي يفيد الإنسان والمجتمع فإن هناك من يسيرون عكس هذا
الاتجاه، ولك أن
تندهش عندما تفاجأ بأن قنوات النيل المتخصصة تمنح جوائزها لأفلام مثل
إبراهيم
الأبيض ودكان شحاتة والسفاح بما يعني تمجيد الجريمة دون مجرد التفكير في
الآثار والنتائج السلبية التي يمكن أن تفرزها مثل هذه النوعية من الأفلام،
لابد
من إعادة صياغة المفاهيم التي تعمل بها قنوات النيل المتخصصة لأنها تنظر
إلي هذه
الأفلام من جانب واحد مع إغفال الهدف الذي تتضمنه ودور أحداث
هذه الأفلام في
الارتقاء بالمجتمع والإنسان.
ولا يخفي علي أحد أن مهرجان المركز
الكاثوليكي يقام كل عام من أجل دعم هذا الفن السينمائي وليس بهدف تنجيم أحد
أو رفع
أسهمه مثلما تفعل الفضائيات، فكثير من الاستفتاءات التي تجريها أصبحت لعبة مكشوفة
لصالح هذا الفنان أو ذاك، أما المهرجان الكاثوليكي فيفعل ذلك من باب العطاء وكل
من يشرفون علي فاعلياته خلال حفلي الافتتاح والختام من الشباب المتطوع
وكلهم واجهات
مشرفة لمصر ويعملون في مهن ووظائف لا ترتبط بالفن ومع ذلك
يسهمون في عمل جدير
بالاحترام، علي عكس ما يحدث في كواليس مهرجان وزارة الثقافة التي تعتبر
الأموال
التي تنفق علي مهرجان السينما مجرد منحة يتم رفع مخصصاتها علي
مضض كل عام، ناهيك
عن حالة التقاعس الشديد تجاه سرقة الأفلام وتسريبها عبر الإنترنت بما ينذر
بتدهور
هذه الصناعة مثلما انهارت صناعة الكاسيت وأغلقت شركاتها كل الأبواب، وأنا
أؤكد
ذلك لأني أري أن هناك حلقة مفقودة بين المؤسسات الرسمية والجمعيات الأهلية
فلو
تضافرت الجهود الرسمية في التصدي للقرصنة مع إيجاد روح التعاون
بينها وبين الكوادر
التي تقوم بأعباء المهرجان الكاثوليكي لكانت النتائج عبارة عن مهرجان حضاري
علي
أعلي المستويات.
هناك فرق كبير بين نظرة المركز الكاثوليكي للفن
السينمائي ومحاولة تطويعه لخدمة المجتمع وبين شيوخ الفضائيات الذين يتخفون
في شكل
الدعاة بينما يحملون في داخلهم حقدًا دفينًا علي هذا الفن بل إنهم يطلقون
صيحات
التحريم والتجريم ولا تستمع لأحد منهم حتي يصدمك بأن
الفن حرام ويتقمص كل واحد
منهم دور الحاكم بأمر الله لأنه يريد منا أن نسلم برأيه دون مراجعة أو
نقاش.
حضوري المهرجان الكاثوليكي للسينما جعلني أضع يدي علي متاعب الفن في مصر
فهو يعاني من قوي التطرف والتشدد التي تصادر حريته كما أنه يئن
تحت تباطؤ مؤسسات
الإعلام ووزارة الثقافة ولا سبيل للخروج من عنق هذه الزجاجة الفنية إلا إذا
أعاد كل
منا صياغة دوره بالطريقة التي يكمل بها دور الآخر لأن المركز الكاثوليكي
أعطانا
درسًا أخلاقيا مهمًا وهو أن نضع مصلحة المجتمع فوق نوازعنا
ومصالحنا
وأهوائنا.
إننا نحتاج إلي تعديل وجهة نظرنا تجاه الفن والفنانين بنفس
الطريقة التي يتعامل بهبا المركز الكاثوليكي.
روز اليوسف اليومية في
04/03/2010 |