أصبحت الفوضى هى القاسم المشترك فى حواراتنا الآن فى كل المجالات، حتى
نكاد أن نفقد أى أبجدية للغة واحدة تجمعنا. أشعر أحيانا بأن هذه الفوضى
متعمدة على نحو ما، فهناك من الأشخاص والمؤسسات من يشجع ازدياد اندلاعها،
وكانت البداية هى نسف البدهيات التى يفترض ألا يختلف عليها اثنان، مثل
كرامة الوطن وكرامة المواطن، بل نسف فكرة الوطن والمواطنة ذاتهما: أن يكون
من حقى المسكن والعمل والعلاج، وأن يكون لى تاريخ شخصى مشترك مع آخرين
يشاركوننى نفس الأحلام، وأن تتحدد هويتى من خلال هذه "الذات" التى تنجح فى
التحقق فى واقع حقيقي، وليس فى بيانات حكومية كاذبة وزائفة، أو شعارات
جوفاء بلا معنى ترفعها لجنة السياسات وجوقتها الإعلامية، أو حتى قضايا
شخصية فرعية مثل تلك التى تنشغل بها فصائل المعارضة على طريقة "أيمن نور
واللا البرادعي"، بدلا من أن تكون القضية الأهم هي: هل نملك حقا دستورا
متوازنا عادلا؟ وهل هناك عقد اجتماعى واضح يحدد حقوقى وواجباتي؟
أقول إن هذه الفوضى متعمدة لأن هناك من يتاجر بها ويحاول الاستفادة
منها، فيتسلل فى الزحام محاولا أن يخترق الصفوف ليكون أول من يطوِّعها
لصالحه وحده، ووجوده مشروط بوجود هذه الفوضى واستمرارها واستقرارها، إن كان
من الممكن أن تجمع بين الفوضى والاستقرار، لكن تلك بالذات هى السمة المميزة
للحقبة التى نعيشها: كثير من ضجيج الطاحونة، وقليل من دقيق يختلط بالسوس.
انظر على سبيل المثال إلى المعارك الدائرة حول علاقة الفن بالأخلاق، لتكتشف
أنك قد دخلت إلى منطقة ملغومة، فهناك تيار يغلو فى النزعة المحافظة، ويقف
عند كل ما هو شكلى ليوزع اتهاماته هنا وهناك، من خلال معايير أخلاقية وضعها
بنفسه ويتمسح فيها بالدين، لكن هناك على الجانب الآخر تيارا يغالى بدوره فى
نزعة محافظة مضادة، ويحتمى خلف مصطلحات الحرية والليبرالية، ليؤكد أنه لا
علاقة بين الفن والأخلاق، فالعمل الفنى له معاييره الخاصة به، ولا يجب
تطبيق المعايير الأخلاقية عليه.
وهكذا تجد نفسك محاصرا بين شقى الرحي، فكل من الجانبين يتحدث بلغة
مختلفة، ويريد فرض رأيه على الجانب الآخر، وتكون النتيجة ـ للأسف الشديد ـ
أن يضيع ما يحاول هؤلاء وأولئك الدفاع عنه: الفن، والأخلاق! وإذا كنت لا
أتفق أبدا مع من يتمسحون بالدين فيأخذون منه قشوره ويتجاهلون جوهره، فإننى
لا أستطيع أيضا أن أقف على نفس الأرض التى يقف عليها دعاة الليبرالية
الجامحة، لأنهم ليسوا فى التحليل الأخير إلا الشكل "اليساري" الجديد من
المذهب الفنى الذى كان يدعو إليه المرحوم الدكتور رشاد رشدي، هذا المذهب
الذى كان خارجا لتوه من "فرن" صناعة الأيديولوجيا على الطريقة الأمريكية فى
فترة الحرب الباردة، والذى يروِّج لمقولة أن العالم الفنى مستقل تماما عن
الواقع ومنبت الصلة به، لذلك فإنه يدعوك على سبيل المثال إلى أن تدخل قاعة
العرض لتشاهد فيلما وقد تركت على الباب كل ما له علاقة بواقعك. إن هذا
الفصل المتعسف والمصطنع (سواء جاء من اليمين أو اليسار) بين الفن والواقع،
بدعوى أن لكل منهما منطقه الخاص، يتجاهل عامدا أن الفنان ليس نبيا رسولا
ينزل عليه الوحى من السماء، كما أن المتلقى ليس لوحا فارغا تكتب عليه ما
تشاء، إن هذا وذاك جاءا من الواقع وسوف يعودان إليه، وكل منهما له علاقة
وثيقة بالواقع ورأى فيه. لكن أغرب ما فى الأمر أنه حين تنتقد عملا فنيا
لاعتماده على التلفيق والاصطناع، رفع الليبراليون إياهم فى وجهك سيفا
مشهرا، قائلين: أليس هذا ما يحدث فى الواقع؟ وهكذا فإنهم ينفون الصلة
بالواقع أو يؤكدونها حسب المزاج! ألم أقل لك إنها فوضي؟!
هناك أسباب عديدة لتخلف واقعنا الثقافى والفني، سواء على أيدى
المحافظين المتمسكين بالدين، أو المحافظين الليبراليين الذين لا يملكون سوى
ورقة "حرية الإبداع"، ومن المؤكد أنها أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية،
لكننى أعجب أحيانا أن يصل حال "الصفوة المثقفة" (أو الذين يفترض أنهم كذلك)
إلى هذا الوضع المتردى بين فريقين متعارضين. الغريب، وربما كان من الطبيعى
أيضا، أنك لا تجد مثل هذه الفوضى فى السينما والنقد الأمريكيين، لا فرق فى
ذلك بين النزعة شبه اليسارية فى جريدة "فيلدج فويس"، أو النزعة اليمينية فى
"كريستيان ساينس مونيتور". إنهم ببساطة يقفون على أرض صلبة سواء فى جانبى
النظرية والممارسة، إنهم جميعا يملكون ترسانة كاملة من أدوات ناضجة لرؤية
الواقع والفن والتعامل معهما، وهم لا يبدأون مع كل فيلم أو مقالة نقدية من
الصفر كما نفعل نحن، وهم قد يختلفون فى أحكامهم ومناهجهم النقدية لكنهم
يتحدثون بلغة واحدة مفهومة.
سوف أتوقف معك قليلا يا عزيزى القارئ أمام مفهوم يعرفونه جيدا ويضعونه
دائما نصب أعينهم، إنه مفهوم "سياسات السينما"، وأرجو ألا تتصور أنه يدور
حول علاقة السينما بالسياسة، فهو مفهوم أكثر شمولا وعمقا. إنه يعنى ببساطة
علاقة الفنان بالواقع الذى يستخدمه لصنع العمل الفني، ثم علاقة الفنان
بالمتلقي. ليس هناك كما ترى حديث عن "الأخلاق" بدلالتها الصارمة، ولا عن
حرية الإبداع بمعناها الجامح، ليس ثمة معايير مطلقة يتراشق بها هذا الجانب
أو ذاك، بل علاقة مجسدة وحقيقية تماما، ولا يمكن التلاعب بها لمنافقة
الأخلاق أو الفن، علاقة يمكن تلخيصها فى سؤال شديد البساطة: ما هى رؤية
الفنان للواقع؟ وما هو التأثير الذى يريد أن يشعر به المتفرج؟
تكاد الشرائط السينمائية التى يصنعها المخرج المنتشر ـ صحفيا وفنيا
وسياسيا ـ خالد يوسف أن تكون ملائمة تماما لتصبح "دراسة حالة" فى سياسات
السينما، وسوف أذكّر القارئ مرة أخرى أن هذه الدراسة لا تمنعه عن حرية
إبداعه، ولا تحكم عليه بمعايير أخلاقية جاهزة. ولعل شريطه الأخير "كلمنى
شكرا" يجسد نموذجا صارخا لرؤيته للواقع التى ظهرت فى كل أفلامه، ولرغبته فى
التأثير فى المتلقى بشكل محدد. ولأن الفيلم تمت "فبركته" بدون تأمل كبير من
جانب صانعه، فإنه يبدو مثل "غلطة اللسان" التى تعبر عن لا وعى من يتلفظ بها.
يتألف الواقع فى شريط "كلمنى شكرا" من مجموعة من الرجال وأخرى من النساء،
وكل الرجال فى الفيلم أفاقون محتالون، وكل النساء أيضا وإن كن تستخدمن
أجسادهن وسيلة للاحتيال. إنهم جميعا لا يتوقفون عن الكذب والصراخ، فى
أفراحهم وأتراحهم، وهم جميعا تحركهم غرائزهم البدائية كأنهم حيوانات فى
غابة، وليست هناك فى حياتهم لحظة تأمل واحدة، وإن جاءت فعلى شكل "مونولوج"
من العويل ينوح به الفران، تائبا عن الغش لأن ابنه أصيب بالعمي، أو "ديالوج"
أعلى صراخا عندما يمثل الابن دور الضابط، ليطلبوا منه أن يصفع أمه، فتصاب
يده بالشلل وينخرط مع الأم فى البكاء واللطم والعويل. أنت إذن ـ من خلال
اختيار خالد يوسف لهذا الواقع وتصويره على هذا النحو ـ تجد نفسك أمام
"سيرك" يحفل بكائنات مشوهة، وإذا قال لك البعض إن "هذا هو الواقع" فقل له
لماذا لا يتحدث الفيلم عن السياق الذى جعل هذا الواقع بهذا التشوه؟
فالنتيجة أنك تنظر إلى هؤلاء "البشر" على هذا النحو وتدرك أنه مادامت ليست
هناك أسباب، فإنهم سوف يظلون هكذا، وبالتالى فمن الأفضل إبادتهم والقضاء
عليهم.. وهذا بالطبع ليس رأينا بل الطريقة التى قدمهم الشريط بها.
الجانب الآخر من سياسات السينما: ما هو التأثير الذى يريد خالد يوسف
أن يحققه فى المتفرج؟ الإجابة بساطة: الفرجة، والفرجة فقط, فليس هناك الحد
الأدنى من التعاطف الذى يمكنك أن تشعر به تجاه أى شخصية، إنك تضحك عليهم
ومنهم، وربما تحتقرهم أيضا، لأنهم لا يتمتعون حتى بما تتمتع به حيوانات
السيرك من حياة، فهم عرائس "ماريونيت" خالية من الحياة الحقيقية، وحتى
الفنان الحقيقى يجعل هذه العرائس الخشبية والله العظيم تنبض بالحياة.
فلأضرب لك مثلا واحدا من الشريط: هناك امرأة تدعى أشجان، كانت لها علاقة مع
بطل الشريط إبراهيم توشكي، تقول المرأة إنها أثمرت طفلا غير شرعى اسمه علي،
ويدعوه أقرانه على أشجان لأنهم لا يعرفون له أباً، وفى أول ظهور للمرأة فى
الفيلم تنادى من شرفتها على عشيقها السابق توشكى لكى تقنعه بأن يعترف
بأبوته للطفل. كيف يمكن لـ"فنان" أن يجسد هذا المشهد لكى يترك تأثيرا فى
المتفرج؟ دعنا نتأمل ما قام به صانع الشريط: المرأة تستقبل الرجل فى شقتها
بقميص نوم، وتكشف له عن ساقيها لتؤكد له أنها "مرة ماليش زي، والبضاعة أنت
معاينها كويس"، فهل تتصور أن تلك شخصية فنية حقيقية لامرأة تحاول أن تقنع
رجلا بأنها تصلح زوجة وأماً؟ الحقيقة أنها بالفعل "بضاعة" أراد صانع الفيلم
ـ وليست هى ـ أن "نتفرج" عليها.
يمكننى أن أستطرد معك فى تأمل الشريط مشهدا مشهدا، وشخصية شخصية،
وكلها تؤكد على أن منهج "الفرجة" وليس التعاطف هو ما أراده خالد يوسف من
المتفرج، الفرجة بمعناها السلبي، الفرجة السادية المريضة، فى سلسلة غير
مترابطة على الإطلاق من النمر، وفيها كانت الشخصيات تقف بعرض الشاشة صفا
واحدا كأنها شخوص على مسرح المولد ، وليذهب ما يسمى بـ"التكوين السينمائي"
إلى الجحيم، ولتذهب معها كل أبجديات السينما حتى على طريقة حسن الصيفى
والسيد زيادة... وأمام هذه الشرائط، وما أكثرها هذه الأيام، لا نطلب من
صانعيها التحلى بفن الأخلاق، لكننا نطلب منهم أولا أن يتعلموا أخلاق الفن.
العربي المصرية في
23/02/2010
بسبب فنانة جزائرية رشحها الفخرانى لدور فى
مسلسله
ممثلة ناشئة تحاول إشعال نار الفتنة من جديد بين مصر
والجزائر
فصل جديد من الفصول المسرحية الهزلية التى يخوضها البعض على طريق
تفتيت أواصر المحبة والأخوة بين الأشقاء العرب، خاصة بعد المهزلة التى
قادها البعض عبر الصحافة المصرية عقب مباراة المنتخبين الشقيقين "المصرى
والجزائري".
هذه المرة يحاول البعض تقديم فصل جديد ولكن من خلال الدراما المصرية،
عبر محاولة "خسيسة" لتأليب صناع الدراما والنقاد بل والجمهور على فنانة
جزائرية شابة اسمها "نسرين الطافش" تم ترشيحها للقيام بأحد أدوار مسلسل
"شيخ العرب همام".
الفنانة الجزائرية كان قد اختارها الفنان الكبير يحيى الفخراني، بطل
المسلسل، للقيام بالدور، غير أنه فوجئ بممثلة مصرية ناشئة ـ لا تزال تتحسس
خطواتها فى طريق التمثيل ـ حاولت بكل الطرق خطف الدور من الفنانة
الجزائرية، على اعتبار أنها مصرية، و"جحا أولى بلحم دوره"!!
غير أن الممثلة المصرية الناشئة فوجئت بالموقف المحترم الجاد من
الفنان الكبير يحيى الفخراني، الذى أصر على وجود الفنانة الجزائرية، على
اعتبار أنها الأصلح للدور، رافضا تلك النعرة العنصرية، وكل ما قيل فى حق
هذه الفنانة الجزائرية من اتهامات.
الطريف أن الفنانة الكبيرة صابرين أيدت موقف الفنان يحيى الفخرانى
ومعهما المخرج حسنى صالح، رافضين النظر لتلك المسرحيات الهزلية ونظرة
التعالى وهى نظرة يتبناها بعض المرتزقة الآن فى الصحافة والإعلام المصري!
المدهش فى الأمر أن الممثلة المصرية الناشئة، انتهزت فرصة ردود
الأفعال من بعض القنوات الفضائية وبعض المرتزقة المتشددين الذين يسكبون
البنزين على النار فى الموقف الأخير بين المنتخبين ـ المصرى والجزائرى ـ
للفوز بالدور بأى شكل وبأى ثمن، وراحت تتبنى حملة تشهير ضد الفنانة
الجزائرية، تارة صناع المسلسل ونجومه والذين رفضوا سماع ما تردده، وتارة
أخرى لدى بعض صغار الصحفيين لنشر بعض الأكاذيب حول الفنانة الجزائرية،
وثالثة عن طريق نقابة المهن التمثيلية!!
العربي المصرية في
23/02/2010 |