تجري أحداث فيلم «جزيرة شاتر» قبالة سواحل ماساتشوستس في العام 1954.
آسف، كان يجب أن أضع علامتَي تعجب بعد «ماساتشوستس» و«1954»، لأن جميع
تفاصيل وأحداث الفيلم، مهما كانت صغيرة، تتعرض لقدر هائل من الإسهاب
والإطالة. أما موسيقى التشيللو المخنوقة، فهي ترافق صور جزيرة شاتر، التي
يتخذ الفيلم منها اسماً له، وهي عبارة عن مكان موحش وكئيب يحتضن مستشفى
للمجانين من ذوي السلوك الإجرامي! وإذا ما تأملنا الألوان المستخدمة في
الفيلم فسنجد أنها شاحبة على نحوٍ مخيف، في حين أن تنقلات الكاميرا تنبئ
بالقلق والترقب. كل شيء هو في الحقيقة بخلاف ما يبدو للوهلة الأولى؛ ثمة
أمرٌ كارثي على وشك الحدوث.
للأسف، يتبين لنا فيما بعد أن هذا الأمر الكارثي هو الفيلم ذاته، الذي
قام بإخراجه مارتن سكورسيزي. ومثلما تتبدى لنا جزيرة شاتر في المشاهد
الافتتاحية شيئاً فشيئاً، فإن الأبعاد الكاملة للكارثة تتضح أيضاً على نحوٍ
تدريجي. في البداية يبدو كل شيء على ما يُرام، حيث يستخدم سكورسيزي مهاراته
الأسلوبية الفائقة، والمتمثلة في فهمه العميق والشامل لآلية التفاعل بين
الصوت والصورة، من أجل ابتكار المعاني والحالات النفسية، وذلك بهدف استحضار
جو مشحون بالشك والخوف.
الوسيلة التي يتم من خلالها إيصال هذه المخاوف تتمثل في النجم
ليوناردو ديكابريو، الذي يؤدي دور تيدي دانييلز، المارشال الأميركي الذي
يستقل قارباً إلى تلك الجزيرة المعزولة للتحقيق بقضية اختفاء أحد المرضى.
وديكابريو، الذي يبدو أنه أضحى مهووساً باللكنة التي تحدث بها في فيلم
«الموتى»، يستعيد تلك اللكنة مرة أخرى خلال ركوبه القارب، فتنتشر كالمرض
المُعدي في كافة أرجاء الفيلم. أما شريك تيدي، تشاك أول، والذي يؤدي دوره
مارك رفالو، فيُفترض أن يكون من دول شمال غرب المحيط الهادي، لكن من خلال
حديثه يتبين لنا أنه ربما نسي جميع أحرف الراء (R)
في سياتل. في حين أن النجمة ميشيل وليامز، التي تؤدي دور دولوريس، زوجة
تيدي الميتة، فتظهر أحياناً ضمن اللقطات الخاصة بالذكريات والهلوسات، وهي
مغطاة بالبقع المتسخة والألوان بينما تتحدث بلكنة ثقيلة.
هذه التغييرات في إيقاع اللهجة تهيمن على «جزيرة شاتر»، لكنها ليست
الأصوات الوحيدة المسموعة في محيط ذلك المصح العقلي، الذي يتنقل فيه المرضى
بتثاقل، فيما يسير المشرفون والممرضون في أرجائه كأشباح تتربص للانتقام. بن
كينغزلي، الذي يؤدي دور الدكتور كولي، الطبيب النفسي المسؤول، ينضح صوته
بالهيبة والتهديد اللذين يتمتع بهما أبناء الطبقة العليا، فيما تغطي ذقنه
لحية صغيرة توحي بالنزعة الشريرة. أما ماكس فون سيدوف فتتدفق منه
الفرويدية، عندما يقوم بدس اللهجات الألمانية التي تذكِّر تيدي- وبالطبع
ليس فقط تيدي- بالنازيين، الأمر الذي يمهد السبيل أمام سلسلة من اللقطات
التي تُظهر، على طريقة الخطف خلفاً، الجثث المكدسة أمام ثكنات معسكرات
الموت.
هذه الصور تنبعث من ذهن تيدي المشوَّش، والذي تُعتبر حالته من الألغاز
الكبيرة في الفيلم. بالطبع هناك الكثير من الألغاز الأخرى، مثل التلميحات
حول المؤامرة والإيمان بالقدرات الخارقة، وخدع الحرب الباردة، والكثير من
الأمور الأخرى التي ينضح بها الجو العام، الذي يتعكر صفوه إما بسبب سوء
الطقس، أو التغضن الذي يصيب جفن ديكابريو. أثناء لقائه بالمرضى والموظفين،
في محاولة للتعرف إلى كيفية اختفاء سيدة، تُدعى ريتشل سولاندو، من زنزانتها
وهي حافية القدمين، يصاب تيدي بآلام صداع وكوابيس وجنون ارتياب. فجميع
الذين يلتقيهم يبدو عليهم أنهم يخفون سراً ما، لكن ماذا عساه أن يكون؟
هل ما يجري هو عبارة عن اختبار لوسائل نفسية جديدة لها علاقة بالتجسس؟
أم إنه متصل بطريقة أو بأخرى بالأبحاث الطبية المروِّعة التي أُجريت في عهد
الرايخ الثالث؟ هل الوسائل المستخدَمة من قبل الدكتور كولي، والتي يدعي
أنها متطوِّرة من الناحية الإنسانية، مقارنةً بما شهده الماضي من وحشية
وخرافات، هي بحد ذاتها شكلٌ من أشكال الجنون؟ وماذا بشأن تلك المصادفة
الغريبة المتمثلة في أن جزيرة شاتر تؤوي ذلك المهووس بإشعال الحرائق، الذي
كان تسبب بوفاة دولوريس؟
كل هذه الألغاز توحي بمضامين تؤدي في نهاية المطاف إلى خنق الفيلم،
الذي تتباطأ حبكته عن التدفق إلى درجة التخثر. وبالرغم من أن سكورسيزي لا
يفتقر إلى الإمكانيات والبراعة في هذا المجال، إلا أنه يستسلم لتأثير
ألفريد هيتشكوك، الذي يُعتبر أستاذاً في إثارة الاضطراب النفسي، كما أنه لا
يخفي تأثره بماريو بافا، أستاذ أفلام الرعب الإيطالية، والذي تؤكد أفلامه
بشكلٍ دائم على تغلب الإحساس على الحاسة. صحيحٌ أن مهارة سكورسيزي في
استخدام الكاميرا تملأ كل مشهد من مشاهد الفيلم بالإحساس بالقشعريرة، لكن
يبدو أن القدرة على مواصلة التشويق الآسر خارج متناوله.
وهكذا فإن المشكلة الدرامية الرئيسية في الفيلم- أي الحدود غير
المستقرة بين واقع جزيرة شاتر والصورة الموجودة في ذهن تيدي عنها- تفقد
إثارتها تدريجياً مع التوالي البطيء لأحداث القصة. وعندما تبدأ الإطالات
والالتفافات والتفاصيل غير الهامة في القصة بالتكاثر والانتشار، يساورنا
شعور بأن القصة خرجت عن مسارها. لكن في اللحظة التي يجب أن يتسارع فيها
الكشف عن اللغز، يبدأ الفيلم بالتباطؤ، الأمر الذي يفرض على تيدي المسكين
الالتقاء بنخبة من الممثلين، مثل إيملي مورتيمر وجاكي إيرل هايلي وباتريشا
كلاركسون، الذين يقدمون شرحاً مسهباً ومملاً لأمور يعتقد الجمهور أن لا
علاقة لها على الإطلاق بقصة الفيلم.
بالنتيجة ينجح سكورسيزي في إجبارنا على تأمل خيوط البساط الذي ينسجه،
ليقوم في نهاية المطاف، وبمنتهى التأني، بسحبه من تحت أقدامنا. مع اقتراب
الكشف عن الحقائق النهائية، تتضاءل الرهانات بشكلٍ كبير، ثم يساورنا إحساس
بأن الفيلم كان عبارة عن ابتكارٍ موتورٍ ومتكلف لا هدف له.
هناك بالطبع من يفضل عدم التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج، وذلك إلى حدٍّ
ما بدافع الولاء لسكورسيزي، هذا المخرج الذي يؤثر بعض النقاد تجيير الشك
لمصلحته. لكن في هذه الحالة يبدو أن الشك ينبع من صانع الفيلم نفسه، الذي
بدا غير قادر على تحديد الأمور التي تشغله، بمعزل عن أي هواجس شكلية محلية
خاصة. صحيحٌ أنه استخدم في الماضي شخصيات تمتلك تصوراً هشاً للواقع- أو
شخصيات تعيش على نحوٍ أعمى ضمن واقعٍ من صنع يديها- كوسيلة لإيصال
الاستكشاف النفسي والنقد الاجتماعي؛ لكن كلاً من ذهن تيدي وعالم جزيرة شاتر
يمثلان نظامين مغلقين وعديمي التهوية، تضيئهما ومضات الإتقان الشكلي
والبراعة الفنية، إنما من دون أي نوع من أنواع الحرارة أو القناعة أو
الهدف.
عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية
أوان الكويتية في
23/02/2010
« خزانة الألم» أفضل فيلم .. يحصد أهم جوائز « بافتا»
لندن - يو.بي.آي:
فاز فيلم «خزانة الألم» عن حرب العراق، بجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع
جوائز الأكاديمية البريطانية للسينما والتلفزيون (بافتا).
وبالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم، حصد «خزانة الألم»
Hurt Locker الذي يدور حول فرقة عسكرية من النخبة تعمل في
تفكيك القنابل في العراق، خمس جوائز أخرى في المهرجان، بينها جائزة أفضل
مخرج لكاثرين بيجيلو، وأفضل نصّ سينمائي أصلي للمؤلف مارك بول. كما فاز
الفيلم بجوائز أفضل مونتاج وأفضل تصوير سينمائي وأفضل صوت.
وفاز كلّ من فيلم «أفاتار»
Avatar و«فوق»
Up بجائزتين في المهرجان، إذ فاز «أفاتار» بجائزتيّ
أفضل تصميم إنتاجي وأفضل مؤثرات بصرية، وفاز فيلم «فوق» بجائزتيّ أفضل فيلم
رسوم متحركة وأفضل موسيقى. كما فاز الممثل البريطاني كولين فيرث بجائزة
أفضل ممثل عن دوره في فيلم «رجل أعزب»
A single man، ونالت الممثلة البريطانية كاري موليغان جائزة
أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «تربية»
An Education.
وفاز الممثل النمساوي كريستوفر وولتز بجائزة أفضل ممثل في دور مساعد
عن دوره في فيلم «أوغاد مغمورون»
Inglorious
Bastards، في حين حصلت الممثلة الأميركية مونيك على جائزة أفضل ممثلة في دور
مساعد عن دورها في فيلم «بريشوس»
Precious.
وفاز كلّ من جايسون ريتمان وشيلدون تيرنر بجائزة أفضل سيناريو مقتبس
عن فيلم «عالياً في الهواء»
Up In the Air المستند إلى رواية المؤلف الأميركي والتر كيرن، حول رجل متخصص بتسريح
الموظفين. وفاز فيلم «فيش تانك»
Fish Tank
بجائزة أفضل فيلم بريطاني، وفيلم «النبي»
The Prophet
بجائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، فيما فاز فيلم «فيكتوريا الشابة»
Young
Victoria بجائزة أفضل تصميم ملابس ومكياج وشعر.
أوان الكويتية في
23/02/2010
الأفلام الكوميدية تتألق
منى كريم
في الحلقة السابقة، برزت أهمية الأفلام المذكورة في القائمة من خلال
مساهمتها في تشكيل حركات جديدة في الفن السابع، بينما تركز هذه الحلقة على
الأفلام الكوميدية وتختمها بفيلم درامي، فبعض هذه الأفلام الكوميدية نال
الشعبية الكبيرة وبعضها لاقى الصمت، إلا أنها جميعاً أنصفت ودخلت في ذاكرة
تاريخ السينما لأسباب ثقافية أو فنية.
وفي بداية هذه الأفلام نجد فيلم «حساء البط» «Duck
Soup» الذي صدر العام 1933 ليمثل الكوميديا الفوضوية بتمثيل من الإخوة
ماركس ونص بيرت كالمار وهاري روبي وإخراج ليو ماكاري، حيث تكمن أهمية هذا
الفيلم كونه جمع الإخوة ماركس في آخر فيلم لهم سوية. وللأسف لم يحقق «حساء
البط» نجاحاً مادياً ملحوظا، كما حصل على ردود فعل مختلفة من النقاد،
واستمرت شركة بارامونت في عملها مع الإخوة رغم ذلك.
لاحقاً، تفرقت الشركة المنتجة عن الإخوة ماركس، ولعبت الصحافة دوراً
في ذلك لأنها وجدت بأن الفيلم لم يرتق للميزانية التي رصدت له ولم يكن
منسقاً بشكل جيد، إلا أن التاريخ أنصف هذا العمل ليصبح أفضل ما قدمه الإخوة
ومن أهم الأفلام الكوميدية الرصينة في تاريخ السينما الأميركية، حسبما تشير
له مكتبة الكونغرس ومعهد الأفلام الأميركية وكبار النقاد داخل وخارج
الولايات المتحدة.
في المرتبة الـ 67 يجيء أحد أفلام جاك نيكلسون الشهيرة «التفصيل
الأخير» «The last detail»
الذي خرج العام 1973 وهو فيلم درامي كوميدي من إخراج هال آشبي مستوحى من
راوية بذات العنوان لداريل بونيسان. الأمر الأكثر ملاحظة في هذا الفيلم هو
كثرة السب والشتائم التي جذبت الجمهور إليه، حيث تتحدث القصة عن رجل في
البحرية الأميركية يذهب في مهمة إلى بورتسموث.
ترشح الفيلم لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان الفرنسي وحصل
نيكلسون على جائزة أفضل ممثل، كما ترشح الفيلم لثلاث جوائز أوسكار دون أن
يفوز بأي منها. وصرح نيكلسون عن مشاعر الخيبة لعدم فوزه بجائزة الأوسكار
ليفاجئ الجميع بذلك خاصة وأنه أكثر فنان ترشح وحصل على جوائز أوسكار، إلا
أنه دعم قوله بأنه سعد بجائزة مهرجان كان الرفيعة إلا أنه ظلم في الأوسكار
لأنه قدم أفضل أدواره على الإطلاق.
وتستمر أفلام الكوميديا مع فيلم «الشقة» «The
Apartment» الذي خرج في بداية العقد الستيني من القرن الماضي من إخراج بيلي
وايلدر وتمثيل جاك ليمون وشيرلي ماكلين وفريد ماكموري، وهو الفيلم الذي
ألحقه المخرج بعمل شهير «البعض يحبه حارا» ليقدم عملين ناجحين بالنسبة
للجمهور والنقاد، كما ترشح لعشر جوائز أوسكار وحصد خمسا هي جائزة أفضل فيلم
وأفضل مخرج وأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل نص. قصة الفيلم تتناول حياة
باكستر الذي يعمل في شركة تأمين في مدينة نيويورك ويعيش في عمارة فيها
الكثير من الأحاديث والإشاعات والشكاوى التي يتعامل معها البطل بروح
كوميدية وساخرة.
ومن ثم يأتي فيلم «يوم الجرذ» «Groundhog
day» الكوميدي الذي خرج العام 1993 من إخراج هارولد رامس من بطولة بل
موراي وآندي ماك دويل ليحكي قصة مذيع يذهب لتغطية مجريات احتفال تقليدي
بيوم الجرذ، ليواجه يوماً عصيباً ويشعر بأن أيامه تتكرر في شكلها ويقرر
الانتحار إلا أنه يعيد ترتيب حياته في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن
الفيلم لم يحصد أية جوائز أوسكار إلا أنه حصل على جائزة أفضل فيلم في جوائز
الكوميديا البريطانية ودخل قائمة مكتبة الكونغرس، كما أنه حقق مكانة ملحوظة
في مجالات متعددة منها الاقتصاد والموسيقى والسياسة والجيش، حيث تم اقتباس
الفيلم بشكل متكرر مثل فرق الجيش الأميركي في الصومال التي وجدت في الفيلم
رمزا لأوضاعهم الصعبة.
وفي نهاية هذه القائمة الكوميدية، يجيء من العام 1954 فيلم الدراما
«على واجهة البحر» «on the waterfront»
الذي يتحدث عن عنف الشرطة والفساد في الأمن الداخلي، في قصة مستوحاة من
مقالات كتبها مالكولم جونسن، من تمثيل مارلون براندو وإيفا ماري سانت ورود
ستيغر وكارل مالدن وإخراج إيليا كازان، أما موسيقى الفيلم فقد كتبها
ليونارد بيرنستاين. وحصد الفيلم 8 جوائز أوسكار منها أفضل فيلم وأفضل ممثل
وأفضل مخرج، وهو الفيلم الوحيد للمخرج الذي لم يستوحِه من مسرحية، كما فعل
مع بقية أفلامه.
أوان الكويتية في
23/02/2010 |