استطاعت السينما الهندية في السنوات الأخيرة،
أن تحتل مكانة بارزة علي المستوي العالمي، وتحقق تواجدا وتأثيرا
يفوق في بعض الأحيان ماحققته السينما الأوروبية،
وأذكر من سبعة أعوام عندما قام
مهرجان كان السينمائي الدولي
بتكريم، السينما البوليوودية، وعرض فيلم"ديفوس"
الذي لعبت بطولته إشوايا راي في سابقة كانت الاولي من نوعها،
حيث كانت السينما الهندية ولسنوات طوال تلعب في مناطق محدودة، وتقتصر
موضوعات أفلامها علي القصص الميلودرامية "الساذجة
"التي تهدف لاستجداء دموع المشاهدين.
ولكن انقلابا كبيرا حدث في صناعة السينما الهندية،
غير الي حد بعيد من نوعية الموضوعات التي كانت تختنق داخلها لترضي فئة
محدودة من الجماهير، وبدأت القضايا السياسية والاجتماعية تأخذ طريقها إلي
السينما الهندية، ومن أحدث الأفلام السياسية التي تقدمها السينما الهندية
"اسمي خان .. ولست إرهابيا"! وهو من بطولة نجم السينما الهندية شاروخان
الذي يطلقون عليه اسم الملك!ويقدم في العام الواحد
مايزيد علي عشرة أفلام ذات موضوعات متنوعة بين الرومانسي والأكشن،
والاجتماعي والسياسي، وتحقق
أعلي الإيرادات داخل الهند وخارجها
!
< < <
في اسمي خان ..
ولست إرهابيا
يقدم شاروخان دورا إنسانيا معقدا،
جعل بعض النقاد
يؤكدون أنه أفضل أدواره علي الإطلاق،
والفيلم من إخراج كاران شوهار، وتدور أحداثه حول رضوان خان،
المواطن الهندي البسيط الذي
يعاني من مرض التوحد،
وهو مرض يؤدي الي عدم النمو الوجداني للإنسان بحيث يحتفظ ببعض ملامح طفولته مع تطور جسده،
بما يناسب مراحل العمر المختلفة ولأسباب غير مفهومة،
وكما هو واضح من اسمه، فهو مواطن هندي مسلم، ينتمي لأسرة بسيطة،
وكانت والدته تعمل في حياكة الملابس، وقد علمته منذ طفولته أن البشر
ينقسمون الي فئتين، بشر أسوياء ولهم ميول طيبة،
وبشر من الأشرار، وهي شخصيا لاتؤمن بتقسيم البشر حسب ديانتهم أو جنسيتهم أو لونهم أو
وفق الطبقة الاجتماعية التي ينتمون لها،
إنهم إما أشرار أو أخيار،
وتعلم "خان
"هذا الدرس منذ نعومة أظافره،
رغم أنه
يعيش في مجتمع يضطهد فيه الهندوس المسلمين،
ومع ذلك فإن" رضوان خان" لم يحمل في نفسه أي ضغينة لأي شخص مختلف عنه في الدين،
لأنه تعلم أن الدين الإسلامي يدعو لاحترام الآخر وعدم الاعتداء عليه أو علي ممتلكاته أو روحه،
بدون وجه حق، ونظرا للرعاية الخاصة التي كانت توليها الأم لطفلها "خان"،
فإن الغيرة تدب في قلب شقيقه الأصغر، وتجعله
يعامل خان ببعض الفتور والقسوة، وبمجرد أن يشب عن الطوق ويصل وينهي دراسته الجامعية،
حتي يقرر السفر الي أمريكا للعمل هناك، بينما
يظل خان يعيش مع والدته ويقوم برعايتها،
وعندما تتوفي والدته
يقرر خان أن يلحق بشقيقه في أمريكا!
< < <
المساحة الأكبر من الفيلم التي تدور أحداثه فيما
يقرب من ثلاث ساعات تم تصويرها بين لوس أنجلوس، وواشنطن،
ويعمل خان في الترويج لبعض المستحضرات الطبية، الخاصة بالتجميل،
وهو الامر الذي يتطلب منه، استخدام مهاراته الخاصة في إقناع النساء بأهمية
تلك المستحضرات،
ويلتقي بفتاة هندية جميلة هي
"مانديرا" ورغم أنها من الهندوس، إلا أن "خان"
المسلم يصر علي الزواج منها بعد أن تعلق قلبه بها، وهو
يجمع عنها معلومات تصيبها شخصياً بالدهشة، ويعلم أنها كانت متزوجة وأن زوجها هجرها وسافر
بمفرده إلي استراليا،
وتركها وطفلها الصغير
"سام"دون حماية أو رعاية،
وهي تعمل في محل لتصفيف شعر النساء،
وتحلم أن يكون لها محلها الخاص، ويقرر خان أن يتزوج من مانديرا،
غير أن شقيقه يرفض هذه الزيجة نظرا لأن مانديرا من الهندوس،
ويعيش خان حياة هادئة مع زوجته وطفلها الذي أصبح له بمثابة الابن، لكن
تنقلب الأحوال بعد أحداث سبتمبر وضرب برجي مركز التجارة العالمي، الأمر
الذي يضع المسلمين في أمريكا في محل الشبهات، تحيطهم الكراهية،
والتربص ومحاولات الاعتداء ايضا، ويصبح علي خان أن
يثبت أن ليس كل مسلم إرهابيا ويتمني أن يصل صوته لكل الشعب الأمريكي،
ولكن الامور تسير علي نحو يسيء،
وذلك عندما
يتعرض سام الطفل الصغير إلي اعتداء وحشي، من زملاء مدرسته،
لأنه يحمل اسما مسلما بعد زواج أمه من مسلم، وينتهي الأمر بمقتل الطفل،
وتصاب أمه بحالة من الحزن والغضب، وتحمل زوجها نتيجة مقتل طفلها!
لأن ماحدث له ناتج عن كونها تزوجت بمسلم، ويقرر خان أن
يرحل عنها، رغم حبه الشديد لها، ويقرر أن يفكر في وسيلة لمقابلة الرئيس الامريكي،
ليؤكد له أن الإسلام دين تسامح ورحمة، وأن ليس كل مسلم إرهابيا،
ولكن في طريقه للقاء الرئيس الأمريكي، تثار حوله الشكوك وخاصة أن تصرفاته وسلوكياته
تبدو غريبة للبعض، ويتم القبض عليه وتعذيبه،
إلا أن أحد المراسلين الصحفيين الذي يعمل في إحدي الشبكات التليفزيونية،
كان قد قام بتصوير محاولة خان للقاء الرئيس الأمريكي، وهو يندفع وسط
الجماهير ويصرخ بأعلي صوت أنا اسمي خان ولست إرهابيا، وفي هذه الأثناء يضطر خان للاحتماء بإحدي الكنائس،
ويلتقي ببعض الزنوج المسيحيين،
ويحدث بينه وبينهم قدرا من التعاطف،
ويقرر ان يمنح بعض ماله لصالح هؤلاء الفقراء المسيحيين،
الذين هدمت الأعاصير منازلهم، فلجأوا إلي الكنيسة، ويقوم خان بتوجيه نداء لأصدقائه المسلمين،
للتبرع لهؤلاء الذين لايمتلكون منازل، وتنقل كاميرا التليفزيون وصول أفواج من المسلمين
الذين ذهبوا لإنقاذ أشقائهم المسيحيين،
ويثبت خان للعالم أن الإسلام دين رحمة وتسامح، وإنه
يحترم كل الأديان وكل البشر، وتتزامن تلك الاحداث مع وصول أوباما للحكم بعد نجاحه في معركته
الانتخابية ليصبح أول أمريكي من أصول إفريقية
يصل الي البيت الابيض، ويجدد خان محاولته للقاء الرئيس الامريكي الجديد ليشرح له،
حقيقة الدين الإسلامي، فيجد ترحيبا من أوباما في لقائه والاحتفاء به أمام الملايين
!
الفيلم
يسعي لتغيير الصورة النمطية للمسلمين،
كما تقدمها السينما الأمريكية،
وقد نجح في ذلك فعلا،
وحقق الفيلم نجاحا كبيرا عند عرضه في أمريكا، وخاصة أن هناك ملايين المسلمين من آسيا وإفريقيا
وشرق اوروبا يقيمون ويعملون في امريكا،
وقد احتفوا بالفيلم، لانه يقدم رؤية موضوعية شديدة الرقي..
يقدم النجم الهندي شاروخان واحدا من أهم أدواره
السينمائية،
لدرجة دعت بعض النقاد بمقارنته الممثل الأمريكي آل باتشينو الذي أدي شخصية
مريض الأوتيزم في فيلم رجل المطر،
ولم
يلجأ شاروخان للمبالغة في الأداء، بل قام بدراسة عدة حالات قبل تصوير الفيلم،
وبرع في تقديم كل تطورات الشخصية بنفس درجة الإقناع والإتقان، وشاروخان من
مواليد 1965 بمدينة نيودلهي وهو مسلم كما هو واضح من اسمه وقد تزوج من سيدة
من الهندوس ويعيش معها حياة مستقرة وأنجب منها طفلين،
وقد علم أولاده تعاليم الدين الإسلامي، التي تدعو للتسامح والرحمة،
و"شاروخان" تعني بالهندية "وجه الملك "، وهو من أحب نجوم الهند وأكثرهم
شعبية ومثل معظم نجوم السينما الهندية يجيد الغناء والرقص، وأداء أدوار الحركة، ولكنه وبعد أن وصل إلي سن الأربعين أصبح
يفضل تقديم الأدوار المركبة التي تحتاج منه إلي مهارة وحرفة، وترك الغناء
والرقص والتنطيط للنجوم الأصغر سنا!
آخر ساعة المصرية في
23/02/2010 |