تستعدّ العاصمة اللبنانيّة لاستقبال تظاهرة من نوع خاص، على شكل تحيّة
شاملة لأحد أكبر سينمائيي القرن الماضي. فرصة ثمينة لـ(إعادة) اكتشاف
المعلّم الفرنسي الذي حقّق أفلاماً مرجعيّة في تاريخ الفنّ السابع، واعتُبر
الأب الروحي لـ«الموجة الجديدة»، وتنبّأ بالانتفاضة الطلابية قبل ربع قرن
من وقوعها
لم تمرّ الذكرى العاشرة لرحيل السينمائي الفرنسي الكبير روبير بروسون (1901
ــــ 1999) مرور الكرام. خصّت الأوساط السينمائية الفرنسية صاحب «محاكمة
جان دارك»، بتظاهرات متعددة. مثلاً، أعاد المنتج سيمون سيمسي ـــــ أحد آخر
ديناصورات «سينما المؤلف» الفرنسية ـــــ طرح ثلاثة من أفلامه في قاعة
Acacias في باريس. وها هي بيروت، تحتفي بسينمائي النقاء، بمبادرة من «البعثة
الثقافية الفرنسية» وسينما «متروبوليس»، عبر تظاهرة استعاديّة شاملة لمجمل
أعماله، بحضور الناقد جان ـــــ ميشال فرودون رئيس التحرير الأسبق لمجلّة
«دفاتر السينما» الفرنسيّة العريقة، وصاحب كتاب عن بروسون صدر ضمن سلسلة
«السينمائيّون الكبار» عن المجلّة المذكورة.
عبر مسيرة حافلة، امتدت أكثر من 40 سنة، احتلّ بروسون موقعاً طليعياً في
السينما الفرنسية. عدّه اثنان من أبرز أقطاب «الموجة الجديدة»، هما فرنسوا
تروفو وجان لوك غودار، مثلهما الأعلى في السينما واعتبرا أعماله «ثورةً قبل
الثورة». صاحب «فرار محكوم بالإعدام/ أو/ الريح تهبّ حيث تشاء» (فيلم
الافتتاح ـــــ ٤/٢) الذي نال جائزة أفضل إخراج في «كان» (1957)، لم ينتظر
الانتفاضة الستينية لركوب موجة التغيير. أشعل الثورة في السينما الأوروبية،
لما بعد الحرب العالمية الثانية، منذ فيلمه «سيّدات غابة
Boulogne» (٦/٢) الذي يعود إلى عام 1945، أي بعد 11 عاماً
على تحقيق باكورته الروائية القصيرة «الشؤون العامة» (١١/٢). لكنه طلب
لاحقاً إسقاط الفيلم الأخير من لائحة أعماله وعدم عرضه مجدداً على الجمهور.
في 1942، كان بروسون خارجاً من المعتقل النازي، بعدما سُجن في الأسابيع
الأولى للحرب، وقضى عاماً في الأسر، ما أسهم في خلخلة قناعاته الدينية هو
الذي تلقّى تربية كاثوليكية صارمة. من تلك التجربة، وُلد عمله الأول
«ملائكة المعاصي» (1943ـــــ ٥/٢) الذي عدّه تروفو «موجة جديدة قبل الموعد»
لأنه تنبّأ بالثورة الشبابية المقبلة، رغم أنه سبقها بربع قرن! أما الجمهور
الواسع، فاكتشف بروسون، وأغرم بالنفس الإنسانية والروح الشاعرية الرقيقة
التي تتّسم بها سينماه، منذ نجاح «نساء غابة
Boulogne». كانت أوروبا خارجة من أتون الحرب العالمية
الثانية، حين قدّم بروسون ذلك الفيلم الذي تعاون في كتابة حواراته مع جان
كوكتو. رغم نجاح الفيلم، إلا أنّ بروسون لم يكن راضياً. لم تكن تلك السينما
التي يحلم بتقديمها. كان يطمح إلى سينما مجدّدة تكتسب جمالياتها من عفويتها
كما قال. لذا، قرّر ألا يستعين بممثلين محترفين. وفسّر ذلك بقوله: «أؤمن
كثيراً بالجمال، لكن الجمال لا يكون جميلاً إن لم يكن طبيعياً وعفوياً.
وكيف يمكن ممثلاً محترفاً أن يكون طبيعياً؟ هو يحتاج إلى أن يعرف مسبقاً ما
سيقدّمه أمام الكاميرا. أما أنا، فأُراهن على الآني والعفوي. أومن بأنه لا
إبداع لفن من دون إفساح المجال للمفاجأة والتغيير».
منه استلهم روّاد «الموجة الجديدة» المنحى المينيمالي الذي أعلن القطيعة مع
بهرجة التصوير
من يقرأ هذا التصريح الذي أدلى به بروسون عام 1947، يخيّل إليه أنه يستمع
إلى كلمات تروفو أو غودار بعد عقدين، ما يفسّر لماذا اعتُبر بروسون من قبل
روّاد «الموجة الجديدة» بمثابة مثلهم الأعلى في التجديد السينمائي. أسقط
تدريجاً السيناريو التقليدي لحساب رؤية سينمائية تراهن على الارتجال، بهدف
الإمساك بجمالية الآني بكل ما فيه من عنفوان وعفوية.
لتجسيد هذه الرؤية الإخراجية، توقّف بروسون عن العمل خمس سنوات بعد «نساء
غابة بولونيو». لكن ذلك الاعتزال الطوعي كان فترة تأمل مثمرة. كان بروسون
يتراجع خطوات إلى الوراء استعداداً لتحقيق قفزة أكبر. لذا، جاء فيلمه
التالي «يوميات كاهن في الأرياف» (1950 ـــــ 7/2) بمثابة رائعة سينمائية
أسّست لتيار مغاير في سينما المؤلف الفرنسية. بعد ذلك، راح يتنقّل من نجاح
إلى آخر. قدّم «فرار محكوم بالإعدام» (1956)، و«النشّال» (1959 ـــــ ٨/٢)
و«محاكمة جان دارك» (1962 ـــــ ٩/٢). ثم اقتبس فيلميه «امرأة رقيقة» (1969
ـــــ ١٣/٢) و«أربعة ليال في حلم» (1971 ـــــ ١٤/٢) عن قصص لدوستويفسكي.
فيما استوحى فيلمه الأخير «المال» (1983 ـــــ ١٧/٢) من قصّة تولستوي «الصك
المزوّر».
من سينما بروسون، استلهم رواد «الموجة الجديدة» المنحى المينيمالي الذي طرح
جانباً بهرجة التصوير، وأسقط المعايير الكلاسيكية للإطار السينمائي، لإفساح
المجال أمام رؤية مجدّدة تسعى إلى جس نبض ما يحدث خارج المشهد المصوّر، عبر
الأصوات والظلال التي تشكّل صدى لما يحدث على الشاشة، ووسيلة لرصد ردّ فعل
البيئة المحيطة التي يندرج ضمنها المشهد السينمائي.
لم تقتصر تأثيرات الرؤية الإخراجية المجدّدة التي ابتكرها بروسون على سينما
«الموجة الجديدة» الفرنسية، بل تركت بصماتها على مخيّلة أجيال متلاحقة في
السينما العالميّة. على سبيل المثال لا الحصر، نجدها اليوم حاضرة بقوة في
أعمال معلّمين كبار، أبرزهم الإيراني عباس كياروستامي والفنلندي آكي
كوريسماكي...
من البرنامج
فرار محكوم بالإعدام ـــ 1956
٤/٢ < 8:00
في عام 1943، تُلقي الشرطة الألمانية القبض على فونتان بتهمة الانخراط في
المقاومة وتقرّر إعدامه مع رفاقه. لكن المناضل الفرنسي يقرّر عدم الرضوخ
لهذا الوضع ويبدأ بالإعداد لعمليّة فراره مع صديقه في الزنزانة. فشل عمليّة
الفرار لن يثنيه عن المحاولة من جديد!
يوميّات كاهن في الأرياف ـــ 1950
7/٢ < 8:00
كاهن قرية «أمبريكور» الشاب، يصطدم بسخرية رعيّته منه وعدم التفاتهم إلى
الدّين، فيحاول إعادة وصل الأوصال المقطوعة بين رعيّة بلدته والدّين.
الفيلم المستوحى من رواية جورج بيرنانوس التي تحمل العنوان ذاته، حاز جوائز
عدّة، بينها جائزة «لوي دولوك»
الشيطان ربما ـــ 1976
16/٢ < 8:00
عن هذا العمل، نال بروسون «جائزة الأسد الفضي» في «مهرجان برلين» عام 1977.
بطل الشريط شارل، كائن رومنسي، لا يؤمن بالمنظومة الأخلاقيّة والدينيّة
لمجتمعه. كأحد أبطال النار في الأساطير الإغريقيّة، يحلم الشاب بعالم أفضل.
وحين يصطدم بالواقع، يغرق في يأس عميق، ويقرر الانتحار.
نساء غابة بولونيو ـــ 1945
6/٢ < 8:00
يستوحي روبير بروسون شريطه من رواية دوني ديدرو الشهيرة «جاك القدري».
يتناول الفيلم قصّة انتقام إيلان من حبيبها جان الذي توقّف عن حبّها. يحمل
السيناريو توقيع جان كوكتو. يسبق الفيلم لقاء مع الناقد السينمائي الفرنسي
جان ـــــ ميشال فرودون.
النشّال ـــ 1959
8/٢ < 8:00
من رواية دوستويفسكي الشهيرة «الجريمة والعقاب»، استلهم بروسون شريطه. تتخذ
الجريمة في هذا العمل بُعد الإدمان، مع ميشال، السارق الملحاح الذي يحوّل
نشل الحقائب والجيوب في الأماكن العامّة إلى هواية. لعبته هذه لن تنتهي
لمصلحته...
المال ـــ 1983
17/٢ < 8:00
يواصل المعلم الفرنسي هنا بحثه الأثير في أصل الشر والجريمة. في قصة
غرائبية، تتنقل ورقة 500 فرنك من متجر إلى متجر، قبل أن تقع بين يدي إيفون،
وهو شاب بريء ساذج. العمل مستوحى من قصة تولستوي «الصكّ المزوّر»، وينتهي
الأمر ببطله إلى الدخول في دوامة الجرائم والقتل.
الأخبار اللبنانية في
01/02/2010
نصري حجّاج أضاع «أثر الفراشة»
أحمد الزعتري
يقتفي السينمائي الفلسطيني خطى محمود درويش. يعود إلى أماكنه الأثيرة، من
حيفا إلى بيروت مروراً بباريس، برفقة ساراماغو وسوينكا وآخرين
انطلق السينمائي والصحافي الفلسطيني من فكرة بسيطة وقويّة، هي العودة إلى
الأماكن التي سكنت محمود درويش. النتيجة فيلم جدير بالمشاهدة لغنى مادته،
ومثير للنقاش في آن واحد لوقوعه في مختلف الكليشيهات: درويش الغائب، ودرويش
الرمز، ودرويش المنفيّ والمسافر. هذا هو باختصار شريط نصري حجّاج «كما قال
الشاعر» الذي عرض في عمّان، ويتزامن عرضه في بيروت وحيفا مساء 3 شباط
(فبراير) الجاري.
حجاج (1951) الشغوف بالأجواء السوداويّة، كما في شريطه «ظل الغياب» (2008)
حيث تقصّى المقابر الفلسطينيّة على امتداد رقعة الشتات، باحثاً عن الأجساد
المنفية في موتها، يقدّم في شريطه الوثائقي الجديد «رسالة حب» إلى الشاعر
الراحل... فهل يكفي الحب لتقديم رؤية جديدة لصاحب «أثر الفراشة»؟
خلال 65 دقيقة، تشعبت بنية الفيلم على ثلاثة مستويات: الأول تجوال في أماكن
الشاعر الخالية منه: منزله الأخير في عمّان، سريره الأخير في مستشفى تكساس
في هيوستن، مكتب مجلة «شؤون فلسطينيّة» في بيروت، غرفته المفضلة في فندق
Madison في باريس... أمّا الثاني، فقراءات من شعره، بصوت كتّاب أمثال
البرتغالي خوسيه ساراماغو، والنيجيري وول سوينكا، والفلسطيني أحمد دحبور،
واللبنانيّة جمانة حدّاد، والشاعر الإسرائيلي («التقدّمي») إسحاق لاؤور...
أما المستوى الثالث، فمَشَاهد «تخيّليّة» مبنيّة على مقاطع من قصائد
الراحل.
لا يمكن الحديث هنا عن صورة سينمائيّة خاصة. المَشاهد التي أدارت تصويرها
جوسلين أبي جبرايل، لم تخرج عن التنميط الجاهز. تخرج الكاميرا من داخل منزل
الشاعر في حيفا، لتقترب من النافذة المطلة على البحر، تُراقب دخاناً من
سجائر رواد مقهى، أو تلاحق سرب حمام حول قبر درويش في رام الله، أو مقعداً
فارغاً في مسرح الـ«أوديون» في فرنسا.
أراد حجّاج لعمله «الابتعاد عن أسلوب التقارير التلفزيونيّة التي عرضت
مراراً (...). إنه فيلم وثائقيّ غير تقليديّ ينزع إلى توريط المشاهد في
التأمل بالابتعاد عن المعلومة السهلة(...)». لكنه ذهب إلى إنجاز فيديو كليب
متقن، يعتمد على المجاز السهل غالباً.
إنه ليس محمود درويش بل صورته المستهلكة!
في رؤيته الخاصة لقصيدة «لاعب النرد»، لا يجد أعمق من تصوير رواد مقهى
يلعبون طاولة الزهر. أمّا قصيدة «على محطة قطار سقط عن الخريطة»، فقد رأى
حجاج تجسيدها عبر امرأة خمسينيّة تجلس أمام قطار صدئ في محطة مهجورة. وفي
مقطع «لم أوقف حصاني إلّا لأقطف وردة حمراء من بستان كنعانية أغوت حصاني»،
نرى كنعانيّة ـــــ هي جمانة حدّاد ـــــ تجول في بستان، وفي خلفية الصورة
حصانٌ ينتظر صاحبه. لحسن الحظ، هناك لحظات أخرى تفلت من تلك السطحيّة، مثل
مشهد الشاب الذي يؤدّي المقطع الأخير من قصيدة «لاعب النرد» بلغة الصم
والبكم يرافقه صوت الشاعر.
الفيلم، الذي تلقفته الصحافة الأردنيّة بكثير من الإطراء، لم يجرؤ على
انتقاده إلا بعض المدونين. كتب أحدهم «لا أدري ما هي الإضافة بأن أرى غرفة
الفندق التي نام فيها درويش لآخر مرّة في فندقه المفضل في باريس؟ وتلك
الأوراق التي رأيناها على الطاولة هناك؟ أيجب أن أفترض أن هذه أوراقه
وأقلامه؟ ومن ثم يجب أن أقنع نفسي بأنّ هذا الافتراض صحيح؟ ثم يجب أن
أتأثّر بذلك؟». لكنّ تلك اللعبة شاهدناها في أعمال عالميّة سابقاً، مثل
«قرنفل» الراحلة بينا باوش، حيث يردّد الممثل/ الراقص كلمات أغنية غيرشوين
الشهيرة «الرجل الذي أحبّ» بالتقنيّة نفسها.
نلمس في الفيلم شغف حجاج بدرويش، وإحساسه الصادق بالفقد، لكن ذلك لا يكفي
لإنجاز فيلم ناضج فنيّاً. حين يدخل المشاهد إلى فيلم عن محمود درويش،
يتوقّع أنضج الابتكارات الأسلوبيّة والجماليّة التي تليق بقصيدته. وإلا
فلنتركه بسلام في ذلك القبر البشع الذي يظهر في الفيلم تحت سرب حمام. إنه
ليس محمود درويش، بل صورته المستهلكة.
الأخبار اللبنانية في
01/02/2010
كاتيا جرجورة في دائرة العنف
في أول أعمالها الروائية، اختارت كاتيا جرجورة (1975) أن تروي حكاية جيل
امتهن الحرب بالوراثة. تحكي المخرجة والصحافية اللبنانية الكنديّة، في
عملها الجديد «بالروح، بالدم» (2009 ــــ 31 دقيقة ــــ 35 ملم)، قصّة فارس
(فادي أبي سمرا) الذي كان عضواً سابقاً في إحدى الميليشيات خلال الحرب
الأهليّة اللبنانيّة. وها هو بعد 19 عاماً على نهاية الحرب، يتألم لرؤية
ابنه (رامي أبو حمدان)، يقترب من دوامة العنف نفسها.
يعرض الشريط عند السابعة مساء 3 شباط (فبراير) الحالي، في «مسرح مونتاني»
(المركز الثقافي الفرنسي/ بيروت) بحضور المخرجة، ضمن تظاهرة «كارت بلانش»
حيث تقدّم المخرجة أحد الأفلام التي تحبها: «فلاندر» للفرنسي برونو دومون،
(جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان كان» 2006).
لم تعش جرجورة، المتنقّلة بين لبنان والخارج، ويلات الحرب الأهليّة. أمضت
طفولتها وشبابها في كندا، قبل أن تدفعها دراسة العلوم السياسيّة إلى أتون
الشرق الأوسط. بعد الغزو الأميركي للعراق، حملت كاميراتها لتنجز وثائقياً
بعنوان «نداء كربلاء» (2004)، في عراق ما بعد صدام. بعدها أنجزت وثائقياً
آخر في الشارع اللبناني، إثر اغتيال الحريري، ومنحته عنوان «Terminator
أو المعركة الأخيرة» (2006). أمّا في «بيروت ما بتموت» فصورت فرقة الراب
«قطاع بيروت» بين أنقاض الضاحية الجنوبيّة، مباشرة بعد وقف العدوان
الاسرائيلي على لبنان صيف 2006. قبل أيام فقط، عادت من جولة زارت خلالها
صنعاء وجنوب اليمن، متتبعة آثار الأزمة السياسيّة الراهنة هناك التي ستكتب
عنها لمجلة كنديّة.
لا تحيد جرجورة في «بالروح، بالدم» عن تيمتها الأثيرة: الحرب ومناطق النزاع
وما بعد النزاع. برأيها «لا يجب أن نتوقف عن الحديث عن الحرب. لا يجب أن
ننسى شو صار». بلهجتها العربيّة المكسرة، تشرح أن عملها شغل متواصل على
تركة الحرب الثقيلة، وانعكاسها على الجيل الجديد الذي وجد نفسه متورطاً في
حروب جيل الآباء ونزاعاتهم. تحكي كاتيا بحماسة الصحافيّة المتعدّدة
الانتماءات، في هذا السياق نحاول أن نفهم بعض شطحاتها الإستشراقيّة. الفيلم
سيقول الباقي.
الأخبار اللبنانية في
01/02/2010
«دمشق» غادة السمّان إلى الشاشة الكبيرة
وسام كنعان
«حرّاس الصمت» المقتبس عن رواية للكاتبة السورية، سيصبح جاهزاً في الصيف.
هنا، أضاء المخرج سمير ذكرى على حياة عائلة دمشقية في الأربعينيات
والخمسينيات. لكنّ الفيلم لا يخلو من إسقاطات على راهننا العربي والإسلامي
«يسعدني أن تتحول إحدى رواياتي إلى فيلم سوري. أعجبني السيناريو لأنه عرف
جيداً كيف يلتقط روح الرواية». بهذه الكلمات، تلقى المخرج السوري سمير ذكرى
ردّ غادة السمان (1942) على سيناريو شريطه «حرّاس الصمت» المقتبس عن عملها
«الرواية المستحيلة ــــ فسيفساء دمشقية». «عرضت عليّ «مؤسسة السينما
السورية» مشروع إنجاز الفيلم ضمن احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية
2008»، فوافقت بسبب المكانة التي تحتلها الأديبة غادة السمان وأهمية
روايتها تلك». يقول سمير ذكرى لـ«الأخبار» مضيفاً: «الرواية مبنية على أربع
محاولات للسرد من دون حبكة الحدوتة التقليدية، أي بداية ونهاية وشخصيات لها
بناؤها الروائي المعتاد. وهو التحدي الذي فرض نفسه علي لإنجاز سيناريو يصلح
لفيلم ويسير بموازاة الرواية ويقاربها من حيث أهميتها، وخصوصاً أنّ أدب
السمان جماهيري». ولم يبدأ ذكرى بتصوير الفيلم إلا بعدما نال موافقة صاحبة
«عيناك قدري». وهي الخطوة التي شجعت «مؤسسة السينما السورية» على التعجيل
في إنتاج الشريط، وخصوصاً أنّ الأديبة السورية رفضت أن تتقاضى أي مبلغ
مادي، معتبرةً أن روايتها هدية تقدمها إلى السينما السورية.
وعما إذا كان الفيلم سيطرح قصة الرواية ذاتها، يجيب سمير ذكرى: «بالتأكيد.
خضتُ سابقاً تجربة مع رواية مهمة لحنا مينة أنجزت لها السيناريو وأخرجها
نبيل المالح في فيلم «بقايا صور»». ثم يشرح أسلوبه في التعامل مع الرواية
عندما أراد تحويلها إلى سيناريو. يقول: «شخصياً، فكّكتُ الرواية وأعدت
بناءها لكن على شكل سيناريو، وهذا ربما ما ينتج منه فيلم جديد غير
الرواية».
عاشت غادة السمان في بيئة مختلفة الانتماءات الفكرية وفي كنف عائلة محافظة
في مرحلة صعبة هي خمسينيات القرن الماضي. هكذا، روت صاحبة «كوابيس بيروت»
كل ذلك في «الرواية المستحيلة ــــ فسيفساء دمشقية» التي تضمنت استعراضاً
بانورامياً لدمشق وللحياة السورية. وهكذا تماماً، سيطرح شريط «حراس الصمت»
شخصية رئيسية مشابهة لشخصية السمان وسيقدمها في مراحل عمرية مختلفة. وسيركز
على حياة عائلة دمشقية في الأربعينيات والخمسينيات من خلال قصّة هذه الفتاة
وهي تحاول إقناع من حولها بإمكاناتها الإبداعية، وهي محاطة بتقاليد مجتمع
لا يرحم.
ويعتبر المخرج أن شريطه يمثّل خطوة في مشروع تنويري بدأه مع أفلامه «حادثة
النصف متر» و«وقائع العام المقبل» و«تراب الغرباء» ومن ثم «علاقات عامة».
علماً بأنّ الفيلم الأخير فاز بطله الممثل فارس الحلو بالجائزة الذهبية
لأفضل ممثل في «مهرجان فالنسيا السينمائي». ولن يكتفي «حراس الصمت»
باستعراض حقبة تاريخية معيّنة، بل سيلامس الواقع من خلال شخصياته التي تحمل
إسقاطات معاصرة وإضاءات تعني المجتمعين العربي والإسلامي.
وتجسد شخصيّات «حراس الصمت» مجموعة من الممثلين السوريين الشباب منهم:
نجلاء الخمري وميريانا معلولي ورنا ريشة وديانا قزح وميسون أبو أسعد وإياد
أبو الشامات ومازن منى ورامز الأسود، إضافة إلى الفنانة نجاح حفيظ. ويبدو
واضحاً أنّ سمير ذكرى مال إلى أسماء شابة لم تصنع شهرة بعد. وربما تكون
ميزانية الفيلم قد حالت دون استقطاب أسماء معروفة. وهنا يجد ذكرى أنّ الأمر
لا يتعلّق بالشقّ المادي «أحياناً قد يتضح جهدك مع ممثل شاب أكثر من الجهد
الذي تبذله مع ممثل قديم لتغيير نمط أدائه، ثم إنّ الوجوه الجديدة تعطي
نوعاً من الطزاجة للفيلم».
يرصد الفيلم تفاصيل وأحداثاً نقلتها الكاتبة السورية في الرواية
هكذا دارت كاميرا «حراس الصمت» بدءاً من بيوت دمشق القديمة، مروراً بالساحل
السوري ومحافظة اللاذقية، وصولاً إلى بيرعجم تلك القرية السورية التابعة
لمحافظة القنيطرة والمهجورة من سكانها تماماً لأنها تبعد عن المرصد
الإسرائيلي مئة متر فقط. ويرصد الشريط تفاصيل وأحداثاً نقلتها السمان في
الرواية. إذ ستحاول الصورة مقاربة الروح الحالمة التي تميز أدب السمان
بعيداً عن اللغة الواقعية الخالصة من خلال الاعتماد على الغرافيك بكثافة.
الشريط الذي صوِّر بكاميرا «HD ديجتال» المخصصة للتصوير التلفزيوني، أنهى
مخرجه عمليات تصويره منذ فترة وبدأ بإنجاز العمليات الفنية. ويعكف حالياً
على الإشراف على عمليات المونتاج في استوديوهات «المؤسسة العامة للسينما».
وربما سيكون الفيلم جاهزاً للعرض في صالات دمشق مع مطلع تموز (يوليو)
المقبل. وسيكون الافتتاح مناسبة كي تزور غادة السمان المقيمة في باريس،
مدينتها.
«الشريط عرفان جميل لأيقونة بحجم غادة السمان أجادت الحديث عن دمشق» يقول
سمير ذكرى، مضيفاً أنه صنع حوالى 120 دقيقة سينمائية بكلفة إنتاجية زهيدة
لا تتجاوز نصف مليون دولار أميركي.
قريباً... إميل حبيبي؟
قبل التحضير لـ«حرّاس الصمت»، كان سمير ذكرى (الصورة) يستعد لفيلمه
«الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» للأديب الفلسطيني
الراحل إميل حبيبي (1921 ــــ 1996). وسيكون الفيلم هو المشروع المقبل
لذكرى، وسيُنتج مشتركاً بين «مؤسسة السينما السورية» وشبكة
ART التلفزيونية. هنا، يجد ذكرى الفرصة مناسبة
ليناشد الشاعرة سهام داوود المخوَّلة منح حقوق التأليف لنصوص حبيبي، بأن
تسهل مهمة اقتباس الرواية، وخصوصاً أنه يسعى إلى ذلك منذ خمس سنوات لكنها
ترفض منحه هذا الحق رغم استعداد الجهات الممولة للفيلم لدفع أي ثمن مادي
مقابل الحصول على حقوق اقتناء هذه الرواية.
الأخبار اللبنانية في
01/02/2010 |