يمزج مسلسل (درب الطيب)
الذي أعادت عرضه قناة النيل للدراما مؤخرا بين موضوعين أثيرا ومازالا بشدة
هنا وعلي العديد من الصحفات والمنابر الإعلامية والنقدية،
وهما: ماصار يعرف بدراما الصعيد، أي هذه
المسلسلات التي تدور في أجواء جنوب مصر،
وموضوعاتها وشخصياتها من صعيد الوطن، وحقق الكثير منها نجاحا جماهيريا ونقديا،
حتي أن الاخبار تبشرنا بالمزيد منها يجهز حاليا للعرض في شهر المسلسلات
الشهير برمضان، منها (مملكة الجبل) للكاتب »سلامة حمودة«، و(وحوش أليفة)
أو(موعد مع الوحوش)
ل »أيمن عبدالرحمن«،
و(المهرة والخيال)
للسيناريست »فايز رشوان«
عن قصة (قطار الصعيد) لابن محافظة البحيرة الاديب »محمد يوسف القعيد«،
وأيضا مسلسل (شيخ العرب همام )
لابن الصعيد »عبد الرحيم كمال«،
ويؤسس مسلسل (درب الطيب) وجوده بأكمله في التربة الصعيدية التي
خبرها ومازال متعلقا بها كاتب القصة، بحكم انتمائه لمحافظة الاقصر أستاذ الادب
الشعبي د. »شمس الدين الحجاجي«.
أما الموضوع الثاني، فهو الخاص بدراما مسلسلات السيرة الذاتية،
والتي تدور حول شخصيات واقعية،
ترصد أبرز معالم حياتها في تعانق مع حياة مجتمعها
أثناء حياتها، وامتدادا لمسلسلات الاعوام الماضية،
تخبرنا الصحف بمعارك قائمة حول مسلسل (ملكة في المنفي)
للكاتبة والاعلامية »راوية راشد«
عن الملكة
»نازلي« أم الملك المخلوع »فاروق«
التي بعثت ليثبت من هم ورائها أن زمنها
وزمن ابنها كان أفضل وأكثر عدلا واستقرارا وديمقراطية من زمننا الحالي!!
ومسلسل (رجل من هذا الزمان)
ل »محمد السيد عيد«
عن عالم الفيزياء الشهير د »علي مصطفي مشرفة«،
ومسلسل (مداح القمر) ل »محمد الرفاعي« عن الملحن المعروف »بليغ حمدي«،
ومسلسل (الضاحك الباكي)
لمحمد الغيطي عن »نجيب
الريحاني«، وتشير الاخبار أيضا إلي البدء في كتابة مسلسل عن المطربة
(صباح)، وآخر عن الراقصة »تحية كاريوكا«
وثالث عن الممثلة والصحفية
»روزاليوسف«، ورغم أن مسلسلنا (درب
الطيب) يتحدث عن شخصية »الشيخ نورالدين الحجاجي«
التي لايعرفها أحد، إلا أن كاتب القصة أصر في معركته مع كاتب السيناريو
»بشير الديك« علي أنها قصة والده، وهي قصة حقيقية، وسيرة رجل عاش معظم عقود القرن العشرين.
سيرة الشيخ نور
يعود الفتي »محمود«
من غربته بالقاهرة وألمانيا التي حصل منها علي الدكتوراه في الادب الشعبي،
يعود الي قريته بالاقصر أوائل التسعينيات، في شدة التوتر الذي أحدثته الجماعات المتأسلمة في
مصر، وأفسدت الحياة في المجتمع،
وخلقت الفتن الطائفية والاجتماعية، يعود الي بيت أبيه الشيخ »نورالدين«
ليجد نفسه أمام عالم سحري مخالف تماما عما عاشه في
غربته في أوروبا العقلانية، وعلي العكس من شخصية د. »إسماعيل«
بطل رواية »يحيي حقي« (قنديل أم هاشم)
لايرفض أساطير مجتمعه،
ولايقف ضد زيت القنديل، بل يأخذه سحر المكان، وتستحثه دراسته في التراث الشعبي،
إلي أهمية المحافظة علي مايمتلكه والارتباط به،
حتي لايجد نفسه في فراغ يديمي لايعرف في أي اتجاه تأخذه رياحه، لذا كباحث وأديب يقرر أن يتسلل لخلوة أبيه يجلس
بالساعات، هاربا من مشاكل اللحظة الراهنة،
ومحاولات البعض من أسرته بيع البيت للاستفادة من حقه في تسيير أمور حياتهم
اليومية، مستعيدا الماضي الجميل القوي والمتسامح، منكبا علي كتابة
(سيرة) والده، خالطا بين ماعاشه طفلا وفتي ببيته قبل رحيله الي القاهرة
فألمانيا للدراسة والحصول علي درجة الدكتوراه في الادب الشعبي، وما استمع إليه من الناس،
وتصور حدوثه من أبيه وله نتيجة لمعرفته بشخصية أبيه،
وماعرفه من تاريخ المنطقة السياسي والاجتماعي.
سأل الاصدقاء »محمد نجاتي«
أود. »محمود« المنكب علي كتابة سيرة أبية،
هل ماتكتبه يعد كتابا توثيقيا عن شخصية واقعية؟ أم
رواية خيالية عن شخصية مفترضة؟ فتأتي الاجابة مترددة:
»لا أعرف إذا كان ما أكتبه كتابا أو رواية«، وهونفس ماينطبق علي الكتاب الذي أصدره د.
»أحمد شمس الدين الحجاجي«
بعنوان (سيرة الشيخ نور الدين)،
والمتأرجحة مادته بين الحديث عن شخصية (حقيقية)
هي شخصية »شمس الدين الحجاجي«
التي تخفت خلف قناع »نورالدين«
لتشي كل التفاصيل بأنها هي شخصية والد المؤلف،
بل وأن »محمود« الابن هو نفسه »أحمد«
المؤلف،
وشخصية (مفترضة) هي شخصية الشيخ »نور الدين الحجاجي«
التي يتم الحديث عنها، ويجسدها »هشام سليم« علي الشاشة.
نبل الشخصية
مشكلة تأرجح الشخصية
الدرامية بين الواقع الفعلي والخيال الروائي، تكمن في أن تقديس شخصية الاب الفعلية والانبهار
بمنجزاته في الواقع،
من مقاومة بيت الغجر الفاسد بمدينته الصغيرة،
ومقاومة الانجليز بمجتمعه الصعيدي، ومناصرة ثورة سعد زغلول الجماهيرية في القاهرة،
ونشر التعليم في بلده، وتحقيق التآخي من مواطنين مجتمعه من المسيحيين،
كل هذا يخلص الشخصية الروائية من كل خطأ إنساني، ويجعلها شخصية نبيلة لا لؤم فيها ولاخساسة كما
يقول الكلاسيكيون،
ولا حتي بها أي هنة تجرها للوقوع في الخطأ العظيم
الذي يزلزل كيان الشخصية التراجيدية،
ولاتبدر منها حتي هفوة عابرة، بل هي شخصية ملائكية، تتفق مع
غالبية أعمال السير الذاتية التي نقدمها، حيث كل الشخصيات مناضلة ووفية وجميلة ومحبة
لوطنها ومضحية من أجل الاخرين، وإذا ما اقتربت مرة من الوقوع في الخطأ،
يهب الأبناء والاحفاد والاصدقاء لإنكاره، ويعمل الكاتب علي البحث عن تبريرات لهذا الخطأ،
مثلما تم التعامل مع تعاون »أسمهان«
مع المخابرات الانجليزية، والذي رآه البعض عمالة وتجسس،
وحرص المسلسل علي جعله فعلا وطنيا من أجل مصر.
هذه المشكلة في التعامل مع دراما السير الذاتية عامة،
والكتابة عن الذات أو الآباء خاصة، في مجتمعاتنا العربية التي تخشي أدب الاعترافات،
انعكست علي كاتب السيناريو »بشيرالديك«
الذي حاول المحافظة علي الرؤية الكلية
للرواية، فوقع في منزلق صياغة عالم
مثالي، منقسم الي ملائكة بزعامة الشيخ »نورالدين«،
وشياطين في صورة إنجليز ويهود وغوازي و»قاهريات«
يخطفن الرجالة الصعايدة الانقياء، وصنع من هذا العالم المثالي المخرج
»نادر جلال« عالما سحريا، يتمحور حول شخصية الشيخ »نورالدين«
التي قدمها
»هشام سليم« بنورانية مقدسة، وغلف عالمه بشخصية »الشيخ الطيب«
التي أداها »محمود الجندي« بروحانية، متسامية عن كل تفاصيل واقعية،
وجعلها لمن يحل أزمة يمر بها،
بل وعندما يحين أجلها، لاتدفن في الارض، بل تخرج في اتجاه الشمس المشرقة لتذوب في عالم
غير متناهي، وهوما أدي بصناع المسلسل إلي إحلال اسم (درب الطيب)
محل العنوان الاصلي للقصة (سيرة الشيخ نورالدين)،
فاندلع نزاع ضخم بين كاتب القصة والسيناريست
والمخرج، خاصة وأحداث المسلسل لا تدور داخل أي درب، صاحبه طيب أوغير طيب،
بل داخل حصن قبيلة الحجاجية المؤهلة في القصة والمسلسل معا.
شارك »سليمان عيد«
في تجسيد شخصية »البصيري«
تاجر الجمال السوداني والصديق الصدوق للشيخ »نورالدين«، ويعد هذا الدور هوأفضل الادوار التي قدمها
»عيد« في حياته الفنية، وعيا بالشخصية المحبة للحرية المنطلقة اللاهية في أوقات فراغها،
دون أن تتوقف عن العمل الجاد والشاق في نقل الجمال في أجواء بيئية صعبة من
السودان حتي القاهرة، ومعه برزت »روجينا« في قدرتها الفذة علي الانتقال من
شخصية الغازية اللعوب العاشقة للفتي »نورالدين«، إلي زوجة العمدة بارع
الموهبة والخبرة »فتوح أحمد«
الملتزمة دينيا والمتبتلة في روحانية الشيخ »نورالدين«،
كما جسدت »لقاء الخميسي« دور ابنة خالة »نورالدين«
التي أحبته وهي طفلة ببيت أبيه،
وغارت عليه زوجه وهي في كنفه،
وزاملته الحياة بحلوها ومرها،
وقدمت هذه المسيرة بخفة ظل متناهية.
hassan_attia@hotmail.com
أخبار النجوم المصرية في
28/01/2010 |