في تجربتهما السينمائية السابقة فيلم
'بحب
السيما'، أثار الأخوين هاني وأسامة جرجس فوزي جدلا واسعا، فالأول كاتب
السيناريو والثاني مخرجا، وكلاهما يهوى السباحة ضد التيار والتفتيش فيما هو
يختفي
تحت السطح، ولم يكن فيلمهما المذكور السابقة الأولى والأخيرة التي تتميز
بالجرأة في
التناول والتحليل، وإنما جاء بعدها تجربة مماثلة إلى حد ما كان لها نفس
الضجيج ،
كان فيلماً قرر الإثنان أن يتخليا فيه عن أي محظور فأسموه
'بدون رقابة' ليكون
التعبير مطلقاً والطرح على مسؤوليتهما وهذا بالطبع كمجاز تتخلق من معناه
الحرية
التي ينشدها الإثنان في كل أعمالهما، وهاهما الآن وبعد مضي نحو عام ونصف
العام على
الفيلم الهارب من الرقابة الاجتماعية والتقاليد المقيدة
للحريات يأتيان بفيلم جديد
تصطبغ أحداثه بكل ألوان الطيف الطبيعية ليتفق الإسم مع المسمى فيصبح الوضوح
عنوانا
لكل شيء والصراحة نوعا من الفضح بعدما صار التدليس سترا والجبن أدباً
وحياء، فيما
باتت البطـــــولة ضربا من الجنون، هكذا اختلت المعايير حين تم
تكييف الأديان
والشرائع السماوية لخدمة الأغراض الشخصية وراق للبعض أن يتاجر بها ويطلق
أحكام
الحلال والحرام جزافا على كل شيء واي شيء في البيت والشارع والمدارس
والجامعـــات
وأماكن العمل، لم يبق شبر واحد لموضع قدم على مسطح الحــرية
خالياً من الغوغـــائية
والغوغاء، لذا تحتم أن نرى أنفسنا على حقيقتها بـ'الألوان الطبيعية' وبكل
ما نحمله
من رتوش في وجوهنا وأجسامنا، وليس أنسب من كلية الفنون التطبيقيــــة
مكاناً ليكون
مسرحاً للأحداث الدرامية الواقعية، فهي المجتمع المعني بالقضيــة الأساسية
للفيلم،
موقع الفن من الإعراب في حياتنـا الاجتماعية والإنسانية، خاصة
أن ذات القضية أثيرت
بقوة منـــذ بضع سنوات عندما حطــم مجموعة من طلاب الكلية الفنية التطبيقية
التماثيل بحجة أنها أصنام تعيد زمن الجاهلية ويخشى على الناس من عبادتها
والإفتتان
بها!
تلك كانت الخلفية الدرامية أو الكوميدية السوداء التي بنى عليها
السيناريست
هاني فوزي فكرته مدققاً ومحققاً في الواقع الجامعي الذي يموج بالمتناقضات
والنقائص
ويحفل بالفساد، فيما يتنفس الموهوبون بالكلية الفنية المرموقة هواء ملوثاً
وتدفن
مواهبهم تحت أقدامهم فيقفون على رفات مستقبلهم عاجزين عن إحداث
أي تغيير أو حتى
مجرد الدفاع عن أنفسهم، غير أنه داخل المحيط الفني التربوي التعليمي تسود
البوهيمية
وتتخلق علاقات عاطفية مشوشة تدفع الرغبة الجنسية بأطرافها نحو الهاوية
فتسقط الضحية
تلو الأخرى، فمن لم يسقط بالجنس والإنحراف سقط بسيف التطرف المسلط على
الرقاب، فبين
كل طالبة وأخرى فتاة ترتدي النقاب الأسود تواري به فصامها
النفسي وانقسامها بين
حبها الفطري للفن وصراع عقلها الذي يستجيب لدعاوى التحريم، ونفس الحال
ينطبق على
الطلاب الذكور يطلقون لحاهم ويرتدون سراويلهم القصيرة ويؤذنون للصلاة في
مدرج
الكلية، بينما هم يمارسون أداء نشاطهم الفني على استحياء
مبررين ذلك بأنه ضرورة
علمية خارجة عن إرادتهم.
إنقلابات وصراعات وتحولات وانهيارات يشهدها الحرم
الجامعي وتدور رحاها خلف الأبواب المغلقة في غيبة تامة للأساتذة والمعيدين
وحراس
وحماة الحركة الفنية والتعليمية مكتفين بفضيلة الاعتراف بالخلل
دون أن يتوقفوا عنه
أو يحدوا منه، كل العناصر سلبية والجميع في حالة مواجهة شفاهية تجسدها
مشاهد بديعة
التكوين كتابة وإخراجا وتصويرا، وهي حالة فوضى متعمدة من السيناريست هاني
فوزي يتوه
فيها البطلان الرئيسيان، الوجه الجديد كريم قاسم والممثلة
الشابة يسرا اللوزي ويكون
قاسماً مشتركاً فيها الفنان القدير، ضيف الشرف سعيد صالح، فالأول شاب موهوب
في
الرسم ومتدين بالفطرة يسلك سلوكاً مثاليا ويسعى لتحقيق ذاته من خلال قنوات
الاجتهاد
الشرعية برغم أنه يعيش صراعين، صراعا مع القيم والأخلاق التي يرى أنها
تتنافى مع
الظواهر السلبية بالكلية ومجتمع الفنانين ممن يجبرونه على
القيام بأشياء منافية
لطبيعته الرومانسية الحالمة، وصراعا آخر يعيشه على المستوى العائلي فهو
الإبن
الوحيد لأمه 'انتصار' الأرملة المتمسكة بحلمها بأن يصبح إبنها طبيباً،
بينما هو
عاجز عن تلبية رغبتها، حالة من الشتات تجعله دائم التساؤل عن
سر وجوده على هذه
الطبيعة المختلفة والحكمة من سجنه داخل دوائر الصراع في موهبته ودراسته
وعواطفه
تجاه الحبيبة الأولى والعشيقة الثانية، نداء الرغبة المحرمة وطريدته في
اليقظة
والمنام والمثال الحي للنفعية والاستغلال وقانون تبادل
المصالح، وهي الشخصية
المحورية الملخصة لكثير من الأحداث وعلامة الاستفهام الباحثة عن إجابة في
بنية
السيناريو الاستفزازي المحكم، والاستفزاز هنا بالمعنى الايجابي فنحن أمام
فيلم منشط
للذهن والعقل والحواس، تجافي بعض مشاهدة الخجل الساذج، وتهدف لما هو أبعد
من
الإثارة الغريزية وقضية الحلال والحرام التي تضعنا بين خيارين
لا ثالث لهما إما
الجنة وإما النار دون الإلتفات الى المنطقة الوسطى وهي منطقة التسامح
والعفو،
ولعلنا نستنتج من المشهد قبل الأخير عندما وقف البطل كريم قاسم أمام لوحته
ومشروع
تخرجه 'الكوميديا الإلهية' يشرح مفهوم الثواب والعقاب موضحا أن
هناك مستويات في
التعذيب الإلهي وهي اللمحة الذكية من المخرج أسامة فوزي الذي جعل التمهيد
لنهاية
الفيلم يبدأ من هذه النقطة الجدلية في تزامن دقيق لخلاف الأساتذة على ما
تستحقه
اللوحة من درجات في التقدير النهائي وعندئذ تقترب عدسة مدير
التصوير الرائع طارق
التلمساني من مكونات اللوحة وشخوصها وتعلو تدريجيا موسيقى تامر كروان كنوع
من
التصعيد الدرامي لننتبه الى مواطن القوة في الجدارية المهمة مع قطع الديكور
للمهندس
الفنان صلاح مرعي فنتأمل بوضوح وتركيز الإبداع التاريخي في
الكوميديا الإلهية
ونربطه بإسقاطات ودلالات المخرج وما يحاول أن يقوله في فيلم جاءت أحداثه
بالفعل
مصورة ومجسدة بالألوان الطبيعية وإن غلب عليها اللون الأحمر الناري، جنون
البطل
الذي صعد إلى أعلى قمة النافورة في عمق النيل ينشد الحرية
المفقودة في المشهد
الأخير.
بالألوان الطبيعية يثير غضب طلبة الفنون
الجميلة الذين
قاطعوا الفيلم وطالبوا بمنعه
القاهرة - من محمد نصر
مازال الجدل الذي
أثاره فيلم 'بالألوان الطبيعية' مستمرا، فقد تم إنشاء 'غروب' على 'الفيس
بوك' يدعو
إلى مقاطعة الفيلم الذي تدور أحداثه داخل كلية الفنون الجميلة التي مضى على
تأسيسها
اكثر من قرن وشهدت صعود غالبية الفنانين التشكيليين المصريين
والعرب والذين وصل
بعضهم الى العالمية.
ويتناول الفيلم عقلية التحريم لدى المسلمين والمسيحيين تجاه
الفن التشكيلي وتصور الجسد العاري كأساس لهذا الفن. ومن الجدير بالذكر أن
كلية
الفنون الجميلة ألغت في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات
استخدام الموديلات
العارية وحتى الآن.
والفيلم من إخراج أسامة فوزي وتأليف هاني فوزي وكانا قد
تعرضا ايضا في فيلمهما 'بحب السيما' لانتقاد عقلية التحريم والتطرف لدى
المسيحيين
مما أدى إلى إثارة البعض ضدهما وتم رفع دعوى قضائية تطالب بمنع
عرض الفيلم والتي تم
رفضها وعرض الفيلم وحقق نجاحا كبيرا.
إلا أن فيلمهما 'بالألوان الطبيعية' أثار
ايضا غضب قطاع كبير خاصة من طلبة الفنون الجميلة مما دفعهم الى
إنشاء 'غروب' على 'الفيس
بوك' الموقع الالكتروني الأكثر انتشارا حول العالم، يتوعدون فيه بمقاطعة
الفيلم ويدعون الناس الى ذلك، ويقولون إن أسرة الفيلم تتاجر بشرف أولاد
الناس
وبالحضارة المصرية وتكفر بالدين وأسرفت في المناظر العارية
والخليعة نظرا لما
يتطلبه السوق الفني التجاري والإساءة الى الكلية ومعيدها وطلبتها.
وأكدت أسرة
'الغروب'،
أن الفنون التشكيلية أهم مصدر من مصادر الحضارة المصرية فكيف يتم
استخدامها بصورة مزيفة للكسب من وراءها ماديا، وأكدت ان ما جاء بالفيلم لا
يحدث
مطلقا في الحقيقة سواء في الكلية أو غيرها ويتعارض مع الدين
والأخلاق والواقع
وطالبت اصحاب القرار بمنع عرض الفيلم الذي يسيء للمجتمع والحضارة المصرية.
القدس العربي في
19/01/2010 |