تنقسمُ فرنساً إلى 26 منطقة، منها 22 في فرنسا
المتروبوليتانية (الأراضي الفرنسية الأوروبية)، و4 ما وراء
البحار(غوادلوب،
مارتينيك، لارينيون، غويّان)، وبدورها، تتجزأ المناطق إلى 100 إدارةٍ
محلية، منها 4
ما وراء البحار.
ووُفق موقع "بوابة الأفلام القصيرة"، ينعقدُ في فرنسا ما بين 324/327
مهرجاناً سينمائياً محلياً، وطنياً، ودولياً، تشمل كلّ أنواع الأفلام
القصيرة، والطويلة (روائية، تسجيلية، تحريك، تجريبية، فيديو
آرت، فيديو كليب)،
وبتفحص خارطة المهرجانات، يتضح بأنها تتوزع على عموم المساحة الجغرافية
لفرنسا،
بحيث يوجد مهرجانٌ واحدٌ ـ على الأقلّ ـ في كلّ إدارةٍ محلية.
وبينما تنعدمُ
المهرجانات تقريباً في مناطق ما وراء البحار(المُستعمرات الفرنسية)، وتختفي
أيضاً
في 15 دائرةٍ محلية، من المفيد الإشارة بأنّ العاصمة "باريس" تحظى لوحدها
بتقسيمٍ
إداريّ قائماً بذاته، وأكبر عددٍ من المهرجانات، يصل إلى 53 مهرجاناً، وإذا
أضفنا
إليها المهرجانات السينمائية التي تنعقدُ في ضواحيها القريبة،
والبعيدة، سوف يصل
العدد إلى 98 مهرجاناً، كلّ واحدٍ منها يختلف عن الآخر، ولا تُعاني من أيّ
حالةٍ
تنافسية فيما بينها.
وتتضمن مُسابقاتها، وأقسامها الإعلامية أفلاماً تسجيلية،
طويلة، وقصيرة، ولكنّ البعض منها تخصصت حصراً بالأفلام التسجيلية، وعلى مرّ
السنوات
حصلت على سمعةٍ عالمية جيدة، وأصبحت في مصاف المهرجانات الدولية الكبرى
المُتخصصة
في هذا النوع السينمائيّ.
وفي هذه القراءة التمهيدية، نقدم "بطاقة تعريفية"
مُختصرة جداً لكلٍّ منها مُرتبة وُفق تاريخ تأسيسها(وليس أهميتها):
* المهرجان
الدوليّ للأفلام التسجيلية (سينما الواقع).
Cinéma du réel - festival international de films documentaires
مهرجان
سينما الواقع
مهرجانٌ تنافسيّ، تأسّس عام 1978، وينعقدُ في شهر
مارس من كلّ عام، وسوف تنتظمُ دورته الـ32 خلال الفترة من 18 وحتى 28 مارس
2010.
وهو يشتهرُ بعنوانه الفرعيّ (سينما الواقع)، والذي كان فيما مضى
أساسياً،
وتُنظمه "المكتبة العمومية للمعلومات" التابعة لـ"مركز جورج بومبيدو"،
بالتعاون مع "جمعية
أصدقاء سينما الواقع" التي تهتمّ بتوسيع المهرجان على البلدان الأقلّ
تمثيلاً كي تقدم "بانوراما" عامّة، وشاملة بقدر الإمكان للفيلم التسجيلي،
الأثنوغرافي، والسوسيولوجي، مع أنّ المهرجان خلال سنواته الطويلة تخطى في
اختياراته
هذه النوعية من الأفلام .
* مهرجان
"جان روش" الدوليّ.
Festival international Jean Rouch - Bilan du film ethnographique
مهرجانٌ تنافسيّ، تأسّس عام 1982، وينعقدُ سنوياً
في شهر مارس (مباشرةً بعد مهرجان "سينما الواقع") في "متحف الإنسان" بباريس.
سوف
تنعقد دورته الـ 29 خلال الفترة من 27 مارس وحتى 5 أبريل 2010.
والمهرجان بدوره
معروفٌ باسمه القديم "التقرير السنويّ للفيلم الأثنوغرافي"، ومازالت
اختياراته
تحافظ على النهج الذي كان يتبعه السينمائيّ الفرنسي "جان روش" في تصويره
للواقع
بدون التدّخل كثيراً في مُجرياته.
* الشاشات
التسجيلية (الواقع على الشاشة).
Les Écrans Documentaires
مهرجانٌ تنافسيّ، تأسّس عام 1986، وينعقدُ في شهر
أكتوبر من كلّ عام في مدينتيّGentilly
و
Arcueil
المُحاذيتين للعاصمة
"باريس".
انعقدت دورته الأخيرة خلال الفترة من 27 أكتوبر وحتى 1 نوفمبر 2009.
* المهرجان
الدولي للفيلم التسجيليّ في مارسيليا.
Festival international du documentaire – FIDMarseille
مهرجانٌ تنافسيّ، تأسّس عام 1989، وينعقدُ في شهر
يوليو من كلّ عام في مدينة "مارسيليا"، ويعتبر الثاني من حيث الأهمية بعد
مهرجان "سينما
الواقع" الباريسيّ .
تضمّنت دورته الأخيرة مسابقة دولية، ومنها فيلماً
تسجيلياً طويلاً بعنوان "في المكان نفسه، 4 عائدين من الحروب اللبنانية"،
من إنتاج
عام 2009 لمُخرجيّه "لقمان سليم"، و"مونيكا بروغمان"، وأخرى وطنية، وثالثة
خاصة
بالأعمال الأولى، ورابعة خاصة بالمكتبات الفيلمية المُتخصصة التي تضمّنت
فيلماً
تسجيلياً طويلاً للمخرج اللبناني "غسان سلحب" من إنتاج عام
2009 بعنوان (1958)
.
*
الحالات
العامّة للفيلم التسجيليّ.
Etats généraux du film documentaire
مهرجانٌ بدون مُسابقة، تأسّس عام1989، وينعقدُ في
مدينة لوزاس" Lussas"،
ويُعتبر الأكثر أهمية بالنسبة للإنتاج التسجيلي الفرنسي،
بالإضافة لتنظيمه برامج تكريم السينمائيين، واللقاءاتٍ، والندواتٍ،
والمؤتمرات، وهو
فرصة لمُشاهدة عموم الأعمال التسجيلية الوطنية التي يصعب
مشاهدتها في دورات العرض
التقليدية السينمائية، والخطط البرمجية للقنوات التلفزيونية.
* لقاءات
الفيلم التسجيليّ (مسارات حياة).
Traces de vies - Rencontres du film documentaire
مهرجانٌ
تنافسيّ، تأسَس عام 1991، انعقدت دورته
الـ21 خلال الفترة من 16 وحتى 22 أغسطس الماضي في مدينة "كليرمون ـ فيران"،
التي
تستقبل بدورها في بداية شهر فبراير من كلّ عام أشهر، وأهمّ مهرجانٍ دولي
للأفلام
القصيرة في العالم.
* لقاءات
السينما التسجيلية.
Les rencontres du cinéma documentaire
مهرجانٌ بدون مسابقة، تتأسّس عام 1996،
وتُنظمه جمعية أهلية، وينعقدُ في شهر أكتوبر من كلّ عام في
إحدى الصالات التابعة
لضاحية (سين سان دوني) المُحاذية لباريس، انعقدت دورته الـ14 خلال الفترة
من 6 إلى 13
أكتوبر 2009، وفي تلك المُناسبة، تخيّرت
اللقاءات تيمة بعنوان(شخصٌ/شخصية)، كما
سلطت الأضواء على أعمال السينمائي الصيني (Huang Wenhai).
* المهرجان
الدولي للأفلام التسجيلية الفلاحية (كاميرات الحقول).
Festival du film sur la ruralité - Caméra des champs
مهرجانٌ تنافسيّ، تأسّس عام 1998، وينعقدُ في شهر
مايو من كلّ عام في مدينة (Ville-sur-Yron )
وهي على بعد 30 دقيقة من مدينة
ميتز(Metz)،
ويهدف إلى إظهار التحولات التي تحدث في المناطق الريفية، وذلك من خلال
عرض أفلام تسجيلية، وإثارة مناقشاتٍ مع الجمهور، وتنظيم طاولات مستديرة،
ومؤتمرات،
ودوراتٍ تدريبية حول قراءة الصورة التسجيلية.
سوف تنعقد الدورة الـ12 خلال
الفترة من 26 وحتى 30 مايو 2010
* المهرجان
الدوليّ للفيلم التسجيليّ الإبداعيّ (محطاتٌ تسجيلية).
Festival International du Documentaire de Création -Escales
Documentaires
مهرجانٌ تنافسيّ، تأسّس عام 2000، وينعقدُ في شهر
نوفمبر من كلّ عامٍ في مدينة لاروشيل" La Rochelle"، ويهدف إلى الترويج للأفلام
التسجيلية الإبداعية (أفلام المُؤلف) بعيداً عن الإنتاجات السمعية/البصرية
التي
تُكتب، وتُنجز كي تخضع لخططٍ برمجية للقنوات التلفزيونية.
انعقدت دورته التاسعة
خلال الفترة من 9 إلى 15 نوفمبر 2009، وتضمّنت مسابقة دولية، وبرنامجاً
خارج
المُسابقة، وآخر بعنوان "وجهة نظر"، وبرنامجاً استعادياً لأفلام المخرج
الإيطالي "فيتوريو
دي سيتا"(وهو غير المخرج الإيطالي "فيتوريو دي سيكا" صاحب "سارق
الدراجات")، وعرضاً للإنتاج التسجيليّ المحليّ الخاصّ بالمنطقة.
* لقاءات
السينما التسجيلية، والشعر في الهواء الطلق.
Rencontres du cinéma documentaire et poésie en plein air
تأسّس المهرجان عام 2006، وينعقدُ في شهر أغسطس،
حيث تستقبله قريةٌ صغيرةٌ في منطقة (Saône-et-Loire)، ويعترفُ المنظمّون بأنّ شبكة
عرض الأفلام التسجيلية في فرنسا مهمّة بما يكفي، إلا أنّ قريتهم
(sigy-le-Châtel)
لم تكن في الطريق بعد، ومن المهم، والمفيد اقتراح أفلامٍ
لجمهور "غير متعوّد"
عليها، تقدم له طرقاً منوعة، ومختلفة للاقتراب من الواقع، وتمنحه فرصة
مشاهدة
مشاريع متفردة، ولهذا، فقد قرروا استقطاب مخرجين إلى قريتهم، ليُثيروا
أصداءَ
عميقة، وغير منتظرة في نفوس سكان القرية التي لا يزيد تعداد
سكانها عن 100
نسمة.
************
لقد أشرنا في بداية القراءة، بأنّ الأفلام
التسجيلية، قصيرة، وطويلة، تتواجد في معظم المهرجانات
السينمائية الفرنسية كجزءٍ
أساسيّ من برمجتها، ولكن، تقودنا الخلاصة، بأنّ المهرجانات المُتخصصة حصراً
في
الأفلام التسجيلية قليلة بالمُقارنة مع العدد الهائل من المهرجانات
(324/327
مهرجان)، ومع ذلك يبقى الرقم مُعتبراً في دولةٍ يقترب عدد
مهرجاناتها السينمائية من
أيام السنة، ورُبما أصناف جبنتها، خمورها، أو عطورها.
الجزيرة الوثائقية في
18/01/2010
فلسطين من خلال بعض الأشرطة الوثائقيّة
بقلم الهادي خليل*
تُحيلُنَا صور مجازر صبرا وشتيلا، بالأمس واليوم وغدا، إلى سؤال
جوهري: هل
للدّمار والقسوة والوحشيّة تعابير أخرى لما حدث في بعض المخيّمات
الفلسطينيّة في
بيروت؟ ماذا بعد كلّ هذا؟ دَاهمنا مشهد مُرعب. الصّورة التي عطّلت، ولو
لفترة
وجيزة، دوّامة العالم في صورة جنديّين إسرائيليّين يحاولان كسر
مفاصل يدي شابّين
فلسطينيّين بالحجر ويصرّان على وأدهما أحياء.
المخرجة الألمانيّة مونيكا مورار
(Monique Maurer)
المعروفة بانتصارها للقضيّة الفلسطينيّة، ركّزت فيلمها
الوثائقيّ
الذي أنجزتهُ سنة 1988 "فلسطين تحترق"
(Palestine en flammes)
على هذه الصّورة
المركبة، حاولت المخرجة رصد ردود الفعل الدّقيقة لأطفال
أوروبّيّين نراهم يشاهدون
باهتمام مشهد "كسر الأيدي" في التّلفزة. غرض المخرجة من إعادة تركيب هذه
اللّقطة
واضح: ليتمعّن أطفال الغرب في جرائم إسرائيل في الأراضي المحتلّة.
الانتفاضة
نكتب هذه الصّورة باستعمال كلمات "داهمنا"
و"مرعبة" و"مربكة"، فهل نتلقّى صور فلسطين بهذه الكيفيّة حقّا؟ هل
"للمداهمة"
و"للرّعب" و"للإرباك" معنى بعد كلّ هذا؟
أصبحت الصّور التي تأتينا عن فلسطين
عاديّة وباهتة. الأخبار التي تهمّ الأراضي المحتلّة هي
"المادّة الرّوتينيّة"
لنشرات الأخبار الصّباحيّة والمسائيّة والفجريّة واللّيليّة وما بينها، لكن
هذه
الصّور لمن هي؟ من صنعها ومن بثّها؟
كسّرت الانتفاضة هذا النّسق الرّوتيني
وأعادت للقضيّة الفلسطينيّة اعتبارها وصدارتها في الأحداث
العالميّة. ذكّرتنا
الانتفاضة بالدّور الحيوي الذي قامت به نسوة المقاومة الفلسطينيّة. في
الفيلم
الوثائقي "الانتفاضة" (1988) للمخرجة البريطانيّة جيني مُرقان (Jenny Morgan)،
كم
هي مؤثّرة تلك اللّقطة التي نشاهد من خلالها أُمّا فلسطينيّة تُزوّد ابنها
بكميّات
من الحجارة وهي تنظر إلى الأرضيّة المنبسطة أمامها، حائرة، مرتبكة رغم
حركات يديها
الحثيثة والمنتظمة. الأمّ منزعجة لا لأنّ الجنود الإسرائيليّين
كثّفوا من طلقاتهم
النّاريّة، بل لأنّ الحجارة لم تعد موجودة بالكيفيّة المطلوبة.
في فيلم تسجيلي
آخر يحمل عنوان "مخيّم الشّهيدة" للمخرج الفلسطيني ناظم الشّريدي، أنجز سنة
1988 في
أوج أحداث "ثورة الحجارة"، نرى امرأة فلسطينيّة، صاحبة المكتبة المدرسيّة
الوحيدة
الموجودة في مخيّم الشّهيدة قرب جامعة بيت لحم، تؤكّد أنّ المواجهة
المسلّحة هي
الوسيلة الوحيدة التي تُمكّن الشّعب الفلسطيني من استرجاع أرضه
المسلوبة.
يسألها
المُخرج:
- "لماذا تناضلين؟"
- "للعودة إلى فلسطين"
- "لكنّ فلسطين هي هنا
بالذّات، قريبة جدّا ومليئة بالحياة"
تردّ الأمّ الفلسطينيّة:
- "لا،
لقد
جعلها الإسرائيليُّون بعيدة وجريحة".
ينتهي الشّريط بمشهد التّلاميذ وهم يصعدون
مرتفعا للذّهاب إلى الشّهيدة يغمرهم ضوء الشّمس السّاطعة.
النّساء عنيدات لأنّ
ذاكرتهنّ دائمة الاتّقاد. إنّهنّ يمتلكن ذاكرة شعب بأسره، ويتذكّرون كلّ
مرّة عبر
صور الشّهداء المحفوظة بعناية أنّ طريق فلسطين رَسَمَتْهُ لُغََةُ الدَّم
وأنّ
تَناسي تضحيّات الشّهداء يضاهي الخيانة الكبرى.
النّساء هنّ اللاّتي يتذكّرن
العائدين الفلسطينيّين إلى بلدهم بعد سنوات من المنفى
والتّشرّد برسوم أراضيهم
وبحدودها الأصليّة.
يروي شريط "جدران القدس الحديديّة" للمخرج ناظم
الشّريدي، عودة فلسطينيّ إلى مواقع أرضه التي انتُزعت منه سنة 1948،
ويدعونا إلى
رؤية ما تبقّى من منزله ومن بعض منازل بقيّة أفراد عائلته إلى
المساحة المحتلّة من
قبل الإسرائيليّين. بعض النّساء يوجّهنه في مسيرته ويدلُلْنَهُ بدقّة إلى
مساحة
الموطن الأصلي. الأرض ضاعت قطعا ولكن تبقى هذه المبادرة الأخيرة للمواجهة
وهي إعادة
رسم الخرائط الحقيقيّة لأرض فلسطين ومسحها بواسطة أيادي النّسوة
الفلسطينيّات
النّبيهة والعريقة.
*الهادي
خليل، أستاذ السّينما والأدب بكليّة الآداب والعلوم
الإنسانيّة بسوسة (جامعة سوسة، الجمهورية
التّونسيّة).
الجزيرة الوثائقية في
19/01/2010 |