المخرج السينمائي السوري ماهر كدو منطوٍ على نفسه هذه الأيام. بالكاد
يوافق على
لقاء أحد من الأصدقاء المعتادين. حتى اللقاء الأسبوعي الصباحي الذي يضمه
إلى جانب
بعض الأصدقاء في مقهى الروضة الدمشقي توقف تقريباً. والمقربون منه يعرفون
أنه اختار
مدينة بانياس الساحلية مقراً «موقتاً أو دائماً» له حيث يملك
بيتاً صغيراً فيها.
فهو على ما يبدو قد آثر الانسحاب من البوابة التي دخل منها مرغماً من قبل.
صاحب «صهيل الجهات» منطوٍ بسبب الكتابات «النقدية» التي طاولت فيلمه
الأخير «بوابة
الجنة». فالفيلم لم يسعفه الحظ بتخطي حواجز الذوق السينمائي الرفيع الذي لم
«يجد
سوى هذا الفيلم أمامه ليصب عليه جام غضبه ويفرغه كما لم يحدث مع فيلم سوري
آخر
من قبل». وما يعتور كدو من حزن هو «اختيارهم فيلمي لينفسوا عن كل هذا
الاحتقان،
ونسوا أن هناك أفلاماً سورية لم تحظ بإعجاب النخبة أو الجمهور
على حد سواء، ومع ذلك
لم يقترب منها أحد بكلمة واحدة، وظلت موضوع أحاديث جانبية غير معلنة».
حقاً الصورة مؤسفة تماماً، فماهر كدو، مثله مثل أقرانه الآخرين الذين
وصلوا سن
المعاش، يكاد يحتفظ بفيلم واحد وراء ظهره من مرحلة سابقة. هو فيلم «صهيل
الجهات»
الذي يحمل بذرة مخرج متميز، لم يسعفه الوقت
والظرف ربما، لإعادة غرسها في أفلام
أخرى. فرص العمل القليلة التي منحت له، وهما فرصتان على أية
حال لم تكونا بالمستوى
الذي رغب فيه وطمح إليه، أو على الأقل لم تكونا بمستوى «الصهيل». ليس
بوسعنا القول
إن الفيلمين كانا تجاريين لـ «تمرير هفوات وسقطات المخرج في مثل هذه
الحالة، فالأول
كان بعنوان «دمشق يا بسمة الحزن» والثاني «بوابة الجنة»، وهو موضوع حديثنا،
وسبب
عزلة كدو الطوعية، ذلك أن الفيلمين يعزفان على تيمتين لا
تحتملان «الاتجار» بهما
أبداً.
أخفق فيلم «بوابة الجنة» لأسباب واعتبارات عديدة. وبلغ ماهر كدو السن
الذي أحيل
فيه على التقاعد، ومع ذلك سيظل فيلم «صهيل الجهات» يذكّر بأن كدو الذي لم
يعرف
يوماً كيف يسوق نفسه في كل الاتجاهات، ولم يحظ بشرف الصهيل في المربعات
التي حطّ
فيها، عرف بالمقابل كيف يحتفظ لنفسه بباكورة فيلم يمكن وضعه
على قدم المساواة مع
الأفلام السورية الأخرى التي صنعت بشكل أو بآخر «مجد» السينما السورية
الجديدة.
القراءة النقدية في الأفلام السورية التي صنعت في الأعوام الأخيرة لم
تكن
متوازنة، بل لم تكن منصفة البتة، فالبعض منها لم يحظ بـ «شرف النقد»، بل إن
أحداً
لم يتذكر، أن هناك أفلاماً أيضاً اختنقت في أقبية منتجيها بعد أول عرض خاص
لها،
وبعضها الآخر اختفى نهائياً عن طاولة التداول على أيدي
المنتجين أنفسهم الذين نأوا
بأنفسهم عنها. وهناك أفلام – للمفارقة – حظيت بالتقريظ والمديح الشفاهيين،
ولم نقرأ
كلمة واحدة مكتوبة بحقها هنا وهناك، وهي للأمانة كلمات تقال بعد العرض
مباشرة، من
باب التهرب من أصحابها.
ماهر كدو بلغ سن التقاعد بعد انتهائه مباشرة من «بوابة الجنة»، الفيلم
الذي حاكى
الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1997، لكنه لم ينجح بالدفاع عن نفسه بعد
أول عرض.
وكان يمكنه أن يتجاوز الأسوار التي صنعها
من حول فيلمه بيديه. بالتأكيد كان يكفيه
أن يقرأ النص المكتوب مرة واحدة فقط، كما يفعل الآخرون قبل
الانطلاق لتحقيق فيلم
العمر الوحيد.
الحياة اللندنية في
08/01/2010
«صناعة
الموت»
فجر يعقوب
لابأس، فقد تصدر برنامج «صناعة الموت» الذي تبثه قناة «العربية» بحسب
بعض
الأنباء قائمة أفضل البرامج الأخبارية لـ «حرفيته العالية في متابعة شؤون
الإرهاب
وتنظيم القاعدة، ومن يخطط ويمول وينفذ عملياتها» الخ. وقد حظيت مقدمته
المذيعة
التلفزيونية ريما صالحة بلقب أفضل مقدمة برامج في عام 2009
بحسب سبعة وسبعين ناقداً
توجهت إليهم مجلة متخصصة بالسؤال في تغطياتها لأهم أحداث ومنجزات العام
الماضي.
لا شك في أن برنامج «صناعة الموت» لمن تابعه، كان يحفل بالكثير من
المعلومات
بالفعل عن التنظيم الإرهابي الذي شغل الساحتين العربية والدولية طوال
الفترة
الماضية قبل أن تخبو «جذوته» قليلاً، ثم تعود وتتصدر الأخبار مطلع العام
الجديد.
كان لافتاً حقاً أن تقوم صالحة بالبحث والتنقيب في بعض معاقل السلفيين
الأساسية،
فتوجهت إلى مكامنهم ومخابئهم وجحورهم. التقت عناصر من تنظيم فتح الإسلام في
مخيم
نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان حتى من قبل أن
يفوروا فورتهم الأخيرة،
ويقتلعون من أمكنتهم. وذهبت إلى لقاء أصوليين، بعضهم شارك وخطط في اغتيال
الرئيس
المصري محمد أنور السادات، والبعض الآخر شارك في أحداث مكة
المكرمة عام 1979.
وفي لقاء مع «العربية» أعقب تصدر برنامجها القائمة المشار إليها،
تحدثت صالحة عن
طباع بعض هؤلاء الأصوليين الأجلاف الذين كانوا ينفرون منها، ليس بسبب من
سياسة
برنامجها أو توجهاته، بل بسبب كونها امرأة. وكانت هي، كما تقول، تحاجج
وتحاول أن
تقنع وتبرر. ولو قرر الدارسون والمهتمون البحث في جذور المشكلة
وقضايا (الإسلاموفوبيا)،
وتكتيكات الجماعات الأصولية لوجدوا في أرشيف «صناعة الموت» ضالتهم
بكل تأكيد، فقد تمكن البرنامج من أن يحظى بالمتابعة والمشاهدة لإقدامه على
كشف
الكثير من خفايا وخبايا هذه التنظيمات، وهو قد حظي بدعم واضح
من المحطة المنتجة له،
وإن أصرت ريما صالحة في تواضع منها على القول إن نجاح برنامجها يعود إلى
زملاء لها
عملوا في الظل، وأضافت أنه كان من المستحيل عليها كإمرأة أن تستمر من دونهم
وسط كل
هذه الألغام وحقول الكراهية التي عاينت بعضها من قرب شديد.
الأكيد أن ريما صالحة تتحدث الآن عن سنة رابعة ستواصل فيها اعداد
وتقديم
برنامجها المثير للجدل، وهذا حقها كمذيعة طموحة أثبتت جدارتها وتميزت في
عالم قاس
وخشن وعنيف. ولكن من حقنا كمشاهدين بقوا مسمرين أمام شاشات التلفاز ثلاث
سنوات
يتابعون تفاصيل مخيفة ومقلقة عن «فن» صناعة الموت على أيدي
جماعات ظلامية لا دين
لها أن يفطنوا قليلاً إلى برامج أخرى يمكنها الاحتفاء بالمقابل بصناعة
الحياة. ليست
هذه كتابة كيدية بالتأكيد، بخاصة أن ريما صالحة طلعت علينا في ذلك اليوم
عبر صباح
العربية مبتسمة ومشرقة وهي تتلقى تهنئة راوية ومحمد. يمكن الإبقاء على
البرنامج
بالصيغة نفسها، ولكن تغيير الإسم – ربما – أصبح ضرورياً..
ربما؟!
الحياة اللندنية في
08/01/2010 |