في إطار "بيروت عاصمة عالمية للكتاب"، يحيي المركز الثقافي الاسباني "ثرفانتس"
وبعثة المفوضية الاوروبية والمركز الثقافي الايطالي ومعهد "غوتيه"
والقنصلية البريطانية في بيروت، بالتعاون مع سينما متروبوليس، تظاهرة
كتابات على الشاشة" بين 11 و17 كانون الثاني/يناير في متروبوليس.
بين الأدب والسينما علاقة عضوية قد تكون الأعمق قياساً على الصلات
التي تربط بين الفنون الأخرى وبين الأدب او بين الفنون نفسها. ربما يكون
المسرح المنافس للسينما في علاقته بالأدب ولكن لذلك اسبابه المنطقية.
فالمسرح انطلق من النص الأدبي لأن الكتابة المسرحية كانت ولاتزال أحد
الانواع الادبية الاساسية. أما السينما، فوجدت بصرف النظر عن الأدب، بل ان
"نصوصها" الأولى كانت مستقاة من الواقع وبعيدة من التأليف. على ان الاقتباس
الأدبي في السينما ترافق مع بداياتها حيث أنجز جورج ميلييس، أحد رواد الفن
السابع، أربعة أفلام بين 1899 و1901 مقتبسة عن مصادر أدبية هي: "سندريللا"
و"اللحية الزرقاء"
Blue Beard و"جاندارك" و"عمود النار"
The Pillar of Fire، الأول والثاني اقتباس لتشارلز بيرو
والأخير عن رواية هـ. رايدر هاغارد "هي"
She. واليوم ثمة احصاءات تشير الى ان ثلاثين بالمئة من الأفلام مستقاة من
مصادر أدبية وان ثمانين بالمئة من الكتب المصنفة "أكثر مبيعاً" تم اقتباسها
في السينما. تختزل تلك الارقام والحقائق التاريخية حال الاقتباسات
السينمائية للأعمال الأدبية. ان العلاقة المستمرة بين السينما والأدب، مع
الاشارة الى ان السينما هي التي تحرك ذلك التواصل غالباً، تحظى بالكثير من
الاهتمام والجدل. فمعظم الجامعات التي تدرس الادب والسينما قد أفردت مواد
خاصة لطلابها تُعنى بموضوع السينما والادب. وعلى صعيد أكثر عمومية وشعبية،
تخصص جوائز الاكاديمية جائزة منفردة للاعمال السينمائية المقتبسة وتميزها
عن تلك الاصيلة. على الرغم من التاريخ الطويل للاقتباسات السينمائية من
الادب، لاتزال العلاقة بين الاثنين خاضعة لأحكام جاهزة ليس أقلها اعتبار
الاقتباس السينمائي في بعض الاحيان "انتهاكاً" للعمل الأدبي وتعيين الأخير
في مرتبة متفوقة على العمل السينمائي وفق علاقة هرمية، تكرس الادب عملاً
جاداً والسينما فناً جماهيرياً شعبياً. وعلى الرغم من الاهتمام الذي تحوزه
العلاقة بين السينما والأدب، غالباً ما تنحصر دراسته او تحليله في دائرة
ضيقة من المقارنة والمفاضلة بين الحقلين، الادبي والسينمائي، وتحت مظلة
أوسع هي "الولاء". نقوم معظم الدراسات او المقاربات لهذا الموضوع على فكرة
ولاء الفيلم للمصدر الأدبي. فهناك من يعتبر ان ولاء الفيلم لمصدره الادبي
مسألة جوهرية في عملية الاقتباس. وهناك في المقلب الآخر من يجد ان التحرر
من ذلك الولاء هو الخطوة الاولى على طريق تميز الفيلم السينمائي عن العمل
الأدبي. في مطلق الأحوال، تتمحور الدراسات التي تُعنى بالاقتباس السينمائي
للأدب حول مجموعة أفكار متداولة منها: العلاقة بين الفيلم والنص الأدبي في
وصف الأول "تصوير" الرواية او امتداد لها او تعليق عليها او مادة تنطلق
منها لتبلغ حالة مختلفة تماماً. وبالطبع، يدخل في لب النقاش الكلام على
"الخيال" اللامحدود في الرواية والمحدود في الفيلم في وصف الكلمة (في الادب)
مشرعة على صور مفتوحة بينما الصورة (في السينما) قائمة على دلالات محددة.
كذلك يتضمن النقد لعملية الإقتباس الاشارة الى الفوارق بين العملية
الابداعية الفردية في الادب وتلك الجماعية في السينما، وامتثال الاخيرة
لمعايير الانتاج والجمهور في مقابل تفلت الاولى منها في ما هي مسألة مفتوحة
على النقاش. في مطلق الأحوال، تصب كل تلك المقاربات في مكان واحد هو
المقارنة بين السينما والأدب والميل الى اصطفاء الأخير في مرتبة أرفع. على
الرغم من ذلك، لم تتوقف الاقتباسات الأدبية في السينما ولم يتوقف الأدب عن
إلهام السينمائيين لاستنباط روائع سينمائية من معينه الذي لا ينضب. انها
مناسبة لاستعادة بعضها مع كل ما يرافقها من نقاشات ونقد خلال اسبوع كامل من
العروض السينمائية التي تتيحها تظاهرة "كتابات على الشاشة"، ابتداءً من يوم
الاثنين المقبل الحادي عشر من كانون الثاني/يناير وحتى السابع عشر منه.
والتظاهرة فرصة لاستعادة بعض الافلام السينمائية المقتبس من الادب بتوقيع
أحد عشر مخرجاً من اسبانيا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا والمانيا ومصر،
ولعلها فرصة نادرة تحديداً لمشاهدة ثلاثة أعمال كلاسيكية على الشاشة
الكبيرة هي
Great Expectations (1947)
لدايفيد لين وLe Mepris (1963)
لجان-لوك غودار وFontane Effi Briest
لراينر فيرنر فاسبيندر.
في البرنامج الذي يتضمن عرضين يوميين (باستثناء يومي الاثنين والخميس
11 و14 كانون الثاني حيث سيعرض فيلم واحد السابعة والنصف مساءً) في السابعة
والنصف والعاشرة ليلاً، فيلمان اسبانيان هما
Soldados de Salamina
وHonor de Caballeria.
والمعروف عن السينما الاسبانية ولعها بالاقتباسات الأدبية التي تتيح بشكل
او بآخر استعادة الماضي وإعادة بناء صورة مجتمع لاسيما في الفترة اللاحقة
لسقوط ديكتاتورية فرانكو. الفيلم الأول، "جنود سالامينا" من اخراج دايفيد
ترويبا وانتاج العام 2003، مقتبس عن رواية خافيير سيركاس الاكثر مبيعاً
التي تدور حول بروفيسورة جامعية هي "لولا"، التي تنبأ لها الجميع بمستقبل
أدبي باهر. ولكن أشياء كثيرة تحول دون تفجر مواهبها الى ان تتعثر ذات يوم
بحكاية كاتب فاشي معروف، اعتقل ابان الحرب الاهلية قبل ان يطلق احد الجنود
سراحه رافضاً قتله. تنشغل "لولا" بالحكاية وتبدأ بحثها حول الجندي المجهول.
"شرف الفرسان" (2006) هو عنوان الفيلم الأول لالبرت سيرا الذي يقتبس
أشهر الاعمال الادبية الاسبانية على الاطلاق "دون كيخوتي" لميغيل دي
سرفانتس. في فيلم يسكنه الصمت، يتأمل المخرج الشاب في العلاقة بين "كيخوتي"
وخادمه "سانشو" بينما يهيم الاثنان في الحقول بحثاً عن مغامرة جديدة لا
تأتي ولكن الروابط بينهما تشتد.
من فرنسا، اختار المبرمجون عملين، أحدهما كلاسيكي والثاني معاصر.
الاول من توقيع السينمائي جان-لوك غودار ويقف بين أشهر أعماله وهو
Le Mepris. على الرغم من مقولته التي اتخذ منها القيمون على التظاهرة عنواناً
للمقدمة- مع انها تنفي في جوهرها اساس التظاهرة- "ما نفع السينما إذا جاءت
بعد الأدب؟"، فإن غودار اقتبس في فيلمه ذاك عام 1963 رواية الايطالي ألبرتو
مورافيا الصادرة عام 1954 التي أتاحت له بث أفكاره حول السينما السائدة
وقدراتها التسليعية، فضلاً عن موضوعاته الأثيرة حول العلاقات والزواج
والمرأة. تدور الحكاية حول منتج أميركي، يوكل المخرج النمسوي المعروف فريتز
لانغ باخراج اقتباس سينمائي لملحمة "الأوديسية". ولكن المنتج لا تعجبه وجهة
نظر المخرج وتعاطيه مع المشروع كفيلم فني، فيوكل روائياً وكاتب سيناريو
إعادة كتابة السيناريو. من هناك، ينسحب الصدام بين "فنية" للمشروع
"تجاريته" على علاقات الشخصيات.
الفيلم الفرنسي الآخر في البرنامج هو
Villa Amalia من اخراج بينوا جاكو وانتاج العام 2009. الاحداث مقتبسة عن رواية
بالعنوان نفسه لباسكال كوينار، صدرت عام 2006 ، محورها المؤلفة الموسيقية
"آن" التي تكتشف ان زوجها يقيم علاقة مع امرأة أخرى فتقرر الانفصال عنه
وقطع كل صلة لها في بلدها. هكذا تبيع منزلها وتترك وظيفتها وتسافر الى
جزيرة ايطالية حيث تقطن "فيللا أماليا" بعد ان تقوم بتجديدها. هناك تبدأ
حياة جديدة محورها ثلاثة أشخاص: الطبيب لونار وابنته لينا والامرأة الشابة
جوليا.
لعل الفيلم الأبرز في البرنامج هو شريط دايفيد لين
Great
Expectations
وذلك لاقتسام الاثنين، اي الفيلم والمصدر الادبي، الشهرة. والمصدر هنا هي
رواية تشارلز ديكينز التي تحمل الاسم نفسه ونُشرت للمرة الاولى في حلقات
بين 1860 و1861 وحازت أكثر من 250 اقتباساً بين المسرح والسينما، لعل
أقربها الى ذاكرة مشاهدي السينما ذاك الذي أخرجه ألفونسو كوارون عام 1998
مع غوينيث بالترو وايثان هوك. بالنسبة الى لين، كانت الرواية الاولى بين
اقتباسين لديكنز، الثانية كانت "أوليفر تويست". في شقه الحكائي، يدور
الفيلم حول سيدة مسنة متسلطة ذاقت مرارة الحب في شبابها مما يدفعها الى
تربية حفيدتها فائقة الجمال لتنتقم من كل الرجال وأولهم "بيب" الذي يقع في
غرامها منذ الطفولة. يتابع الفيلم حكايتهما على مدى أكثر من ربع قرن.
من بريطانيا أيضاً، يُعرض فيلم
Boy A (2007) لجون كرولي المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه لجوناثان تريغل. تدور
الحكاية حول شاب يخرج من السجن بعد قضائه عقوبة طويلة بسبب ارتكابه جريمة
قتل وهو لمايزل طفلاً. يمنح الشاب اسماً جديداً ويتمكن بمساعدة أحدهم من
ايجاد عمل واصدقاء. ولكن الماضي يثقل كاهله.
تشكل رواية
Effi
Briest لتيودور فونتين التي تُعتبر تحفته الأدبية الكبرى محور الفيلمين
الالمانيين اللذين تستضيفهما التظاهرة. صدرت الرواية عام 1894 وكانت الاولى
في ثلاثية حول الزواج في القرن التاسع عشر، متبوعة بروايتين لقيتا شهرة
كبرى بين القراء هما "آنا كارينينا" و"مدام بوفاري". حظيت الرواية بأكثر من
اقتباس، كان أشهرها فيلم راينر فيرنر فاسبيندر
Fontane Effi Briest
عام 1974، أحد الاقتباسين المعروضين في التظاهرة. أما الاقتباس الثاني،
Effi Briest، فمن انتاج 2008 وإخراج هيرمين هنتغيبورث.
في الفيلم الايطالي
kaos (1983)،
يقتبس الاخوان باولو وفيتوريو تافياني أربعة روايات للويجي بيرانديللو من
سلسلته المؤلفة من خمسة عشر جزءاً بعنوان
Nouvelle per un Anno، تدور أحداثها حيث ولد في القرن التاسع عشر.
اما ميشيل بلاسيدو فيقدم في فيلمه
Romanzo Criminale (2004) اقتباساً لرواية جيانكارلو دي كاتالادو، المأخوذة بدورها من قصة
واقعية لعصابة "ماليانا" احد أكثر مؤسسات الجريمة المنظمة سطوة في ايطاليا
بين مطلع السبعينات واوائل التسعينات.
يُختتم البرنامج بفيلم يسري نصر الله "باب الشمس" (2004) المقتبس عن
رواية الياس خوري بالعنوان نفسه الصادرة عام 1998. الفيلم تجربة ربما تكون
الاولى من نوعها في السينما العربية. فيلم سينمائي يقع في اربع ساعات ونصف
الساعة. ولكنه تحقق بالفعل على ايدي ثلاثة اشخاص: المخرج يسري نصر الله،
الكاتب الياس خوري والكاتب والمخرج محمد سويد، بمبادرة انتاجية من "آرتي"
ومن المنتج الفرنسي الراحل هامبير بلزان. ارتأى الثلاثي ان يأتي الفيلم في
جزءين: "الرحيل" و"العودة". وآثر المخرج ان يكون لكل جزء اسلوبه السينمائي
الخاص. يقترب "الرحيل" من الصورة التي تسكن المخيلة العربية عن فلسطين
ويمتاز بنفس ملحمي في تصويره تهجير الفلسطينيين من اراضيهم عام 1948،
متيحاً لعودة فلسطين الذاكرة أن تتجلى بمنحاها الملحمي، المتخيّل في كثير
من أجزائه. أما الجزء الثاني فيقترب من تفكيك "الأسطورة" المتمثلة بالشخصية
المحورية "يونس"، ممهداً لظهور بطل من نوع آخر، من لحم ودم وانكسارات
وانتصارات وضعف وخوف، هو "خليل" الدكتور المزيّف والعاشق المصدوم.
وبقدر ما يقوم الجزء الأول على السرد القصصي الذي يتخلله بعض الانتقال
في الزمن إلى المستقبل ومنه إلى الماضي، يتخذ الجزء الثاني ومنذ مشهده
الافتتاحي مقاربة أكثر عصرية للموضوع وأكثر واقعية وصولاً إلى تحديد مصير
"خليل" الشخصية الفلسطينية المعاصرة والبطل بمعايير مختلفة.
يحبك الفيلم خطوطاً روائية متعددة، ابرزها حكايات ثلاث: حكاية "يونس"
في فلسطين عندما كان مقاتلاً ضد الجيش الانكليزي في السادسة عشرة وعندما
تزوج من "نهيلة" قبل ان تبلغ الثالثة عشرة؛ حكاية "يونس" بعد انتقاله الى
لبنان وعودته كل حين الى الجليل الى مغارة "باب الشمس" للقاء حبيبته وزوجته
"نهيلة"؛ حكاية "خليل" الشاب الفلسطيني المقيم في مخيم شاتيلا ببيروت وقصة
حبه لـ"شمس" وعلاقته بـ"يونس" الغائب في غيبوبة في غرفة مستشفى. تتشابك هذه
الحكايات والازمنة من خلال ما يستعيده "خليل" من قصص على مسمع "يونس"
النائم ظناً منه انه بذلك يساعده على مقاومة النسيان. صُوِّر الفيلم بين
لبنان وسوريا والاردن مع فريق تمثيلي عربي ضخم، تولت الممثلة والمخرجة هيام
عباس تدريبه على اللهجة الفلسطينية. وعباس التي تلعب دور "ام يونس"، تقف
قبالة التونسية ريم تركي في دور "نهيلة" والممثلين السوريين عروة النيربية
في دور "يونس" وباسل خياط في دور "خليل" وحلا عمران في دور "شمس" ونادرة
عمران في دور "ام حسن".
لا تكمن حصوصية "باب الشمس" في انه قائم على اقتباس ادبي بل في شكل
ذلك الاقتباس وطول الفيلم وانخراط كاتب النص الاصلي في عملية كتابة
السيناريو. اما الاقتباس في السينما العربية فيتجلى في أبرز وجوهه في
السينما المصرية تحديداً لاسيما في الافلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ
واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومؤخراً ابراهيم أصلان وسواهم. ولعل
اقتباسات محفوظ حظيت بالجزء الاكبر من النقد والاهتمام على امتداد عقود
طويلة لاسيما لانخراط البحث حولها في نقاش حول القيمة السينمائية في اعمال
محفوظ الادبية.
لاشك في ان المناسبات، ومنها "بيروت عاصمة عالمية للكتاب"، ليست سوى
حجة لاقامة تظاهرات سينمائية تندرج تحت ثيمات متنوعة. ولكن يصدف ان موضوع
الاقتباسات الادبية في السينما من الموضوعات غير المطروقة كثيراً في النقد
والبحث السينمائيين باستثناء الاعمال السينمائية المقتبسة من أدب نجيب
محفوظ عربياً. لذلك تحمل تظاهرة "كتابات على الشاشة" قيمة مضافة في تحريكها
نقاشاً نائماً يستحق الخوض في أروقته.
المستقبل اللبنانية في
08/01/2010
حركة الصالات السينمائية اللبنانية لعام 2009
ثورة السينما الثلاثية الأبعاد تعيد بعض الجمهور إلى
الصالات
شهدت حركة دور العرض السينمائي اللبناني تراجعاً منذ نهاية تسعينيات
القرن الماضي وحتى العام 2008، تمثلت بانخفاض عدد رواد السينما بنسبة 10%
كل عام. ويرجع الموزعون اسباب هذا التراجع الى تفشي القرصنة بالدرجة الأولى
وانتشار الكايبل غير المرخص. ومنذ العام 2005 أضيفت عوامل خارجية أخرى
مؤثرة ضاعفت من تردي السوق السينمائية ومن تدني مستوى المشاهدين وهي
المتمثلة بالاوضاع الأمنية وتراجع الحالة الاقتصادية. الا ان العام 2009
استعاد ألق الجمهور مع دخول تقنية السينما الثلاثية الأبعاد 3D
للمرة الاولى الى صالاتنا.
حقق العام 2009 تقدماً على سابقيه بنحو اربعمئة الف مشاهد ليبلغ مجموع
رواد السينما خلاله مليونين وخمسمئة الف مشاهد على الرغم من تراجع عدد
الافلام الذي لم يتجاوز 180 فيلماً مقارنة بالسنة الفائتة التي استقبلت
نيفاً ومئتي فيلم.
ولكن هذا التحسن في عدد رواد السينما لا يلغي الحديث على مجموعة
مشكلات تتحكم بالمشهد السينمائي لسوق العرض في لبنان. منذ منتصف التسعينات،
اتسعت حركة افتتاح صالات سينمائية جديدة في بيروت والمناطق بهدف تسهيل
عملية ارتياد صالات السينما. ولكن عدد الرواد لم يرتفع او على الاقل لم
يرتفع بنسبة تضاهي ذلك التوسع. واليوم يتحدث الموزعون عن "تدني الثقافة
السينمائية" وانحسارها لحساب "ثقافة المقاهي" و"الكايبل". كما يرجع بعضهم
اسباب هذا التراجع خلال العقد الأخير الى هجرة الشباب الذين يشكلون القاعدة
الكبرى للجمهور السينمائي المحلي وبالطبع انتشار الكايبل وقنوات الافلام
غير المشفرة والافلام المقرصنة. وبالاستناد الى بعض الارقام، يمكن
الاستعانة بما يلي: في العام 1964 كان لبنان يمثل 80% من نسبة الارباح في
السوق الممتدة من تركيا الى إيران. اليوم انخفضت هذه النسبة الى 6% لاسيما
مع تطور الاسواق السينمائية في البلدان المجاورة مثل الامارات. ومما يزيد
من قلق المهتمين ان أعواماً مثل 2007 و2008 لم تشهد هزات أمنية كبرى مثل
اغتيالات 2005 وحرب تموز 2006 ولكنها على الرغم من ذلك لا تشهد أي تحسن في
الاقبال الجماهيري على دور العرض. تتجلى هذه التأثيرات في ايرادات الافلام
على شباك التذاكر اذ نشهد صعوداً لأفلام أقل جماهيرية فقط لأنها غير متوفرة
على أقراص مهربة في السوق السوداء. بينما تتراجع جماهيرية أفلام كبرى بسبب
تداول نسخها غير الشرعية في الاسواق.
ولكن ما أثبتته أرقام العام 2009 لجهة الجمهور وإقباله الشديد على
الافلام ثلاثية الأبعاد يعيد النقاش الى النقطة صفر اي الى التنافس الابدي
بين السينما والتلفزيون الذي يحتم على الاولى اعادة اختراع نفسها مراراً
وتكراراً كي لا تفقد جمهورها. بهذا المعنى، لم يكن من الممكن ان يترك
المشاهد افلاماً مثل
Avatar وAChristmas Carol4
وFinal Destination
و
Ice Age3 تمر من دون مشاهدتها في الصالة السينمائية
بأبعادها الثلاثية التي لا توفرها اية نسخة "دي.في.دي" او عرض تلفزيوني.
بعيداً من الافلام ثلاثية الابعاد، استدعت أفلام أخرى الجمهور لمشاهدتها في
الصالة بشروط تقنية عالية مثل فيلم الكوارث الطبيعية 2012 البعيد كل البعد
من أن يكون فيلماً ملائماً للمشاهدة المنزلية بما يحتويه من استعراض في
الصوت والصورة ومؤثراتهما.
الافلام الاكثر مشاهدة
توزعت المراتب العشرة الاولى للافلام الاكثر مشاهدة في الصالات
اللبنانية خلال العام 2009 على افلام التحريك والكوميديا والخيال العلمي
وفقاً للترتيب التالي:
2012 (142،466 مشاهداً)
عمر وسلمى 2 (114،242 مشاهداً)
Ice Age 3 (77،099 مشاهداً)
The Proposal )67،952 مشاهداً(
(The Twilight Saga: New Moon) 67،430 مشاهداً(
The Hangover
)59،878 مشاهداً(
Avatar )45،698 مشاهداً(
A Christmas Carol )45،474 مشاهداً(
The Final Destination4 )39،554 مشاهداً(
The Ugly Truth )48،239 مشاهداً(
لم يكن مفاجئاً حلول فيلم 2012 في المرتبة الأولى بعد الضجة الكبرى
التي رافقت خروجه في الصالات. ولعل ما يميّز هذا الشريط عن أفلام هوليوودية
اخرى تناولت موضوعات نهاية العالم من دون ان تحظى بالجماهيرية العالية
محلياً هو ان أحداث فيلم 2012 مقتبسة عن توقعات ذائعة الصيت محلياً كما
عالمياً. بكلام آخر، النهاية التي يتحدث الفيلم عنها تشغل الناس بخلاف
نهاية العالم المفترضة في
Independence Day او
The Day After Tomorrow. ولنا ان نلاحظ الفارق الكبير في اعداد المشاهدين بين العام 2008
والعام 2009 حيث لم يتجاوز مشاهدو الفيلم الاول في اللائحة 61 الف مشاهد
عام 2008 في ما تخطوا هذا العام 142 ألفاً.
للسنة الثانية على التوالي يحتل فيلم مصري مرتبة متقدمة على شباك
الذاكر من دون ان يكون مذيلاً بنجومية عادل امام. العام الماضي، كان "كابتن
هيما" في المرتبة الاولى وللعام 2009 يأتي "عمر وسلمى2" في المرتبة
الثانية. وللعام الثاني على التوالي ايضاً لا يتمكن عادل امام من تحقيق
جماهيرية تذكر بفيلمه "بوبوس" الذي حل في المرتبة التاسعة والعشرين في حين
جاء فيلمه "حسن ومرقص" عام 2008 في المرتبة العشرين.
أربعة أفلام من بين عشرة تنتمي الى تقنية الابعاد الثلاثية هي
Ice Age3 وAvatar
وFinal
Destination4 وA Christmas Carol
بما يؤكد بحث جمهور السينما العريض عن محفّز ليقصد دور العرض بدلاً من
المشاهدة المنزلية. وثلاثة من بين تلك الافلام الاربعة تنتمي الى تقنية
التحريك مع الاشارة الى ان
Avatar
دخل السباق قبل اقل من اسبوعين فقط على نهاية العام.
ثلاثة أفلام كوميدية رومنسية وجدت طريقها الى لائحة الافلام العشرة
الاكثر جماهيرية للعام 2009 هي
The Hangover
وThe Proposal
وThe
Ugly Truth. وفي المراتب العشرة التالية نقع على أفلام من طرتز
Harry Potter and the Half-Blood
Prince Transformers2 الفيلم الديني "شربل" وValkyrie.
تختلف تركيبة هذا العام على شباك التذاكر عن سابقاتها باصطفائها
التحريك والكوميديا على حساب الأفلام الدرامية او الحربية او الملحمية او
حتى قصص الحب المؤثرة.
خارج السباق
من المجحف بمكان كما هو من التسطيح ان تُحصر مؤشرات العام السينمائية
بالأفلام التي لاقت الرواج الجماهيري الأوسع. ففي ظل ارتهان حركة دور العرض
بأفلام اللون الواحد واسهام ذلك في تحديد نوعية الجمهور الذي يرتاد الصالات
وسواها من العوامل المؤثرة، تبقى الافلام التي تلقى الجماهيرية رهينة تلك
الشروط. ولكن شريحة من الاقلية السينمائية، اذا جاز التعبير، تمارس حقها في
الخروج على تلك الشروط من دون ان يؤثر صوتها في دفع ذائقتها المختلفة الى
الواجهة التي تحتكرها الافلام السائدة. خلف تلك، ثمة عدد من الافلام
المختلفة الهوليوودية وغير الهوليوودية التي خرجت في الصالات خلال العام
المنصرم وشكلت فرصة لخوض تجربة مشاهدة سينمائية مختلفة مع الإشارة الى ان
هذا الهامش بات يضيق عاماً بعد عام نافياً الافلام المختلفة الى خانة
المهرجانات والاحتفالات الخاصة. خارج اطار شباك التذاكر والاقبال
الجماهيري، حضرت خلال العام 2008 أفلام قليلة جيدة لم تفلح في اصطياد جمهور
كبير أبرزها:
The
Changelling
وGran
Torino لكلينت ايستوود،
Vicki Cristina Barcelona لوودي آلن،
Revolutionary Road لسام منديس،
The Reader لستيفن دالدري،
The Wrestler لدارن أرونوفسكي،
The Class للوران كانتيه،
Che لستيفن سودربيرغ،
Public Enemies لمايكل مان،
Tetro لفرانسيس فورد كوبولا،
Inglorious Basterds لكوينتن تارانتينو،
Slumdog
Millionaire
لداني بويل.
أفلام لبنانية وعربية
انطوى العام 2009 على عدد من الافلام اللبنانية والعربية التي خرجت في
دور العرض المحلية من دون أن تتمكن من إعادة انعاش سوق الفيلم العربي او
الأحرى المصري الذي كان سائداً قبل الحرب ناهيك بالافلام العربية غير
المصرية الغائبة بشكل كلي عن صالاتنا. أبرز الافلام المصرية التي عرضت خلال
العام المنصرم اثنان: "بوبوس" لعادل إمام و"دكان شحاتة" لخالد يوسف الذي
على الرغم من الضجة التي أحدثتها مشاركة هيفاء وهبي فيه لم يتمكن من اجتذاب
المشاهدين. أفلام مصرية أخرى خرجت في الصالات اللبنانية خلال العام مثل
"السفاح" و"الفرح" و"ولاد العم" والفيلم السوري اللبناني "سيلينا" لحاتم
علي.
على صعيد آخر، كانت سنة عادية بالنسبة الى الافلام اللبنانية التي
شاهدنا منها في الصالات "دخان بلا نار" لسمير حبشي و"ميلودراما حبيبي"
لهاني طمبا الى الشريط التلفزيوني المتواضع "اللؤلؤة" لفؤاد الخوري.
المستقبل اللبنانية في
08/01/2010 |