أن تنتهي من «الصفقة» لتقف «دقائق علي الطريق» مدعما «بقبول الذات» و«سلاح الصمت» قبل أن تذهب إلي «بيت من لحم» وتعرف «النشوة في نوفمبر» لتكتشف أنه «كان وهما».. وأن «الربابة.. هي آلة الحزن العميق» هذه الكلمات تلخص ببساطة الأفكار والمضامين التي تناولها صناع الأفلام الروائية القصيرة المشاركة في مهرجان الإعلام العربي الذي وزعت جوائزه مساء الأحد الماضي في حفل كبير نقل علي الهواء من مدينة الإنتاج الإعلامي.

أهم ملاحظة علي هذه الأفلام وغيرها مما شارك في المسابقة - 18 فيلما - أنها تعبر عن ذلك الفارق الشاسع بين أفكار الناس في مجتمعاتنا العربية لتؤكد الفروق الفكرية والطبقية والمذهبية، فإذا قدم مخرج مثل محمد صابر من مصر فيلمه «كارت شحن» عن علاقة التكنولوجيا بحياة الناس اليومية فإن مخرجا من الإمارات يطرح حياة الناس في صحراء الأردن وهو بسام المصري في «الربابة.. آلة الحزن العميق»، وحين يقدم أحمد فهمي عبدالظاهر مشكلة التعليم للفقراء من خلال فيلمه «ليلي» إنتاج القنوات المتخصصة فإن الفيلم اللبناني «قبول الذات» يدخلنا لدائرة مختلفة من المعرفة بآلام الإنسان حين يواجه المرض الخبيث وضرورة استئصال جزء من جسمه، وهكذا تدخلنا هذه الأفلام في حالة من التعامل مع الإنسان في كل ما يواجهه بشجاعة وقدرة فنية علي اختزال الدراما في عمل فني متكامل لا يزيد علي خمسين دقيقة.. تتخلص تماما من الترهل والتكرار لتبقي علي جوهر الموضوع وأهم لحظاته، ومن اللافت هنا جرأة بعض الأعمال لطرحها الكثير من القضايا الشائكة مثل «دقائق علي الطريق» اللبناني السوري للكاتبة ريما فليحان والمخرج اياد الخزوز ويتعرض لموضوع زواج مختلف الأديان بأسلوب حساس، والفيلم المصري «طعم الليمون» تأليف وإخراج فاطمة عبدالسلام «من معهد السينما» والذي يطرح قضية الاختلاف اللاواعي في نطاق العائلات العريقة، وأيضا اتجه البعض من صناع هذه الأفلام إلي علاقة أكثر تسامحا بين البشر مثل فيلم «نور الظلام» تأليف أحمد توفيق وإخراج مهدي القماطي الذي يتناول قصة رجلين.. كفيفين والفارق الشاسع بينهما بينما يتناول الفيلم «اللبناني» سلاح الصمت للكاتبة حنان الشيخ علاقة زوج بزوجته، سيدة الأعمال، في مرحلة الخريف من العمر.

نشوة في نوفمبر

في فيلمها «نشوة في نوفمبر» تقدم المخرجة الكاتبة عايدة الكاشف دراما مدهشة تتمتع بحيوية وقدرة عالية علي النفاذ لروح المكان الذي يلتقي فيه بطلها بأصدقائه ليستعيد معهم لحظات صافية ضمن يوم قرر فيه أن يعيش كما يحب.. البطل هنا هو «محمود عبدالعزيز» الممثل الكبير الذي ملأ الشاشة بهجة وألقاً في فيلم تخرجت مخرجته من المعهد العالي للسينما وتحية لأبيها المخرج اللامع الراحل رضوان الكاشف، ومعه ممثلة صاعدة واعدة هي فرح يوسف وتصوير رائع من كريم عبدالقوي.. إنه فيلم يأخذك إلي عالم بطله بكل ما فيه من جمال وحزن، وانطلاق وعجز وتظلله روحه المرحة بلا حدود.. وقد أعطت لجنة التحكيم جائزة الإبداع في السيناريو للمخرجة، وفي التمثيل لمحمود عبدالعزيز في دوره، شوقي ابن الستين ربيعا الذي يبحث عن جمال الحياة في كل من حوله.

بيت من لحم

للمرة الثالثة، تغري قصة يوسف إدريس القصيرة مخرجا في بداية حياته لكي يقدمها للشاشة، وهو ما فعله أحمد الهواري لكي يقدم نفسه بمشروع فني قوي كخريج من معهد السينما، بمعاونة تامر أنور في كتابة السيناريو، وكريم أشرف في التصوير، وممثلة قديرة هي سوسن بدر في دور الأرملة التي رحل زوجها وترك لها أربع بنات هن فردوس «حنان عبدالخالق» وكوثر «ريم حجاب» وريهام وصابرين «لا أذكر الأسماء للأسف» وتقع النساء الخمس في حرج من المقريء «محمود حافظ» الذي ظل يقرأ القرآن عامين علي قبر الأب الراحل، بدون أجر، تشفق عليه الأم طالبة من بناتها أن تتزوجه إحداهن فيرفضن.. فتفعل هي للحفاظ علي الرجل الذي وقف معهن.. لكنه، بعد أن يصبح قريبا لا يفصله عن البنات غير جدار، تتفتح غرائزهن.. ويطولهن في غياب الأم الشقيانة.. التي تكتشف المصيبة بعد فوات الأوان.. يتمتع الفيلم ببلاغة آتية من قدرة مؤلفة علي تقديم سرد واضح وموح وقدرة المخرج علي إدارة ممثلاته والممثل الوحيد ببراعة واقتصاد في آن واحد في إطار تعبير أشمل عن الحالة الاجتماعية والإنسانية للأبطال، ساهم في إبرازها التصوير والديكور «أحمد السرجاني» والموسيقي «عمرو شاكر»، وفي إيقاع أعطي للفيلم قدرته التأثيرية العالية فحصل علي فضية المسابقة.

الصفقة

في «الصفقة» الذي حصل علي الجائزة الذهبية، وجائزة الإخراج لعزالدين سعيد مخرجه وكان يستحق جائزة لسيناريو أشرف محمد المأخوذ عن حكاية من حكايات كتاب «الأذكياء» لابن القيم الجوزي، نحن أمام أحد الأفلام الجيدة لإدارة الإنتاج المتميز بالقنوات المتخصصة ليس بالنسبة للسيناريو أو الإخراج فقط، وإنما التصوير «عمر طه» والأداء لاثنين من الممثلين، الأول من العتاولة هو فايق عزب في دور السجان الطيب، والثاني من ممثلي الجيل السابق وإن كان ظهوره قليلا وهو هشام المليجي في دور السجين.. لا يخبرنا السيناريو عن نوع قضيته ولكننا ندرك من التفاصيل أنها قضية رأي، وأنه معتقل سياسي، وأن وروده إلي السجن متكرر، فهو يخرج ليدخل ومن هنا أصبح السجن أليفا، وموقعا للتفكير في خطوته القادمة خارجه، ولتعلم ما يريده، ويدرك السجان أن سجينه من معدن مختلف، وأنه إنسان حقيقي فيساعده في الخفاء ملبيا بعض طلباته مثل «عود» يعزف عليه ويغني، ويستمر بينهما حوار حول مفهوم السجن والحرية، والأمان، يطالبه السجان بأن يغلق أبواب بيته بعد الخروج فيخبره أنه ليس وحده، حتي يطلب السجين من سجانه مساعدته علي الهرب بضمه إلي قائمة الأموات، لكن قائد السجن يتشكك، ويقرر التأكد بنفسه وهو ما يخيف السجان فيسرع إلي السجين الملقي علي الأرض ناويا قتله وطالبا منه المغفرة، غير أنه يجده مقتولا.. فقد سبقه آخر.. علم بالصفقة.. يتمتع الفيلم ببناء درامي قوي ومكثف يدخلك إلي عالم بطليه فورا، ويضيف المكان -وهو هنا سجن حقيقي، بكل ملامحه وقدرة المصور علي إبرازها -قدرا كبيرا من المصداقية، خاصة مع حساسية الإضاءة وإبرازها لروح السجن وعتامته ويقود المخرج ممثليه إلي حالة من الإبداع تكشف عن قدرات لم ندركها من أدوار عديدة سابقة قاموا بها، إضافة إلي قدرته علي خلق توازن بين جوهر الدراما وتفاصيلها في مشاهد متعددة أهمها مشهد المعركة في السجن وعملية تأديب سجين لحساب أحد «الكبار» المسجونين وأيضا مشاهد الحراسة، والهرب، وساهم في تأكيد كل ملامح الدراما فنان الموسيقي الذي لا أعرف اسمه لكن إبداعه كان جزءا مهما من تأثير الفيلم.. والغريب أن لائحة المهرجان هنا تتجاهل إبداع الموسيقي والديكور في صناعة الفيلم الروائي القصير ولا تعطي الجوائز إلا للتمثيل والإخراج والسيناريو.. ولو جردنا كل الأفلام هنا، الفائزة والتي لم تفز، من عنصري الموسيقي والديكور لخسرت الكثير. جدا.. ولكنها اللائحة.

الأهالي المصرية في

18/11/2009

عصر ما بعد التليفزيون

الإعلام الجديد مجهول الهوية والأصل.. ولكننا نصدقه 

هل يمكننا أن نتخيل حياتنا دون تليفزيون؟ هل هناك عصر ما بعد التليفزيون؟ وهل يغني الإنترنت، الموبايل، اليوتيوب ، الفيس بوك، عن البث التليفزيوني؟ وما هي حقوق الملكية الفكرية لهذه الوسائل؟ تساؤلات كثيرة طرحتها إحدي ندوات مهرجان الإعلام العربي الخامس عشر بحضور حشد كبير من المتخصصين والخبراء الإعلاميين وهم د. حسين أمين استاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية، د. عصمت عبد المجيد استاذ الإعلام بجامعة القدس، وأندرو طومسون مسئول التدريب بالبي بي سي وطارق أبو السعود مدير اذاعة راديو مصر 2000.

بداية أكدت د. عصمت عبد المجيد علي مستوي التجربة الفلسطينية، أن «الصورة» محتكرة للجانب الإسرائيلي بسبب التقنية العالية التي يعمل بها ولكن الوضع اختلف الآن فلم تعد لهم السيطرة علي الصورة وبعد تقرير جولد ستون فقدت إسرائيل سيطرتها علي الإعلام وتضرب د. عصمت مثلا بوفاة الرئيس ياسر عرفات والمناقشات خلال السنوات الماضية عن وفاته حتي يخرج مسئول غاضب يقول جزءا من الحقيقة. ويخرج مسئول غاضب آخر ليؤكد جزءا آخر من هذه الحقيقة.

أما د. حسين أمين فيري أن «صحافة المواطن» أوالمواطن الصحفي مفهوم مهم سيتم استخدامه كثيرا خلال السنوات المقبلة. فيما اعترض ياسر عبدالعزيز الخبير الإعلامي علي مصطلح الإعلام الجديد والإعلام القديم فهناك نسبية في المجتمعات وفي استجاباتها فإذا سلمنا بالإعلام الجديد في الغرب نجد صحيفة «نيويورك تايمز » تقرر فرض رسوم علي من يزور موقعها علي الإنترنت لأنها لا تكسب مثل الصحيفة الورقية في حين أنه في الهند يزيد عدد القراء للصحافة المطبوعة بعدد 5ر11 مليون عام 2008، وذلك لأن هذا المجتمع يتحول من الريف إلي المدنية لهذا يؤكد ياسر أن الإعلام التقليدي مازال قادرا علي تحمل الكثير، أما الإعلام الجديد فهو مجهول الأصل وغير محدد المعالم.

عدم الارتياح له

أما أندرو طومسون، فأكد أن الثورة الإعلامية القائمة موجودة علي مدار فترة طويلة وليست وليدة يوم وليلة وشعور BBC كمؤسسة اعلامية تجاه هذه الثورة هو عدم الارتياح الشديد، لذلك تحاول أن تتصالح معها ومع مفهوم الإعلام الجديد في حين نجد أن طالبين من خريجي الجامعات الأمريكية انشأ موقع "Google أحد أكبر المشروعات الآن في العالم استثمرت في وقتها BBC مبلغا زهيدا هو 25 ألف دولار فقط للتعامل معه دون التفكير في خطورته، فلدينا الآن كما يقول طومسون «حديقة العالم علي الإنترنت» والتي تجذب القراء إليها فاستحدثنا «يوتيوب» لتقديم خدمة مختلفة وكل هذه التغيرات يري طومسون أنها تحتاج لمواجهة خاصة.

الراديو

أما طارق أبو السعود، فمازال يري أن المواطنين يجلسون للاستماع إلي الراديو ونشرة الأخبار ويعتمد هذا علي القناة نفسها التي تبث هذه الأخبار فمثلا اذاعة راديو مصر تحاول بث نشرات صغيرة جدا وشكل جديد للخبر بكثافة دون أن يضغط علي المستمع ويزحمه.. وفي مداخلات مختلفة من الحضور، أكد البعض خطورة الإعلام الجديد للتشكيل الخطأ علي الرأي العام، وأنه قد يصبح اشبه بمنشور سياسي دون أن يتعرض صاحبه للملاحقة كما يقول عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار، فيما أكد بعض الصحفيين والمذيعيين من الحضور امكانية استخدامهم وسائل الاعلام الجديدة في حال عدم توافر معلومات عن الهدف من مصادر أخري مع الحرص علي التأكد من المعلومة، خاصة مع امكانية حدوث خداع لتلك الصور مع اعتماد الاعلام الجديد علي عنصر التشويق واللقطة الكاملة دون حذف ..فيما تساءل البعض؟ هل نتعامل مع الإعلام البديل كابن غير شرعي للإعلام التقليدي أم نحتويه وننسق بينهما: وفي مداخلة من ياسر عبد العزيز أكد أن مصر من أكثر 10 دول في العالم تمتعا بالحريات علي الإنترنت في دراسة عالمية.

الأهالي المصرية في

18/11/2009