كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

القدس في السينما العالمية

( 4 )

 بقلم: عبدالستار ناجي

النهار الكويتية

في رمضان.. سير وحلقات في الصحافة اليومية الكويتية

   
 

فيلم «الوعد».. أهم إنتاج بريطاني يستحضر القدس وفلسطين

 
 
 
 
 
 
 
 

الابنة تفي بالوعد وتعيد مفتاح البيت الفلسطيني لأصحابه

«الوعد» أهم إنتاج بريطاني يستحضر القدس وفلسطين!

عبدالستار ناجي

تمثل القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني بي بي سي 4 واحدة من اهم القنوات التلفزيونية التي تقدم دعما واسنادا عالي المستوى لصناعة الفن السابع. وتقدم نتاجات سينمائية وتلفزيونية رفيعة المستوى لا تعتمد الصيغ التقليدية في الانتاج السينمائي

وفي فيلم الوعد الذي يتكون من اربع حلقات تلفزيونية عرض في انحاء العالم وايضا في عدد من المهرجانات والملتقيات السينمائية. مرسخا مكانة هذا العمل السينمائي الذي يروي حكاية فتاة بريطانية شابة تسافر الى اسرائيل فلسطين. متتبعة خطوات جدها الجندي البريطاني الذي كان يتمركز في الاربعينيات من القرن الماضي هناك وكان بمثابة عين الشاهد على العديد من الحكايات والاحداث التي وثقها في كتاب مذكرته التي عثرت عليه حفيدته بين اوراقه وهو يرقد في احدى المستشفيات حيث يعيش ايامه الاخيرة وكانت الحفيدة تزوره مع والدتها ابنة ذلك الجندي السابق

قطعة سينمائية نادرة من التلفزيون الى عالم السينما والمشاهد الذكية يلتقط تلك الاشارات الشديدة الحساسية العميقة والدقيقة

ثلاثة محاور يتم التحرك عليها هي الفلسطينيون والبريطانيون والاسرائيليون.. لم يكن اي منهم شيطانيا على الرغم من كل الاشياء الفظيعة التي قاموا بها ويفعلونها جميعا وعلى هذا الاساس فان الفيلم بالوسطية التي اشتغل عليها فان ذلك يمثل بمثابة الانجاز الفني الرفيع والذي يظل غائبا عن النسبة الاكبر من الاعمال السينمائية بالذات تلك التي تتبنى وجهة نظره هذه الجهة او تلك

الفيلم يعتمد على نص واخراج بيتر كوسمنسكي وهو مخرج بريطاني قدم العديد من الاعمال السينمائية بين المملكة المتحدة وهوليوود

في هذه التجربة السينمائية والتلفزيونية لا يوجد اشرار فنحن لسنا في هوليوود حيث الصراع دائما بين الخير والشر. بل لا ابطال ولا اشرار ويظهر العنف على انه لا يحل شيئا بل يؤدي الى المزيد من اعمال الاستنزاف الشريرة والمدمرة والتي تبعد المسافات بين الشعوب

الفيلم يتكون من اربع حلقات ترشحت يومها لجائزة بافتا كافضل انتاج درامي تلفزيوني. عن حكاية فتاة شابة تذهب الى اسرائيل وفلسطين في هذه المرحلة من تاريخها مصممة على معرفة تورط جدها الجندي البريطاني في السنوات الاخيرة من فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

ايرين ماثيوز كريستيان كوك مراهقة بريطانية تذهب على مضض لزيارة جدها في الثمانينيات من عمره وهو في المستشفى مصاب بالشلل الرئوي. وخلال عملية اخلاء شقة الجد تعثر ايرين على كتاب يتضمن مذكرات يومية لجدها الذي كان عسكريا في فلسطين بالذات في الفرقة السادسة المحمولة وكان يعمل رقيبا

وما ان تأتيها دعوة صديقتها ليزا كلير فو للذهاب الى اسرائيل في اجازة الصيف حتى تجدها فرصة للكشف عن اسرار وخفايا تلك المفكرات اليومية. ويأتي ذهاب ليز الى اسرائيل من اجل تلقي تدريبا اساسا على خدمتها العسكرية الاسرائيلية الالزامية

يأخذنا الفيلم الى مجموعة من المسارات وان ظل المحور الاساس هو حكاية ايرين حاليا في اسرائيل والاراضى الفلسطينية المحتلة وايضا الخط الخاص بجدها الذي استقر في مدينة حيفا كجزء من قوات الانتداب البريطاني التي تحافظ على السلام الهش بين العرب واليهود الذين راحوا يتزايدون ويصلون عبر السفن من انحاء اوروبا ويقوم الجيش البريطاني بتأمين ايوائهم.. 

وفي المقابل نلاحظ خط التمرد العربي لمواجهة الهجرة اليهودية المتزايدة الى فلسطين وتمضي الاحداث والحكايات التي راح الجد يرويها في مذكرته.ومن بينها علاقة الجندي البريطاني واسرة محمد الفلسطيني الذي يتناول عنده العشاء ذات يوم ويلتقط معه واسرته الصور التذكارية.

وحينما تصل ايرين الى ذات المنزل الذي ذهب اليه جدها تجد بان المنزل بات جزءا من مستعمرة باتت تحمل اسم عين يهود بعد ان كانت تحمل اسم عين حد بل ان المنزل تحول الى مركز فني يهودي وقيل لها ان الفلسطينيين غادروه عام 1948.

وايضا نتابع جوانب من حكاية المجندة الاسرائيلية اليزا وحكاية جدها الذي يروي جوانب من حكايات الابادة التي تعرض لها اليهود ابان الحرب العالمية الثانية على يد النازية.

وتمضي الاحداث بل تتشعب في اتجاهات متعددة بالذات حينما يتفجر العنف بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي..

وحينما نصل الى الصفحة الاخيرة من مذكرات الجد حيث يقرر ان يغادر فلسطين كسجين بعد مواقفه المتعددة لحماية العرب الفلسطينيين والتعاطف مع قضاياهم يكتب الجملة التالية ان دولة اسرائيل ولدت بالعنف والقسوة ويخشى ان لا تزدهر

خلال رحلة عودته الى بريطانيا يظل يمتلك امل بان يعيد المفتاح الخاص بمنزل صديقه محمد والذي تركه عنده عندما قرر الهجرة الى المنافي العربية. بل انه يقول في مذكراته اتمنى ان ابرئ ذمتي.. وان اتمكن في يوم من الايام من اعادة المفتاح لمحمد.. 

وفي المشهد الاخير من الفيلم وعند عودتها الى لندن تعانق ايرين والدتها بقوة بل انها تمسك بيد جدها الذي يحتضر وتقول له انها اعطت ابنه محمد المفتاح الذي كان محفوظا في كتاب مذكرته.. عندها تتفجر دمعة واحدة على وجهه وتمتلئ عيناها ايضا بالدموع لانها عرفت الحقيقة وحققت الوعد بان تعيد المفتاح لاسرة محمد الفلسطيني.. 

في الفيلم جولة في العديد من المدن الفلسطينية والاسرائيلية على حد سواء والقدس تظل حاضرة عبر مراحل بل وصور نادرة تقدم من ارشيف بي بي سي وهو الارشيف الاهم عالميا الذي يوثق ويقدم صور نادرة من تاريخ المدينة المقدسة بالذات في مطلق القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية واعلان الدولة الاسرائيلية

جسد شخصية ابو حسين محمد الفنان الفلسطيني على سليمان عبر اداء شديد الحساسية يؤكد قيمة ومكانة هذا الفنان وحرفته في التعامل مع هكذا مشاريع سينمائية كبرى. وهو احد ابرز نجوم السينما الفلسطينية بل اكثرهم مشاركات على الصعيد الدولي شأنه شأن النجم القدير محمد البكري

معهم في الفيلم النجمة هيام عباس ووامير النجار وفاطمة يحيى ومحمد ابو جازي وكم اخر من النجوم الفلسطينيين... 

مدة الفيلم 356 دقيقة ويتكون من اربع اجزاء عرض في عام 2011. وصور كاملة في اسرائيل

اهمية هذا الفيلم انه يستحضر فلسطين والقدس بكثير من الموضوعية وايضا الاشارات التي تؤكد احقية الشعب الفلسطيني عبر الدلالات الرمزية للمفتاح والتاريخ الطويل للشعب الفلسطيني وعلاقته مع الارض وايضا التاريخ في تلك المنطقة

سينما في المنطقة الحيادية الوسطى.. وهو امر نادر في الاعمال السينمائية التي تتعامل مع القدس وفلسطين بالذات على صعيد السينما العالمية التي يسيطر على مقدرتها عالميا صناع الانتاج الذين يوالون دولة اسرائيل واليهود حول العالم.

 

النهار الكويتية في

10.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004