كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

القدس في السينما العالمية

( 18 )

 بقلم: عبدالستار ناجي

النهار الكويتية

في رمضان.. سير وحلقات في الصحافة اليومية الكويتية

   
 

فيلم «الحاشية»..

الخلافات تهدد الأسرة في إسرائيل!

 
 
 
 
 
 
 
 

فاز بجائزة أفضل سيناريو في «كان» وترشح للأوسكار

«الحاشية» الخلافات تهدد الأسرة في إسرائيل!

عبدالستار ناجي

يمثل فيلم «الحاشية» «فوتنوت» للمخرج جوزيف سيدار واحد من أهم الأعمال التي أنتجتها السينما الإسرائيلية خلال السنوات العشر الأخيرة .

وتأكيدا لأهميته وقيمته فقد فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان السينمائي. كما ترشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي في ذات العام. وهذه مؤشرات لمكانة الفيلم ومضامينه التي تتناول ما يعصف من خلافات داخل الأسرة اليهودية في إسرائيل، بل إنه يذهب إلى منطقة أبعد حينما يختار أسرة ذات مكانة علمية مرموقة، ومتخصصة في دراسات «التلمود التوراة». 

الفيلم حمل عنوان أولي «حيرة شلايم» وتحول لاحقا إلى «الحاشية» وهي الملاحظات التي تكتب على هامش البحوث والدراسات وتمثل قيمة وثقلاً إضافياً لرصيد البحث

أليعازر وأورييل شكولنيك أستاذان متنافسان في دراسات التلمودية وهما في الحقيقة أب وابنه وتصل العلاقة بينهما إلى مرحلة معقدة

فيلم شديد الذكاء ينتقد الظروف الموضوعية التي تحيط بالإنسان والأسرة اليهودية الإسرائيلية في مدينة القدس، بل وفي جامعة القدس، من خلال قصة تنافس كبير بين الأب وابنه وكلاهما من الأساتذة المتخصصين في قسم التلمود في الجامعة العبرية في القدس. وتبلغ المواجهة ذروتها حينما يتم الإعلان عن جائزة إسرائيل وهي أهم الجوائز الوطنية المرموقة في دولة إسرائيل

أليعازر شكولينك باحث قديم في الجامعة يؤمن بالطريقة العملية التقليدية. بينما يتبع ابنه أورييل الفلسفة الحديثة، يبغض أليعازر الأساليب الحديثة ومن يتبعها، وهو عنيد للغاية حتى أنه يرفض إلغاء أحد فصوله على الرغم من توقيع طالب واحد فقط

يكتشف أليعازر انه تم التصويت عليه باعتباره الفائز بجائزة إسرائيل في علوم التلمود.. ما اضطره إلى إعادة التفكير فيما يشعر به زملاؤه والميدان عموماً، ولكن المكالمة التي تصل إلى أورييل تجعله أمام مواجهة من نوع آخر مع والده

ونعود إلى المحاور الأساسية من جديد . الابن «أورييلى باحث ذو شخصية جذابة، يحظى بشعبية كبيرة بين طلاب القسم وعامة الناس. وهو معروف أيضا من قبل المؤسسة عندما ينتخب عضوا في أكاديمية إسرائيل للعلوم الإنسانية، فيما «الاب أليعازر من ناحية أخرى يكاد يمثل النقيض، ينتمي إلى الفكر والمدرسة القديمة، ولا يحظى بشعبية، غير معترف بها، ويشعر بالإحباط من إنجازاته البحثية، حيث لم يوفق - كباحث منافس - وهو لا يتردد في مهاجمة الجيل الجديد من الباحثين بمن فيهم ابنه والباحثون الحديثون، لأنها يظل يصفها بالبحوث السطحية، طموحه أن يتم الاعتراف به من خلال منحه جائزة إسرائيل، لكنه يظل يشعر بخيبة الأمل كل عام عندما لا يفوز بها، ولهذا حولته تلك الظروف إلى العيش في مرارة ومعاداة للمجتمع وحسد وغيرة على شعبية ابنه

وتأتي الصدفة لتغير كل شيء.. أليعازر يتلقى مكالمة هاتفية من وزير التربية، يبارك له ويهنيه بوصفة الفائز بجائزة إسرائيل

وفي اليوم التالي يتم الدعوة لاجتماع عاجل من لجنة الجائزة الإسرائيلية، قيل لأورييل انه حصل على الجائزة وليس والده وأن تلك المكالمة من قبل وزير التربية تمت بالخطأ، وتلاعب اللجنة في مناقشة طرق تصحيح الخطأ، ولكن أورييل يعترض، قائلا بأن مثل هذا الخبر والحقيقة ستدمر والده.. ويقوم اورييل بمجادلة رئيس اللجنة «جروسمان»، حيث يطلب أورييل في نهاية الأمر ان يكون هو من يبلغ والده بالأمر والخبر الصحيح

وتكون تلك اللحظات فرصة بالنسبة للابن للاقتراب من والده والتعرف عليه عن قرب بعد أن باعدت بينهم الايام والخلافات العلمية والتي انعكست على طبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة

ومن هنا تأتي أهمية هذا الفيلم الذي يذهب إلى واحد من أهم المدارس الدينية «علم التلمود» «فقه التوراة» ومن الخلاف هناك وهو خلاف عميق تتداعى بقايا الدومينو إلى الخلاف بين أعضاء هيئة التدريس ثم الاسرة الواحدة، والمجتمع بأسره لاحقا

وحينما يصل أورييل إلى الأبواب المغلقة، يقترح على جروسمان ان يمنح الجائزة إلى أليعازر، وحينها يشترط جروسمان على أورييل شرطين الأول كتابة توصية بالأمر، وعدم الترشح شخصيا للجائزة مرة أخرى.. ويوافق أورييل لأنه يعلم بأن رفضه قد يؤدي إلى انهيار الأسرة .. ولربما المؤسسة بكاملها

في المقابل يجري أليعازر لقاء مع صحيفة «هآرتسى» يشجب بها الصلاحية العلمية والأكاديمية لأبحاث ابنه أورييل

ولكن حينما يقرأ أليعازر توصيات اللجنة التي منحته الجائزة «والهوامش» أو «الحواشي» الخاصة بحيثيات منح الجائزة ليبدأ باكتشاف بأنه غير المعني بالفوز، بل انه يكتشف ان مكالمة وزير التربية كانت خطأ في الأصل.

وفي يوم حفل توزيع الجوائز، ورغم أن أورييل أبلغ والدته بالأمر وطلب منها عدم إبلاغ أي شخص، وصل أليعازر وزوجته إلى مركز القدس الدولي للمؤتمرات للتحضير للحفل.. ولكن الفيلم ينتهي في لحظة قبل دعوة الفائزين إلى خشبة المسرح لتبقى الأحداث مفتوحة على مصراعيها.. وليظل المشاهد يبحث عن الأجوبة لعشرات الأسئلة هو مستقبل جيل.. وأسرة ومجتمع.. ولربما كيان

القدس تمثل محوراً أساساً في إحداثيات الفيلم، خصوصا ان جميع المشاهد تأتي وسط إجراءات أمنية تجعلنا نتعرف على طبيعة الحياة في القدس والظروف الأمنية، سواء في جامعة القدس العبرية أو وزارة التربية أو مركز القدس للمؤتمر حيث العديد من الحواجز الأمنية التي تمثل جزءاً أساساً من نمط الحياة والمعيشة وتنعكس تلك الحواجز على طبيعة العلاقات بين جميع الأشخاص

الفيلم من سيناريو وإخراج جوزيف سيدار وبطولة شلومو بار ابا ولينور أشكنازي. وكان هذا الفيلم قد فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان «كان» عام 2011 . ويترشح للقائمة النهائية لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، ولكنه خسر في ذات العام أمام الفيلم الإيراني «انفصال» للمخرج أصغر فرهادي

الفيلم شديد العمق حتى وهو يستدعي المدينة المقدسة فإنه يقرن ذلك الحضور بالظروف الموضوعية التي تحيط بالشخصيات والصراع المحتدم بين الفكر والتطور والمدارس القدسية والمواجهة الحادية التي تصل إلى تمزيق المدرسة والجامعة والأسرة والكيان الصهيوني بكامله لأننا أمام خلاف يذهب إلى فهم «التوراة». 

باختصار شديد فيلم «الحاشية» أو «الهوامش» هو أذكى وأعمق فيلم اسرائيلي.

 

النهار الكويتية في

04.06.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004