كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

القدس في السينما العالمية

( 17 )

 بقلم: عبدالستار ناجي

النهار الكويتية

في رمضان.. سير وحلقات في الصحافة اليومية الكويتية

   
 

فيلم «الخطان الأزرقان»..

يكشف خلاف الإسرائيليين حول فلسطين

 
 
 
 
 
 
 
 

توم هايس قدم أهم فيلم وثائقي عن فلسطين

«الخطان الأزرقان» يكشف خلاف الإسرائيليين حول فلسطين

عبدالستار ناجي

واحد من أجرأ الافلام الوثائقية التي قدمتها السينما عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والذي يعري التوسع الاستيطان اليهودي على فلسطين، عبر رحلة تمضى لأكثر من نصف قرن من الزمن، وتعود أحداث الفيلم الى ما قبل إنشاء دولة اسرائيل، حتى يومنا هذا

تم تصوير فيلم الخطان الأزرقان خلال 25 عاما متناولاً الوضع الإنساني والسياسي للشعب الفلسطيني من السنوات التي سبقت اسرائيل حتى يومنا هذا، عبر عرض الروايات الأساسية للإسرائيليين الذين تتعارض مواقفهم مع السياسة الرسمية لبلادهم

باحترافية عالية يقدم المخرج توم هايس صورة عن الصراع المستمر والذي لا يتم تصويره في وسائل الإعلام الرسمية

فيلم يصعب مشاهدته .. لكنه في الحين ذاته مهم للغاية

يستكشف الفيلم الوثائقي الرائع الذي أخرجه توم هايس تحت عنوان الخطان الأزرقان وهي إشارة الى العالم الإسرائيلي الخلاف العاطفي بين المواطنين الاسرائيليين حول احتلال حكومتهم لفلسطين، حيث يأخذنا الفيلم عبر مجموعة من المشاهد والشخوص والرويات والأحداث التي يجمع بها الفيلم بين العقائد المتقاربة والبراعة والنتيجة المذهلة التي وصلت إليها ظروف الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة بعد الاحتلال

المستوطنون الصهاينة يدعون كل فلسطين التاريخية لهم، ويؤكدون بشكل مختلف: هذه هي أرضنا التي أعادها الله. والعرب هم متجاوزون في أرض فلسطين إنها ليست بلادهم بل ان إحدى المستوطنات تقول هذه الأرض ملكنا بكل معنى الكلمة .. إنها دولة يهودية وديموقراطية .

يناصر دعاة حقوق الإنسان مثل هذه الأقوال ويشجعون التناقض بين دولة يهودية مع امتيازات الفصل العنصري لليهود في دولة إثنية وديموقراطية مع المساواة للجميع

من خلال أحداث وشخصيات الفيلم نكتشف أن العديد من الإسرائيليين يتحدثون بلهجات أميركية، لأن الدولة اليهودية ترحب بأي شخص يهودي من جميع أنحاء العالم يحمل الجنسية الإسرائيلية على الفور، بينما هو حق محروم من السكان الأصليين عديمي الجنسية في فلسطين المحتلة

ويناقش الفيلم وجهات النظر المتضاربة لليهودية: حق ديني في الأرض مقابل التزام روحي بتحرير المضطهدين، ويتساءل الفيلم عما إذا كان اليهود أكثر عزلاً او ربطاً بالإنسانية، كما يذكرنا العديد من أصحاب الضمير، فإن البحث عن الأمن الجسدي يعرض الناس لخطر أخلاقي أكثر

يركز توم هايس على هذه الدراما التاريخية مع مقاطع من نشرات الأخبار الأرشيفية التي ترصد تأسيس دولة إسرائيل، ويكشف الفيلم وبالوثائق انه في عام 1945 طردت إسرائيل 850 ألف فلسطيني، ما أدى الى تدمير ثلثي قراهم . كما ان الفيلم يستشهد بالقانون الدولي : ينص قرار الامم المتحدة رقم 194 على حق الفلسطينيين في العودة الى ديارهم، وتحظر اتفاقية جنيف الرابعة العقاب الجماعي. بما في ذلك هدم المنازل في إسرائيل وسرقة المياه وغيرها من الموارد والتعذيب والإذلال والقتل، بل إن هناك مشاهد وحقائق ووثائق صادمة ومن بينها تلك المقارنة عن عدد الأطفال الذين قتلوا خلال الفترة من 2000 2014 حيث يورد الفيلم أن 82 طفلا إسرائيليا قد قتلوا في مقابل 1861 طفلا فلسطينيا عن نفس الفترة الزمنية المشار اليها

تتجاوز الأصالة الفنية لرواية الفيلم حتى الأصوات المدهشة للكلمات والموسيقى والصمت والصفارات، من الأرشيف الحي والذي يبلغ طوله 32 عاما

في الفيلم العديد من الشخصيات من بينهم آراء تمثل أول مستنكف يهودي أميركي تتفجر ضمائرهم بالحقيقة والألم والتفاعل

حيث يتم من خلال تلك الآراء والمواقف تحليل احتلال 1967، وانتفاضة 1989، واتفاق أوسلو والانتفاضة الثانية 2000- 2004 والهجمات على غزة، وكذلك اللاهوت المتنازع عليه.

ويشير الفيلم إلى التعنت والاصرار الإسرائيلي في استخدام الرصاص القاتل وأيضا الضربات الجوية، بالإضافة الى ربط ارتباط الأصوليين المتبجح بالأرض مع تدنيسهم للمناظر الطبيعية القديمة لاسيما بناء الجدار الوحشي والصفوف من المنازل الحجرية المتماثلة داخل الأرضي الفلسطينية وتحول تلك الجنة الى مواقف للسيارات تارة والى قلاع أعلى التلال.. إنه يكشف المعاملة المنفصلة وغير المتكافئة لليهود والفلسطينيين، حيث يعيش شخصان.. جنبا الى جنب .. يحكمهما نظامان قانونيان، أحدهما هو النظام القانوني للديموقراطية والليبرالية.. والآخر احتلال عسكري

كما أن الفيلم يكشف عن الجحيم اليومي للخطوط المتوازية التي لا تقابل أبداً.. الطرق المعزولة ونقاط التفتيش وشبكات المياه والأوضاع الاقتصادية مع الحرية والتبرع لليهود في مقابل الأسر والندرة للشعب الفلسطيني

كل شيء نراه في هذا الفيلم البالغ الأهمية والصريح والواضح ينطلق من تعرية الخطين الأزرقين اللذين يمثلان العلم الإسرائيلي ومن ينحصر بين الخطين.. حتى المشاهد السياحية تحكمها تلك الخطوط التي تحمل الظلم والتهميش للأراضي الفلسطينية بما فيها مدينة القدس.

ونشير هنا الى أن المشهد الافتتاحي للفيلم يتم من خلال إيقاف سيارة بها عدة اشخاص أمام احد حواجز التفتيش يسألهم أحد رجال الجيش عند أحد نقاط التفتيش.. من أين جئتم .. فيأتي الرد من القدس

ورغم كمية القسوة التي تقبض قلوب المشاهد الحر إلا ان المخرج توم هايس يبدو متفائلاً في المشاهد الختامية للفيلم وهو يشير الى امكانية تحقيق العدالة فيما هو قادم من الأيام والسنوات.. لأن بقاء الظلم والاحتلال مستحيل حتى النهاية

رغم الإشارة الذكية والخبيثة للمخرج توم هايس بأن عدداً من أفراد طاقمه الفلسطيني ومن تمت مقابلتهم أصيبوا بالرصاص أثناء إنتاج وتصوير الفيلم، بل إن عشرة من كوادر الفيلم وضيوفه تمت عملية احتجازهم دون تهمة مباشرة

يواجه الخطان الأزرقان المشاهدين في جميع أنحاء العالم بانشقاق الاسرائيليين حول اضطهاد دولتهم للفلسطينيين وكذلك مسؤولة الحكومة الاميركية حيث يورد كماً من الحقائق ومنها دعم بأكثر من 100 مليار دولار وحق النقض الفيتو في مجلس الامن

بكثير من الشفافية نستطيع القول بانه يمكن لهذا الفيلم المزعج للآخرين أن يحدث ثورة في النقاش ليس في أميركا بل في كل الدول الحية الديموقراطية

وضمن سؤال صعب تأتي الأجوبة الأصعب . حيث يسأل الفيلم هل يمكنك أن تتخيل كيف أشعر عندما أتعرض للقصف؟، ويشير السؤال هذا الى أجوبة حتمية بالتعاطف والعدالة.. هكذا يظل المخرج توم هايس ينسج أسئلته وبالتالى الأجوبة الحتمية التي تكشف ما بين الخطين الأزرقين

ونتوقف مجددا عند اسم المخرج توم هايس وهو أستاذ مساعد في جامعة أوهايو وفيلمه بلو لاين هو الفيلم الثالث له عن فلسطين ومنها أبناء أصليون: الفلسطينيون في المنفى وقد رواه النجم الأميركي مارتن شين، وفيلم الناس والأرض

وتوم بالإضافة الى دفاعه عن الفلسطينيين فإنه من أهم المخرجين المدافعين عن المستضعفين في كل مكان لذا يظل يشتغل على أعماله السينمائية وهو يعلم جيدا نوعية ردود الأفعال التي ستواجهه، بالذات من الحكومة الأميركية.. وطبعا الإسرائيلية.. ولكن يبقى توم هايس الرائع بإنجازاته ومنها الخطان الأزرقان، الذي يمكن وصفه بأنه أهم فيلم وثائقي عن فلسطين

 

النهار الكويتية في

03.06.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004