كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

القدس في السينما العالمية

( 15 )

 بقلم: عبدالستار ناجي

النهار الكويتية

في رمضان.. سير وحلقات في الصحافة اليومية الكويتية

   
 

فيلم «الجسد».. من أهم الأعمال السينمائية التي صورت في القدس

 
 
 
 
 
 
 
 

كلفته 19 مليون دولار وحصد عوائد تجاوزت 33 مليون دولار

«الجسد» من أهم الأعمال السينمائية التي صورت في القدس!

عبدالستار ناجي

يمثل فيلم الجسد ذا بودي واحداً من اهم الاعمال السينمائية التي صورت في مدينة القدس الشريف والتي تصدت لموضوع مثير للجدل عبر مجموعة الاسئلة التي يتصدى لها والتي تمثل مرحلة جدلية عالية في العلاقة بين السينما والدين

حيث يعتمد الفيلم في متنه الروائي على اكتشاف جسد هيكل عظمي يعود الى القرن الاول الميلادي في كهف قديم في مدينة القدس.. لينطلق بعده كم من الاسئلة والحكايات التي تتداخل وتتشعب

والفيلم يستند على رواية بنفس الاسم لكاتب ريتشارد سابير ومن بطولة النجم الاسباني أنطونيو بانديراس واوليفيا ويليامز والنجم الفلسطيني محمد بكري.

هذا الإنتاج الأميركي الإسرائيلي الألماني المشترك . يتابع رحلة الأب مات غوتيريز انطونيو بانديراس وهو قس مسيحي ارسله الفاتيكان للتحقيق في اكتشاف أثري للدكتورة شارون جولبان واليفيا ويليامز التي تشتبه في بقايا جسد للسيد المسيح عليهة السلام - . يضع هذا الاكتشاف إيمان القس غوتيرز أمام الشكوك في مواجهة مستمرة مع وجهات النظر العلمية. بالإضافة الى ما يمثله هذا الاكتشاف من إثارة للأسئلة على الصعيدين الديني والسياسي بالذات على خلفية الصراع العربي - الاسرائيلي. بل ان هذه الأسئلة تهز أسس المسيحية نفسها؟ هذه المشاكل والأسئلة الكبرى عرضت القس غوتيريز الى المخاطر التي راحت تهدد حياته ومهمته

وما يؤزم الأمر ان الدكتورة شارون غولبان ويليامز حينما وجدت الهيكل العظمي القديم في القدس في قبر رجل ثري . ومع استمرارية البحث تكتشف تلك الباحثة ان اسباب الوفاة تعود الى الصلب لوجود آثار في الرسغ والكاحل. كما تم اكتشاف العديد من القطع النقدية الأثرية بما في ذلك عمله ذهبية تحمل علامات بونتيوس بيلات وجره يرجع تاريخها الى 32 ميلادياً. تعود الى تاريخ وفاة السيد المسيح كما تشير العلامات الضعيفة الى الجمجمة مع إشارات الاشواك التي وضعت على رأس السيد المسيح قبيل صلبه خلال رحلة الآلام. بالإضافة الى كم آخر من الدلالات والإشارات جعلت الجميع من الباحثين والعلماء يؤكدون بأن الجسد الهيكل العظمي يعود الى السيد المسيح

عندها تتفجر ردود الأفعال لدى السياسيين ورجال الدين والمتطرفين الدينيين بعضهم على بعض، حيث يذهب بعضهم الى استخدام الإرهاب لكسب غاياتهم، ما يحول ايقاع الحياة الى دمار متفجر وعلاقات متوترة صعبة

رحلة البحث والكشف عن الحقيقة تمر بكم من المحطات والمواقف قبل كل هذا الظروف التي تحيط بالمنطقة، فكيف ونحن باكتشاف يهدد الجميع .. بل انه يلغي الكثير من التعاليم المقدسة سواء في الأديان المسيحية أو الإسلامية بالذات فيما يخص صعود الروح

إن مهمة القدس غوتيريز من قبل الفاتيكان تنطلق أصلاً من حماية الإيمان المسيحي، لذا كانت نقطة الانطلاق الأساسية التي تحرك من خلالها هي إثبات ان العظام ليست بعظام السيد المسيح. ولكن بما أن هناك أدلة أكثر فأكثر تدعم هذا الإدعاء، فإن إيمانه يبدأ بالتردد، بسبب قلقه من القضية، عندها يلجأ الى الأب لافيل ديريك جاكوبي الذي ينتحر لأنه لا يستطيع التوفيق بين الاأدلة العلمية وإيمانه. ويؤدي هذا الحدث الى تحول غوتيريز عن إيمانه، لكنه عاد اليه في النهاية، حيث يدرك أن الكنيسة الكاثوليكية هي التي تحميه وليس الإيمان لذا يقرر الاستقالة من كهنوته ومكانته التي يحتلها

في التفاصيل نلاحظ الدقة التي راحت تشتغل بها الباحثة جولبان والتي كتبت في نسق علمي رفيع المستوى، حيث تفحص العظام التي تم العثور عليها دون إزالتها من الموقع، وهي حريصة جدا على عدم المساس بالرفات أو أي قطع أثرية أخرى تم العثور عليها

في إحداثيات الفيلم تم استخدام جميع التقنيات العلمية الحديثة المستخدمة في مجال بحوث الآثار والاكتشافات ما منح الفيلم مساحة عالية من الإقناع العلمي الرصين، الذي يذهب الى العقل ويتجاوز حدود العاطفة

هكذا هي معطيات هذا العمل السينمائي، الذي صور بالكامل بين القدس وعدد من المدن الفلسطينية والاسرائيلية . ولكن دعونا نتساءل ماذا سيحدث إذا كان يُعتقد أن جثة المسيح المكتشفة في حفر أثري في القدس هي جثة المسيح؟ في فيلم الجسد يطلب منا الكاتب والمخرج جوناس مككورد أن نصدق أن الفاتيكان سوف يتخلص من كاهن عديم الخبرة بانديراس لحماية الكنيسة، من خلال إخفاء الحقيقة المحتملة، إنها مجرد واحدة من العديد من الاحتمالات غير الملموسة في هذا الفيلم المثير للإعجاب، والذي يثبت أنه يحتاج الى الكثير لبلوغ ذلك التأثير المتكامل .

ونشير هنا الى بانديراس حصل مقابل 12 يومًا التصوير في اسرائيل على مبلغ ضخم مقابل اللعب للأب مات غوتيريز - وهو ما يُفترض أنه تم تخصيص الجزء الأكبر من الميزانية فيه ، نظرًا لقيم إنتاج الفيلم التلفزيوني والتخطيط لتسوية الصفقة.

والملاحظة اللافتة في الفيلم أن تصوير السياسة في الشرق الأوسط أمر مثير للضحك (الفلسطينيون الأشرار، والإسرائيليون الأشرار، والأساقفة الأشرار). وهو جانب يجعل المشاهد مشتتا امام الممارسات التي تقوم بها جميع الجهات رغم التوجه العلمي البحثي

على الصعيد الشخصي حينما قرأت انجيل يوحنا فانني توقفت عند هذه الجملة طوبى للذين آمنوا ولم يروا بعد.

وأمام تلك الجملة الإيمانية الراسخة . تبدو أسئلة الرواية والفيلم لاحقا شبه معطلة ومغيبة، ولكنها السينما وأحداثها التي حولت الرواية الى مجموعة من المغامرات التي تجعلنا نتساءل في محطات عدة أين القضية أمام ازدحام الأحداث والشخصيات التي ازدحم بها العمل على حساب الشخصيات الأساسية القدس والباحثة العملية

في الفيلم النجم الفلسطيني القدير محمد البكري من خلال شخصية أبويوسف عبر حضور عال ومثر في إحداثيات العمل . ويؤكد بأننا أمام قامة فنية كبيرة وشامخة ومقدرة في التعامل مع الانتاج السينمائي العالمي

بلغت الكلفة الانتاجية للفيلم 19 مليون دولار وحصد عوائد تجاوزت 33 مليون دولار في الاسواق الاميركية والاوروبية . وظل يعرض لمدة شهر كامل من الاول من ابريل ولغاية 29 من الشهر ذاته عام 2011 .

صاغ الموسيقى التصويرية للفيلم الموسيقار سيرج جلبرت وادار التصوير مدير التصوير الهنغاري فيلموز سيغموند الذي صور للسينما العديد من الاعمال السينمائية المهمة ومنها صائد الغزلان مع ميشيل كيمينو وولقاء قريبة مع ستيفن سبيلبيرغ. وهو من منح الفيلم دعما بصريا عالي المستوى بالإضافة الى احترافية المخرج جوناس مككورد

سينما حينما ذهبت الى المدينة المقدسة لم تحولها الى مجرد خلفية بل كيان وجزء أساس من الحدث الدرامي . بل ترسيخ قيم القدس والمكانة الروحانية التي تحملها هذه المدينة المقدسة

ونخلص.. الى اننا أمام تجربة سينمائية إضافية تذهب الى ذات النهج الذي نشتغل عليه حيث حضور القدس في السينما عبر وجهات نظر مختلفة ومتعددة ومتنوعة واضافية في تعميد مكانة القدس وقيمتها الدينية والسياسية والروحانية.

 

النهار الكويتية في

31.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004