ترى هل ان
الفيلم هو مجموعة من الصور التي يشترط فيها ان تحافظ على المصداقية
والموضوعية في نقلها اوجهاً متنوعة من الحياة وبالتالي الاوجه الاجتماعية؟
وهل الفيلم على اساس بنائه الفني هو عالم مختلف عن ارضه الواقعية؟ وهل ثمة
فاصلة بين شخصيات الفيلم وبين انتمائها الحقيقي لمجتمع من المجتمعات؟
اسئلة
ستحيلنا الى فهم قرب الفيلم وبعده عن فضائه الاجتماعي ، هذا الموضوع الذي
كان ولايزال عنصراً اسياسياً في اية قراءة للفيلم، واقعياً‘ وجدنا ان هنالك
تصوراً خاصاً لعالم الفيلم، بانقطاع صانعيه الى عالمهم الذي هم فيه بصرف
النظر عما يقدمونه من صور اجتماعية واقعية او غيرواقعية. على هذا كانت
هنالك اراء وتنظيرات رفضت اي تحريف او تعريف للقيمة الواقعية للفيلم، وكان
المنظر الفرنسي الكبير اندريه بازان في طليعة المنادين بالمصداقية
والواقعية، وعلى هذا ايضا كان الفيلم صورة فيها كثير من المصداقية لذلك
المجتمع الذي تجرى يه الاحداث والوقائع.
ولهذا ليس
مستغرباً ان نقرأ في مقدمة كثير من الافلام عبارة: مأخوذ عن قصة واقعية ،
او ان هذه الاحداث حقيقية ووقعت في الزمن الفلاني، وبهذا ظن صانعو هذا
الضرب من الافلام انهم بحرصهم على النقل الواقعي يكونون قد وفروا للفيلم
حماية من اي شك في صدقيته وان هذا الالتحام بالواقع كفيل بجعل الفيلم في
منئى عن اي نقد او اراء تقلل من اهميته .
لكن
بموازاة ذلك كانت هنالك إراء اخرى مناقضة لما ذهبنا اليه آنفاً بالكامل،
ولا ترى في الفيلم غير صورة( فنية) خالصة لا علاقة وثيقة لها بالواقع
بالضرورة .. بل ان قوة الفيلم تكمن في تمرده على الواقع واعادة تقديم الشكل
الاجتماعي عبر بناء فني خالص وستقرأ اراء المنظر فان دجيك وفيركلوك في ما
يعرف بسوسيولوجيا الفيلم.
كان
الرائد الالماني ، المنظر والمفكر الجمالي ارنهايم في طليعة المتحمسين
للفرضيات الجمالية التي ترتقي بالفيلم من واقعيته الجامدة حيث تثار جدلية
الصور المجردة على الشاشة الصماء التي ستنطق بكائناتها على تلك الشاشة
وستتحرك تلك تلك الكائنات القادمة من مجتمعات مجهولة تماما .
واما على
صعيد السنيا الهوليودية ونظريها ، فنحن ازاء قراءات موازية لهذا المضمون ،
قراءات لن تنفصل عن مجمل الارث الفكري والمعرفي للسينما الامريكية في
ارتكازها على (براجماتيه) بيرس وحرية وليم جميس..
الحياة
الامريكية على الشاشة هي تمثيل لنزعة الانسان في تأكيد ذاته، بكل ما يتطلبه
الوصول الى تأكيد الذات من عنف غير مسبوق يصل في بعض الافلام درجة البشاعة
والوحشية.
ربما
سنتذكر رواية (فالدن) للروائي والكاتب هنري ثورو والتي كتبها قبل ما يقرب
من قرن ونصف (1849) تحديداً، في تلك الرواية هنالك واقع يتخلق بين يدي
الفرد، الفرد الذي يبني كوخه على شاطئ بحيرة فالدن في ولاية ماساشوسس، انه
لا يبني مسكنه فحسب بل يبني فضاءه الاجتماعي والانساني وحتى العقيدي وخلاصة
ذلك ان الانسان حر في التفكير والسلوك، وهذا النوع الذي يندفع فيه الافراد
ليكونوا نسقاً اجتماعياً متكاملاً سيعيدنا الى الجدل القائم حول حقيقة
النسيج الاجتماعي الذي يقدمه الفيلم، وبالطبع ستحضر افلام مهمة في تاريخ
السينما الامريكية ومنها مثلاً فيلم (يوني وكلايد) و(سلسلة العراب) و(
المحصنون) واعمال اوليفرستون وسام بكنباه، هذه الافلام تقدم خلاصات
اجتماعية يندمج فيها ترسيخ الذات بنزعات المجتمع والتيارات الفاعلة فيه
بديناصور الرأسمالية، بالشهوة للجنس والمال والتسلط والسيطرة، نزعة التفوق
ومحق الاخر، وعلى هذا سيكون السؤال مرة اخرى واخرى، ترى هل قدمت هذه
الافلام نسيجاً اجتماعياً فيه صورة تنطوي على صدقية في تقديم طبائع المجتمع
وقوانينه؟
اذا كان
هنالك كلام (كبير) حول السياسة المتولدة عن مثل هذا النقاش، فأنها سياسة
الساسة وليس سياسة الافراد الذين يظهرون على الشاشات وهم منقطعون عن خطابات
الزعماء والرؤساء وشيوخ المجالس التشريعية، القصة مختلفة في طريقة التفكير
الذي يذهب اليه البعض، اذ ان الحياة عند هذا البعض كلها سياسة والاصغاء
لنشرات الاخبار وتتبع اطوار الساسة في حلهم وترحالهم هو ديدن هذا البعض
وبالطبع لكل مجتمع وكل فرد ميوله.
كنت ابحث
عن تلك (السياسة) في واحد من اجمل الافلام وهو (امريكان بيوتي) الذي يقدم
صورة للنسيج الاجتماعي موضوع البحث: الام المدمنة على الكحول، غريبة
الاطوار، الابنة الضائعة بين الام والاب المتصابي، في الجهة المقابلة هنالك
منزل يقطنه رجل يعيش على ايام مجده الغابر يوم كان ضابطاً في المارينز وابن
مدمن على المخدرات مختص ببيعها وتصوير اي شيء وكل شيء بكاميرته والام
المعطلة كلياً فلا هي كائن حي ولاميت، برغم انها تدور وتتجول في المكان،
الابن يدخل مصحة لمعالجة الادمان في الرابعة عشرة، الاب يرى ضرورة الانضباط
في كل ركن ولهذا فهو الضابط الذي عليه انزال العقاب بالابن ساعة يشاء..
بناء اسري ممزق بالكامل وافراد غارقون في الانانية ، منعزلون عن بعضهم، كان
الابن يراقب بكاميرته حركة كيس فارغ تعصف به الريح، ويتأمل صعوده وهبوطه
مردداً: لقد ادركت الان كم من الجمال تنطوي عليه الاشياء، ولكن اين تراه
الجمال الافتراضي؟ ارى ان الجمال لايكمن في انتظام الاشياء بالضرورة ولا ما
اعتادت العين على مشاهدته من تنسيق، حتى جمال الحس والمشاعر، يصبح الاضطراب
والصعود والهبوط والنزعات الذاتية وجهاً من اوجه الجمال.. الجمال الذي
نقرأه ونشعر به هو ذاك الذي لا يقاس بالمسطرة ولايمتلك شكلاً هندسياً
بالضرورة ما بين هذا وذاك.. ستبقى قصة المجتمع والفيلم اوسوسيولوجيا الفلم
والصلة بينهما محور تفكير ونقاش ما دامت هنالك صلة بين الانسان والفن.
سينماتك في 28
يونيو 2008
|