العشاء
الذي يسبق الموت ... انه العشاء الاخير الذي اعدته الاسرة لابنتهم، وقصة
الابنة تلك تشبه قصص واقعية كثيرة لفتيات ذهبن ضحية جرائم الشرف في مجتمعنا
العربي، واذ يتناولها هنا الفيلم البحريني القصير "عشاء" انتاج 2007، الا
ان المخرج حسين الرفاعي يولي الاهتمام لابراز المشاعر الداخلية لشخصياته
وتحديدا في اليوم الذي حدثت فيه الجريمة.
لم يعتمد
المخرج في اسلوبه على الحوار كاداة تعبير، انما جاء الحوار بالقدر اللازم
لمعرفة معطيات قصة الفتاة من خلال بوحها لالة التسجيل، فنعلم حينها انها
احبت شابا غرر بها فاضطرت ان تجهض الجنين الذي حملت به بعد ان هربت من منزل
اسرتها، لكنها لم تقوَ على العيش بعيدا عن اسرتها فعادت طالبة السماح
والمغفرة منهم عما حدث معها، فنفهم لاحقا مبررات فعل القتل الانيق الذي
تقوم به الاسرة (الاب، الام، الاخ) من خلال وضع السم في طبق الابنة بينما
يتناولون العشاء سوية حول الطاولة، اسلفنا ان المخرج لم يعتمد على الحوار
لكنه اشتغل على شخصياته كي تعبر عن غضبها الداخلي من خلال الصمت وقسمات
الوجه ونظرات العين وباشاحة النظر احيانا، وكان ذلك كافيا لخلق حالة التوتر
والترقب لدى المشاهد لما سيحدث وخصوصا في المشهد المطبخ حيث الام تعد
العشاء يدخل الابن وبعده الاب ويتبادل ثلاثتهم نظرات تشي بان شيئا ما مقلق
يتم ترتيبه ويبقى مبهما... ولم يضعف الايقاع الهادئ للفيلم حالة التوتر على
العكس فقد كانت النظرات المتبادلة تشحن بعضها البعض وتشحن المشاهد معها
كلما طالت، ولكني اذ اقول الشخصيات فاقصد بها؛ الاب والام والابن والابنة
قبل دخول الاخ عليها في الغرفة لان الحالة النفسية والقلق الذي عشناه معها
في الكابوس الذي استيقظت عليه في مطلع الفيلم والدم يسيل منها، والحالة
الاسى التي كانت تصاحب صوتها وهي تبوح لالة التسجيل، لم يجد له استمرارية
فيما بعد، انما بدت مستغربة لتحول معاملة اهلها وكأنها لا تدرك هول الفعل
بالنسبة لهم وبان الامر لن يمضي بسهولة، في الوقت الذي لم يصدر فيه من
الاهل اي فعل او ايماءة تدل على امكانية المسامحة، فجاءت ردة فعلها
واستغرابها واستمرارها بالتعامل مع الوضع بشكل طبيعي غير مقنع، نتفهم ان
المخرج ارد ان يقدم الابنة بمظهر البريئة التي ستصبح ضحية الاهل
والمجتمع...لكن في الواقع ظهرت سذاجة في استغرابها وعدم استشعرها الخطر، ان
هذه الملاحظات لا تنتقص من الجهد المبذول في العمل، ولا بالاسلوب الخاص
الذي يتمتع به المخرج في باكورة افلامه، وهي من الافلام ذات الميزانية
المنخفضة التي غامر المخرج وقام بانتاجها بنفسه.
ملاحظة
اخيرة بدت الام في الفيلم اكثر الشخصيات قسوة رغم انها لم تكن صاحبة القرار
ولا المحرضة على الفعل انما الاب كما فهمنا من النظرات المتبادلة، الا ان
غضب الاب كان واضحا حين تجاهل وجود ابنته وهي تحادثه محاولة رأب الصدع،
بينما في احد المشاهد كانت الام تمشط شعر ابنتها بقلب بارد وهي تدرك
الجريمة التي ستشارك بفعلها لاحقا، فبدت اكثر قسوة.
raniahaddadus@yahoo.com
سينماتك في 27
ديسمبر 2008
(حوار
مع فدريكو فلليني)
رانيه عقلة حداد
نفتقد
بشكل كبير في عالمنا العربي الى الكتب السينمائية سواء اكانت مؤلفة او
مترجمة، لذلك تعد الكتب التي تصدر عن المهرجانات السينمائية اهم مميزات تلك
المهرجانات، بما تضيفه الى المكتبة السينمائية، وبما تتيحه للمهتمين
والمتخصصين والباحثين من التوسع بالمعرفة في هذا المجال.
كتاب
(حوار مع فدريكو فلليني) الذي ترجمه الناقد البحريني امين صالح، هو احدى
تلك الاصدارات المنبثقة عن مسابقة افلام من الامارات لعام 2007، ويتناول
تجربة المخرج الايطالي فدريكو فلليني (1920-1993) احد المبدعين الذي ترك
بصماته لا على السينما الايطالية وحسب وانما ايضا على السينما العالمية،
عبر حوار مطول اجراه معه الناقد الايطالي جيوفاني جرازيني في مطلع ثمانينات
القرن الماضي، لنتعرف من خلالها الى عوالم المبدع الغنية والكيفية التي
يصيغ فيها رؤيته للحياة، والظروف والعقبات التي احاطت بانتاج اهم افلامه
منها: "ليالي كابيريا"، "الحياة حلوة"، "ثمانية ونصف"...
رائحة
الشيخوخة
تتنوع
المحاور التي يتناولها الحديث ومن خلال بعضها نتلمس هواجس ومخاوف فلليني
الانسان، فهو اذ تجاوز الستين حينها، لكنه كما يقول لا يشعر بانه قد تغير
كثيرا عما كان عليه في عمر السابعة عشرة، لكن الخوف من الشيخوخة يتسرب من
كلماته، نلمسه حين يتحدث عن تأثره برجل كهل تعرف عليه في مطلع حياته، كان
هذا الرجل يخرج مغلقا باب غرفة نومه في الفندق، ويبقى ممسكا بيد الباب لبضع
ثوان ثم يعود ويفتح الباب فجأة، ويقحم رأسه داخل الغرفه، ليشم ما اذا كانت
هناك رائحة شيخوخة عالقة في الغرفة، الامر الذي مارسه فلليني لاكثر من مرة
بعد سنوات في شيخوخته، ومن الحديث عن العمر الذي يمضي بغتة، الى الايمان
بكل ما يثير المخيلة ويقترح رؤية آسرة اكثر للعالم والحياة، بما تتجانس مع
اسلوبه الخاص في العيش، لذلك يرى في التنجيم نظاما محرضا للمخيلة.
على
الرغم من ان بعض افلام فلليني، تنتقد المجتمع واخلاقياته وتكشف السخافة
التي وصل اليها كما في "الحياة حلوة" 1960، الا اننا نكتشف من خلال الحوار
بان فلليني لا يعتبر نفسه فردا سياسيا يمتلك الرغبة في احداث التغيير، هو
يرغب في الخروج عن لا مبالاته هذه ويتخذ مواقف ايدولوجية حاسمة لكنه لا
يستطيع.
الغربة
خارج ايطاليا
واذ تبدأ
المقابلة بالحديث عن الشيخوخة وتنتهي بها، الا انها تعرج على مراحل اخرى من
حياة فلليني؛ الطفولة والشباب، ثم بدايات العمل كرسام كاريكاتير، مرورا
بكتابة السيناريو والعمل مع روسلليني، وصولا الى الاخراج السينمائي وعلاقة
فلليني مع السينما خارج حدود ايطاليا كـ روسيا وأمريكا الحلم الذي يصبو
اليه الكثير من المخرجين لكن ليس فلليني، الذي لم يُخرج اي فيلم من افلامه
خارج حدود ايطاليا، لم يكن ذلك منبعه الاصرار على ان العالمية تبدأ من
المحلية، انما لان شعور الغربة الذي كان يختلجه كلما فكر بالعمل خارج
حدودها كان يمنعه، الامر الذي دفعه في وقت ما الى الغاء عقد بعد ان وقعه مع
شركة امريكية منتجة، فكان دائما يتساءل كيف يمكنه ان يسرد مدينة لا تشبهه
ولا يعرفها، امّا في ايطاليا كان الامر مختلفا فهناك ما يحميه من السقوط اذ
انه محصن بذكراياته، وجذوره، عادته وبيته...
فلليني من
المخرجين القلائل الذين حالفهم الحظ في العمل مع منتجين لم يفرضوا عليه
شيئا ابدا، الا ان بعض اعماله بعد انجازها مورست عليها الرقابة كـ "ليالي
كابيريا" و"الحياة حلوة"...
في 31
تشرين اول الماضي مضى خمسة عشر عاما على رحيل فلليني عنا، ويبقى هذا الكتاب
احد الكتب التي يمكن من خلالها التعرف على عالم مخرج مبدع، واقتفاء اثر
علاقة فلليني بالعالم من حوله وبذكرياته، بخيمة السيرك ورسم الكاريكاتير...
وكيف انعكس كل ذلك في افلامه.
raniahaddadus@yahoo.com
سينماتك في 27
ديسمبر 2008
|