احتفاء
بمرور 50 سنة على انطلاق السينما المغربية تم بالدورة الأخيرة لمهرجان
مراكش السينمائي عرض فيلم قانديشة ضمن المسابقة وحجاب الحب مع الابن العاق
لعميد السينما المغربية محمد عصفور خارجها.
ليس هدفنا
من هذا المقال إثارة مسار آخر للنقاش حول حجاب قانديشة أو تحررها من كل
القيود التي يفرضها الرجل كسلطة نوعية أو الدين كمرجعية أخلاقية ولكن
مقاربة فيلمين مغربيين من خلال دعابة سوداء قد تصلح للجمع بين أسطورتين
الأولى مرتبطة بإمرأة قانديشة والثانية كذلك ولها علاقة بالحجاب .وقد لا
تصلح إذا اعتبرنا الأمر فيه نوعا من "التشيطن" على خلفيتين كل واحدة تريد
لنفسها أن تكون قائمة بذاتها حداثة / وأصالة بالرغم من التوحد في فكرة
التحرر والقيم الفردانية والوقوف ضد كل أشكال العنف التي يتأسس عليهما كل
من فيلم حجاب الحب لمخرجه عزيز السالمي وقانديشة لمخرجه جيروم كوهين
أوليفار .
هل كانت
قنديشة محجبة؟
قنديشة
الأسطورة كانت كذلك بمعنى أنها ظلت خلف غمام الغموض والحكاية.والحجاب هنا
كمرادف للهالة التي ولدتها هذه المرأة عبر قرون متعددة منذ القرن 14م.حقيقة
ظل موضوعها يلهب المشاعر المغربية بكل مكونتها الثقافية والعرقية ومن ثمة
صلح الاشتغال عليها كرمز وكأسطورة تحمل دلالات قد تغني من المنحى التأويلي
الذي لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن كل الإسقاطات الذاتية في فك شفرات
الفيلمين بالرغم من تباين نوعيتهما ونحو لغتهما السينمائية.
فإذا أراد
فيلم قنديشة أن ينبش في الذاكرة المغربية بترسباتها الشعبية عربية
وأمازيغية ويهودية فإنه استطاع على الأقل ،وهذا مشهود له بذلك، في استرجاع
أسطورة ظلت غابرة في قاع الشعور الجمعي للمغاربة إلى دائرة الضوء ورصدها ثم
تسجيلها فيما يمكن تسميته بإنتاج المغاربة لصور عن ذواتهم التاريخية
والسوسيولوجية .وهذا أمر هام بالنسبة للاشتغال على الموروث الثقافي
سينمائيا.كما أن الفيلم صنف نفسه منذ البداية في نوع الفانتاستيك والروحاني
لكنه مشج الماضي بدمغ القضية النسائية جاعلا إياها كمتكئ موضوعاتي ونضالي
يسعف الفيلم على الأقل في الدفاع عن قضية معاصرة.
فهو لم
يحبس نفسه في محاولة تقديم الفصل الحاسم حتى في الاعتقاد بفكرة قانديشة
لأنه وبالرغم من تسجيل السيناريو للحظات قوية لصالح إثبات وجود شخصية
قانديشة التي لعبت دورها الممثلة الكردية الأصل أميرة قصار ومحاولته خلق
نوع من التردد في القبول بفكرة قانديشة بين مشكك ومؤمن بها وذلك بالدفع
بالمشاهد أو بالمشاهدة للتقلب بين الحقيقة التاريخية وخيال السينما.
وإذا
انطلقنا من فكرة تحرر المرأة من كل القيود الاجتماعية معتبرين بطلات فيلم
حجاب الحب للسالمي نوعا من الاستمرارية النوعية لقانديشة الأسطورة فالنقاش
سيأخذ مسار البحث عن مدى قدرة حفيدات قنديشة المرأة المناضلة ضد الإستعمار
البرتغالي والمنتقمة لقيم الحق والحب من حمل مشعل التحرر أو على الأقل أن
يحظين بما حظيت به الأسطورة من اهتمام وعناية.ويبدو لي أن فيلم السالمي
ارتكز على عينات اجتماعية لبست لبوسا سينمائيا أسقط العديد من قضايا الفيلم
في نقل الواقع على اعتبار أن مظاهر استغلال الحجاب موجودة في المجتمع ولا
داعي لإنكارها، وأن كل حاملة له قد تتستر خلفه لقضاء مآرب وخصوصا الظفر
بزوج بالنسبة للواتي فاتهن قطار الزواج.
لم يحسم
فيلم قانديشة بشكل نهائي في انتصار الأسطورة على الواقع بل ترك الباب مترعا
على مصراعيه للمشاهدين والسينمائيين أن يجدوا أو لا يجدوا شيئا من ذواتهم
في قضية القتل التي ما هي في نهاية المطاف سوى مبرر فني لبسط عوالم
الفيلم، بالمقابل يبدو لي أن حجاب الحب طرح قضية المرأة وكأن همها الأوحد
هو الحجاب فقط أي أن ترتديه وتكون في انسجام مع سلطة الأنا الأعلى أو تتخلى
عنه مع تحقيق هويتها كذات وكجسد.
صحيح أن
فيلم حجاب الحب استطاع اللعب على هذه الثنائية التي تغذي نوعا من الفصام
الفكري والثقافي بين أفراد المجتمع،غير أن الطرح الفكري ظل منحازا لكونه لم
يقدم كما فعل فيلم قنديشة الرؤية الموازية للحجاب من أجل خلق ديناميكية في
الرؤية وخلق نوع من التوازن الفني بالرغم من الغموض في طريقة بناء الأحداث
التي قد يقال أنه مقصود ،لكنه قد يعبر أيضا عن موقف المخرج من قانديشة
المتذبذب بحكم ارتباطها بين ما هو حكائي وما هو ذاتي.
صحيح أيضا
أن الفيلم سيكون مثار جدل لدى المشاهدين لحساسية الموضوع وراهنيته.لقد
اعتبر منتج الفيلم حكيم صحراوي حجاب الحب كطرح لنماذج نسائية مركبة من دون
أي حكم قيمي.غير أنني أرى أن الفيلم لم يفلح في إبراز شخصيات مركبة سواء
بالمعنى الدرامي أو بالمعنى التمثيلي للأداء حيث ظلت الممثلات بمن فيهن
البتول الذي أدت دورها حياة لحوضي بنوع من الاحترافية الممزوجة بالعفوية
الجميلة،يحمن حول الذكر يونس مكري وكأنه أسطورة زمانه مع العلم أن أدائه
كان باهتا ولم يملك من المزايا السينمائية سوى كونه نجما وسيما وكأن هذا
لوحده كافيا ليشفع له لجر أربع نساء للمحاولة بكسب حبه أو الزواج به.حتى
البطلة ظلت دوافعها باهتة وغير مقنعة للتخلي عن الحجاب مخافة فقدان حمزة
البطل الذي خططت الممثلة السعدية لاديب المتميزة أيضا للظفر به أو سرقته
منها.ولوحظ سقوط الفيلم في الانفعال المسرحي وطغيان الحوار على الإيحاء
وجمالية المشاهد.
من هنا
يمكن القول أن القضية الكبرى التي حاول الفيلم إثارتها وهذا أمر هام لم
يفلح في بسط خيوط كتابتها بشكل مقنع يعطى للممثلات دوافع قوية وينفذ
لدواخلها لإبراز حالات التشرذم والتمزق التي تعيشه من خلال إلزامية التشبث
بالتقاليد والأعراف ومن جهة أخرى حرية الاختيار بدءا بشريك الحياة أو بنمط
العيش الذي ترضاه المرأة لنفسها.
سيكون
للفيلمين نجاح تجاري ملحوظ بالنظر للحساسية الثقافية والفكرية التي
يثيرانها كل من موقعه فقانديشة مثير من خلال عنوانه وطريقة سرده وعوالمه
التي أفلح الديكور والإنارة في الزيادة من جماليتهما فضلا عن حضور نجوم
سينمائية عالمية كدافيد كارادين وهيام عباس نفس الشيء بالنسبة لفيلم حجاب
الحب الذي وظف مسألة الحجاب كموضوع مثير للجدل عربيا بالرغم من تباين
المواقف الفنية من استقباله سينمائيا.
* كاتب
وناقد سينمائي / المغرب
Azedin6@hotmail.com
سينماتك في 29
نوفمبر 2008
|