يسود في هوليود هَوَسُ غريب بين شركات الإنتاج السينمائي
الكبيرة في إعادة تجميع عناصر النجاح لفلم ما، لعمل أجزاء أو حلقات أخرى
منه. وعادة ما تكون النوعية هي آخر ما يخطر على البال، المهم هو النجاح
التجاري فقط لهذه الأعمال. فغالباً ما تفكر الشركات الكبرى في حلبْ
المنُتجْ الناجح (تجارياً) إلى أقصى حَدْ، بعمل حلقات تاليةsequels
للقصة أو حلقات سابقة
prequelsللقصة
… مثلما يحدث مثلا في سلسلة أفلام "حرب النجوم" الأخيرة للسينمائي جورج
لوكاس؛ الذي يعود بالقصة إلى الوراء مستعرضاً حياة الصبي "أناكين سكايووكر"؛
الذي سيكبر ويتحول إلى الشرّير الأكبر في الملحمة "دارث فيدر".
لكن هذا الاتجاه في الإنتاج السينمائي يواجه مشاكل حقيقية
وصعوبات جمّة، بسبب التضخم الهائل في الأجور والكلف أولاً، وثانياً بسبب
عدم القدرة على جمع المواهب : من النجوم والمخرجين والكتاب والمنتجين الذين
كانوا وراء نجاح الفلم الأصلي لعمل أجزاء لاحقة لمختلف الأسباب. ولذلك فان
معظم الشركات ترى بأن الحلقات التالية يجب ان تكون أفضل من الفلم الأصلي،
وإلا فانها لن تنجح (تجارياً) او حتى لن تغطي تكاليفها.
عندما نجح فلم
Get Shorty))
في عام95، فكرت شركة
MGMفي
إنتاج جزء ثاني من الفلم، ينتقل فيه البطل (جون ترافولتا ) من صناعة
السينما إلى صناعة الموسيقى الشعبية… لكن المشروع لم يرى النور حتى بعد خمس
سنوات، وقد أصبحت الشركة المنتجة عالقة – حرفياً – في هذا المشروع؛ فقد
ازداد أجر ترافولتا بمقدار أربعة أضعاف عمّا كان عليه في السابق ليصل الى
حوالي 20 مليون دولار، اما كاتب الاقتباس السينمائي "سكوت فرانك" فقد اصبح
واحداً من أغلى الكتاب في هوليود، وكذلك المخرج "باري سونينفيلد" الذي أصبح
يطلب 10% من الكلفة الإجمالية لأي فلم يعمل فيه. ولهذا فقد شعرت الشركة إن
إنتاج الحلقة التالية سيكلف اكثر من القيمة الكلية لمبيعات الفلم الأصلي
التي بلغت حوالي 70 مليون دولار… ان هذه الحيرة ليست فريدة من نوعها، بل هي
شائعة في معظم الشركات الكبيرة. واذا كان الإخفاق لاسعاً أو قاتلاً أحيانا،
فان النجاح أيضا حارقٌ للأعصاب وتترتب عليه نتائج فورية خطيرة : اذ يؤدي
حتماً إلى تضّخم الأجور لكل الأشخاص اللازمين لعمل الحلقة التالية أو
الجزء الآخر من الفلم .
وعلى الرغم من هذه الاقتصاديات المنكّدة، فان الدافع لعمل
المزيد الحلقات من التالية يظل قائماً؛ وهو استنـزاف تجربة أو توليفة ناجحة
إلى الحد الأقصى … تعويضا عن النقص في الإبداع الذي تعاني منه هوليود،
إضافة الى خوف الشركات الكبيرة من المشاريع (الجديدة)، بسبب الكلف العالية
للإنتاج السينمائي واحتمالات الفشل المتزايدة لمختلف الأسباب. وكقاعدة فان
معظم الأجزاء التالية من الأفلام لا تحصل إلا على حوالي 65% من إيرادات
الفلم الأصلي، ما عدا القلة القليلة من الأفلام التي استطاعت ان تتفوق على
أسلافها مثل : مثل (قصة لعبة 2)، (الفاني 2 : يوم الحساب)، (أوستن باورز 2
: الجاسوس الذي أحبني) وغيرها.
انّ تضخّم الأجور المرتبط بإنتاج اللواحق، ليس ظاهرة جديدة
في هوليود، اذ جنى النجم ايدي مورفي من فلم (48ساعة أخرى) حوالي 13 مليون
دولار، وهو مبلغ يتجاوز الميزانية الكلية للفلم الأصلي (48 ساعة). ان ما
يختلف اليوم هو المقدار الذي تقفزه الأجور؛ فالممثل كريس تاكر الذي حصل على
3 مليون دولار عن دوره فلم (ساعة الزحام)، قفز أجره الى ما يقارب 20 مليون
دولار عن الجزء اللاحق من الفلم. وعندما طلبت
MGM
من شارون ستون ان تعيد دورها في فلم (الغريزة الأساسية)، طلبت الممثلة 20
مليون دولار، في حين عرضت الشركة 15 مليون دولار فقط مع بعض الحوافز،
والمفاوضات مستمرة منذ سنوات لتجسير الهوة بين الطرفين. وتؤكد ستون بأنها
لن تقبل بالاستعراض المجاني (السابق) للمناطق التناسلية، لأنها نادمة تماما
على ما فعلت في الفلم الأصلي. كما ان الحلقة التالية من الفلم ستلقي بثقلها
على كاهلها بشكل كلي، بسبب غياب النجم "مايكل دوغلاس" والمخرج الكبير "بول
فيرهويفن"، ولكل هذه الأسباب، ولضعف أداء ستون في شباك التذاكر في السنوات
الأخيرة، فمن المستبعد ان يرى المشروع النور.
لكن الأخطر من الارتفاع الصاروخي في أجور النجوم، هو تزايد
الحصة من أرباح الأفلام النهائية التي يطالب بها ممثلو ومخرجو ومنتجو الصف
الأول
A-List
…
على سبيل المثال، سبيليرغ – وهو المنتج المنفّذ لفلم (رجال
بالأسود) – قد حصل على حصة الأسد من أرباح الفلم لصالح شركته "أمبلين"،
وكذلك الحال بالنسبة لسلسلة أفلام الحديقة الجوراسية التي تنتجها شركته.
ولا تزال هناك العديد من اللواحق السينمائية تواجه الولادات
الصعبة؛ فالجزء الثالث من فلم (طاردو الأشباح ) قد تأخر لأكثر من عقد من
الزمن … لأن العناصر الأساسية في الفلم ؛ المخرج ايفان رايتمان، والنجوم
بيل موراي، دان أكرويد، وهارولد راميس يرفضون العمل في المشروع كلياً.
كذلك، فان الممثل "جون غودمان" رفض بشكل مطلق الاشتراك في جزء ثان من فلم "الفلينتستونز"،
لذا اضطرت شركة "يونيفرسال" إلى إعادة هندسة المشروع، وأنتجت حلقة سابقة من
القصة، حيث يظهر الممثل (مارك أدي) بدور (فريد فلينتستون) في شبابه المبكر
عندما يلتقي بزوجته لأول مرة في (لاس فيغاس) العصور الحجرية. كما ان شركة "نيو
لاين" باتت شبه متأكدة او مقتنعة من عدم استطاعتها إقناع النجمين جيم كاري
وجيف دانييلز للعمل من جديد في حلقة ثانية من فلم (غبيّ وأغبى)، لذا ستلجأ
الشركة إلى إنتاج حلقة سابقة من القصة، بالاستعانة بممثلين أصغر سناً وأقل
كلفة بكثير من النجمين السابقين. النجم هاريسون فورد والسينمائيان الكبيران
جورج لوكاس وستيفن سبيلبرغ … ما انفكوا عن إبداء رغبتهم – منذ أكثر من عشر
سنوات – في صنع الحلقة الرابعة من سلسلة أفلام "انديانا جونز" الشهيرة، لكن
انشغالاتهم ومشاريعهم الخاصة منعتهم من تحقيق هذه الرغبة، ومع هذا فربما
نشاهد هذا الفلم "المنتظر" نهاية العام القادم إن توفر النصّ المناسب.
وللسيطرة على الكلف العالية، يلجأ عدد متزايد من المنتجين
ومسئولي الشركات الكبيرة، إلى عروض مالية محددة ونهائية قطعية، أو إلى
تقييد المواهب - احتكارها - بعقود مالية مبكرة، كما في حالة (الاخوة
واشوفسكي) الذين تعاقدت "وارنر بروذرز" معهم على ثلاثة أفلام في سلسلة (ماتركس)،
حتى قبل ان يعرض الفلم الأول ويحقق نجاحا مدويا. وكذلك الحال مع فلم
"البروفسور المجنون"، اذ حال عرضه مُنح بطله أيدي مورفي زيادة معقولة في
الأجر، لقاء عمله في الجزء التالي من الفلم. بالطبع هناك بعض الاستثناءات
(النادرة) لهذه التكتيكات والمناورات، فعندما اشترت شركة "أرتيزان" الفلم
الوثائقي الكاذب (مشروع الساحرة بلير) بمبلغ زهيد، وحققت من ورائه أرباحا
خيالية فاقت الـ 200 مليون دولار، أعادت كتابة العقود ورفعت حصة صنّاع
الفلم الهواة – شركة هاكسان فلمز – من الأرباح إلى حوالي 50 مليون دولار،
في مبادرة "أريحية" غير متوقعة او غير معهودة في هوليود.
في النهاية، لا بد من الإشارة الى ان ثلاثية أفلام "سيد
الخواتم" – والى حد ما، سلسلة أفلام "هاري بوتر" – يصعب وضعها او النظر
اليها بحسب الأحكام والقياسات السابقة … لأن هذه الأفلام مبنية على سلسلة
كتب روائية شهيرة، وسابقة على هذه الأفلام. كما ان ثلاثية أفلام "سيد
الخواتم" تم تصويرها في نفس الوقت وفي نفس المواقع وبنفس الطاقم، كما لو
انها فلم واحد طويل … ثم تم تقطيعها او تقسيمها الى ثلاثة أفلام. ونفس هذا
الكلام ينطبق على "ثلاثية" الأستاذ نجيب محفوظ الشهيرة، التي حوّلها الى
السينما المخرج الراحل الأستاذ حسن الإمام. بينما يمكن اعتبار سلسلة
الأفلام التي تبدأ عناوينها باسم نجم الكوميديا الراحل "اسماعيل ياسين" –
في الجيش، في السجن، في البحرية، الخ – مثالا صارخاً وساطعاً لظاهرة
اللواحق "التجارية" الطابع في السينما العربية.