خلال الفترة من 5 إلى 14 نوفمبر, إحتفت مدينة آميان الفرنسية بمهرجانها
السينمائيّ الدوليّ, ولم يكن من قبيل الصدفة ـ في هذه الأيام العصيبة, وتلك
التي تنتظرنا ـ بأن يُسلط الأضواء على الوجه الأخر للسينما الأمريكية من
خلال شخصيات, وأفلام تجسّد الإختلاف, أكان ذلك قي قلب المشهد السينمائيّ
الأمريكيّ, أو على أطرافه.
بدايةً مع الممثل الأمريكيّ "داني كلوفر" رئيس لجنة التحكيم الدولية,
وبمراجعة بسيطة لما قدمه المهرجان في كلّ أقسامه, سوف يتكشّف لنا الموقف
الفكريّ الذي يرتكز عليه في إختياراته.
"إنجيل الخنزير المحليّ" فيلمٌ قصيرٌ لمخرجه "ميشيل أنج كويّي", ومن إنتاج
فرنسا/ هايتي/ الولايات المتحدة, كان واحداً من أربعة أفلام قصيرة عُرضت في
ختام المهرجان.
وفي إطار العروض الخاصّة فيلمان: "ملح الأرض" لمخرجه "هيربرت ج. بابيرمان"
من إنتاج عام 1954, و"القرصان الأسود" لمخرجه "ألبرت باركر" من إنتاج عام
1926.
في مسابقة الأفلام الطويلة, مشاركةٌ واحدة مع فيلم "يوم بدون مكسيكييّن"
لمخرجه "سيرجيو أراوّ", ومن إنتاج المكسيك/ إسبانيا/ الولايات المتحدة.
بينما غابت "الولايات المتحدة" تماماً عن مسابقة الأفلام القصيرة, ومن
الطبيعيّ بأن تغيب عن المسابقة الأوروبية.
ولكنها عادت للمُشاركة من جديد مع "درس السينما" للمخرج, وكاتب السيناريو,
والمؤرخ, والناقد السينمائي الأمريكي/ الفرنسي "ميكائيل هنري ويلسون" عن
فيلم "موعدٌ مع الخوف" لمخرجه "جاك تورنر", وإنتاج عام 1957.
وفي برنامج "العالم كما يسير" قدم المهرجان فيلماً مُستقلاً بعنوان
Senorita Extraviada لمخرجه "لوردس بورتيللو".
وبالإتفاق مع صالتيّن تعرضان مُسبقاً برنامجاً تحت عنوان "جنون شارلي شايز",
يتكون من أربعة أفلام قصيرة من إخراج "ليّو ماككيري", وإنتاج عاميّ
1925/1926, يمكن إعتبارها من المُشاركات الأمريكية.
وهكذا, يتضح بأنّ المهرجان يتعاطف كليّاً مع السينما الفرنسية, والأوروبية
بشكلّ عام, ومن ثمّ سينمات الجنوب, والسينمات المجهولة,.. يدعمها, ويُسلط
الأضواء عليها لمُواجهة سيطرة السينما الهوليودية, وإذّ يُهمل هذه السينما
التي تمتلك حظوظها في الصالات التجارية, يهتم بالمُقابل بسينمائيين
أمريكيين يناضلون بوسائلهم الخاصّة ضدّ الفقر, والتميّيز العنصريّ,
والحرب,... وسلبيات المجتمع الأمريكيّ التي بدأت تتضح أكثر مما مضى.
ولكنّ الحدث الأكثر أهميةً في الدورة الـ24 للمهرجان الدوليّ للفيلم في
آميان, هو تكريم مدير التصوير, والمخرج الأمريكيّ "هاسكيل ويكسلر", وعرض17
من أفلامه الروائية, والتسجيلية التي صورها و/ أو أخرجها.
خلال السنوات الخمسين الماضية, أضاء "هاسكيل ويكسلر" أفلام البعض من أكثر
المخرجين الأمريكيين أهميةً, مثل إيليا كازان "أمريكا, أمريكا", نورمان
جويّسون "في حرّ الليل", ميلوش فورمان "طار فوق عش المجانين", جون سايليس"Matewan,
سرّ روّان أينيش, المدينة الفضية", دونيس هوبير "ألوان", وأيضاً جورج لوكاس
"خربشة أمريكية", تيرانس ماليك "حصاد السماء" ـ بالتعاون مع "نيستور
ألمينروس".
حصل "هاسكيل ويكسلر" على جائزة الأوسكار لأفضل تصويرعن فيلم "من يخاف
فيرجينيا وولف" لمخرجه "مايك نيكولس", و"في الطريق إلى المجدّ" لمخرجه "هال
أشبي".
كاميراه تُعانق حرفياً أجساد الممثلين, وصورته المُلهمة, أكانت بالأبيض
والأسود, أو بالألوان, متجسدة دائماً في النوعية العالية لأفلامه.
من جهة أخرى, "هاسكيل ويكسلر" سينمائيّ ٌملتزمٌ سياسياً, ونعثر على مواقفه
الإنسانية في الأفلام التي أخرجها بنفسه, يرتكز فيلماه الطويلان على
الواقع, ويعبّران عن رؤيته, ورغبته "بأن يؤسّس عالماً أكثر سلاماً, يمكن
أن نتعايش فيه بهارمونية فوق الإيديولوجيات, والأنظمة, والجيوش, التي
تقودنا إلى الجريمة, والعنف".
يعتبر فيلمه الروائيّ الأول "Medium Cool"/1969,
أو مايُمكن ترجمته بـ"وسيط بارد" عملاً تنبؤياًّ حول الدور المُتعاظم
للتلفزيون في قولبة أفكار الرأيّ العام, وتحيّيد المتفرج عن كلّ مايحدث
حوله, وجعله سلبياً ليس له القدرة على المقاومة..
مع "Latino"/1985يكشف المخرج عن الحرب بالتفويض, تلك التي تعاونت فيها
المخابرات الأمريكية مع "الكونتراس" ـ المُناهضين للثورة ـ في "نيغاراغوا"
ضدّ الثوار الذين أطاحوا بالديكتاتور "سوموزا" في 19 يوليو من عام 1979.
كما أخرج "هاسكيل ويكسلر" عدداً من الأفلام التسجيلية "كي يُذكّر المتفرج
بأنّ هناك عالماً حقيقياً غير هوليوود", فيلمه "الباص"/ 1965 تجسيدٌ
للمسيرة السلمية نحو "واشنطن", تلك التي نظمها "مارتين لوثر كينغ" في عام
1963, بينما في "مقدمةٌ للعدو"/1974 يذهب مع الممثلة الأمريكية الملتزمة
"جين فوندا" لمقابلة الفيتناميين ضحايا القصف في "هانويّ".
ومن الواضح بأنّ المشاعر التي أثارتها تلك الحرب في المجتمع الأمريكي
تتجسّد في كلّ أعماله.
"إتحاد مُستخدي الباصات"/1999 فيلمٌ تسجيليٌّ طويل عن الهامشيين,
والمُهمّشين في مدينة "لوس أنجلوس", ولكنه ـ بشكل رمزيّ ـ يتحدث عن
الفوارق الإجتماعية الخطيرة التي تعيشها "الولايات المتحدة", ..زعيمة
العالم الحرّ.