مع نهاية شهر أغسطس الماضي, إنقضى الموسم
السينمائيّ الصيفيّ, مُسدلاً الستار على حربّ سينمائية عنيفة, وصراعات فنية
إحتدمت بين النجوم والمنتجين, إشتمل الموسم الفائت على الكثير من العروض
السينمائية المُختلفة, وأستهل بفيلم يُصنف بأنه من أهم الأفلام, وهو "بحب
السيما" للمخرج "أسامة فوزي", هذا الفيلم الذي بقي ما يقارب الأربعة أعوام
بعيداً عن دور العرض, وحبيس العلب, ولكنه نجح أخيراً في التغلب على كلّ
الظروف الإنتاجية, وعُرض بالفعل في دور السينما, وسط جدل دينيّ كبير,
وترحيب نقديّ مشجع, ولم يُعرض حتى الآن في دور السينما الكويتية, وأجد بأنه
يشكل إختلافاً نحتاجه في التيار السينمائي المُتدفق علينا, ولكن تلك
العوامل لم تحفز الحضور, فالنجاح الذي بات يُقاس بما تدّره شبابيك التذاكر
من أموال, كان قليلاً بعض الشيء مقارنةً مع أفلام أخرى عُرضت في ذات
الموسم.
تلاه عرض فيلم آخر مختلف, وهو فيلم "تيتو", وفيه
جسّد "أحمد السقا" شخصية بطل من حيّ شعبيّ تدفعه ظروفه المعيشية القاسية
لإحتراف الإجرام والسرقة منذ سنواته الأولى, ومحاولات هذا البطل البسيط في
التخلص من ماضيه البشع, والدخول في حياة جديدة بعيدة تماماً عنه.
فيلمُ يجمع بين الأكشن و المغامرة المرسومة في
إطار حبكة درامية متماسكة, وجميلة, وشكل حضوراً قوياً, وتأكيداً على مواهب
تمثيلية لا يختلف عليها إثنان, يتمتع بها "السقا" في مباراة سينمائية رائعة
مع "عمرو واكد", والإكتشاف الرائع لصالح سليم ، تلا ذلك عرض فيلم "خالتي
فرنسا" وتمثيل "منى زكي" و"عبلة كامل", والذي يتناول حياة الطبقة التي تعيش
في قاع المجتمع المصريّ, بكل مشكلاتها وهمومها، وهو أحد التجارب السينمائية
الدافعة بإتجاه ترسيخ تيار سينما المرأة الذي بدأ مع أفلام "كلم ماما",
و"أحلى الأوقات",.. وهو إلى جانب ذلك يُشكل رؤيةً جديدةً في مستقبل "منى"
السينمائيّ، ولكن السؤال, هو كيفية توظيفها لهذه الفرصة من عدمها، ولازلنا
مع أفلام الصيف, و فيلم "سبع ورقات كوتشينة" لنجمته المثيرة للجدل "روبي"
والذي هو في غنى عن التعرض له, مروراً بفيلم "عوكل" التجربة الثالثة
للكوميدي "محمد سعد" بمشاركة اللبنانية "نور" وهو يشكل تفوقاً على كلّ
أفلام الموسم بتحقيق أعلى الإيرادات, وأعتبره بمثابة فرصة جديدة أمام "سعد"
لإثبات مواهبه التمثيلية, ففيلمه السابق "اللي بالي بالك" لم يخرج من
عباءة "اللمبي" بكلّ حركاته البلهاء التي تستدّر ضحكات الجمهور بسطحية، و"عوكل"
هو إضافة جديدة في ذات المضمار, لم تشكل أيّ تغييّر نوعيّ, أو أيّ إنصاف
بحق بطله، الغريب في الأمر, هو إستعداد الجمهور لتقبل كلّ ما يقدمه "محمد
سعد", بغضّ النظر عن جودته، فالجمهور يذهب لدار العرض, وهو يتوقع الضحك,
حتى قبل بداية الفيلم.
في الموسم الفائت, كان للنجم "عادل أمام" عملاً
جديداً "عريس من جهة أمنية" بالاشتراك مع "شريف منير", والجميلة "حُلا
شيحا", والذي يعتبر أيضا إختباراً جديداً أمام الزعيم لقياس مدى نجاحه في
التواصل مع جماهير السينما, والوصول لها, بعد التعثر الجزئيّ الذي مُنيّ به
فيلم "التجربة الدنمركية" الذي عُرض موسم سابق, ويبدو بأنه نجح في تحقيق
هذه المعادلة الصعبة, وتجاوز الوقوع في فخ الفشل.
وفي نهاية الموسم الصيفيّ, عُرض الفيلم الجديد
لمحمد هنيدي "فول الصين العظيم" في تعاونه الأول مع "شريف عرفه" صاحب فيلم
"مافيا" للنجم "أحمد السقا", وأعتقد بأن هذا الفيلم يشكل إضافةً جديدةً,
وحقيقية في رصيد "محمد هنيدي" الذي تخلى عن أحلام البطولة الفردية الخالصة,
والتدخل الغير منطقي فيما يُكتب له, فظهر مع "شريف عرفه" عبر هذه التجربة
الجديدة بشكل جديد سوف تضيف لـ"هنيدي" الكثير فنياً.
أيضاً,عُرض فيلم جديد لـ"هاني رمزي", ومن إخراج
"رامي إمام", وهو "غبي منه فيه", والذي شكل حضوراً مهماً في شباك التذاكر,
ولكنه في المقابل, شهد هجوماً نقدياً كاسحاً, وهو تجربةٌ جديدةٌ على
"رمزي", بعد أن درجت أفلامه على معالجة القضايا السياسية المُلحة, إلاّ أنه
تخيّر هذه المرة تقديم الكوميديا القائمة على فرضيات متخيلة, وافتراضية.
كان من ضمن العروض الصيفية فيلم الفنان الكبير
"يوسف شاهين" الجديد "إسكندرية نيويورك", وقد شكل وقعاً جميلاً لدى
الجماهير, والنقاد على السواء.
من كلّ ما سبق, نكتشف سوية أن السينما المصرية
تحشد كلّ طاقاتها, وتجند كلّ نجومها, وأجهزتها لتنفيذ أفلام سينمائية تُعرض
في موسم واحد, وتبعاً لهذا الإزدحام الفنيّ, تنشأ مشكلات أخرى متعلقة بدور
العرض, ومدة العروض, وغيرها,.. بعيدا عن كل تلك الأشياء الفنية المُتعلقة
بسوق الإنتاج, ومستوى الأرباح, والخسائر, فإن هذا الزخم السينمائيّ على ما
يوفره من تنوع, وتنافس إيجابي بهدف تقديم الأفضل للمشاهد وإستقطابه، إلاّ
أنه يجعل المتابع متخماً بكمّ كبير من العروض لا يسمح له بهضم وإستيعاب كلّ
ما يقدم له على تنوعه, مما يظلم الأعمال الجيدة, أو تلك التي تحتاج إلى عمق
و جدية في المشاهدة, تلك الأعمال الفنية الثقيلة, والمؤثرة, وإن ندر
وجودها.
من خلال المتابعة الأولية لتلك العروض, نجد في
الكثير منها بعض السخف والتسطح, يفرضه الإستعجال في الإنجاز, والتنفيذ,
بهدف الاحاق بركب الموسم الصيفي قبل انقضائه، وتذكرني هذه المشكلة بما يحدث
على صعيد الدراما التلفزيونية في شهر رمضان المبارك, والتي تُمطرنا بسيل من
الأعمال, حتى أننا نعجز عن التفريق بين مسلسل وآخر من كثرة تكرار وجوه
الممثلين على الشاشة في اليوم الواحد, مما يدفع أصحابها لتنفيذ أعمالهم تلك
في فترات زمنية قصيرة, ووفق متطلبات متدنية فنياً, فضلا عن المطّ, والتطويل
في الأحداث لإستهلاك ساعات تلفزيونية أطول, وبالتالي تقاضي مبالغ أكثر,
تماماً كما يفعل تجار الأقمشة, أولئك الذين يبيعوننا الفن بالقطعة, تلك
الوجبة الدسمة تجعلنا نعيش على رصيدها طوال العالم, وكأن العالم العربي
يُنتج في شهر واحد رصيداً يعيش عليه عاماً بأكمله.
وهذا ما يحدث في السينما الآن, فقد إنتقل التجار
من التلفزيون إلى عالم الفنّ السابع, و باتت السينما تُنتج لموسم الصيف,
وللعيديّن, مما يعني بأنها تعيش فترات فراغ بين المواسم تلك، فالمنتجون,
وصناع السينما يخافون من عرض أفلامهم خارج تلك المواسم حتى لا تعاني من قلة
الحضور, وبالتالي, الفشل, والسقوط, وهذا خطأ مطبق, فالأعمال الجيدة تفرض
نفسها أيما كانت مواقيت عرضها, أو ظروفها المُتاحة, فالعمل الجيد هو من
يخلق ظروفه, ويهيئ أرضية تواجده على الساحة, والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.