تم تصوير الفيلم في 20 يوما فقط واعتمد على ممثلين غير محترفين
في المجتمع ، او في الحياة ثمة ظواهر وتجارب تتصدى لها السينما فتنقلها لنا
كماهي ، تعيد صياغتها اوتشكيلها ، تعيد انتاجها وفي كل الأحوال نحن امام
حالات وتجارب وظواهر لابد من ان يكون هنالك من موقف او رؤية بصددها ، رؤية
قد تقود الى اشكال وتفاصيل لاجديد فيها ولاعبقرية كبيرة في انجازها ،
لاسيما وان المسألة برمتها مرتبطة بالحس والمستوى التعبيري والأسلوبي الذي
يتباين بحسب تجارب وخبرات ورؤى كتاب السيناريو والمخرجين والا فأن الحياة
تتكرر هي نفسها بشخصياتها ، الرجال والنساء ، الحب والزواج والطلاق
والمغامرة العاطفية ، الأسرة ومشكالها و ماالى ذلك من معطيات مشتركة تتكرر
ونعيشها تماما ,...لكن السؤال الذي يطرحه هذا الفيلم انما يتعلق بافتراضات
متعددة متشعبة ، على طريقة: ماذا لو ؟ فالمتزوج ماذا لو وجد نفسه في علاقة
اخرى وغير المتزوج او غير المتزوجة ماذا لو وجدت نفسها في مأزق ان تختار
بين رجلين : احدهما يحبها ولكنه اناني والآخر تحبه هي ولكنه اناني ايضا ؟
وعلى هذا بنيت قصة هذا الفيلم القائم على تشظي العلاقات الأجتماعية ،
وعندما سننظر الى الكيفية التي تم بها صنع هذا الفيلم لجهة السيناريو
والأخراج سندرك معنى لذة المغامرة في تقديم فيلمي مختلف وسينما مختلفة.
مختصر القصة
في هذا الفيلم نحن لسنا امام قصة ولاحكاية تقليدية ، ممتعة ، ولها بداية
ووسط ونهاية ، بل انه فيلم صنعته افكار وتجارب وحياة الممثلين انفسهم ، هذه
الفكرة الغريبة لجأ اليها المخرج المجري في فيلمه هذا ، لقد اختار تسعة
شخصيات ليس بينها من هو ممثل محترف بمعنى ان شرطه الذي وضعه هو ان لاتكون
الشخصية ممن تعيش على ماتحصل عليه من التمثيل ، واختار ايضا اكثر الشخصيات
حيوية وفاعلية ونفاذا وتجاوبا وقدرة على تقديم تلك التجارب وكلها تجارب في
الحياة والمعاشرة الزوجية والصداقة والأنانية . وايضا قدم شخصيات قلقة غير
قادرة على التماسك او على الثبات ، تحولاتها واضطرابها واهواؤها آنية لكنها
مهما كانت وجهة النظر حولها فأنها حياة وتحولات وتجارب يدافع اصحابها عنها
بعناد ويصرون عليها ..حتى وان آذتهم او دمرت حياتهم ، الكل يبحث عن حب آخر
مجهول ربما يجده لدى الآخر ، لكنه قد لايجده ولهذا سرعان ما يتحول الى افق
آخر وتجربة اخرى .
سارا تحب مارك ، وهي حامل منه ، ولكن مارك يحب سارا على طريقته الخاصة وليس
على طريقتها ، وهو يحب فتاة اخرى تدعى صوفي في الوقت نفسه ، لكن صوفي تكتشف
انها قد خدعت وان مارك مشغول بسارا اكثر منها ولهذا تنتهي علاقتها معه ،
سارا تقرر خوض المغامرة مع اندراس ، وهو شاب يحب الأختلاف والتجديد ولايحب
التكرار والروتين ، لكن زوجته ريتا تقدس الحياة الزوجية لتكتشف فيما بعد ان
اندراس ليس بالزوج المثالي الذي يقدس الحياة الزوجية ايضا ، اندراس يريد من
علاقته بصوفي ان يلفت نظر ريتا ويثير غيرتها مع انها ليست علاقة بل مجرد
بضعة مكالمات تلفونية لكن ريتا ترفض هذا السلوك وتريد شخصا ما تهتم به
وتكرس وقتها له ، ولهذا تجد في ناتاشا بديلا ، فهذه الأخيرةهي فتاة مازالت
في مقتبل العمر وتحتاج الى رعاية امومية واهتمام وذلك ما تعتقده ريتا دون
ان تدرك ان ناتاشا هي فتاة مدمرة نفسيا وتعيش مع جيمي مغامرات تافهة لكنها
تريد الأحتفاظ به ولكنها تواجه ايتيل الذي تدين له ببعض المال .في المقابل
نجد ان بيترا تحب ايتيل ولكنها تكتشف ان له علاقة بسارا وانه ضحك عليها
بقراره السفر معها لكنه يقرر السفر مع سارا ، ولهذا يكون انتقام بيترا في
اللحظة الأخيرة والمشهد الأخير للفيلم انها تدس المخدرات في حقيبته ليكتشف
موظف المطار ذلك ويسوقه الى السجن .
رؤية المخرج والحل الأخراجي
يقول المخرج في الورقة التي وزعت علينا في المؤتمر الصحافي : "لقد قلبت
معادلة ان اصنع فيلما عاديا ، انا لم اختر الممثلين من اجل دور معين بل
بنيت الدور من خلال الممثل نفسه ، الطريقة نفسها شبيهة بتلك التي تتبع في
الفيلم الوثائقي ، كنت ابحث عن قصص حقيقية ، حالات وتجارب وقعت حقيقة بين
الناس ، لم يكن لدينا سيناريو جاهر في شكله التقليدي ، القصة بنيت من
التجارب الحقيقية للممثلين ان يؤدوا خارج مايجب ان يؤدونه .بنيت القصة من
العلاقات الخاصة بالشخصيات مع بعضهم البعض ، من التجارب الحقيقية للممثلين
ان يؤدوا خارج مايجب ان يؤدونه . كنا نبحث عن ممثلين لديهم اوسع رؤية واوسع
علاقات اجتماعية .بدأنا عندها الحديث مع الممثلين ، عن رغباتهم ووجهات
نظرهم عن الحب والزواج والصداقة ومن خلال ذلك الحوار صنعنا شبكة علاقات بين
الشخصيات وفي الوقت نفسه اوجدنا اوضاعا واحداثا جديدة وطرق ومداخل مختلفة
لتطوير الأحداث وخلال ذلك حرصنا ان نحافظ على الخط القصصي وعلى الخطوط
المتوازية لحياة الشخصيات والسبب الكامن وراء ذلك هو لجعل الشخصيات ان
تمتلك خياراتها مادامت كل شخصية لاتعرف عن الشخصية الأخرى ولا عن موقعها في
وسط حياتها الراهنة والمستقبلية وقد اثمرت هذه التجربة بشكل مدهش وقدمت لنا
شخصيات حية وفاعلة وقوية وصاحبة قرار.
المرحلة الأخرى هي اخراجية وهي تتعلق بالأسلوب البصري الذي يرصد العمق
العاطفي والتطور الدرامي ، هذا التكنيك كان قريبا من الوثائقية او الأسلوب
الوثائقي ، قمنا بالتسجيل للشخصيات وهي تعيش وضعا او حالة درامية لأطول مدة
ممكنة ، لساعة من الزمن الفيلمي ، لم تكن مشكلة ان يقعوا في اخطاء خلال
ذلك ، يمكن ان يتوقفوا ليكرروا او يتذكروا خلال التسجيل ، لكن المهمة
الأساسية هي اختيار اقوى اللحظات الدرامية واهم الحوارات من خلال المونتاج
.
البناء السردي في فيلم مختلف
من المؤكد ان هذا الفيلم فيه كثير من الأختلاف عما هو سائد من افلام اخرى ،
هو في الحقيقة تجربة سينمائية مختلفة ، هو تجريب اخراجي وتجريب في
السيناريو والمعالجة السينمائية واختيار الشخصيات ، هو يدخل الى عالم
الفيلم من مدخل آخر مختلف .
يظيف المخرج انه بالأضافة الى ماذكرناه من كيفية اختياره للموضوع
والشخصيات والحل الأخراجي انه اكمل التصوير في عشرين يوما فقط ..وهي مدة
قياسية لفيلم درامي روائي طويل .
وفي واقع الأمر اننا اذا راجعنا البناء السردي وجدنا انه اعتمد على نوع من
السرد السينمائي المتوازي الذي تتوازى فيه خطوط الأفعال والأحداث لكنها
مهما تشعبت فأنها تلتقي عند نقاط محددة وهي :
اولا : ان الشخصيات تلتقي عند دافعية واحدة الا وهي التغيير ، تغيير نمط
الحياة والشريك سواء اراديا او قسريا ، فكل من "سارا" و"بيترا" و "ريتا"
و"صوفي" هن عينات من مجتمع وحالات اجتماعية ومع انهن يعشن ظروفا مختلفة
لكنهن يلتقين في ازمة انسانية تتمثل في الفيلم من خلال الخطوط السردية
المتوازية التي تتعلق بكل واحدة منهن .
فالخط السردي المستقل المرتبط بكل شخصية يجري اشباعه بشكل جيد فلاتشعر ان
الشخصية مصطحة او هامشية بل انها فاعلة وتعلم ماتريده ولكنها اسيرة دائرة
محددة تدور فيها .
ثانيا : ان الشخصيات مهما ابتعدت وتشعبت بها الأحداث وافترقت بها السبل الا
انها تلتقي مكانيا في (بؤر) مكانية متجاورة ، فكل الشخصيات تعيش في خريف
وشتاء العاصمة الهنغارية بودابست 2008 ولهذا فأن مجرد هذا التجاور المكاني
بين الشخصيات كفيل بعودة كل منها الى الآخرى ولو في الحد الأدنى ، فالحد
الأدنى هو تلك الحوارات العامة الهامشية بين الشخصيات التي سرعان ماتتطور
الى ان تكشف كل شخصية عن الأزمة التي تعصف بها .
عودة الى البداية
مشهد البداية الحواري هو تسجيل مباشر لحوارات بين مجموعة اطفال يلعبون فيما
بينهم بأشراف معلمتهم ، مجرد ثرثرة طبيعية وضحك وبكاء بين الأطفال حتى اذا
ما بدا الملل يتسرب الى المشاهدين اختتمت مشاهد الأطفال بظهور اسماء فريق
العمل وكأنك تظن ان هنالك خلل فني في عرض الفيلم ،اذ ماعلاقة هذا بذاك ؟
لاسيما واننا قرأنا قصة الفيلم قبل الدخول الى الصالة، ولم يكن هنالك
مايشير الى وجود شخصيات من الأطفال ، لكن القصة ليست كذلك ، اذ من تلك
النقطة تبدأ التفاصيل اليومية للشخصيات ، وكأن الفيلم اراد ان يقول ان
(تحب) او (لاتحب) الآخر هي غريزة مستقرة في داخل الشخصية منذ الطفولة
المبكرة .
ربما يكون هذا مااراده المخرج في هذه المشاهد الأستهلالية ، التي بدت –
بالنسبة لي على الأقل – ثقيلة ومملة ولن تغير شيئا من احداث الفيلم فيما لو
تم حذفها ، لكن يبدو ان فكرة ( الأختلاف والتجريب) التي هي هاجس المخرج هي
ما دفعه الى وضع هذه اللقطات في البداية
عن الرجال الأنانيين ..ماالذي اراد الفيلم قوله؟
لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو ماالذي اراد الفيلم ان يقوله اضافة لكل ماورد
؟ هل اراد الفيلم ان يقول : يالهؤلاء الرجال الأنانيون الفضيعون ...فكل
منهم (خان) زوجته او صديقته لأسباب انانية مجردة ، ربما يكون الأمر كذلك في
نوع من التبسيط للمعنى ، لكن الدراما الفيليمة بنيت في الفيلم على فكرة (
الأزمة) ، ازمة الثقة ، ازمة مجتمع استهلاكي يبث الأنانية في كل ركن في ظل
التنافس المحموم على كل شيء ، على المادة ووسائل العيش وماالى ذلك
..بموازاة ذلك نجد ان المعالجة السينمائية في تناولها للأزمة تتجه بنا الى
الوصول الى حقيقة ان ليس بالموضوعات الكبيرة والمعقدة يمكن ان نصنع سينما
جيدة او فيلما جيدا ، هذا ليس شرطا والدليل هو هذا الفيلم الذي عرضنا قبل
قليل كل ماتعلق بطريقة كتابته واخراجه واختيار شخصياته ، اذا انطلق المخرج
من فكر بسيطة وشخصيات بسيطة وعليها ان تروي مايخصها ، ماعاشته وتعيشه
وماتفكر فيه .
البلد: هنغاريا
المخرج جورجي بالفي
مواليد هنغاريا – بودابست :1974 ، درس الأخراج السينمائي في اكاديمية
السينما والمسرح في هنغاريا ، هذا الفيلم هو فيلمه الروائي الطويل الثاني
بعد فيلمه (تاكسيدريما) -2006 ، اخرج الأفلام القصيرة الآتية : شامان ضد
ايكاروس – 2003، هاكل 2002 ، دوران 1999 ، صورة سمكة 1997 ، اكسر الموجة
1993
ينشر بالتعاون مع ورشة سينما
www.cineworkinst.eu
سينماتك في 20
أغسطس 2010
|