صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 

ملفات

 

لاحق

<<

03

02

01

>>

سابق

 

حوارات عن النقد السينمائي (1)

الناقدة السينمائية المصرية إسراء إمام:

الإمتاع جزءٌ لا يتجزأ من العملية الإبداعية

حاورها: صلاح سرميني

 

   
 
     

 

   

إسراء إمام، خريجة إعلام القاهرة 2010، بدأت بكتابة النقد السينمائي فى مواقع إلكترونية عديدة : البداية (قبل إغلاقه)، مجلة مصري، أهل البلد، عين على السينما، وفي صحفٍ مثل : جريدة القاهرة، والحياة اللندنية.

     

·     النقد، كلمةٌ مزعجة، تُثير المشاكل، والخصومات بين النقاد، والمخرجين (ورُبما بين النقاد أنفسهم)، مرتبطةً غالباً بالكشف عن الخلل، العيوب، والسلبيات، .. ماذا يعني "النقد السينمائي" بالضبط؟ وهل يمكن استبدالها بكلمةٍ أخرى أكثر رقة، لطفاً، ورحمة، ..

 

ـ النقد هو القدرة على التعامل مع العمل الفنيّ برؤيةٍ تحمل موهبةً يجعلها تستشعر نقاط قوته، وضعفه، وتوضح بعض مواضعه المُلتبسة، وترى أطروحته بعينٍ ثاقبة أكثر من المُشاهد العادي، وتُعيد صياغة ذلك مجتمعاً مع مخزونٍ فكريّ يمتلكه صاحب هذه الرؤية، والذي قد يمكنه من الوصول مع القارئ، أو المُشاهد إلى إشكاليةٍ جديدة على مستوى التلقي، أو صناعة الفيلم بشكلٍ عام.

ولأنّ كلّ هذا يندرج تحت أكثر من مستوى لا يتوقف عند مسألة التقييم، وكفى، يمكن أن نجد مصطلحاتٍ كثيرة تعبّر عن مفهومه، لا يُشترط أن تكون أكثر رقةً، ولكن، المهم أن تكون على قدرٍ من استيعابٍ، وتعبيريةٍ عن هذه العملية المُعقدة.

 

·     طيب، سوف أتمادى أكثر في المُشاكسةِ، هل كلمة "تميّيز" مناسبة، وهكذا نقول "التميّيز السينمائي"، "إسراء إمام" تعمل "مُميزة سينمائية"،... أو "تحليل"، فتصبحين "محللة سينمائية"، أو رُبما، كما يُقال : "فهم العمل"، أو "تفسيره"، وهنا، نطلق عليكِ صفة "فاهمة سينمائية"، أو "مفسّرة سينمائية"...؟

 

ـ نوعية الفيلم هي التي تحكم نوع المقال (تحليلي ـ تفسيري/نقدي، أو تمييزي)، ثمة أفلام لا تتضمن بُعداً يُعوّل عليه في التحليل، وبالتالي، يكون الجزء الأغلب من المقال نقديّ، على العكس من أفلامٍ أخرى قادرة على استفزاز الناقد في الكشف عن ما ورائيتها، لأنها بالفعل تملك أكثر مما يبدو، وهنا يميل المقال للكتابة التحليلية التي أحبذها دوماُ، وأرى فيها الناقد أكثر من انشغاله بإبراز نقاط الضعف، والقوة، وتفنيد الإيجابيات، والسلبيات، فالقارئ يحتاج أكثر إلى ما يُحفزّ مخيلته، وإدراكه البصريّ، وعملية تلقيه بالارتقاء بذائقته، وقول "المشهد الفلاني بديع" لا يكفي فضول المتفرج المُحبّ للسينما، ولا يجعل القارئ العادي فضوليّاً، وإنما تفسير "لماذا كان المشهد الفلاني بديعاً" يفيد الشخصين على حدٍّ سواء، وقد يخلق منهما صانعيّ أفلام.

 

 

 

كتاب "فن الفرجة على الأفلام" لـ جوزيف بوجز

 

·     في الوسط الفني، والسينمائي تحديداً، نسمع، ونقرأ أحدنا يكتب عن النقد "البنّاء"، أو "الهدّام"، متى يكون النقد "بناءً"، أو "هداماً"؟

 

ـ يكون النقد هداماً عندما يتجنى على الفيلم بجهل كاتبه، قوامها عدمية الإمتاع، وهو جزءٌ لا يتجزأ من العملية الإبداعية، ولكنه، في حدّ ذاته، شعورٌ نسبيّ يختلف من شخصٍ لآخر، وهذا ما يؤكد عليه "جوزيف.م.بوجز" في كتابه (فنّ الفرجة على الأفلام)، وبالتالي، قد يكون الإمتاع حقّ للمشاهد العادي في تقييم الفيلم، إنما لابدّ أن يتجاوزه الناقد عندما يرغب الكتابة عن فيلم لم يُمتعه، الافتقار إلى هذا الشعور يكون مدخلاً للأحكام العامة على الفيلم بأكمله، ويُظلم جمالياته، وقيمته الكامنة، هذا إلى جانب عملية الخلط، والانطباع المُسبق، أحياناً يكتب الناقد عن الفيلم الفلاني، وهو يضعه بشكلٍ، أو بآخر في حالة مقارنة بالمعنى الحرفي مع أصله الأدبي مثلاً، أو يحتفظ بانطباعه السلبيّ عن عمل مخرج ما حينما يكتب عن آخر أفلامه، وأيضاً، ليس بالضرورة أن أكتب مقالاً كي أنحاز للفيلم الفلاني، أو ضدّه، وإنما لابد أن تحمل الرؤية التي أقدمها عن الفيلم للقارئ شيئاً من التوازن، والموضوعية حتى، وإن انتهى رأييّ المُجمل بالإيجاب، أو السلب.

 

·     "آليات النقد"، "أسّس النقد"، "الشروط الحقيقية للنقد"، هل هناك فعلاً آليات، وأسّس، وشروط؟

 

ـ السينما عمليةٌ إبداعية، ولهذا أعترض دوماً على استخدام كلماتٍ مثل : "يجب"، "لا بدّ"، أو "المُعتاد" عند الحديث عنها كمُنتج نهائيّ، أو أثناء مرحلة الصناعة، ولهذا، وبالتبعية، يتصف النقد بنفس السمة، لأنّ الكتابة، والفكر هما عموده الفقري، وكلاهما يحمل صفة الإبداع، ومن الغباء أن أدعو إلى مدرسةٍ ما في النقد تحمل عدداً من الأسّس، أو الشروط، واُلزم الآخرين بإتباعها، ولو التزم كل مُبدع بالشروط لظلت الفنون في مكانها لا تتقدم خطوةً واحدة، في كّل يوم تحمل لنا السينما جديداً، تثور على السائد، وتحطم المعايير، والبديهيات التي قامت عليها الصناعة، والناقد الذي يعتمد على الشروط، والأسّس، سيقف قلمه، واستيعابه مذهولاً أمام كل ذلك، فالناقد الجيد من الأساس هو من يُشبه ذاته، ولا يستقي خبرة من سبقوه إلاّ ما هو مفيدٌ لانفتاح شخصيته، لا تقييدها، ويضع عليها شروطاُ وُفقاً لوجهة نظر شخصيات الأسلاف، بينما تعدّ مدرسته الأولى، والأخيرة هي كمية، وكيفية مشاهداته للأفلام، وموهبته في هضمها، والتعبير عنها بما يليق.

 

·     هل تتوّجه الكتابة النقدية إلى صانع العمل، أم إلى الجمهور؟

 

ـ إلى كلّ منهما، يتوق الأول (صانع العمل) إلى من يقرأ فيلمه قراءةً متأنيةً قد تُطري عليه من جهة، وتشير بأنه أجاد التعبير عن ما أراده، وقد تجعله يُعيد قراءة مخيلته بطريقةٍ مختلفة، تضيف، وتثبت أن فيلمه يحمل أكثر من بعد، ولا يسعه براحٌ واحدٌ للفكر، ورُبما يُلفت انتباهه إلى مواضع تغافل عنها، ويمكن أن يتفاداها في المرات المُقبلة، أما الثاني (الجمهور)، يمثل النقد بالنسبة له قيمة مختلفة تتباين مع اختلاف شرائحه، هناك جمهور يعتمد على النقد كدليل مشاهدة، وآخر يعتبره هوايةً معرفية مُكمّلة للقراءة، والسينما، وآخر يجده من أساسيات عملية المُشاهدة ذاتها، وعادةً، النوع الأخير من الجمهور دؤوبٌ لا يتوقف عند حدّ المتابعة، وإنما قد ينضمّ إلى النقاد، أو صُناع الأفلام فيما بعد.

 

 

 

الناقد السينمائي اللبناني محمد رضا

 

·     في إحدى كتاباته، يقول الناقد اللبناني "محمد رضاً" بأنّ أحداً لم يعدّ يتحمّـل النقد، معظم المخرجين العرب واثقون بأنهم وُلدوا بلا أخطاء، وأنهم ينجزون تحفاً تحيا للأبد...

 

ـ من حقّ أيّ شخصٍ التشبث بفكره، ومن حقّ الآخر أن يرفضه، في النهاية تنبٌع عملية التغيير من داخل الشخص ذاته، وخاب من يعتقد بأنه وصيّ على غيره، وأنه بمقالٍ نقديّ قد يُعيد إليه صوابه، من حقّ كل مخرج الاعتقاد بأنه أخرج تحفةً فنية حتى ولو كان فيلمه شديد الرداءة ـ طالما هو صادقٌ مع نفسه بعيداً عن الكبر، والمُغالاة، والمصالح، والزيف ـ ومن حقي كناقدٍ أن أستمر في الرفض، وبين معاودته المحاولة، ومعاودتي رفضه، سيكتشف نفسه، ويعمل عليها، فكلّ منا أصدق ناقد لذاته، بينما الخلط بين النقد، وخلخلة ايمان الشخص بنفسه أمرٌ مقيت، ومهنتي هي رفض المُنَتج الذي يقدمه الشخص ـ إن لم يُجيد ـ دون السخرية من الكيفية التي يؤمن فيها بنفسه.

 

·     سوف أتوقف عند أجزاء من الإجابة، طبعاً (من حقّ كل مخرج الاعتقاد بأنه أخرج تحفةً فنية حتى ولو كان فيلمه شديد الرداءة ـ طالما هو صادقٌ مع نفسه بعيداً عن الكبر، والمُغالاة، والمصالح، والزيف)..من يحدد بأنّ هذا المخرج (صادقٌ مع نفسه، وبعيدٌ عن الكبر، والمُغالاة، والمصالح، والزيف) ؟

 

ـ لا يوجد معيارٌ حقيقيّ يمكن أن تُثبت ذلك على أحدهم، ولهذا، أنفر دوماً من نبرة الجزم التي يتحدث بها شخص على آخر، وكأنه دخل في غيبياته مع نفسه، ولهذا، يظل مَن أمامي له الحق في أن يكون صادقاً في إيمانه بنفسه، طالما لم يكن هناك مواقف صريحة تنافي إدعاءاتٍ اُخذت عليه.

 

·     أتذكر ندوة حضرتها في "معهد العالم العربي" بباريس، وبعد عرض أحد الأفلام المصرية، نهض صحفيّ، وقال للمخرج: أنا برفض فيلمك، وجاءه الردّ سريعاً، وأنا كمان برفضك..

في نفس إجابتكِ السابقة، هناك مفرداتٌ أجدها بعيدة عن مفهوم النقد، أهدافه، وغاياته، وهي حكاية التشبث، والرفض،...هل "النقد السينمائي" رفض، أم كشف، وتحليل ؟ هذا الرفض المُتبادل حالة تدميرية للطرفين، حيث لا توجد حقيقة مطلقة..

 

ـ دعنا نتفق بأنّ جدالنا ينطلق من الافتراض بأن المخرج لم يُجيد، إذا جاء الرفض بناءً على ما عرّفتُ به معنى النقد في حديثي السابق، أيّ بعد "لماذا أرفض؟؟" .. كما أنه من حقي التشبث برفضي، لأنني أمتلك أسباباً وجيهة ذكرتها فى مقالتي قائمة على التحليل، هكذا، ومن حقي التشبث بالدفاع عن فيلم فى مقالة ترتكز على نفس الأساس، إذاً، أرى بأنه لا يتنافى الرفض، أو التشبث مع مفهوم النقد.

 

·     وكيف نفسّر الازدواجيةً في شخصية بعض النقاد العرب، كيف يكون أحدنا ناقداً، ولا يتقبل النقد؟

 

ـ بالتأكيد، لابدّ للناقد أن يتقبل النقد، بل، ولابدّ لأيّ شخص أن يتقبل النقد، ولكن، هناك فارقٌ بين النقد، ومحاولة الآخرين أن يجعلوا منكَ نسخة تُشبه مُفضلاتهم بشكلٍ مُبطن مُسماه نقد، ولأننا في مجتمعاتنا العربية اعتدنا خلط الأمور، ومُسمياتها على حسب ما تُمليه علينا أغراضنا، أحياناً يتعدى أحدهم على خصوصية فكركَ، ويعمل على تعديله وُفقاً لصورةٍ يُحبذها، ومن ثمّ يقول لكَ : "إزايّ إنت ناقد، ولا تتقبل النقد؟"، عندما أختلف معكَ، هذا يعني بالضرورة احترام مجهودكَ، وبعدها أملي عليكَ تحفظاتي التي تخصني، ولا تٌلزمُك، ولكن، ما يحدث من طرف شخصين يختلفان الآن يُنافي كلّ هذا، لقد أصبح معنى الاختلاف نفسه مشوّباً، ومشتبهاً به، وبالنسبة للناقد، فإن السؤال التهكميّ المعتاد الذي ذكرته هو أول وسيلة لدفاع أيّ شخص يتعدى على خصوصية، وتركيبة فكره باسم النقد، أما النقد عندما يبتعد عن تلك النقاط المُلتبسة هو حقّ عينٍ لابد أن يقبله أيّ شخص، وليس الناقد فقط.

 

·     إسراء، في إجابةٍ سابقة، أثار انتباهي جملةٌ أفرحتني (أعترض دوماً على استخدام كلماتٍ مثل "يجب"، و "لا بدّ")، حتى وصلتُ إلى إجابتكِ الأخيرة، ولاحظتُ استخدامكِ كلمة "لا بدّ" التي تكرهينها، وهنا اصابتبي بعض الخيبة.. من الكلمة طبعاً...

 

ـ  ثمة عدد من الـ "لا بدّ" أؤمن بها، تلك التى تدفعك أن تكون على مبعدةٍ من عددٍ آخر من "لا بدّ"  تأكل من نفسكَ، وإحساسك بذاتك، مثلا لابدّ أن لا تتعالى على من يتحدث إليكَ حتى يُمكنك النظر إلى المرآه بصورةٍ واضحة، وأنت ترى نفسك بدون كذب، وادعاء، ولكن، تظهر لكَ هنا "لابدّ" أخرى شرطية، هي التي تٌحتم عليك أولاً التفريق بين حديث يتوائم مع نفسك، ويُعيد اكتشافها معكَ، وبين آخر يحطّ من معنوياتها حتى وبدون قصد، وكُل منهما يؤدي إلى النتيجة ذاتها إن فعلته بمهارة، وهى أنك شخص أمين مع حالك قادر على فهم ما يلائمها، وبالتالي، لكَ الحق، وكلّ الحق في الإعراض عن حديث، والإقبال على آخر، دون أن يخلط أحدهم هنا بين تعاليكَ، ودرجة استيعابكَ للأمر برُمته، المثالين الذين ذكرتهما عن "لابدّ" في النهاية يجعلوكَ حراَ على أرضية صلبة، وعلى معنى حقيقي للحرية.

وبعيداً عن كلّ هذا، أحيّيك على حِدة ملاحظتكَ، وأضيف أيضاً بأنني أحياناً ـ ولا أنفي هذا ـ أتفوّه بـ "لابدّ" في مواضع أخرى لا يمكنني حتى الدفاع عن نفسي فيها، ولا أنتبه إلاّ على ذاتي، وقد وقعتُ في نفس الشرك الذي أحاول التملص منه، وسرعان ما أتراجع، وأقاوم هذه الآثار القابعة ـ رغماً عني ـ  في تركيبتي المُنغمسة في واقع يُحاصرني، وكما قلت لكَ من قبل، كُلنا نحاول الخروج من البوتقة، ولكن، يظلّ جزء منا أسيرها حتى ولو بنسبٍ متفاوتة، المهم أن نعترف بزلاتنا أمام أنفسنا إن وعَينا لها حتى يمكننا معالجتها، واعتراف المرء بزلاته أمام نفسه "لابد" أخرى أرى وجوبها، وإن لاحظت، كلّ الـ "لابدّ" التي أؤمن بها نابعة من داخل الشخص، وليس من خارجه، وهو ما يتسق مع المفهوم الذى ذكرته بكوّن التغيير ينبع من داخل الفرد، ونفسه أولاً.

 

·     ما هو تقيّيمك للمهرجانات السينمائية العربية، تلك التي انعقدت في بلدان الخليج تحديداً ؟

 

ـ يكفيهم فقط الإيمان بأنّ السينما مظهر، ومضمون حضاريّ، وأنا على يقينٍ بأنهم إذا استمروا في دعم مهرجاناتهم بهذا الشكل المُتفاني، حتى ولو هناك عدد من التحفظات الآن، ستشمل بلادهم فيما بعد طفرة هائلة في تطور الصناعة على كلّ المستويات، إن رغبتَ في شيءٍ بشدة، وسعيتَ إليه، يأتيكَ، وهم يفعلوها، ومن الجائز أن تنقلب معادلات الإنتاج، والريادة السينمائية في وقتٍ قادم بعيد، أو قريب.

 

·     ماهي هذه التحفظات يا إسراء ؟

 

ـ أكبرها، من وجهة نظري، الاعتماد على الشكل، وعوامل الإبهار، واستخدامها أحياناً بشكلٍ مُفتعل فى الترويج للمهرجان تعويضاً عن قيمة الأصالة التي يفتقر إليها، فلا عيب أن تُسخى على مهرجانكَ، ولكن، لا تنجرف فى المنافسة بشكلٍ كبير بداية من هذا المنطلق الذي رغم أنه يُثير تحفظي، إلاّ أنني أجد فيما بين فقاعاته بذور سعيّ حقيقيّ في الدعم، والتمويل، والعمل الواقعي الفعلي، وهذا بالضبط ما أقصد بأنه يمكن جداً أن يقلب معادلة الريادة فى الفترة القادمة.

 

·     طيب، أعتقدُ بأنكِ لم تتابعي المهرجانات الخليجية، وتكوّنت لديكِ فكرة عامة يتناقلها الذين لم يحضروا هذه المهرجانات، ويريدون بكلّ عزم، وإصرار متابعتها، وتماشياً مع جلد الذات، تعرفي بأننا أكثر من يتحدث بيقين عن أشياء نتخيلها، ونصدقها كي نحتمي خلفها، ولن أنتهز هذه الفرصة، وهذا المنبر لدحضّ هذه الأفكار المُسبقة (شهادتي محروقة، أو مجروحة)، وبما أنني أتصوّر أيضاً بأنكِ لم تتابعي مهرجاناتٍ سينمائية عربية داخل الوطن العربي، وخارجه، تفضلي احكي لنا عن المهرجانات السينمائية في مصر.. ومن غير مجاملة.

 

ـ اعتقادكَ في غير محله، وفهمكَ لمظهر إجابتي أيضاً بأنني أهاجم المهرجانات الخليجية على الرغم من أننى أراها تعمل بجديةٍ قد تقلب فيما هو آتٍ معادلة الريادة، وهذا الظنّ في ضمنه يطويّ ما تحويه نظرتي لإحساس القائمين على هذه المهرجانات، وتفانيهم في العمل على مهرجاناتهم جيداً، كل التحفظ فكرة شعورهم دوماً بنقص الأصالة الذي يتعوض في الترويج لكمّ الإبهار الموجود في المهرجان، وهذه الفكرة تأخذ من سحر مجهودهم الواقعي الفعلي الذي لا يحتاج لمظاهر فقاعية لتدعيمه.

وتقف المهرجانات المصرية في موضع عكسيّ من المعادلة، حيث أنها تعتمد أكثر على عامل الريادة، فرغم المجهود المبذول، والذي لا يمكن أن ننكره فى ظلّ هذه الظروف المعرقلة لانسيابية التعامل مع أيّ نشاط ثقافيّ كما يليق، إلا أنها تفتقر لدأبٍ أكثر في التنظيم، والاهتمام، والعامل الأهم، وهو الرعاية المؤمنة، وليست الواجبة من مؤسسات الدولة بفاعلية السينما كفنّ يساهم في الارتقاء بالمجتمع بأكمله، وبناءً عليه، تقديم الدعم الذي يليق بمستوى هذه المهرجانات، والشأن المصري بشكلٍ عام.

سينماتك في ـ  20 يونيو 2019

* نُشر في صحيفة القدس العربي بتاريخ 12 فبراير 2014

 

   
 
     
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004