جائزة الجمهور المتابع لمهرجان نانت السينمائي هذا العام, ذهبت الى فيلم "خاموش بـانـي" او "الميـاه الصـامـتـة". وهو الفيـلم الروائـي الأول للبـاكستانية صبيحة سومار. كذلك نال الفيلم الجائزة الثانية في المهرجان وهي جائزة المنطاد الفضي (المنطاد على اعتبار ان نانت هي مدينة جول فيرن الكاتب الشهير). المياه الصامتة في الفيلم, هي مياه البئر التي تلقت اجساد شابات من السيخ, رمين من جانب آبائهن وأشقائهن "خوفاً من وقوعهن في يد رجال القرية المسلمين", وذلك عام 1947 عند تقسيم الهند وباكستان. وجرت حينـها حوادث عـنف من الطــرفين, وعملـيات خطـف للنساء من الجهتين. هذه الأحداث, وما حصـل في باكستـان عـند وصـول ضياء الحق الى السلطة, كانت وراء فكرة الفيلم كما اخبرتنا المخرجة في حديثها الى "الحياة". "تأثرت بالعنف الذي وقع على النساء من الجهتين, وحاولت تخيل كيف يمكن لامرأة مخطوفة في كلتا الحالين ان تعيش في مجتمع مختلف. كنت اعتقد ان ما حصل في 1947 ضد النساء مرتبط بالوضع السياسي, كما هو الأمر عام 1979 عند وصول ضياء الحق وظهور العنف باسم الإسلام. اردت ان ابين العلاقة بين الظرفين وتأثير ذلك على وضع المرأة. إظهار الخوف الذي يتحكم بالفرد عندما يخشى ان يُعرف من هو. وهو في الفيلم ما شعرت به عائشة الخائفة من ان يتحول العنف نحوها ونحو ابنها ان اكتشفت من هي". وعائشة هي المرأة الهندوسية التي هربت من مصيرها الذي اراد لها ان تنتهي في مياه البئر. يعثر عليها شاب مسلم ويتزوجان وتعتنق الإسلام وتعطي دروساً في قراءة القرآن وتفسيره للأطفال في القرية, وتكرس حياتها لابنها الشاب سليم بعد وفاة زوجها. تنقلب حال الشاب بعد وصول جماعة للتبليغ في هذه القرية, الواقعة في البنجاب الباكستاني, تنجح في شده إليها وإبعاده عن اجوائه السابقة, الموسيقى, علاقة ودية مع والدته, ولقاءات بريئة مع شابة كان يود الزواج بها. هذا الانقلاب في شخصيته وتوجهاته يصبح مبعث قلق لأمه التي اصبحت تخشى من معرفته ومعرفة جماعته لتاريخها وأصلها وتعيش رعباً متواصلاً يوصلها الى نهاية حزينة. الشاب كان مشدوداً بين عالمين. الأم والحبيبة من جهة والحركة الجديدة التي جعلته يبدو مهماً في نظر نفسه والآخرين, لقد اعطته كياناً ومركزاً: "اصبح الناس يتوقفون الآن ويستمعون لما أقول". هل عائشة هي رمز للإسلام المعتدل, الحسن لا تقبل المخرجة بقول الوجه الحسن للإسلام لأنها ترفض التصنيف "حسن وسيئ" بل تفضل الكلام عن الناحية الفلسفية في الإسلام ووصف ذلك بالإسلام الروحي. ولقد أرادت التحدث عن تسييس الدين وتطور الشعور الديني عموماً. وسيلة الحكايات بدأت صبيحة سومار التي ولدت في كراتشي عام 1961 تفكر في العمل في السينما وهي لم تتجاوز بعد السادسة عشرة. أرادت رواية حكايات ورأت ان السينما هي وسيلة جيدة لتحقيق ذلك: "السينما هي طريقة للتفكير في الحياة والتواصل مع الآخرين. اريد قصصاً تدعو شعبي والآخرين الى التفكير اين نحن وإلى اين نسير. وفي بلدي حيث كثر لا يعرفون القراءة والكتابة, تمثل السينما اسرع وسيلة للوصول الى اكبر عدد ممكن من الناس". درست سومار الإخراج والعلوم السياسية في نيويورك وفي بريطانيا. وقامت بأبحـاث عن المرأة وأنجزت افلاماً وثائقية عدة منها فيلم عن النساء في السجن والقضايا المقدمة ضدهن والوسائل المتاحة لهن للدفاع عن انفسهن. وذلك بعد تطبيق ضياء الحق لقانون الحدود. وعرض فيلمها في قنوات اوروبية عدة ولكن ليس في باكستان, فهناك "لا يحبون الفيلم الوثائقي وقد لا يعجبهم الموضوع". اما فيلمها هذا فسيعرض في مهرجان كراتشي خلال الشهر الحالي. وعلى السؤال إن كانت تخشى من رد فعل ما مضادة لفيلمها, تجيب: "اعمل من الداخل, من بلدي. وأشارك نـاسي تجـاربي وهم يرون انفسهم فيها. فيلمي قائم على قصة بنيت على بعض الحقائق: تقسيم 1947 ورمي نساء السيخ في البئر والتغيرات التي حصلت في باكستان بعد وصول ضياء الحق. وهو قصة انسانية عن ام وولدها وعلاقتهما. ما يهمني هو رد فعل الابن تجاه امه, علاقته بالنساء في حياته. وقد سبق للتلفزيون ان اشار الى قضايا العنف والسياسة والتطرف. وسيكون ثمة من لن يحب الفيلم وهذا يحصل في كل مكان". امتعنا الفيلم بأسـلوب إخراجه البسيط والمتمكن في آن وبطريقة عرض الحوادث والتطورات التي طرأت على الشاب والتي جاءت مقنعة ومن دون ادنى مبالغة, سـواء في الطرح او في طريقة اداء الممثلين. وتقول المخرجة: "اردت اختيار ممثلين يمثلون شخصياتهم في الفيلم. الشـاب الذي ادى دور سليم باكستاني. ولدور الشابة التي يحبها سليم اردت ممثلة منفتحة. النساء اللواتي في هذا العمر في باكستان (18- 19عاماً) لم يكن على وجوههن ما يمكن ان نطلق عليه "امكانية لطـرح الأسئلة والتسـاؤلات". وبعد تجربة العديدات في الهند وباكستان وجدت تلك الشابة في الهند". جريدة الحياة في 6 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
فيلم (المياة الصامتة): عنف ضد النساء ندى الأزهري |
|