شعار الموقع (Our Logo)

 

 

قيل في السينما انها صناعة وفكر وفن. قيل أيضا ان تاريخ السينما العالمي هو تاريخ الصراع بين السينما باعتبارها صناعة والسينما باعتبارها فنا وفكرا إنساني النزعة. على جبهة الصناعة، احتدم، ولا يزال، الصراع بين سينما الإنتاج الضخم بتقنياته الباهظة الكلفة وبين سينما أفلام الكلفة البسيطة والموازنة المنخفضة. ودار ويدور الصراع على جبهة الفن بين سينما الجماليات وسينما الترفيه القائم على الحركة والتشويق. أما على جبهة الفكر فقد قام الصراع بين السينما التي تعكس الواقع بصدق وتتضمن قيما إنسانية

والسينما التي تقدم واقعا زائفا مصطنعا وتكرس الشخصية الفردية على حساب القيم الاجتماعية الإنسانية . تجسد هذا الصراع بين السينما صناعة والسينما فنا من خلال الممارسة العملية والنظرية بشكل ملموس وتحدد من خلال الصراع بين السينما الأمريكية وبين السينما في باقي أرجاء العالم. وإلى حد ما يجوز اعتبار هذا الصراع الممتد على مدى القرن العشرين وحتى الآن، شكلا مبكرا من أشكال الصراع ضد الهيمنة الأمريكية، أو ما بات يصطلح على وصفه في زمننا الحالي بالعولمة، في عناصرها الثلاثة: الصناعة والفكر والفن.

على مدى القرن العشرين، وبدءا من العقد الثاني منه، وعبر فترات زمنية متنوعة كان المؤشر الأوضح تعبيرا عن هذا الصراع بجبهاته الثلاث هو بروز التيارات والمدارس السينمائية المختلفة في بعض أرجاء العالم، أحيانا من منطلقات فنية جمالية، وأحيانا من منطلقات فكرية وطنية، وأحيانا أخرى من منطلقات سياسية. وهي تيارات ومدارس، على اختلاف دوافعها وظروفها التاريخية واتجاهاتها، كانت تصب في مجرى واحد في نهاية المطاف،  ويتأثر واحدها بالآخر، وتتفاعل في ما بينها. 

التعبيرية الألمانية

كانت “التعبيرية” الألمانية هي المدرسة أو التيار الأول في تاريخ السينما العالمي. عكست هذه المدرسة الفنية بداية النفسية الجماعية الألمانية ما بين عامي 1903 و1933 والتي اشتدت أزمتها بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. شملت التعبيرية كل أنواع الفنون، لكن تأثيرها في السينما الألمانية بدأ منذ عام 1919 (مع فيلم: “مقصورة الدكتور كاليغاري”). ما يميز “السينما التعبيرية” من الناحية الفنية استبدال التصوير الواقعي بالتصوير المؤسلب، حيث الديكورات مبالغ فيها وتعتمد على الخطوط والزوايا الحادة، وحيث الإضاءة شديدة التباين تغلب فيها الظلمة على النور، بهدف التعبير عن الحياة الداخلية المضطربة . وفي “التعبيرية” استعيض عن التناسق الجمالي بالتنافر البصري، في زمن باتت الفوضوية فيه تهدد النظام الاجتماعي.

في العشرينات أيضا ظهرت السينما الثورية في روسيا الاشتراكية على يد مخرجين كبار مثل سيرغي ايزنشتاين وفسيفولد بودوفكين ودزيغا فيرتوف، والتي أرست أسس السينما السياسية التي وضعت السينما في خدمة النظام الثوري الجديد. ولكن فضل مخرجيها الأساسي كان اكتشاف أو تطوير وسائل التعبير السينمائية وخاصة المونتاج الذي تم التعامل معه في البداية على أنه وسيلة التعبير السينمائية الرئيسية .

في الثلاثينات برزت “السينما الشعرية” في فرنسا. وكان المؤرخ السينمائي جورج سادول هو الذي أطلق تعبير “السينما الشعرية” ليصف به مجموعة الأفلام التي أنتجت في أواسط الثلاثينات والأربعينات والتي كانت تعالج مواضيع مستمدة من واقع الحياة الاجتماعية واليومية ولكن بروح شعرية . من أبرز ممثلي هذا التيار المخرج مارسيل كارنيه، الذي تعاون في عدد من أفلامه مع الشاعر جاك بريفيه . ومن اشهر أفلامه التي كتب نصها جاك بريفيه فيلم “أطفال الجنة”. كما اشتهر المخرج رينيه كلير بأفلامه الواقعية الشعرية ومنها فيلم “تحت سطوح باريس”.

وفي أواخر الأربعينات بدأت تتبلور في السينما البريطانية حركة إنتاج واسعة لأفلام تعنى بمشاكل الواقع والإنسان سميت بتيار الواقعية الاجتماعية أو “السينما الحرة”. وكان المخرج ليندسي اندرسون هو الذي بلور هذا المصطلح في كتاباته النقدية والتحليلية لأفلام زملائه. طالب مخرجو أفلام هذا التيار بالقطيعة مع أنموذج الحياة المصطنعة المزيفة التي تقدمها السينما الهوليوودية، وتحقيق سينما بريطانية تعبر عن الموقف الشخصي للمخرج من الإنسان والمجتمع ومشاكل الحياة اليومية. من أشهر أفلام ذلك التيار فيلم “انظر خلفك بغضب” و”وحدة عداء المسافات الطويلة”.

في أواسط الأربعينات ظهرت مدرسة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية والتي سيكون لها تأثير كبير في السينما العالمية . عالجت هذه السينما مشاكل وقضايا المجتمع والإنسان الإيطالي في فترة ما بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية . أهم ما جاءت به من جديد أسلوبيا التصوير في الأماكن الطبيعية خارج الاستوديو واستخدام ممثلين غير محترفين، كما في الفيلم الشهير “سارق الدراجة” للمخرج فيتوريو دي سيكا. أول أفلام هذه المدرسة فيلم “روما مدينة مفتوحة” للمخرج روبرتو روسيليني. اتخذت هذه المدرسة شكلا أكثر تحديدا في الستينات من خلال موجة السينما السياسية الإيطالية، التي من أشهر روادها المخرج فرانشيسكو روزي صاحب فيلم “الأيدي فوق المدينة”. 

السينما الروائية

في عام 1962 وأثناء انعقاد مهرجان اوبرهاوزن للأفلام القصيرة في ألمانيا أصدر 26 مخرجا وفنانا وكاتبا سينمائيا ألمانيا بيانا عبروا فيه عن رغبتهم في خلق سينما روائية ألمانية ضمن حركة سينمائية جديدة تعكس قضايا الواقع الاجتماعي، متحررة من الاعتبارات التجارية وسيطرة كبار الممولين. من أجل تحقيق أهدافها ساعدت هذه على إيجاد مؤسسات جديدة للتمويل تتجاوب مع أهدافها. من اشهر مخرجي هذه الحركة راينر فاسبندر وفولكر شلندروف و ويرنر هيرتزغ والذين صنعوا أفلاما تنتقد الروح البرجوازية التي بدأت تسود في المجتمع بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومن غرائب الأمور ان أفلام هذه الحركة لاقت صدى عالميا ونجحت خارج ألمانيا ولكن استقبالها من قبل الجمهور الألماني لم يكن بحجم استقبالها في الخارج .

منذ أواخر الخمسينات والستينات انطلقت من فرنسا “موجة السينما الجديدة” التي ضمت مخرجين، بعضهم جاء إلى الإخراج من حقل النظرية، ولكل منهم أسلوبه الخاص، لكن يجمعهم هاجس الحداثة والتجديد . وهذا ما أوضحه الناقد والمخرج فرانسوا تروفو في مقالة له بعنوان “اتجاهات واضحة في السينما الفرنسية” نشرها في مجلة “دفاتر السينما” التي كان يشرف عليها الباحث السينمائي أندري بازان، الأب الروحي لمخرجي الموجة الجديدة الفرنسية. لكن هذه الموجة أفرزت أهم تيارين في السينما الفرنسية والعالمية في تلك الأوقات، أولهما تيار “سينما المؤلف” ويعود الفضل لانتشاره للمخرج والكاتب الروائي والناقد السينمائي ألكسندر أستروك، الذي اعتبر في مقالة شهيرة له نشرها عام 1948 بعنوان “الكاميرا  القلم” أن: “المخرج المؤلف يكتب بالكاميرا مثلما يكتب الكاتب بالقلم”.

إضافة إلى “سينما المؤلف” أفرزت موجة السينما الجديدة اصطلاح “سينما الحقيقة” او”السينما المباشرة”، وهما اصطلاحان استخدمهما النقاد لتفسير الاتجاه نحو المنهج التسجيلي عند بعض المخرجين الفرنسيين في تلك الفترة، وهو اتجاه يستخدم الكاميرا المحمولة الخفيفة الوزن وتقنيات تسجيل الصوت المباشر المتزامن، لتصوير الأحداث لحظة حصولها في مكانها الطبيعي من دون سيناريو مسبق. كانت نظرية المخرج السوفييتي التسجيلي دزيغا فيرتوف حول تصوير الحياة على حين غرة، التي أعلنها في اواسط عشرينات القرن العشرين هي الملهم لهذا الاتجاه.

أحدث التيارات السينمائية الأوروبية جماعة سينمائية تأسست في الدنمارك في العام 1995 أعلنت عن نفسها عبر بيان سينمائي مهم تضمن قسما مميزا يلتزم به أعضاء الحركة . هذه الجماعة هي “دوغما 95” والتي لفتت العالم إليها بعد فوز اثنين من أفلام مخرجيها بجائزة مهرجان كان لعامين متتالين. الوجه الأبرز من بين أعضاء هذه الجماعة هو المخرج لارس فون تراير، والذي ابهر الناس بعد فوز فيلمه “راقصة في الظلام” بجائزة مهرجان كان السينمائي. 

السينما البرازيلية الجديدة

لم يقتصر ظهور الحركات والتيارات والمدارس السينمائية ذات الخلفية الجمالية والفكرية على السينما في أوروبا، ففي ستينات القرن العشرين، وبعيدا عن هموم وتطلعات سينمائيي القارة الأوروبية،  ظهرت في البرازيل حركة سينمائية شابة بدت متميزة في أطروحاتها ذات الطابع الثوري وانتشرت عدوى أفكارها بسرعة بين سينمائيي العالم الثالث. تلك كانت حركة السينما البرازيلية الجديدة، المعروفة باسم “سينما نوفو” وهي كانت الأكثر تعبيرا عن تطلعات سينمائيي الدول النامية اليسارية النزعة والأكثر استيعابا للظروف والشروط الإنتاجية التي تحيط بسينمائيي الدول الفقيرة او النامية. نشأت حركة “سينما نوفو” نتيجة اهتمام عدد من المخرجين اليساريين البرازيليين بالتعبير عن مشكلات التخلف في وطنهم نتيجة هيمنة الكولونيالية الجديدة  واهتمامهم بتنمية ثقافة وطنية. طالب أولئك السينمائيون في بيان لهم بتأسيس سينما برازيلية ذات هوية وطنية تستطيع أن تلغي الطابع الكولونيالي عن “لغة الفيلم”، وتسعى للتعبير عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للأمة، عن تاريخها وعن ثقافتها.

وتحت تأثير الواقعية الإيطالية الجديدة والموجة الجديدة الفرنسية، رفض المخرجون البرازيليون نموذج الأفلام المنتجة داخل الاستوديو والتي تعتمد على التقنيات المتطورة المرتفعة الكلفة. كما رفعوا شعار “السينما الفقيرة”. استمد مخرجو تلك الحركة مواضيع أفلامهم من الأحياء الفقيرة والأرياف وصوروا في الأماكن الحقيقية . كانت أفلامهم تنتج بشكل مستقل من منطلق فكري وسياسي وفني وليس لغرض تجاري. في عام 1965 أصدر الناقد والمخرج غلوبير روشا بيانه الشهير المعنون  جماليات الجوع، دعا فيه زملاءه لصنع أفلام “بشعة، حزينة ومحبطة”، أفلام تضحي باللمعان التقني وتلتزم بكشف بؤس وفقر الشعب البرازيلي .

لم يتخلف  السينمائيون العرب من جيل الشباب الطموح عن ركب زملائهم السينمائيين من دول العالم المختلفة والذين سعوا لتأسيس تجمعات سينمائية مناهضة للسينما التجارية السائدة المبنية وفق مواصفات السينما الهوويوودية ولكن بمستوى تقني حرفي متخلف نوعا ما. كان التجمع السينمائي العربي الأول هو “جماعة السينما الجديدة” في مصر والتي أعلنت عن نفسها عبر بيان طموح يؤكد على ربط السينما بحركة الواقع . ومع أن الفيلمين الروائيين الطويلين اللذين أنتجتهما الجماعة لم يكونا بمستوى الطموح، فإن مجموعة من الأفلام التي حققها بعض أهم أعضاء الجماعة، الذين حافظوا على مبادئهم السينمائية والفكرية وساروا على نهج أطروحات جماعة السينما الجديدة، شكلت الوجه المضيء للسينما المصرية في حقبة الثمانينات من القرن العشرين وحتى الآن. 

السينما البديلة

وإلى حد كبير يمكن اعتبار حركة “السينما البديلة” التي انطلقت من دمشق في ربيع عام 1972 امتدادا لطموحات “جماعة السينما الجديدة” وبخاصة ان الكثيرين من أعضاء تلك الحركة كانوا من المشاركين النشطاء في حركة السينما البديلة . أما الإضافة التي جاءت بها حركة السينما البديلة، بالعلاقة مع طروحات جماعة السينما الجديدة في مصر والتي أكدت على علاقة السينما بالواقع، فكانت التأكيد على أن هذه العلاقة مع الواقع يجب ان تستفيد من المنهج التسجيلي في السينما ومن تجارب السينما السياسية العالمية كي تصل إلى النتيجة المرجوة.

في الفترة نفسها أعلن السينمائيون الفلسطينيون والعرب المهتمون بالسينما الفلسطينية الناشئة آنذاك ضمن أطر المنظمات الفلسطينية المسلحة المتواجدة في لبنان، في بيان لهم عن تأسيس “جماعة السينما الفلسطينية”، وهو البيان الذي اشتمل على أطروحات نظرية سينمائية ربطت حركة السينما الفلسطينية بالثورة الفلسطينية . ومن البديهي أن أطروحات تلك الجماعة كانت مرتبطة بالسينما التي تنتمي إليها، تقتصر عليها ولا تخرج عن إطارها، وبالتالي لم يكن ممكنا تعميم أطروحاتها على السينما العربية ككل.

بالمقابل، لم تفرز السينما الأمريكية عبر تاريخها الطويل أية تيارات او مدارس سينمائية ذات منطلقات وطموحات فنية جمالية او فكرية خاصة، لكنها أفرزت مخرجين أفراداً موهوبين تميزوا برؤيتهم التقدمية وبمواقفهم الانتقادية سواء للأيديولوجيا السائدة ومؤسسات السلطة والشركات الكبرى أو للفساد الاجتماعي . ما ميز السينما الأمريكية بشكل عام وأساسي كان تصنيف الأفلام وفق أنواع (مثلا: الأفلام البوليسية، أفلام التحري الخاص، أفلام الرعب، أفلام الخيال العلمي، أفلام “الويسترن”، الأفلام الاستعراضية)، كل نوع منها ذو نمط محدد البناء الدرامي، وتطوير هذه الأنواع الفيلمية لتبقى محافظة على قوة الجذب الجماهيرية . وكل هذه الأنواع، تنتمي في محصلتها النهائية إلى ذات المدرسة السينمائية الهوليوودية بأساليبها الإخراجية القائمة على الحركة الخارجية والتشويق والترفيه وبرسالتها الفكرية والأخلاقية .

سيادة الأنواع الفيلمية في السينما الأمريكية ذات البناء النمطي لا تعني  بالضرورة، أن  الأفلام الأمريكية جميعها كانت متشابهة من حيث المضمون والطرح الفكري. فالسينما الأمريكية هي نتاج صناعة ثرية جدا ومتعددة الإمكانات وبالتالي متعددة الفرص، وهذا ما سمح لبعض المخرجين الكبار، على مدى تاريخ السينما الأمريكية الطويل، ممن يملكون توجهات فكرية واضحة، بتحقيق أفلام تنتمي إلى الأنواع السينمائية السائدة،  لكنها تتضمن فكرا مستقلا وموقفا معارضا. من النماذج الصارخة على الفكر المستقل والموقف المعارض، أنموذج فيلم “وقت الظهيرة” ( عرف أيضا في الأدبيات العربية بعنوان “الظهيرة العالية” أو “قطار الظهر”) للمخرج فريد زينمان، وهو فيلم، إضافة إلى كونه يربط زمن الحكاية بزمن الفيلم، فهو مصنوع على طريقة أفلام “الويسترن” ولكنه في مضمونه النهائي فيلم يتضمن موقفا سياسيا عبر حكاية عن شريف بلدة يتخلى عن دعمه سكانها الجبناء ويجد نفسه وحيدا في مواجهة مجرمين قادمين لقتله، وهذه الحكاية كانت ذات طابع رمزي واضح الدلالة على الأزمة التي عاشها فنانو هوليوود اليساريين الذين تخلى عنهم الجميع ولم يدافع عنهم أحد عندما تعرضوا للاضطهاد في الفترة الماكارثية الشهيرة. كما ان سيادة الأنواع الفيلمية لم تمنع ظهور مخرجين متميزين لهم أسلوبهم الخاص ومواقفهم الفكرية الخاصة، مثل المخرج وودي الآن الأقرب من بين المخرجين الأمريكيين للتيارات السينمائية الأوروبية ومنها “سينما المؤلف”.

لكن الحديث هنا لا يدور حول الجهود الفردية لمخرجين أمريكيين كبار، على كثرة عددهم، بل عن تيارات ومدارس سينمائية فكرية او فنية. 

السينما المستقلة

مقابل تلك التيارات والمدارس والحركات الفكرية الفنية السينمائية التي عمت العالم وتأثر بها حتى بعض كبار المخرجين الأمريكيين، كانت “السينما المستقلة” الحركة السينمائية الأمريكية الوحيدة التي خرجت عن طوق صناعة السينما الأمريكية الخاضعة لسيطرة كبرى استوديوهات هوليوود. لكن “السينما الأمريكية المستقلة” لم تنشأ على أساس فكري او جمالي ولم تتأسس كحركة واضحة الأهداف يقودها تجمع سينمائيين متآلف الرؤية.

رسميا بدأت هذه الحركة في أواخر الأربعينات من القرن العشرين عندما صدر في العام 1946 قرار قضائي بموجب قانون منع الاحتكار، يجبر استوديوهات  هوليوود الكبرى على بيع دور العرض التي تملكها، ما تسبب في تقليص أرباحها إلى حد كبير. وكان من نتائج هذا القرار ظهور نظام المنتج المستقل الذي يتكفل بكل عمليات الفيلم الإنتاجية ومن ثم تسليمه للموزعين ودور العرض. كانت بدايات الإنتاج المستقل تعتمد على إنتاج الأفلام بموازنة منخفضة. وقد شجع نجاح الأفلام المستقلة تجاريا ونقديا مخرجين آخرين على السير في هذا الطريق. من المخرجين الكبار الذين عملوا ضمن هذا النظام بشكل مبكر المخرج  ستانلي كرامر والمخرج اوتو بيرمنغر، والاثنان عالجا قضايا اجتماعية وأخلاقية حادة. عالج كرامر قضايا العنصرية، وعالج بيرمنغر مشاكل الإدمان والاغتصاب والانتحار والشذوذ. هكذا أدى نظام الإنتاج المستقل بالضرورة وبشكل تلقائي إلى إنتاج أفلام “مستقلة” من الناحية الفكرية عالجت مواضيع تمس الواقع والمشاكل الفعلية. ولم تخل أفلام أولئك المخرجين من تأثر بالتيارات السينمائية الأوروبية، وعلى الأخص بالموجة الجديدة في فرنسا وبتيار “سينما الحقيقة” وتيار “سينما المؤلف”.

كانت السينما المستقلة تقوم على نوعين من النظام  الإنتاجي: النوع الأول يستند إلى نظام المنتج المنفذ بتمويل من شركات الإنتاج الكبرى، وهو نظام اصبح شائعا في السينما الأمريكية والعالمية بشكل عام، أما النوع الثاني فيستند إلى نظام الإنتاج المستقل لشركات إنتاج صغيرة مستقلة ماليا وتنظيميا عن الشركات الكبرى أو يستند إلى جهد مخرج فرد يتدبر بطريقة او بأخرى كلفة إنتاج فيلمه .

انبثق عن النوع الثاني من “السينما المستقلة” تيار جديد في السينما الأمريكية أكثر استقلالية سواء من حيث النظام الإنتاجي أو من حيث حرية اختيار المواضيع التي تغوص في قاع المجتمع او تعالج مواضيع شديدة الجرأة وتتضمن الكثير من الفكر الانتقادي وحرية تجريب الأساليب الفنية الحداثية التي تعكس بدورها تمردا على الأشكال السينمائية السائدة، عرف على نطاق واسع باسم “سينما الأندر غراوند” أو “سينما ما تحت الأرض”. وهي سينما تعكس في جانب من جوانبها الوجه التقدمي الإنساني للسينمائيين الأمريكيين، مثلها في ذلك مثل بعض أفلام “السينما المستقلة” السابقة عليها. ومع أن “سينما الأندرغراوند” لم تستطع ان تنافس السينما السائدة تجاريا وشعبيا، فقد تحقق لها اعتراف خارجي وداخلي بتميزها ونالت نجاحا نقديا.

جريدة الخليج في  19 يناير 2004

كتبوا في السينما

 

 

مقالات مختارة

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

بسام الذوادي ـ لقاء

      مهرجان البندقية.. يكرم عمر الشريف

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

آسيا جبّار عبّرت عن الهواجس الدفينة للمرأة

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

تيارات سينمائية

قرن من مواجهة عولمة السينما الأمريكية

عدنان مدانات