حوار مع المخرج النمساوي مايكل هانيك : العائلة هي الجحيم وكذلك العالم ترجمة: محمد عبيدو |
صفحات خاصة
|
المخرج النمساوي مايكل هنيك الذي فاز بسعفة كان الذهبية قبل سنوات بفيلمه «معلمة البيانو»، حاز عن فيلمه «مخفي» بجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان 2005 . تدور القصة حول جورجز لورنت الذي يعمل مقدما لبرنامج تلفزيوني عن الأدب، حيث يفاجأ هو وزوجته آن ذات يوم بطرد أمام البيت. الطرد يحتوي على أشرطة فيديو يظهر فيها هو وعائلته في بيته (مصور بطريقة سرية من الشارع). تستمر الأشرطة في الظهور فجأة أمام عتبة منزله، وتبدأ في أخذ منحى أكثر شخصية، حيث يبدو أن المصور يعرف جورجز منذ زمن بعيد. الشرطة من جهتها لا تستطيع التدخل لأنه لا يوجد تهديد حقيقي حتى الآن، وهذا ما يجعل جورجز أكثر قلقا وخوفا من هذا الخطر الغامض. الشرائط تكشف أشياء خاصة متصلة بحياته. وهي عبارة عن مَشاهد لمنزله من الخارج، وامور اخرى ليست على قدر كبير من الاهمية. يرافق الـ"كاسيت" رسم غريب أشبه بتهديد. بيد ان طبيعة الرسائل لا تمنح جورج أي اشارة تتعلق بهوية الطرف الذي يريد عرقلة مسار حياته الهادىء. هل يقدر ان يتحمل التهديدات الغامضة التي يتلقاها، وخصوصاً انها ستوقظ مجدداً ذكريات من زمن طفولته؟ من يريد له شراً؟ ماذا فعل جورج في حياة سابقة كي يستحق هذا العقاب؟ وهل ثمة فعلاً عقاب في مقابل خطيئة او جريمة ارتكبها؟ لا تعذّبوا أنفسكم: لن يمنحكم هانيكه، المدرك تأثير الصور على المتلقي، أي مَخرج من المأزق الذي سيضعكم فيه. ولن يعطيكم مفاتيح الدخول الى الجنة السرية الا تدريجاً. ما يهمه ليس القصة بقدر اهتمامه بتوريط المُشاهد في لعبة الـ"بازل" السادي ليركّب اجزاء هذه القصة المبعثرة. قلق. عزلة. بغضاء. تمزق نفسي. معاناة. يجعل هانيكه الخوف شبحاً طاغياً على امتداد الشريط، ويقودنا الى المجهول، ليرينا مدى صعوبة ان نمشي وعيوننا مغمضة. تلك الاضطرابات كلها ستنتج من التوتر العالي الذي يشيعه هانيكه بما يملكه من موارد سينمائية. ما سر هذا المخرج، علماً انه لا يلجأ الى نوتة موسيقية واحدة، على مدار 115 دقيقة؟ الصمت هنا يبوح. يخرّب كل شيء. ثم يعود الى صمته. الأشرطة مرسلة من قبل جزائريّ غاضب في ماضيه، الفيلم استعارة عن آلام حرب لا تزال تطارد نتائجها المجتمع الفرنسي الى اليوم. وليس أي حرب. حرب الجزائر المفجعة. ويطرق الفيلم بجرأة قضيّة عزلة العالم الأوّل الغني من العالم الثّالث - و تعاون الإعلام، و جماهيره، لإبقاء هذه القضيّة خفيّة . بينما قال هانيك في مقابلتنا ( إلى أسفل ) : يسحب كلّ منّا البطّانيّة على رءوسنا و يأمل أن الكوابيس لن تكون سيّئةً جدًّا .خصوصًا، مذيع التّليفزيون ( جسده باقتدار دانيال أوتيويل ) يشاهد كوابيسه كما لو بعدسة متّسعة الزّاوية . نحن، كمشاهدين. نشاهد الفيلم خلال كاميرا بعيدة، نسخة ثانية للعلاقة المغتربة مع العالم حولنا . اللقطة الختامية ل " مخفي " هي ذلك عن ولدين، جزائريّ و فرنسيّ، يتحدّثان عن سلالم المدرسة، الحوار الأخرس الّذي يمكن أن فقط نلمحه خلال لقطة مكبّرة لسكين . الفيلم أحد تلك الأفلام التي تأخذ منك ساعات وأنت تتفحصها وتحللها وفوق ذلك تناقش فيها غيرك . فالنّزاعات السّياسيّة المختبأة في الشّاشة - هدف أساسيّ لهذا المبدع النّمساويّ .. بالمثل، فيلم هانيك المعروف، مدرّس البيانو (2001)، أحضر له جائزته الأولى في كان . يبدأ (كما ينتهي ) بباب مغلق . عن العلاقة السّاديّة بين الأمّ و الابنة في عالم صغير للمجتمع النّمساويّ الرّأسماليّ . يضيف بعد آخر أيضًا، الموضوع المهيمن في كلّ من أفلامه السبعة، من القارّة السّابعة ( 1989 ) إلى مخفي . يقار مواضيع من كره الآباء إلى إمبرياليّة الإعلام، و تعبيره عن الحرب و المذابح و التّجارة . لهانيك، هو المؤامرة بين الإعلام و العنف العالميّ و العائلة . المؤامرة المخفية في العقل الباطن : في مخفي، المأساة الجزائريّة الّتي تشكّل المعنى الخفيّ تنشأ عن ولد بالتّبنّي سيّئ، ماضي عائلة متّصل بحاضر مقدم التليفزيون خلال الأحلام فقط. هانيك نفسه جاء من التّليفزيون . بدأ مهنته عبر البرامج التّلفزيوني للتّلفزيون الألمانيّ ، مما اكسبه خبرة الواضحة التي توافق رؤيته . كان فيلمه الأوّل، القارّة السّابعة ( 1989 )، القصّة الحقيقيّة لانتحار جماعيّ لعائلة، حيث يموت كلّ أعضاء العائلة ببطء على كنبة، وهم ينطلقون بين المحطّات التّلفزيونية. إنّها عائلة نموذجيّة - زوج، وزّوجة، والابنة - تعيش في بلدة عاديّة ، ضاحية مستوية عديمة اللّون قرب فيينّا يسيطر عليها صمت بارد . الفيلم كان الأوّل لثلاثيّة لإظهار التّجمّد العاطفيّ .: أوّل عشرة دقائق تظهر هذه العائلة كمؤلّف أجزاء الجسم : العمّال الّذين يعدّون الإفطار، يحملون الحقائب، يغذّون السّمك الذّهبي، يرفعون باب الكراج . إنّها عشرة دقائق كاملة قبل أن نرى وجهًا . و كما في مدرّس البيانو أو مخفي، لا أحد في هذا المجتمع النّمساويّ حسّاس للآلام الدّاخليّة الغير مرئيّة لمنبوذيها المعانين . تشكو الفتاة الصّغيرة من الأعراض النّفسيّة الغريبة إلى مدرّسها - تخيّل العمى و الطرش -. المتنفّس العاطفيّ فقط ينقضّ على نهاية الفيلم، متى بعد أن قد قطّع الأبٌ و الأمّ على حدة كلّ قطعة من أثاثهم، ألقيا مالهم أسفل المرحاض و انفجارات حوض السّمك و بكاء الفتاة الصّغيرة تشاهد موت سّمكاتها الذّهبيّة. فيما بعد، أعضاء العائلة يهدءون ويسممون تّسميم و يجلسون امام تليفزيون، و ببطء وببطء يمضون الى حتفهم امام اغنية، مردّدة من قبل مطرب تليفزيون . فيلم هانيك الثّاني، فيديو بيني ( 1992 )، أيضًا رسم علاقةً قويّةً بين الإعلام و إبعاد العائلة . يقتل الولد بنتًا فقط لرؤية كيف يمكنه ان يسجّل بالفيديو القتل و يعيد مشاهدته باستمرار . الوالدان الّلذان يكتشفان القتل يحاولا تغطية الجريمة إذا أصبحا متّهمان بالإهمال .لذا الأب يتطوّع بتمزيق الجثّة الى قطع، بينما يأخذ الأمّ و الولد إجازةً مستحقّة إلى فندق على شاطئ بمصر، حيث، بالطّبع، يقضون الأسبوع في السّرير متنقلين بين محطّات التّليفزيون المصريّ . فيلم هانيك الأكثر تجريبيّة، " 71 قطعةً لسجلّ هازأرد "( 1994 )، ذهب بقدر للانطلاق بين صور أعضاء العائلة المغتربين : من مشاهد رجل واحد يصفع زوجته ، إلى صور برامج التّليفزيون على كوسوفو . وفي نهاية هذا الفيلم ، طالب جامعة نمساويّ ، يسأم الكون البارد الّذي يعيش فيه و ينسف كل ما يراه بمسدّس امام محطّة بنزين، كلّ الشّخصيّات الّتي قد قابلناها متفرقة في الفيلم . هناك رابطة مباشرة تجمع بينهم كيف النّاس لا يتواصّلون في البيت ( بخاصّة لأنهم يشاهدون التّليفزيون كثيرا ) إلى طّريقة هؤلاء في الإعلام يدمّرون العالم الطّليق . المشهد الاخير في"71 قطعة " كليب تليفزيونيّ مايكل جاكسون في أرض أحلامه، رؤية هانيك هي الاغتراب في ذروته الغير قابلة للعلاج . طريقته الباردة - و وضعه المباشر الخاصّ، يبدو هدف لصدمة الجمهور المنساق لاخبار الاعلام في النصف الاخير من القرن الماضي . التقته "كاريين بادت "الناقدة و أستاذة السينما في جامعة باريس فييي في هذا الحور المنشور بمجلة "الاضواء الساطعة للفيلم " كاريين بادت : في فيلميك الآخرين تحب ان تحلل العلاقة بين الخفيّ في العائلة و الخفيّ في السّياسة . استطاع أنت تعلّق بشكل اكثر خصوصيةخ على كيف ان المشاكل السّرّيّة لعائلة ما توصّل إلى اظهار المشاكل بين العالم الراسمالي و العالم الثّالث ؟ مايكل هانيك : يمكن أن ترى الفيلم مثل عروسة روسيّة بالعرائس داخل العرائس داخل العرائس . نفس القصّة يمكن أن تُرَى على المستويات المختلفة، يمكن أن تمثّل المستويات المختلفة : المستوى الشّخصيّ، مستوى العائلة، المستوى الاجتماعيّ، المستوى السّياسيّ . والتساؤلات الأخلاقية في الفيلم كيف نتعامل مع عقدة الذّنب . كلّنا لدينا لحظات أنانيّة، اللّحظات الّتي نفضّل أن نخفيها . شخصيّة دانيال أوتيويل لديها هذا الاختيار . العمل الّذي نفّذه قد لا يكون محبوبا، قد يكون منتقدا، لكنه واقعيّ، كلّنا عند هذه اللّحظات الخفيّة في حياتنا . كلّنا عند هذه الأركان الخفيّة في حياتنا، نشعر باننا جميعًا مذنبين، عن العلاقات بين الدّول الصّناعيّة و العالم الثّالث، أو كيف نتعامل مع العجوز، على سبيل المثال . نأخذ جميعًا المنوّمات كما يفعل دانيال أوتيويل، بالرّغم من أنه قد يأخذ الأشكال المختلفة الكثيرة : قد يكون الكحول، شراب قبل أن نذهب إلى السّرير، قد يكون منوّمات، أو قد نتبرّع بالمال للأطفال في العالم الثّالث . لكنّ كلّ منّا يسحب البطّانيّة على رءوسنا و يأمل أن الكوابيس لن تكون سيّئةً جدًّا . على سبيل المثال، أنا متأكّد أنّك تعارض قوانين الهجرة الصّارمة الّتي قد قُدِّمَتْ تقريبًا في كلّ بلد أوربّيّ . و الآن ماذا ستقولي عندما أقترح عليك ان تأخذي في بيتك عائلة إفريقيّة ؟ أعتقد أنّ هذه هي الحالة معنا جميعا. كلّنا نملك المعرفة الّتي تميل إلى التّسامح، في نفس الوقت الّذي لدينا فيه المصالح الأنانيّة المتناقضة مع هذا المثل المتسامح . . # عملت لمدّة 20 سنة في التّليفزيون، . في خفيّ، لديك منتج تليفزيون معاقب بفيديو - سخرية مقنعة إلى حدّ ما . من خبرتك للشّخص المطّلع، هل يمكن أن تخبرنا ماذا يجعل تليفزيون شرّير جدًّا ؟ - هناك مشهد قصير في فيلمي الّذي فيه أُعِدَّ نشر النّقاش الأدبيّ، حيث نرى أن الواقع يُسْتَغَلّ بالتّليفزيون لنكون أكثر جاذبيّة إلى المشاهدين، التّليفزيون يولّد و يرسل رؤية الواقع المفترض أن يكون أكثر إمتاعًا إلى المشاهدين، و أنا سعيد كنت قادرًا أن أشير أن في الفيلم . . . . نعم، تمامًا، هناك مشكلة إرهاب وسائل الإعلام اليوم . هناك دكتاتوريّة تبسيط مجتمعاتنا . # في كثير من الأحيان تصوّر أفلامك الأوضاع السّيكولوجيّة المزعجة، بشعور عنيف . هل تتقصد بعزم ان تجعل المشاهد غير مرتاح ؟ - المجتمع الّذي نعيش فيه يُبَلَّل في العنف . أمثّله على الشّاشة لأننيّ خائف منه، و أفكّر من المهمّ أننا ينبغي أن نفكّر فيه . كلّ أفلامي تتعامل مع القضايا الّتي أجدها وثيقة الصّلة اجتماعيًّا، و كلّ أفلامي تتعامل مع مخاوفي . أتعامل مع الأسئلة الّتي أجدها ظالمة أو مهمّة، ذلك يهمّني بشكل مثير . أعتقد أن الأشياء الّتي تصبح معافاة في المجتمع صعبةً للتّقديم بشكل مثير . في سنواتي ال20 من العمل في السينما، قدمت كوميديا واحدةً فقط، و كان ذلك فشلي الوحيد . أفلامي أيضًا احتجاج على السّينما السّائدة، ردّ على الأفلام المعروضة في الصالات اليوم . إذا كانت الأفلام السّائدة مختلفةً، أفلامي ستكون مختلفة أيضًا . # ما الذي ألهمك هذا السّيناريو ؟ - كان دانيال أوتيويل سّبب كتابتي هذا السّيناريو . كتبت السّيناريو بالكامل له . كتبت السّيناريو و تقريبًا كلّ الممثّلين في دماغي، بما فيهم جوليت بينوتش . # لماذا إنتاج مشترك ؟ - أعتقد أن الإنتاج المشترك يمثّل الفرصة الوحيدة لتقديم الافلام في أوروبّا. وجود مجموعات متنوّعة و تحديد كلّ بلد لإنتاج الافلام، يعرض إمكانيّة العمل معًا لخلق الأفلام و لمعارضة الإمبرياليّة الثّقافيّة الأمريكيّة . فيلمي شارك فيه أربعة منتجين . فيلمي كان يجب أن يُنْهَى العام الماضي . خطّطناه أصلاً كإنتاج فرنسيّ فقط، لكنه كان غير ممكنًا، لم يكن من الممكن أن نجمع الاعتمادات الكافية، و ظهر هنا اليوم فقط لأننا كنّا قادرين أن نعمل الفيلم كإنتاج دوليّ مشترك. أنا سعيد جدًّا أن هذه الإمكانيّة تتواجد . إنّني محظوظ أنّ لدي الرّجلان اللّتان يمكن أن أسند عليهما : يمكن أن أعمل بالفرنسيّة و في اللّغة الألمانيّة . هذا يعني أننيّ يمكن أن أعمل بانتظام أكثر كثيرًا من زملائي، كثير منهم يجب على أن ينتظر سنوات 5-6 بين المشاريع . # كيف تشعر عن حقيقة أن صناعة الأفلام الملتزمة نادرة جدًّا اليوم ؟ - التزام ليس خدمةً، ليس امكاني ان تختار شيئا ما . اما ان تعمل ما تريده او لا . و إذا لم يُغامر مخرجو الأفلام، لا أعتقد أنهم يجب أن يُعَاتَبُوا . إنّها ببساطة طريقة مختلفة للتّعامل مع العالم، للاقتراب من فنّهم . أفكّر ما الأساسيّ للتّصوير كي يُؤْخَذ بجدّيّة أنه يمثّل ليس فقط المخاوف الاجتماعيّة، لكنّ أيضًا المناقشة الجادة حول الوجود الخاصّ بها : الوسيلة نفسها، فقط كالحالة بالأدب و كلّ شكل فنّيّ جادّ آخر . السّؤال، فيلم فقط ترفيه، أم هل هو أكثر ؟ إذا كان الفنّ، يجب عليه أن يكون أكثر عملية التلهي والتسلية . يمكن أن يثير الفن الاسئلة ويشحذ الأفكار. # اللقطة الأخيرة لهذا الفيلم تردّد الصّدى باللقطة الأخيرة ل"عازف بيانو ": في كلاهما، لدينا لقطة مكبّرة ثابتة لباب مغلق، حيث يبقى المشاهد بالخارج . كيف نستطيع نحن المشاهدين التكسر بعد إبعاد هذه المسافة ؟ - ذلك السّؤال بقيمة 64،000 دولار # هل تعتقد أنّ السّينما يمكن أن تغيّر العالم ؟ - لا، لكن يمكن أن نصتع منه مكانا أقلّ حزنًا مما هو بالفعل . موقع "أوراق 99" في 15 أبريل 2007
|