في الدورة الثالثة عشرة لمهرجان سينما بلدان المتوسط ...
تطوان (المغرب) - علا الشافعي |
صفحات خاصة
|
انتهت فعاليات الدورة الثالثة عشرة من مهرجان تطوان لسينما بلدان المتوسط والتي شهدت العديد من الهنات والمشاكل التنظيمية، وغابت عنها الافلام العربية المتميزة إذ لم يتجاوز عدد الافلام العربية التي شاركت في المسابقة الرسمية الاربعة افلام، اثنان من المغرب «لعبة الحب» للمخرج ادريس شويكة و «ملائكة الشيطان» لاحمد بولان، و«آخر فيلم» للتونسي نوري بو زيد والفيلم المصري «45 يوم» التجربة الإخراجية الأولى للمخرج احمد يسري. بعيداً من التنافس اعتبر البعض أن خروج السينما المصرية من دون جوائز تجاهل للفن المصري، لا سيما أن الافلام العربية الاخرى لم تكن في مستوى التنافس، ما عدا فيلم نوري بو زيد والذي نال جائزة محمد الركاب - لجنة التحكيم الخاصة - وقدرها 40 ألف درهم وكذلك جائزة احسن ممثل للنجم التونسي لطفي العبدولي مناصفة مع الممثل الكرواتي كريسمير ميكيك. وبعيداً عن نظرية التجاهل أو المؤامرة وإذا كانت الافلام العربية متوسطة القيمة فإن باقي الافلام من يونانية وصربية وكرواتية جاءت شديدة التميز وهي التي حصدت اغلب الجوائز. وإذا كان الفيلم المصري «45 يوم» جاء متماسكاً في بنائه الدرامي، وقدم مخرجاً موهوباً، الا ان الفيلم في النهاية ينتمي الى السينما التجارية الجيدة الصنع بعيداً عن موسيقاه التصويرية الصاخبة، إذ تدور حبكة الفيلم حول شاب متهم بقتل والديه يمتنع عن الكلام وليس لديه الا خمسة واربعون يومًا للبوح بالحقيقة وهي الفترة التي يقضيها مع طبيب نفسي. ومن خلالها نتعرف على تفاصيل حياته وطبيعة العلاقات بينه وبين والديه. وتميز فيلم نوري بوزيد في طريقة تناوله ظاهرة الإرهاب بمفهومه العام. وعلى رغم أن السينما المصرية سبق لها تناول تلك الظاهرة في معالجات درامية مختلفة، إلا ان البناء السردي الذي وضعه بوزيد جاء شديد التميز، إذ تفاجأ جمهور المشاهدين بالبطل الحقيقي للفيلم لطفي العبدولي يتمرد على المخرج ويرفض استكمال دوره في الفيلم لانه يستشعر بأن المخرج يملك موقفاً عدائياً تجاه الإسلام إضافة الى استهداف الأصوليين لهم. وإذا كانت القطعات المونتاجية المتتالية تمت بالاتفاق بين البطل ونوري، الا انها اعطت حيوية وتدفقاً لاحداث الفيلم، فكأنك تعيش قصتين متوازيتين او فيلماً داخل الفيلم. وقامت حبكة الفيلم الاولى على الشاب شكري الشهير بـ «باهتة» والذي يحلم بالعمل راقصاً بعد تخليه عن حلم الهجرة الى اوروبا بعد الحرب الاميركية - البريطانية على العراق، الى أن يجد نفسه متورطاً مع مجموعة من المتطرفين يغذون لديه فكرة الاستشهاد. والفيلم سبق ان حصل على جائزة «التانيت الذهبي» من مهرجان قرطاج السينمائي في دورته الماضية. في المقابل تضاءل مستوى الافلام المغاربية التي شاركت في المسابقة الرسمية إذ ان فيلم «ملائكة الشيطان» للمخرج احمد بولان لم يخرج عن كونه سهرة تلفزيونية شديدة الملل، ويعتمد الفيلم في حبكته على واقعة حقيقية حدثت في الدار البيضاء تتعلق بإلقاء القبض على مجموعة من الشباب الذين يهوون عزف وسماع موسيقى «هيفي ميتل» وجرى اتهامهم بعبادة الشيطان. جاءت الشخصيات نمطية، بعيدة عن الحيوية، والحوار واضح السذاجة ومكرراً. وليس ذلك فقط بل ارجع بولان ضياع هؤلاء الشباب وقيامهم بتلك الطقوس الى شاب مصري - صاحب مقهى- ومن دول أن يبدل جهداً في اختيار الممثل الذي جسد الشخصية إذ جاء بممثل مغربي لكنته المصرية ضعيفة وقدم شخصية بلا ملامح ظهرت وسرعان ما اختفت من دون تأثير درامي يذكر، كما أنه في نهاية الفيلم انتصر لضرورة هجرة الشاب المغربي والبطل الرئيسي والذي تنفس الصعداء واغمض عينيه بمجرد اقلاع الطائرة تجاه اوروبا. وجاء فيلم «لعبة الحب» لإدريس شويكة كاشفاً عن «أزمة الهوية» فالفيلم كله ناطق بالفرنسية على رغم ان احداثه جميعها تدور في المغرب، والنص مأخوذ من قصتين قصيرتين للكاتب التشيكي ميلان كونديرا. وواجهت تلك الانتاجات العربية منافسة حقيقية مع الفيلم الكرواتي «طريق البطيخ» للمخرج برانكو شميت، والذي فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان «70 ألف درهم». وحبكة الفيلم تدور حول قائد شرطة يدعى «ميركو» يتورط في تجربة مع المافيا المحلية بعد أن يعبر «وادي سافا» الى حدود البوسنة وكرواتيا في اتجاه الغرب ويحدث ان تنقلب السيارة التي يقودها والمحملة بالمهاجرين الصينيين ولا ينجو سوى امرأة واحدة من الحادثة، وتكون السبب في تغيير مسار حياته. وفاز ايضاً الفيلم اليوناني «ذاكرة حلوة» للمخرج كرياكوس كاتزوراكيس والذي يعد التجربة الثانية لمخرجه إذ حصل على جائزة العمل الاولى وجائزة احسن تمثيل نسائي للممثلة المتميزة كاتيا جيرو، وجاء الفيلم شديد التميز ويحمل صورة بصرية شديدة الثراء والاتقان تحاكي جماليات اللوحات التشكيلية. ويقوم الفيلم على قصة «ارينا» التي تعود الى اليونان للقاء اخيها بعد عشرين عاماً قضتها في روسيا، تتعرض خلالها لقهر انساني وتغتصب، كل هذه الاحداث الأليمة اضافة الى رحلة الوصول الى شقيقها تدفعها الى سفر داخل نفسها في محاولة لاستيعاب ذاتها واكتشاف العالم المحيط بها. و»ذاكرة حلوة» من الأفلام التي تتم قراءتها على مستويات عدة، مستوى الحبكة الدرامية، والمستوى السردي الأعمق، إذ اننا من خلال مأساة ارينا نرى مآسي العالم من حولنا وتحديداً في فلسطين، والمفارقة ان مخرج الفيلم وعلى حسب تصريحه قرر الاتجاه الى الاخراج السينمائي الى جانب عمله كفنان تشكيلي حين وجد «أن السينما اقدر في الوصول الى الناس من الفن التشكيلي». وامام تلك الافلام المتميزة لا يصح لنا الحديث عن تجاهل للسينما المصرية خصوصاً أن المعيار الحقيقي للتقييم هو تميز باقي الافلام المشاركة اضافة الى ذوق لجنة التحكيم. فوز الوثائقية وإذا كان حجم الجوائز التي نالتها السينما العربية في مجال الافلام الروائية قليلاً، فإنها حصلت على النسبة الاكبر من الجوائز في المجال التوثيقي، إذ حصل الفيلم السوري «أنا التي حملت الزهور الى قبرها» للمخرجين هالة العبد الله وعمار البيك على الجائزة الكبرى، ونال فيلم لون التضحية - المغربي البلجيكي على جائزة التقدير من لجنة التحكيم، لا سيما أن الفيلم يدور حول المغاربة الذين جندوا وهم قُصَّر كجنود يدافعون عن حرية فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وحصل ايضاً الفيلم المغربي القصير «الحساب» جائزة الابداع من ضمن 18 فيلماً شاركت في المسابقة، ويسرد الفيلم قصة عثور شاب على ورقة نقدية تحت عجلة سيارة ولا يجد طريقة لصرفها إلا بالجلوس على المقهى، وحاز الفيلم اليوناني «مصور كريكالا» لمخرجه فاسيليس كوسموبولوس، والمقتبس عن قصيدة شعرية الكريستوس برافوس على الجائزة الكبرى لمدينة تطوان (35 ألف درهم)، والفيلم بنيت احداثه على مفارقة درامية عن لص مطارد يتجه نحو الجبل ويقصد احد المصورين لالتقاط صورة فوتوغرافية له على رغم أن هناك مكافأة مرصودة لمن يستدل عليه. بعد انتهاء فعاليات الدورة الثالثة عشرة لا يتبقى لنا سوى طرح العديد من التساؤلات والتي تتعلق بأسس ومعايير اختيار الافلام التي تشارك في المسابقة الرسمية لا سيما ان السينما المصرية حققت هذا العام العديد من الانتاجات المتميزة في السينما الروائية الطويلة والقصيرة والتسجيلية، لكنها غابت عن المشاركة كما غابت السينما اللبنانية والفلسطينية. وهل صحيح ان التدخل الحكومي في مهرجان تطوان الذي كان معروفًا باستقلاليته هو السبب في افساد المهرجان كما يردد المتابعون؟ وهل ازمة المهرجانات العربية هي غياب الدعم المالي أم ان هناك اموراً تنظيمية وتفاصيل صغيرة ليس لها علاقة بالمال هي التي تؤثر في الشكل النهائي للمهرجان مهما يكن فإن وعود القائمين على المهرجان وفي مقدمتهم مديره احمد الحسني بتجاوز المشكلات التنظيمية في الدورة المقبلة يظل هو الامل في شكل جديد ومختلف خصوصاً ان تطوان مدينة تحتضن الفنون ويعشق اهلها السينما ونجومها. الحياة اللندنية في 13 أبريل 2007
بين المحلية والدولية تطوان (المغرب) - خالد الخضري من يتابع مسيرة «مهرجان تطوان السينمائي» والذي تبدلت أسماؤه مرات عدة منذ انطلاقته المتواضعة سنة 1985 سيلمس التطور الذي حصل تدريجاً. فبعد أن انطلقت الدورة الأولى لنشاط النادي السينمائي وكان يسمى آنذاك «نادي الشاشة» برئاسة أحمد حسني - الرئيس الحالي للمهرجان - تحوّلت التسمية في العام التالي إلى «جمعية أصدقاء السينما».وبهذا الاسم المرغوب فيه إلى حد بعيد عرف أعضاء الجمعية كأصدقاء فاعلين لكل المهرجانيين محليين وأجانب: أحمد حسني، ادريس سكايكة، أحمد فرتات، محمد اليعقوبي، محمد ركاب، ثم جاء من بعد أحمد العيدوني، عبد اللطيف البازي... منهم من ترك مكتب الجمعية (فرتات اليعقوبي، البازي...)، ومنهم من لا يزال مستمراً مهما قيل أو حدث من عراقيل ومثبطات أغلبها ذو طبيعة مادية حدت بمنظمي التظاهرة إلى عدم تنظيم الدورة الثانية عشرة للقفز مباشرة إلى الدورة 13 رغم سوداوية هذا الرقم ومدلوله التشاؤمي... اذاً نظمت الدورة الأخيرة وتحولت التظاهرة إلى «مهرجان دولي لأفلام البحر الأبيض المتوسط لمدينة تطوان» مروراً بمرحلة أو تسمية مهرجان تطوان السينمائي لنفس الأفلام... وأصبح الإطار الكبير الذي يحتوي التظاهرة «مؤسسة» يرأسها وزير الاتصال المغربي نبيل بنعبد الله. كما تكلفت بالتنظيم واستقبال الضيوف وإيوائهم شركة خاصة لا تعترف بك إلا إذا كان اسمك وارداً في اللائحة المسحوبة من الأنترنيت، حتى ولو كنت كوبولا أو الشقيق التوأم لأحمد حسني إذا لم تكن تحمل في عنقك شارة التظاهرة «البادج» بل عاينت بنفسي ليلة الاختتام، منع أحد المنظمين من جمعية أصدقاء السينما ذاتها من الدخول إلى القاعة، من طرف رجال أمن تلك الشركة الذين يقابلونك بفظاظة جافة، وكأنهم أمام شاشة كمبيوتر رغم الابتسامات المبالغ في اصطناعها واصفرارها والموزعة بسخاء سمج من مضيفات الشركة اللائي لا يسمحن لك بولوج قاعة الندوات أو المناقشة أو مقابلة أحد المنظمين إلا إذا كنت على موعد معه أو على الأقل تتقلد وسام التعريف بدرجة مهرجاني! ما نود الإشارة إليه هنا من خلال هذه الملاحظة التي سجلها كثير من المهرجانيين والتي نأمل أن ينتبه لها أصدقاء السينما أو بالأحرى أصدقاؤنا في السينما بتطوان هو أن المهرجان على رغم تطوره العلمي الإلكتروني فقد أو في طريق فقده لكثير من العلائق الإنسانية الحميمية التي بنته. فلنتذكر جميعاً أيام تكريم يوسف شاهين أو المرحومين صلاح أبو سيـف وفـريد شوقي وغيرهم من السينمائيين الأجانب والمحليين وكيف كانت تطوان برمتها تزدحم أمام قاعات أفينيدا وإسبانيول ودار الثقافة بل وحتى في الشارع... أما الآن فالنجم هنا يحيط به رجال الأمن العبوسون دائماً، والجمهور هناك - أقول الجمهور بقلبه لا بعدده الذي يلتف رهط منه حول نجم مصري في مدخل القاعة - (هالة صدقي التي حلت محل إلهام شاهين، أو فاروق الفيشاوي...) فحالت كل هذه التعقيدات الأمنية دون ذلك التواصل الحميمي الرابط بين جمعية أصدقاء السينما بتطوان وأصدقائهم الحقيقيين والفاعلين من دون أن تفسد للود القائم بينهم قضية. هي طبعاً إجراءات أمنية وتنظيمية صارمة أملتها ظروف العصر وتفاعلات الإرهاب أو ما شابه... لكن مهما يكن تبقى الجمعية المؤسسة (بكسر السين الأولى) هي بيت القـصيد والركيـزة الأساسية التي نود جميعاً الالتفاف حولها لدعمها والاستفـادة معها... ويـبقى مهرجـان تطوان السينمائي أياً كان النعت الذي يطاله «دولياً» أو «متوسطياً» أو «محلياً» مدرسة سينمائية قـائمة بالذات وشاشـة عريـضة تتـيح مشاهدة أجمل إبداعات سينمائيي حوض البحر الأبيـض المتـوسط، خصوصاً في مناخ اندحار القاعات السينمائية الوطنية واحدة تلو أخرى وفـي زمن العولمة والانترنت والأمن اللامؤمن إلا باللوائح والأرقام. الحياة اللندنية في 13 أبريل 2007
|