سينماتك

 

«البافتا» تستضيف مهرجان الأفلام العربية الثالث في لندن ...

ضحايا آخرون لحروب المستعمرين ... وأحداث في مصر اليوم

لندن - غالية قباني

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

حمل المهرجان الثالث للسينما العربية الذي نظمته مؤسسة زينيث بالتعاون مع أكاديمية السينما والتلفزيون في بريطانيا (بافتا)، منظوراً جديداً للعرب وهمومهم في ظل تدفق الأخبار اليومية عنهم وتشوش الرؤية لدى البريطانيين والاوروبيين حول تلك الشعوب، بعد ان باتوا جيراناً لهم في حكم الهجرة والسياسة والحروب. والأفلام التي عرضت على مدار ثلاثة ايام كانت فرصة أيضاً للمقيمين العرب انفسهم كي يتواصلوا مع مجتمعاتهم الأصلية، والفضل لمؤسسة زينيث التي تأسست قبل سنوات عدة كي تهتم بالثقافة العربية وتقدمها الى المجتمع البريطاني، بما يتجاوز السينما الى الفنون الأخرى. وتشير مديرة المؤسسة منى طيارة ديلي الى ان المؤسسة تدرس حالياً إمكان توزيع الأفلام العربية على مدار السنة ضمن برنامج عروض البافتا، بدلاً من تركيزها في ايام محددة. وهي فكرة تبدو معقولة بعد نجاح المهرجانات الثلاثة وتخدم صورة العرب في الغرب.

افتتح مهرجان هذه السنة بفيلم «أيام المجد» بحسب العنوان بالانكليزية و «سكان أصليون» بحسب الفرنسية، الفيلم الذي بدأت عروضه التجارية في صالات بريطانيا، وهو من الامور النادرة، ان يعرض فيلم بهموم عربية في هذا الشكل الواسع، لكن وصول الفيلم الى قائمة أفضل الأفلام الأجنبية في الأوسكار، وكونه إنتاجاً فرنسياً، ساهما في هذا الاستثناء. على اي حال استقبل الفيلم نقدياً هنا بترحاب، وحضر المخرج رشيد بوشارب ليلتقي بالصحافيين ويحضر العرض الخاص بالإعلاميين. وما خدم الفيلم وركز الاهتمام حوله انه جاء في توقيت سياسي مناسب بعد ما شهدته فرنسا السنة الماضية من تمرد الشباب من اصول شمال افريقية وسود، في الأحياء المهمشة والفقيرة، كأقليات تعاني من الإهمال والتمييز.

لا تتركز روعة هذا الفيلم فقط في السيناريو المحكم الذي شارك المخرج رشيد بو شارب في كتابته، ولا بالكاميرا والإضاءة وتصميم المشاهد الذي يستعيد بحذاقة فرنسا فترة الاربعينات، انما أيضاً في تنفيذ مشاهد القتال خصوصاً المشهد الأخير في الإلزاس، على رغم الإحالات النقدية التي كتب عنها نقاد بريطانيون الى افلام الحروب في هوليوود، لكن تبقى المشاهد جميلة ومؤثرة وذات خصوصية. ويكمن تميز الفيلم في خطابه الذي ينطبق على الكثيرين في هذا العالم ممن حاربوا مع جيوش العرق الأبيض ليتم بعدها تجاهلهم تماماً.

وللحقيقة يشكل فيلم «أصليون» او «أيام المجد» صدمة للمشاهد العربي في مشاهده الأولى فهو المعادل النقيض لفيلم «معركة الجزائر» الذي تربينا عليه وعلى فكرة كره الجزائريين الاستعمار الفرنسي، ونحن هنا امام فيلم يضحي فيه الجزائريون من أجل فرنسا كوطن ام ويحفظون النشيد الوطني الخاص بها، على رغم انهم لم يزوروا هذا الوطن من قبل. غير ان الفيلم في مجمله يحقق متعة الفرجة بصنعته المتقنة والحوارات الجذابة التي لا تثرثر بل تقول في كل مرة شيئاً جديداً يضيف الى الفيلم.

الحروب المحلية

وشهد المهرجان أيضاً عرض أفلام عدة تتناول الحرب ان بمعناها المباشر، كما هو في العراق، او كصراعات داخلية، كما في لبنان والجزائر. فيلم «أحلام» لمحمد الدراجي يحكي عن مستشفى للأمراض العقلية في العراق الذي تمزق بين فاشية واحتلال. الا ان النيات الطيبة للدراجي كان ينقصها الحرفية عندما ضاع الفيلم بين سيناريو ضعيف واداء تمثيل مبالغ فيه وربما كان ضحية السيناريو في الأساس. وهذا هو نتيجة الحماس الشديد للشباب الذين يعتقدون بأن الإمساك بالكاميرا كاف لإنجاز فيلم بشروط فنية عالية، خصوصاً بعد أن بدد المخرج جهده في الانتاج والتصوير وكتابة السيناريو، اضافة الى الإخراج. وقد يعذر فقط لأنه فيلمه الأول.

السيناريو المهلهل خطأ وقع فيه أيضاً المخرج جوزيف فارس في فيلم «زوزو» الذي كتبه بنفسه كسيرة ذاتية من وجهة نظر طفل صغير عاصر الحرب الأهلية التي فقد فيها اهله وهاجر الى السويد حيث يعيش جداه ليكتشف ان المهجر ليس بالمكان السعيد، فلا اصدقاء ولا لهو وضحك كما في بيروت على رغم الحرب وآلامها. أطال المخرج في الجزء الاول وعندما انتقل الى الجزء الخاص بالسويد بدا انه فيلم آخر، وكان يمكن ان يحيل الى الماضي بالفلاش باك ويركز على مرحلة السويد. الحوار غير موظف في شكل جيد وبدت غالبية ما ينطق به الجد لإضحاك الجمهور بالكلمات النابية والشتائم الكثيرة التي لا مبرر لها في كثير من الأحيان. وعلى رغم ذلك تميز الطفل الذي أدى دور زوزو (عماد كريدية) وتفوق على كل الممثلين الكبار في هذا الفيلم بمن فيهم كارمن لبس في دور الأم.

ولم ينج فيلم «بركات» من فخ «سينما المؤلف» التي قادها قبل عقود سينمائيون متمكنون من ادواتهم، ولا تصلح لمخرجين شباب ينجزون اعمالهم الاولى، مثلما هو الحال مع المخرجة الجزائرية جميلة صحراوي المقيمة في فرنسا، فهذا الفيلم فيلمها الروائي الأول لكنه ذو سيناريو مرتبك وحوار اشبه بحوار الطرشان – على رغم فوزه بجائزة السيناريو في مهرجان الانتاج السينمائي والتلفزيوني الأفريقي الذي اقيم في بوركينافاسو -. يوجه الفيلم اتهاماً لمناضلي جيش التحرير الذين طردوا فرنسا، بالتورط في النزاع المسلح داخل الجزائر وبدعم الجماعات المتطرفة وعمليات الخطف والقتل، كما يتهم بعض من في الحكومة بالتواطؤ مع كل ما يجري. رسالة جريئة لولا انها كانت سطحية وغير مقنعة فنياً.

الفيلم يميل الى الإيقاع البطيء والصمت الممل بين الحوارات في بيئة تعج بالصخب والحيوية كأن الفيلم يصور في شمال اوروبا لا في شمال افريقيا خصوصاً مع عزف البيانو الهادئ الذي ألف خصوصاً للفيلم لكن لا علاقة له بأجوائه! البطلتان التي تنتمي الى المحاربين وتعمل ممرضة والأخرى الى الجيل الشاب وتعمل طبيبة، تتسمان بنسوية عصابية في مواقفهما من الرجال. وبدت المشاهد المتعددة لتحرش الشباب بالفتاة مقحمة وفجة. وعلى رغم ان موضوع الفيلم ينطلق من اختفاء الصحافي زوج الطبيبة، بسبب مقالة له، فلا نرى صورة قريبة له ولا تستعيد البطلة أي مشاهد معه بحيث يتعاطف المتفرج مع الرجل الغائب، ولا يقدم الفيلم اي موقف لصحيفته او زملائه، واستعين عن كل ذلك بالحوار عنه. كما لم تبذل المخرجة التي ساهمت في كتابة السيناريو، جهداً في أن تختصر لنا مضمون المقال الذي عوقب عليه الصحافي بالخطف. وتكتفي في غالبية احداث الفيلم بالاعتماد على مقولة «المعنى في قلب المخرجة».

وجه واعد للسينما العربية

الأفلام الثلاثة الأخرى اللافتة تبدأ بفيلم «الرجل الأخير» للبناني غسان سلهب. وفيه يعتمد على ثيمة معروفة في السينما وهي مصاص الدماء، الا ان سلهب وظفها بطريقة حرفية ليقدم فيلماً عن لبنان أولاً والعالم ثانياً. الممثل جاك شاهين ادى دوراً مميزاً قدم من خلاله بعداً إبداعياً إضافياً للفيلم، خصوصاً مع تحولات شخصية الطبيب البطيئة والمستمرة من الانسانية الى التوحش، الواقفة على حافة بين الحياة والموت. وساهمت الكاميرا والإضاءة في خلق جو خانق يؤكد هذا المعنى. هنا الحوارات قليلة والصمت هو السائد ولكن سياق الفيلم ودواخل البطل والموضوع المعقد لقضية ليست في هذه السهولة، يبرر كل ذلك فنياً. الفيلم يحسب لصالح المخرج غسان سلهب الذي كتب السيناريو أيضاً لفيلمه المميز هذا.

فيلم «يا له من عالم رائع» للمخرج المغربي فوزي بنسعيدي يقدم مقاربة معاصرة لعالم اليوم وعلاقاته التي تتواصل عبر عالم افتراضي قائم على التكنولوجيا، اي الانترنت والهواتف الجوالة وشاشات المراقبة، الخ.

بنسعيدي مخرج تجريبي ويدرك حدود تجريبيته وحرفيتها، لذا فان الفيلم يبدو متماسكاً على رغم فانتازيته التي تجول في علاقات واحلام محبطة ووهمية وعالم افتراضي. في الفيلم كوميديا راقية وسخرية لاذعة، من ذلك مشهد دوران السيارات في الساحة العامة على ايقاع سرحان الشرطية العاشقة. لكن الى اي مدى يمكن لبنسعيدي ان يستمر في هذا الأسلوب والى اي حد ستكون لتجريبيته شعبية وشباك تذاكر، فذلك تحد عليه ان يواجهه ليقرر الاستمرار فيه او التحول عنه. ولكنه من غير شك مخرج متمكن نجح في تقديم ايقاع متجانس من الموسيقى والنص وحركة الكاميرا والمونتاج، اضافة الى التمثيل الذي ادى فيه هو دور كمال بينما أدت الممثلة نزهة رحيل دور الشرطية.

اختتام المهرجان كان مع فيلم «عمارة يعقوبيان» الذي سبقته سمعته الى لندن ربما عبر الرواية الأصلية التي ترجمت أخيراً الى الإنكليزية، فامتلأت الصالة بالحضور ولم يفكر احد بالخروج منها على رغم طول الفيلم الذي اتم ثلاث ساعات انتهت بتصفيق حاد دليل شدة اعجاب جمهور الصالة وتأثرهم، وكان بينهم من صمد في تلك الساعة المتأخرة ليشارك في الحوار مع المخرج مروان حامد الذي حضر شخصياً. الفيلم هو التحربة الأولى في مجال الروائي الطويل لمروان الذي درس السينما في الولايات المتحدة، فكانت البداية واعدة وتشي بمخرج متمكن سيكمل مسيرة مخرجين سبقوه وصمتوا لأسباب لها علاقة بوضع السينما المصرية الآن، على رغم ان بوادر نهوض تلوح في الأفق. وما سند هذا الفيلم الطويل الذي يجوس في تاريخ مصر الحديث الاجتماعي والسياسي لينتهي الى عالم يغلفه الفساد، هذا السيناريو المتماسك الذي انجزه الكاتب المحترف وحيد حامد. المخرج مروان استعرض حرفيته من خلال فريق عمل نجح في التصوير والإضاءة وتصميم المناظر والموسيقى، كذلك الأداء المميز والمثير للاعجاب من قبل النجوم معه، وهم كثر، نور الشريف في دور التاجر الصاعد الى واجهة الحياة السياسية والاقتصادية من قاع المجتمع، وعادل إمام ابن الطبقة الارستقراطية الذي لا يزال يحلم بعالمه المنتهي بعد ثورة «يوليو»، يسرا في دور المرأة الأوروبية التي عاشت في مصر كل حياتها، وفنانون آخرون أجادوا أدوارهم مثل هند صبري، محمد امام، وخالد الصاوي الذي أبدع في دور الصحافي الشاذ.

إلا ان ثمة ملحوظتين على الفيلم، أولها ان الشذوذ اخذ مساحة كبيرة فيه. ثانياً ان صورة الإقباط قدمت بصورة سلبية على رغم جمال أداء الممثلين (احمد بدير واحمد راتب) وفي هذا تنميط كامل للطائفة غير مقبول. وعلى رغم ذلك فإن الفيلم وثيقة بصرية يمكن ان نستعير معها عنوان رواية الروائي يوسف القعيد (يحدث في مصر الآن) ويحسب للمخرج جرأته في تقديم تفاصيل صغيرة في الحياة اليومية تترك عادة داخل الكتب وتزال من السينما والتلفزيون.

الحياة اللندنية في 13 أبريل 2007