سينماتك

 

ملابسات عقدة القصة في مشاهدة الفيلم

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

من المتعارف عليه بين أوساط العاملين في السينما العربية أن ثمة أزمة في مجال كتابة النصوص لسيناريوهات الأفلام. وفي واقع الأمر فإن الأزمة هذه لا تتعلق بمعرفة تقنيات كتابة السيناريو، بل تبدأ من مرحلة سابقة على كتابة السيناريو تتعلق أساسا بضعف موهبة الكتاب في مجال فن القص الذي هو ركن مهم من أركان صناعة الأفلام.

تحتاج كتابة القصة لأي فيلم كان إلى موهبة و مهارة من قبل الكاتب في مجال فن القص، كما تحتاج إلى مهارة وموهبة مقابلة حتى من قبل مخرج الفيلم. ويدل تاريخ السينما أنه على الرغم من كل التقنيات المستجدة في مجال السينما تبقى الحكاية في أساس عوامل جذب اهتمام المتفرجين نحو الأفلام. والسؤال الأول الذي يطرحه الناس عادة عندما يذكر الآخرون أمامهم اسم فيلم ما هو: ما هي قصة الفيلم؟ ينتمي غالبية مشاهدي الأفلام، رواد صالات العرض السينمائية، إلى فئة المهتمين بمجريات القصة، وذلك بصرف النظر عن ما قد تتميز به القصة من عمق أو ما تتسم به من تسطيح، طالما أن القصة بحد ذاتها تثير فيهم عواطف وانفعالات. وإلى تلك الغالبية من المشاهدين المنتشرين في أرجاء المعمورة ترسل صناعات السينما في كافة دول العالم منتجاتها من الأفلام.

لكن نعمة موهبة القص التي يتمتع بها مؤلفو الأفلام تتحول في بعض الأحيان إلى نقمة بالعلاقة مع مستوى ونوعية تذوق وتقبل جماهير السينما للأفلام، وذلك عندما تصبح القصة بحد ذاتها مركز الاهتمام الأول عند عامة مشاهدي الأفلام فينسون في النتيجة أنه توجد عناصر أخرى في الفيلم، قد تكون أكثر أهمية بكثير من القصة بحد ذاتها، عناصر تمنحه صفة العمل الفني، بل وأكثر من ذلك، ينسون أنه توجد في القصة ذاتها عناصر فنية إبداعية متنوعة لها أهميتها الخاصة ومتعتها الخاصة وتأثيرها الخاص، ويكتفون من ذلك كله بتتبع مسار الحبكة في انتظار معرفة مصائر الشخصيات في نهاية القصة، وهي نهاية يريدونها في كل الأحوال سعيدة، بل وفي أحيان كثيرة لا يهتمون حتى بمجريات القصة وبتطورات أحداثها ومغامرات شخصياتها وتقلبات مصائرها، لأنهم يستعجلون الأمور من اجل معرفة كيف انتهت الأمور، فيتجاهلون الفلسفة الموجودة في مسرحية هاملت والعبرة المهمة في مسرحية روميو وجولييت وكل الأحداث الدرامية والحلول الفنية والشعرية التي وضعها المؤلف في النص، وصولا إلى معرفة معلومات من نوع هل تزوج روميو من جولييت أم لم يتزوج، وهل انتقم هاملت لأبيه أم لم ينتقم.

هناك بالمقابل سينما أخرى موازية تتمتع أفلامها بميزة فن القص ومتعة الحكاية، ولكن بعيدا عن القوالب التقليدية والشروط العامة لقصص الأفلام التي توصف بالجماهيرية، سينما مؤثرة، ولكن ليس على عموم الناس الذين يديرون ظهورهم في العادة لهذا النوع من الأفلام، بل على قلة من المشاهدين ممن يتصفون بأنهم ينتمون إلى هواة السينما الذين يبحثون عن معنى الحكاية وميزاتها الفنية ولا ينجرون وراء أحداثها أو أحوال شخصياتها فقط ولا يقلقهم إن كانت الأحداث والعلاقات ستنهي نهاية سعيدة أم حزينة.

لهذه السينما الموازية أنصار من النقاد السينمائيين المثقفين المخلصين لها والذين يدافعون عنها ويحاولون ترويجها بين عامة مشاهدي الأفلام. من بين الحلول المتعددة التي اقترحها منذ زمن بعيد وما يزال يقترحها النقاد السينمائيون لحل أزمة ضعف، أو بالأحرى سوء، علاقة الجماهير بالسينما الموازية، العمل على نشر الثقافة السينمائية بين عموم الناس.

وهذا الحل بطبيعة الحال عام جدا بحيث لم يقد و لا يقود إلى نتيجة، لأنه يحصر الأزمة في الجوانب المعرفية الثقافية، ويتجاهل جانبا آخر هو الجانب النفسي والانفعالي والعاطفي الذي له التأثير الأكبر في جعل عامة مشاهدي السينما يتعلقون بالقصة ولا شيء إلا القصة، ربما باستثناء الممثلين والممثلات، أي الوسطاء المباشرين الذين توكل إليهم مهمة نقل أحداث القصة للعموم.

القصة هي عقدة علاقة المشاهدين بالأفلام، خاصة المشاهدين الذين اعتادوا نمطا معينا من القص. وقد فاجأني ناقد زميل مهموم بقضايا السينما الموازية، خاصة العربية الجديدة، ومهموم بالتالي بقضية الترويج لهذه السينما بين الجماهير، عندما أكد لي أن الحل يكمن في التركيز على العنصر الأهم وهو تخليص الجماهير من عقدة القصة في قراءة الفيلم واقترح لأجل ذلك، على سبيل الدعابة، الاستفادة من خبرات الأطباء النفسيين.

على كل حال، وفيما يخص السينما العربية المعاصرة، الجماهيرية منها أو الموازية سواء بسواء، فإن المشكلة الحقيقية لا تكمن في حل عقدة القصة في قراءة الفيلم عند المشاهدين، بل في الجهة الأخرى، أي التغلب على الضعف في كتابة القصة عند مؤلفي السيناريوهات ومخرجي الأفلام، وهو ضعف تحول أيضا في بعض أوجهه إلى عقدة.

من يكتبون النصوص للأفلام الموجهة للجماهير العريضة في العالم العربي يسطّحون الأحداث والشخصيات والأفكار لدرجة فقدان الأفلام لجديتها، ويرتكزون على عناصر تثير الانفعالات أو تسبب الضحك وغير ذلك من عوامل الجذب والتشويق والموجهة نحو جمهور يعرفون سلفا مستواه الثقافي ونوعية تلقيه وتذوقه لمادة الأفلام. أما الذين صاروا في السنوات الأخيرة يكتبون النصوص للسينما الموازية فغالبيتهم من المخرجين الذين استغنوا عن مساعدة كتاب السيناريو لهم، غير أن واقع الحال أثبت أنهم لا يتمتعون بموهبة القص و لا يمتلكون الخبرة الكافية فيلجأون إلى التعقيد أو التجريب في بناء القصة جريا وراء الأساليب الحداثية في محاولة منهم للتميز عن السينما الأخرى التي يترفعون عنها والتي لا يتعاملون معها إلا باستخفاف، كما إنهم في الكثير من الأحيان، وانجرارا وراء موجة سينما المؤلف، لا يعتمدون على الأدب الموازي، بل ينبشون في تاريخهم الشخصي بحثا عن مادة تعبر عنهم مفترضين سلفا أنه سيهمّ الآخرين، أو أنهم يخوضون في القضايا الكبرى التي لا يستطيعون إشباعها، وحين يلجأ بعضهم إلى الاستعانة بالقصص الحياتية البسيطة يعجزون عن ملئها بنبض الحياة وإغنائها بالتفاصيل الصغيرة المعبرة والمؤثرة.

تنطبق هذه الملاحظات المرتبطة بالعلاقة مع عقدة القصة أيضا على الأعمال الأدبية الروائية المطبوعة في كتب، فالإشكالية موجودة هنا، وهي كانت وستظل موجودة، على الأغلب، غير أن هذه الإشكالية تكتسب في السينما وضعا أكثر خطورة.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 13 أبريل 2007