أفلام المكان الواحد.. البطولة لـ(الحوار) وحده.. رجا ساير المطيري |
صفحات خاصة
|
أنت تفضل نوعاً محدداً من السينما ترى أنه يلبي احتياجاتك الفكرية والروحية والجمالية، وهذا النوع لا يخرج غالباً عن نطاق التصنيفات العامة المتعارف عليها بين جمهور السينما، كالرومانس والكوميديا والإثارة والأكشن، وهي تصنيفات اعتمدت في تمايزها واختلافها على طبيعة (موضوع) الفيلم، فإذا كان الفيلم يحكي قصة رومانسية فهو رومانسي، وإذا احتوى على قتل ومطاردات فهو أكشن، وهكذا.. يتم التصنيف وفق الموضوع فحسب؛ لتأتي أنت فتحدد إلى أيها تميل. وإلى جانب هذه الطريقة الشائعة في التصنيف، هناك طرق أخرى، عائمة، غير واضحة الملامح، ولا تعتمد في وجودها على (الموضوع) الواضح الصريح، بل على عناصر الفيلم الأخرى كعاملي الزمان والمكان وأسلوب السرد وغير ذلك من الصيغ الجمالية كالشكل والبناء والجو العام. فإذا رأيت تشابهاً بين بعض الأفلام في أسلوب معين فقد وضعت يدك على تصنيف جديد لا ينتمي إلى التصنيفات العامة المشار إليها في البداية. هناك مثلاً نوع (سينما الطريق) الذي يعتمد على تصنيف يحدد تلك الأفلام التي تجري أحداثها على (الطريق) فقط، فطالما أن الشخصيات تسير على هذا (الطريق) أو تسبح على ضفافه، فعندئذ يستحق الفيلم أن يندرج تحت هذا الصنف، وحينها لا يكون لطبيعة الحدث ولا لنوع القصة أي تأثير؛ فقد تكون قصة رومانسية أو حربية لكن الفيلم يبقى في النهاية فيلم (طريق). ومثل ذلك ينطبق على (السينما الشعرية) و(السريالية) و(أفلام المكان الواحد) و(أفلام الوقت الواحد) و(أفلام الشخصية الواحدة)، فهذه التصنيفات تقفز على الموضوع وعلى طبيعة الصراع لتتكئ على الشكل أو القالب الذي احتوى الموضوع. وهذا القالب هو معيار الاختلاف بين تلك التصنيفات، وهو سبب وجودها. في (أفلام المكان الواحد) التي نتناولها هنا نرى قالباً واضح الملامح محدد الأبعاد، يتخذ من عنصر (المكان) نقطة ارتكاز، فالأفلام التي تحوي هذا القالب تشترك في كونها أفلاماً تجري كل أحداثها في مكان واحد، في موقع واحد، تسبح فيه الشخصيات، وتنمو فيه الأفكار وتتطور وتنضج، بالاعتماد على الحوار والجدل وحده، من دون تدخل مؤثر لأي عنصر تعبيري آخر كالصوت والصورة. فأي فيلم يحوي هذا القالب، وتجري أحداثه في مكان واحد، فهو يستحق الانتماء إلى قائمة (أفلام المكان الواحد)؛ بغض النظر عن طبيعة الموضوع الذي تتصارع من أجله الشخصيات. تتميز أفلام (المكان الواحد) بخصائص جمالية مميزة، منها أن اعتماد هذه الأفلام على الحوار، وعلى الجدل المحموم، لرسم الحكاية، يفسح المجال للمشاهد أن يشارك مع أبطال الفيلم في استجلاء حقيقة الصراع، فالخطاب في هذه الأفلام يكون موجهاً بالدرجة الأولى إلى (ذهن) المشاهد بغرض استفزازه وإجباره على (تخيل) الحدث الذي تتجادل فيه شخصيات الفيلم، وهنا يكون الأثر الذي يتركه الحوار قريباً من أثر الكلمة المطبوعة في الرواية أو الكتاب. في الفيلم الكلاسيكي (اثنا عشر رجلاً غاضبون) - الذي يعتبر النموذج الأكمل لأفلام المكان الواحد وأعيد استنساخه في منتصف التسعينات - نرى مجموعة من المحلفين يجتمعون في غرفة صغيرة أثناء محاكمة أحد المتهمين بجريمة قتل، ورغم أن الكاميرا لا تخرج مطلقاً من هذه الغرفة، ولا تصور أحداثاً أخرى غير نقاش المحلفين الاثني عشر، فإن المشاهد سيخرج من الفيلم وهو يملك تصوراً كاملاً عن موقع الجريمة وعن الكيفية التي تمت بها هذه الجريمة وكأنه شاهد كل ذلك بعينه. أيضاً هناك متعة إضافية يضمنها هذا النوع من الأفلام، تكمن في الصراع الجدلي اللذيذ الذي يتم بين الشخصيات، فمع هذه الأفلام ستشعر كما لو أنك تحضر مناظرة فكرية بين متخاصمين يسعى كل واحد منهم إلى إقناعك بوجهة نظره لضمان استمالتك إليها، في فيلم (American Buffalo) نرى الكثير من هذا الجدل الرائع، هنا يؤدي النجم (داستن هوفمان) دور مجرم بائس يخطط هو وصديقه للاستيلاء على حقيبة أحد المسافرين العابرين الذي استأجر غرفة في الفندق المجاور، وطوال دقائق الفيلم لا نرى سوى جدل بين المجرمين حول الطريقة الأمثل لتنفيذ هذه المهمة، فكرة تأتي من هنا، ودحض يأتي من هناك، وهكذا يعيش المشاهد أجواء من التحدي والإثارة. ذات الأمر يحدث في فيلم (The Big Kahuna) - الذي لعب بطولته النجمان (كيفن سبيسي) وَ(داني دي فيتو) عام 1999- حيث حشر الأبطال في غرفة صغيرة ليبدأ نقاشهم وبحثهم عن أنسب طريقة للوصول إلى الرجل الذي يقف على رأس شركة عملاقة، ومع هذا النقاش المحتدم يعيش المشاهد مترقباً النتيجة وقبل ذلك مستلذا بهذه اللعبة الجدلية الممتعة. إن طبيعة هذه الأفلام، وكون أحداثها تجري في مكان واحد، جعلها مجبرة على الاهتمام الشديد بالحوار ومنحه العناية الأكبر، وذلك لأنه المنفذ الوحيد لتسريب الحدث والصراع والأزمة إلى ذهن المشاهد، فمن دون الحوار لا يمكن رسم صورة الحدث الكاملة، فهو صاحب السطوة الكبرى، وفيه يكمن الجمال، وكما رأينا في الأفلام السابقة، وكذلك في الفيلم الرائع (Wait Until Dark) للنجمة الكلاسيكية (أودري هيبورن)، سنجد حضوراً طاغياً للحوار بحيث يمكن القول أنه البطل الاول للفيلم. وهذا يقودنا إلى صعوبة صناعة هذه الأفلام، كونها لا تعتمد إلا على عنصر واحد فقط لبسط حكايتها أمام المشاهد، في حين تعتمد الأفلام الأخرى على عناصر عديدة من صورة وصوت وحوار ولون وديكور وإضاءة، والصعوبة تكمن في المحافظة على إيقاع الحوار، وفي تنمية الفكرة وتطويرها بشكل مقنع ومنطقي، والتحكم في توقيت مداخلات الشخصيات وما يتبع ذلك من دقة في رسم انفعالات هذه الشخصيات وتفاعلها مع الكلمات المنطوقة. كل هذا يلزمه إتقان في الصنعة، ويلزمه إبداع في السيناريو، إضافة إلى تميز في أداء الممثلين. وهذا ما ستجده في الأفلام التي سبق ذكرها.. الرياض السعودية في 12 أبريل 2007
الأمريكي (تارنتينو) في رحلة مجنونة مع (غريندهاوس) رجا ساير المطيري يعود المخرج (كوينتن تارنتينو) إلى ممارسة جنونه السينمائي في الفيلم الجديد (Grindhouse) الذي صنعه بالمناصفة مع المخرج المكسيكي الشاب (روبرت رودريغيز). وحين نقول مناصفة فهذا يعني أن كل واحد منهما قد قام بصنع فيلم مستقل قائم بذاته ثم تم دمج العملين في فيلم واحد. وليست هذه سوى أولى شطحات الفيلم الذي يضج أيضاً بالأحداث والمشاهد المجنونة الخالية من المنطق والمليئة بالعنف والدموية والتي اعتاد جمهور السينما أن يراها في أفلام الثنائي (تارنتينو) و(رودريغيز) بشكل دائم تقريباً. فيلم Grindhouse صنع من أجل الاحتفاء بالنوع السينمائي المعروف ب(B-Movie) وهو مصطلح يعني كل الأفلام التي صنعت بميزانيات متواضعة ومنها تلك الأفلام الرخيصة المشبعة بالجنس والعنف والتي انتشرت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وينقسم فيلم Grindhouse إلى قسمين متماثلين في زمنهما يحكي كل واحد منهما قصة مختلفة عن الأخرى والعامل المشترك الوحيد هو أن كلا القسمين صنعا من أجل محاكاة أفلام ال B-Movie شكلاً ومضموناً. يحمل القسم الأول من الفيلم اسم (Planet Terror) وأخرجه (روبرت رودريغيز) وهو يحكي القصة الكلاسيكية التي امتلأت بها أفلام الرعب في السبعينات عن قرية تهاجمها جماعات الزومبي. أما القسم الثاني الذي يحمل اسم (Death Proof) للمخرج (تارنتينو) فهو يحكي قصة قاتل تسلسلي يطارد فتاة مع صديقاتها الثلاث أثناء توجههن إلى موقع تصوير سينمائي. ويؤدي دور البطولة في القسم الثاني الممثل المعروف (كرت رسل). الرياض السعودية في 12 أبريل 2007
|