سينماتك

 

د.رفيق الصبان يكتب عن تجربة سينمائية فاشلة

فيلم «كشف حساب» شظايا درامية متناثرة تصيب المخرج بأكثر الجراح خطورة

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

>> شخصيات كثيرة.. عقد مختلفة.. إختلال درامي لم يستطع المخرج جمع شظاياه المتناثرة

>> علمنا هيتشكوك أن الفيلم البوليسي يعتمد علي المنطق المحكم ولكن د.محمد رفعت لا يهتم بهذا المنطق في كتاباته

>> خالد أبوالنجا بدأ في الإساءة إلي موهبته بظهوره المتكرر في أفلام نعجز عن تلمس حسه التمثيلي الخاص فيها  

إن المرء لتنتابه حيرة حقيقية عندما يقف أمام فيلم تجمعت فيه عناصر يحبها ويحترمها.. ويعقد عليها الآمال لإخراج السينما المصرية من مأزقها الكبير الذي تعيش فيه الآن.

كاتب ذكي.. دخل إلي السينما من أبوابها العريضة فقدم لنا فيلما جميلا أعادنا إلي عصر الرومانسية التي بتنا نفتقدها تماما في انتاجنا الحديث.. ورغم كل الملاحظات التي اثيرت حول فيلم (انت عمري) ورغم المبالغات العاطفية التي لا يقبلها المنطق.. استطاع الفيلم أن يبعث سحابة حلقت في سماء زرقاء وأن يعيد إلينا خفقات القلب.. التي بدأنا نحن إليها ونحن ضحايا طلقات الرصاص والمطاردات الجنونبية بالسيارات واقتحام البيوت بالرشاشات والمدافع.. والتي لم نعهدها قبلا في سينمانا الهادئة نوعا ما.. طوال السنوات الماضية.

محمد رفعت.. (وهو طبيب أطفال أصلا).. يحاول أن يعزف في كتاباته علي تناقضات القلب البشري وعلي جنونه أحيانا.. وعلي رهافته أحيانا أخري.. إلي حد البكاء.

وقد ظهر ذلك جليا بعد ذلك في فيلم (آخر الدنيا) الذي اعتمد فيه علي حبكة بوليسية مشوقة وإن شابته نفس العيوب التي شابت (انت عمري) في مبالغات لا منطقية ومفاجآت غير متوقعة لا تعتمد علي سيكولوجيا الأبطال قدر ما تعتمد علي اثارة الدهشة والمفاجأة.

والمشكلة في الفيلم البوليسي أن يعتمد دائما وأساسا (كما علمنا استاذ الأساتذة في هذا المجال الفريد هيتشكوك) علي المنطق الذي لا تتسرب منه نقطة ماء.

ولكن رؤيا محمد رفعت السينمائية يبدو وكأنها لا تعبأ بهذا المنطق بتاتا.. فرغم براعة المؤلف في رسم نماذج الشخصيات المتعددة التي تملأ فيلمه.. يبدو عجزه واضحا في الجمع بينها بخيط وثيق.. يعتمد آخر الأمر علي الامتاع والمنطق رغم (المتاهات) التي تمر بها أحداث الفيلم لتصل في كتابته إلي نقطة نور مضيئة.. تبرر كل الظلمات المتراكمة التي وقع بها المتفرج أثناء متابعته للأحداث.

المشكلة عند محمد رفعت أن (نقطة النور) هذه التي تبرر وجود الفيلم البوليسي لكن.. تغيب عنه تماما.. أو لا يعرف بالضبط كيف يجمع خيوطها ويخلق بينهما التناسق المطلوب.

هذا ما جعل فيلمه (آخر الدنيا) يقع في تخبط مؤلم.. أفقد الشخصيات التي رسمها ملامحها كلها وهذا مع الأسف هو العيب الذي تكرر مرة أخري في الفيلم الأجنبي الذي كتبه (كشف حساب). كشف حساب أيضا هو الفيلم الثاني الذي يقدم فيه المخرج الشاب أمير رمسيس نفسه إلي جمهور عريض يعقد حوله الآمال.

في آخر الدنيا.. اضطر المخرج الشاب كما عرفت إلي تقديم تنازلات كثيرة للانتاج أساءت إلي رؤيته السينمائية الاصلية.. ودفعت الفيلم إلي مسارات لم يردها.. ولكنه لم يستطع أن يمنع حدوثها.. ولكنه في (كشف حساب) يتحمل مسئوليته كاملة.. ومن هنا تأتي الحيرة والدهشة التي ملكت علينا نفوسنا ونحن نشهد فيلمه الأخير.

كان حريا بالمخرج الشاب الذي تعلم أصول مهنته في مدرسة بارعة للإخراج السينمائي هي مدرسة يوسف شاهين والذي اثبت موهبته الغزيرة في أفلام قصيرة اخرجها أثناء دراسته في معهد السينما وبعدها. وكان حريا بمخرج شاب موهوب مثله.. أن يعالج العيوب الظاهرة في السيناريو الذي حققه وان يقوي من الخيوط الدرامية الواهية التي كانت تربط بين الشخصيات.. وأن يحرص علي تأكيد المنطق الدرامي الذي بدونه لا يمكن لأي فيلم أن يقف علي قدميه.. خصوصا أن الشخصيات التي رسمها محمد رفعت.. شخصيات ثرية وقابلة للتطور والاقناع. هناك أولا «هذه الزوجة» التي تبدأ أحداث الفيلم معها.. والتي تطلب الطلاق من زوج شرس غيور يسيء معاملتها ويرغب بالاحتفاظ بها دمية يتلاعب بها كما يشاء.. والتي تسقط في حب جارها شديد الوسامة.. يحسن معاملة النساء ويعرف كيف يدغدغ عواطفهن.

وهناك هذه الفتاة الفقير.. التي تغتصب (تقريبا) في بداية الفيلم من مجهول وترمي في عرض الشارع والتي تخفي في أعماقها رغبة في الثأر من مجتمع باتت الفروق الاجتماعية فيه بشكل هوة كبيرة من الصعب تجاوزها.

وهناك أيضا هذه الفتاة الخارجة من ملجأ للأيتام والتي تعمل في خدمة الزوجة هي وخطيبها (المعقد) رغم كونه الخادم الأمين المخلص.. والذي تثير تصرفاته ونظراته وسلوكه الشبهات دون أن تري ما يدعمهما معا.

وهناك الجار الحاقد المسئول السياسي سابقا والذي راح ضحية والد الزوجة التي تقيم في جواره في زمن (زوار الفجر) والقمع السياسي القديم.

وهناك هذا الجار الوسيم الذي يجد نفسه متعلقا بالزوجة التي تطلب الطلاق.. ثم يجد نفسه فجأة متهما بتهمة الاغتصاب ومشروع القتل الذي تعرضت له الفتاة الفقيرة.

ويهزأ الشاب باديء الأمر بهذا الاتهام (الغريب) ويقرر مواجهة الفتاة.. التي تؤكد بعد رؤيتها بأنه المعتدي عليها.

وهنا يبدأ الفيلم بمسار آخر.. يذكرنا بالمسار المدهش الذي وضعه هيتشكوك بفيلمه الشهير (الرجل الخطأ) حيث تتوفر الظروف كلها لاتهام الفتي.. بأنه هو المعتدي.. حتي تصل به إلي حبل المشنقة. شهادة الفتاة نفسها.. ثم عدم قدرته علي اثبات تواجده..، أثناء حدوث الاعتداء لأن السيدة التي ادعي انه كان عندها تنكر ذلك لأسباب فرعية تعود إلي رغبتها بالثأر منه لأنه تسبب في سجن زوجها.

ويزداد الأمر تعقيدا عندما تخطف ابنة الزوجة.. وتعتقد هي أن زوجها الغيور هو وراء كل ما يحدث.. من اتهام للفتي الوسيم الذي ابتدأت ترتبط به.. إلي اختطاف الابنة.

كل ذلك يخرجنا عن الخط البوليسي الواحد.. الذي كان علي سيناريو الفيلم أن يؤكده.. وألا يحيد عنه. والذي استبدله الكاتب بعدة خيوط حاول أن يلصقها ببعضها برباط واه ولم يتمكن المخرج من انقاذها.. فتحولت إلي خيوط التفت حول أعنقاقهما.

ويجيء بعد ذلك إلي الخادم وخطيبته.. وهي قصة أخري.. تتكشف لنا رويدا رويدا لنجد أنفسنا آخر الأمر.. ونحن في قمة الدهشة.. أن الخادم يحب سيدته.. وأنه وراء أغلب هذه الأحداث وأنه هو من ورط الفتاة الفقيرة ودعمها في اتهامها.. وهو من سرق الطفلة..» وأن كل ذلك يعود إلي حب مستحيل كان يغمره في قلبه لسيدته التي يخدمها.

كما نري.. شخصيات كثيرة.. وعقدا مختلفة.. وأحداثا لا منطقية.. ومفاجآت محسوبة واختلالا دراميا هز أركان الفيلم كله.. ولم يستطع المخرج الشاب أن يجمع الشظايا المتناثرة. والتي اصابته هو نفسه بأكثر الجراح خطورة.

والباعث علي الحسرة في هذا كله هو اعتماد المخرج علي مجموعة من الممثلين القادرين الذين نعدهم بحرارة ليكونوا نجوم المستقبل بلا منازع.

خالد ابوالنجا.. الذي ابتدأ يسيء إلي نفسه وإلي موهبته كثيرا بظهوره المتكرر في أغلب الأفلام التي نراها.. والتي تجعلنا عاجزين عن تلمس حسه التمثيلي الخاص فهو ممثل موهوب ما في ذلك من شك.. ولكن ان نراه علي مدار الموسم دون ملل أو كلل.. فهذا أمر (يحطم) أي ممثل شاب يرغب تأكيد مكانته لدي جمهور يجب أن يفتقده وان يبحث عنه لا أن يراه في وقت واحد في ثلاثة أفلام تعرض في نفس الفترة (شقة مصر الجديدة) و(مفيش غير كده) و(كشف حساب) إلي جانب أفلام أخري علي الطريق..(!!).

إني أشعر بالخوف والأسي علي مستقبل ممثل شاب يملك كل الامكانيات التي تجعل منه نجما استثنائيا في سينمانا والتي يهدرها دون تفكير ودون حساب.

كذلك الأمر بمحمود عبدالمغني الذي كنا نعتقد بعد دوره في (دم الغزال) أنه الوارث الوحيد لأدوار أحمد زكي في شجنه العميق ووجهه الشاحب الشديد المصرية.. وعمق انفعاله النفسي والذي بدا لنا في (كشف حساب) بمبالغاته الدرامية.. وبوجهه الشمعي بعيدا جدا عما ألفناه وعما توقعناه منه.. رغم أهمية الدور الذي يلعبه.. والذي افلتت منه خيوطه في أغلب مشاهده.

كذلك ألا يري أحمد سعيد عبدالغني.. الذي عقدنا عليه كثيرا من الآمال في فيلم ضعيف هو (كود 36) والذي كان العنصر التمثيلي الوحيد فيه. ولكنه أيضا تركنا علي جوعنا وتساؤلنا في دور بات فيه التصنع والتكلف إلي درجة لا تطاق.

في هذا الخضم المتلاطم الأمواج.. الذي كاد عن يغرق جميع العاملين فيه.. نحيي فقط (بسمة) في أدائها الهاديء البعيد عن الافتعال وفي ثورتها الداخلية المكبوتة التي عرفت كيف تعبر عنها وكيف تعطي الدور الذي تلعبه درجة كبيرة من الاقناع والمشاركة. خصوصا في مشهد لقائها علي سطح القلعة الأثرية.. بالشاب الذي تتهمه ظلما باغتصابها.. مشهد يضاف إلي رصيد هذه الممثلة الشابة التي تخطو نحو القمة بخطوات واثقة مكتملة.

كذلك «راندا البحيري» التي قفزت في واحدة من أدوار مساعدة لا عمق فيها إلي دور يتطلب جهدا تمثيليا حقيقيا أدته الفنانة الشابة باقتدار يلفت النظر والاعجاب معا.

بقي دور «أمير رمسيس».. الذي اصبح دورا حائرا يثير تساؤلنا حول الاتجاه الذي سيسير عليه لاحقا هذا المخرج الشاب الذي توافرت لديه كل امكانيات المخرج الناجح والذي ينتظر منه الكثير. والتي راح يهدرها دون حساب وبلا مبالاة تثير العجب والاستغراب.

(كشف حساب) هو حقا فيلم يحمل كشفا لحساب كل العاملين فيه.. كشف مليء بالايجابيات والسلبيات.. ولكن نتيجته النهائية مازالت مبهمة بانتظار أحداث أخري قد تزيده إشراقا أو تدفع به إلي كلمة قاسية لا نتمناها له.. ولهم جميعا.

جريدة القاهرة في 10 أبريل 2007