ضوء ... البحث عن البطل عدنان مدانات |
صفحات خاصة
|
في الصورة على الشاشة فتيان مبعثرون في ساحة داخلية فسيحة مسيجة. انهم فتيان عاديون.. لا يميزهم شيء على الإطلاق، أشكالهم لا تلفت انتباه أحد، أما المكان فهو حلبة ملحقة بمدرسة خاصة لتعليم الفتيان الرياضة الشعبية الأسبانية المعروفة، أي مصارعة الثيران، والمشهد برمته جزء من فيلم سينمائي. الفتيان ليسوا بعد مصارعين وليسوا أبطالا بل هم مجرد تلاميذ طموحين وحالمين، يتدربون فرادي ومثنى وجماعات، يتدربون بوسائل بدائية: يمسك أحدهم بين يديه ما يشبه قرني الثور ويتحرك أمام زميله الذي يحمل الرداء الأحمر التقليدي ويتعلم كيف يلوح به في وجه الثور، يمسك آخر سيفا خشبيا ويطعن قطعة جلد معلقة على خشبه وكأنه يطعن ثورا.. وهكذا دواليك. تمر الخمس دقائق الأولى من الفيلم.. وتليها خمس دقائق ثانية، ثم ثالثة.. والجمهور يراقب وينظر ويحاول أن يحزر أي من أولئك الفتيان سيكون البطل.. بطل الفيلم، المصارع الذي سيتحفنا بمهارته وسيبهرنا بشجاعته وسيجعلنا نتعاطف معه ونتابع أحداث الفيلم من خلال مغامراته. تستمر بكرة الفيلم بالدوران ويمضي الوقت ويمضي، والمخرج لا يسعف الجمهور المتحفز المتشوق ولو بإشارة تدله على من سيكون البطل. بعد منتصف الفيلم بقليل يصل إلى المدرسة، ليلا، فتى نحيل الجسم يحمل حقيبة قماش صغيرة فوق ظهره. وها هو يقف وحيدا في العتمة وسط الساحة الفارغة وينظر حوله في كل الاتجاهات. ويتنفس الجمهور الصعداء. إذن هذا هو البطل قد جاء أخيرا انظروا إليه: انه يقف وحيدا وسط الساحة منفرج الساقين ونظراته الثاقبة تخترق عتمة الليل. راقبوا الحقيبة البسيطة فوق كتفه إنها على الأغلب خفيفة لا تحتوي إلا على القليل من المتاع. أليس الأبطال هكذا عادة.. يسيرون خفافا ووحيدين ؟ يقرع الفتى باب المدرسة حيث يقطن التلاميذ فيفتحون له الباب ويستضيفونه بعدها يتبين لهم انه شاب فقير وجائع هاجر من قريته وجاء يبحث عن ملاذ وفرصة في هذه المدرسة تتيح له إمكانية تعلم مهنة مصارعة الثيران واحترافها. وهنا يشعر الجمهور بالاطمئنان فهذه بداية طيبة لقصة عن بطل من منشأ فقير دفعه طموحه لترك قريته البائسة وستدفعه مثابرته الأكيدة إلى ارتقاء سلم المجد. يعطف مدير المدرسة على الفتى ويقبله ين صفوف التلاميذ وهكذا يشرع في التدرب إلى جانب زملائه غير أن الزمن يمر دون أن يبدر منه ما يشي بتميزه أو ما يوحي بأنه سيحقق الرجاء ويصبح بطلا ويبدأ الجمهور بالقلق يراوده شعور متزايد بخيبة الأمل. ولكن مهلا، فها هو المخرج يعرض مشهدا فيه تدريب على طعن الثور ويفشل جميع التلاميذ في توجيه الطعنة الصحيحة وهنا يحين دور الفتى... البطل المرتجى. وتنتعش آمال الجمهور ومن جديد تدغدغ صورته كبطل الأحلام والآمال التي كادت تخبو وها هو يتخذ الوضعية الملائمة.. يقف منتصب القامة مرفوع الرأس بأباء ويده خلف ظهره فيما الأخرى تشهر السيف، يقف كما يليق بأي مصارع محترف. وها هو يتقرب ويبدأ بثقة، عيناه شاخصتان إلى الأمام بإصرار وقدماه تتحركان بجزم وها هو يقترب من الهدف ثم يوجه طعنته ولكن.. يا للأسف جاءت طعنته ضعيفة وغير صحيحة. وتمضي أحداث الفيلم وتكاد تقترب من النهاية والبطل المرتجى لا يصبح بطلا، غير أن الجمهور لا ييأس فربما ثمة متسع من الوقت، ربما سيصبح الفتى بطلا في نهاية الفيلم بعد التخرج من المدرسة. من المؤكد أن المخرج يحضر لنا مفاجأة إذ لا يوجد فيلم بلا أبطال. وتبقى في نفوس الجمهور بارقة أمل وتلوح الفرصة للتأكد من هذا الأمل الجديد قبيل نهاية الفيلم بقليل عندما تقر إدارة المدرسة إجراء عرض تجريبي يصارع فيه التلاميذ لأول مرة ثورا حقيقيا. والآن، ينتظر الجمهور أن يستغل الفتى الفرصة ويكشف عن مهارته ويثبت بطولته فهو الآن أمام الامتحان الحقيقي غير أن الفتى يخيب أمل الجمهور مرة أخرى. فهو بعد أن خاض التجربة وذاق رهبة المخاطرة وتعرف إلى مشاعر الخوف الحقيقية قرر أن يتوقف عن التعلم وان يترك المدرسة وأن يتخلى عن حلم ومهنة المصارعة ومجد البطولة والشهرة وفيما يقوم زملاؤه بتوديعه يتفحص الجمهور التلاميذ الباقين بحثا عن سمات بطولة في أحدهم لم يلحظها أحد قبل ذلك، مثلما لم يلحظ أحد من الجمهور أن ثمة قصصاً مؤثرة ترتبط بعدد من شخصيات الفيلم خارج نطاق أفعال البطولة وهي على الأغلب كانت الهدف من وراء إنتاج الفيلم. الخليج الإماراتية في 8 أبريل 2007
|