سينماتك

 

دراما المبدع والمخبر في فيلم حياة الآخرين

محمد الأمين

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

يمكن اعتبار فيلم" حياة الاخرين" الحاصل على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2007، اضافة الى جوائز معتبرة اخرى كجائزة افضل فيلم اوربي للعام 2006، واحدا من أهم الأفلام التي تفضح الانتهاكات التي مورست ضد المواطنين في جمهورية المانيا الديمقراطية "سابقا"،وان كان الاخراج تقليديا ومألوفا الا ان نقطة قوة الفيلم التي بؤته مكانة هامة في السينما الالمانية تكمن في السيناريو الذي ألفه المخرج فلوریان سمارک وقد اتصف بدراما ذات طابع اجتماعي وسياسي وجنائي في آن مما جعلها مؤثرة في فضح الممارسات القمعية وانتهاک حرية الأفراد والاعتداء على فضائهم الشخصي.

تبدأ حكاية الفيلم مع المهمة التي تناط بالمخبر ويسلر من قبل مسؤوله في جهاز الأمن لمراقبة الكاتب المسرحي جورج دريمان والتجسس عليه من خلال اجهزة تنصت نصبت في جميع زوايا المنزل،بتهمة السلوك الغامض والمريب فهو يبدو متآمرا ضد سياسة الدولة حسب وزير الثقافة السلطوي الذي يخفي دافعا شخصيا يتعلق بمحاولاته في اقامة علاقة جنسية مع الممثلة كريستا والتي ترتبط بعلاقة عاطفية مع دريمان.

واذا كان ويسلر مواظبا في اداء مهمته بدقة وانضباط تامين، الا أنه و مع مرور الوقت يتعاطف مع الضحية ويصل التعاطف الى اقدامه على المجازفة بمهنته وحياته من اجل انقاذ كريستا ماري، وربما كان المشهد الذي يجمع ويسلر وكريستا في مقهى عام في ساعة متاخرة من الليل واحدا من أكثر المشاهد تعبيرا عن المشاعر الانسانية التي تتخطى املاءات الاديولوجيا والتزامات الوظيفة فحرص ويسلر على استمرار العلاقة العاطفية بين كريستا ودريمان تدفعه للحضور الى المقهى الذي سترتاده كريستا مؤقتا في طريقها نحو وحثها على الغاء الموعد من خلال اعادة الثقة بالنفس اليها،وبقول اخر ان العلاقة المعقدة والشائكة بين الشخصيات المحورية وليس الحوادث هي التي تمنح الفيلم رونقا وحيوية يجعلان المشاهد يتابع بشغف واهتمام مصائر الشخصيات والعلاقات في نظام سياسي يجعل من الأفراد جميعهم ضحايا.

بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وسقوط جدار برلين وعلى هامش احدى العروض المسرحية يسأل دريمان وزير الثقافة السابق عن السبب الذي حال دون ان ينصتوا اليه ولو لمرة واحدة، ويأتي الجواب مدهشا وصاعقا "لقد كنت مراقبا طوال الوقت،نحن حتى بعجزك عن ارضاء كريستا جنسيا"،ربما اراد المثقف السلطوي ان يقدم دليلا لدريمان بلاجدوى الحوار والانصات في نظام لايعترف بالخصوصية الشخصية ويجيز لنفسه ممارسةأبشع الفظائع في قرن الاديولوجيات البائسة، ولكن المثال الوارد في هذا الحوار القصير يشير الى بعد آخر،فاذا كان دريمان من منطلق السلطة يعاني من عجز جنسي،لكنه الفاعل الاكثر حيوية وانتاجا في مجال الابداع وهو الوحيد القادر على قول كلمته في مجتمع يطالب اعضاءه بترديد شعارات على الطريقة الببغاوية، يبدو دريمان في اغلب مشاهد الفيلم شخصية سوية،متفاعلة مع الحياة ومحبة لها، حتى معالجاته لمشكلة حرية التعبير ومواجهته للسلطة تتم بطريقة غير موتورة على غرار رفاقه الناقمين على النظام التوليتاري، وربما لهذا السبب تحظى مؤلفاته المسرحية والروائية باهتمام جمهور عريض من القراء الالمان، أو للسبب ذاته نلاحظه في الفيلم الاقل توترا بالمقارنة مع الاخرين حيث ملامح الرعب تبدو جلية على وجوههم.

في مراجعة ارشيف ضخم هو حصيلة تنصت جهاز الأمن السري عليه،ومن خلال بصمة دامية للمخبر تشير الى اللحظة لتي أصيب فيها درايمان بجرح بسيط في اصبعه، يكتشف درايمان انه مدين لمخبر جازف بحياته من اجله ومن اجل كريستا واستطاع ان يخفي الطابعة الصغيرة التي كتب بها تقريرا عن انتحار زميله المسرحي ونشره في مجلة شبيغل الصادرة في المانيا الغربية مما اثار غضب السلطة واستنفار اجهزتها البوليسية لالقاء القبض عليه، لقد أبعد وايسلر الشبهات عن درايمان وأخفى الطابعةبعد ان اعترفت كريستا تحت الضغط النفسي في فترة اعتقال قصيرة بمكانها،وهو اعتراف دفعها للانتحار بالارتطام بحافلة،وقد أراد دريمان أن يرد الجميل لرجل طيب نقذ حياته وحياة زملائه،فبعدتقصي عنوانه، يراه من على بعد مسافة منهمكا في وظيفته الجديدة كساع للبريد، يفضل دريمان العودة والسعي الى رد الجميل عبر علاقة غير مباشرة على غرار العلاقة الانسانية التي جمعته بويسلر، لذا نرى في المشهد الأخير ويسلر يدفع عربة البريد في شارع عام وقد استوقفته الرواية الجديدة لدريمان سمفونية الناس الطيبيبن، يدخل ويسلر في متجر كارل ماركس لبيع الكتب، ويكتشف ان دريمان قد خصة في الاهداء، يبتاع نسخة، وردا على سؤال البائع ان كان عليه ان يغلفه بورق الهدايا يجيب : "لا داعي،انه لي ".

مع فيلم حياة الأخرين تكون السينما الالمانية قد قدمت رواية معبرة لفترة مظلمة شهدت اكثر افظائع بشاعة في القرن العشرين، وهي في الآن ذاته أنجزت فيلما اخر ساهم في تألق منجزها في السنوات القليلة الاخيرة على الصعيد العالمي.

alamin8@yahoo.fr

موقع "إيلاف" في 7 أبريل 2007