محاولات حثيثة لتطويع فن الخشبة للفن السابع اضاءات ... جدلية الشكل والتكوين بين المسرح والسينما د. حميد صابر* |
صفحات خاصة
|
رغم مرور عقدين ومائة سنة على ظهور الفن السابع (السينما)، إلا أن جدلية الشكل والتكوين لا تزال قائمة بينها وبين المسرح، فالمسرح الذي ظل ولقرون عديدة يتقدم الفنون والأدب باعتباره الجنس الوحيد الذي استطاع تحويل مادته المكتوبة الى مشاهد تمثيلية، أعاد صياغة الوقائع والأحداث التاريخية والاجتماعية في قالب درامي، كما قيض له أن يقود الفنون الجميلة (الرسم والنحت) لتصبح فنوناً ملحقة ومكملة. إن ذلك التاريخ رغم توهجه بدأ يخبو بعد ظهور السينما ومحاولاتها الجادة لتأصيل وجودها كفن سابع له خواصه وفلسفته ومنظوراته الجمالية والفكرية. ومع تنامي الفن الجديد ظهرت محاولات جادة من دعاة المسرح ورواده، للإبقاء على شكل وتكوين المسرح وإيقاف انجراره وراء السينما باعتبار السينما فناً مستقلاً لا رابط بينه وبين التقاليد المسرحية الأصيلة، وكان من الطبيعي ان تظهر محاولات عملية من المسرحيين الذين تأثروا بالسينما. وأولى المحاولات بدأت من المخرج المسرحي روبيرت هودان، وميليه من أجل دفع السينما الى طريقها المسرحي المشهدي وقد أخفقت التجربة فلم تتمكن من خلق الامتزاج. في عام 1900 حاول، كليمان مورس، خلق مبادرة رائدة بالدخول الى عالم وليم شكسبير، الصعب عندما دفع بمسرحية “هاملت” الى السينما مستغلاً الفنانة سارة برنارد وهي تقوم بدور هاملت، وخاصة المشهد الأخير والعنيف الذي يمثل ذروة النص خلال تغطيته للدراما الشكسبيرية، التراجيدية والدموية، إلا أن النص فشل فلم يخرج عن كونه عملاً مسرحياً مسجلاً للسينما، بعده قام المخرج مير كانتون باخراج مسرحية الملكة اليزابيث لاميل موروا بعد ان استهوته الميلودراما التي مثلتها الأسطورة، ولم يكن أمام كانتون لتلافي تلك المشكلة إلا إدخال عدد من الحركات الإيمائية، البانتومايم. ثم استمر المخرجون السينمائيون في محاولاتهم لتطويع المسرح فدفعوا بمسرحيات “روميو وجولييت وريتشارد الثالث وماكبث من اخراج امبروزيو والملك لير من إخراج لويجي ماجي و”هاملت” من اخراج لورنس اوليفيه، و”انطوني وكليوباترا” من اخراج غبريال باسكال، و”عطيل” من اخراج اوريسون ويلز، و”ترويض النمرة” من إخراج سام تايلر، إلا أنها فشلت فلم تستطيع الانسلاخ عن المسرح كما ظل النقاد يلاحظون في الأفلام المطروحة نمطاً من الإخراج وتغرباً في المكان ظهرا أكثر نضوجاً ووضوحاً في “عرس الدم” - ماكبث، لكيروساوا وهاملت لبوندار تشوك وروميو وجولييت لزيفريللي. إن فشل تلك الأفلام وباستثناء الثلاثة الأخيرة يرجع الى تقديمها قصة على طريقة المسرحية الأصيلة أي أنها لا تختلف عن طريقة نقل الصورة الفوتوغرافية للمسرحية. ومع أن المسرحي مسموح له بقدر من التجاوز الشعري عندما يتناول في عمله شخصية تاريخية مثل “كليوباترا” أو “جان دارك”، ولكي تنجح المسرحية في إعدادها للسينما، فلا بد لها من التنازل عن وحدتها المميزة خلال توسعها باتجاه الضخامة الملحمية، وهو اتجاه يجعل المسرحية مشابهة للقالب الروائي بسبب زيادة عدد المشاهد وتنوعها. الزمن المسرحي والزمن السينمائي إن الأفلام السينمائية في حقيقتها ليست تسجيلاً للمسرحيات، لأن وحدة البناء الرئيسية في المسرح تتجدد بالمشهد، وبكمية الزمن الدرامي الذي ينصرم خلاله ليوازي تقريباً طول الزمن الذي يستغرقه الاداء اذا ما طال عرض المسرحية، إلا أنها تبقى حبيسة الستارة والمكان، ورغم تفاوت طبيعة المسرحيات التي تقدم في الهواء الطلق كما هي في العروض الدينية الخاصة، مثل “بن غور والمسرح”. يقول فنسنت كانبي “إن كل كتّاب المسرح الجادين يلتزمون بخلق نوع من الأدب المسرحي القائم بذاته والذي لايمكن تحويله الى السينما من دون تغير الفن الخاص بالعمل الأصلي”. إن “كانبي” يبدو لنا غير عملي من جانب واحد هو التكوين الذي يقوم عليه “الاداء التمثيلي والإلقاء”، وهما من القواعد الثابتة فيه، إلا أن التغيرات الواقعة على مسرح الصورة قد جعلت من الممكن تجاوزها لاعتماد المسرح اليوم على الحركة والصورة، وهو ما طغى الآن على مسرح مادلين رينو وبايروث والمسارح البولونية، اذ تبدو الأعمال المسرحية مثل “اصطياد الشمس” لشافيز، و”راشامون والعذراء والموت”، أكثر اقتراباً من السينما في حين تظل السينما بعيدة من ان تكون فناً ملحقاً بالمسرح، لأن لها فلسفتها الجمالية وادواتها وللمخرج فيها فلسفته واخراجه ورؤيته. أما لماذا يبقى تحويل المسرح الى السينما قاصراً، فهو بسبب اسلوب العرض وقصور الرؤية التخيلية في الصورة، وهو ما يجعل فشل الفيلم السينمائي محتملاً، لأن المتفرج وحتى العادي لا يمكن له الاستمرار من دون حركة. فالسينما لا تنفي ما استحصلت عليه واستفادته من المسرح، إلا أنها لا يمكن ان تكون فناً تكميلياً لأن للمسرح خواصه ولغته، فالسينما ليست في كل دقائق صفاتها فناً درامياً لأنها تشبه الموسيقا والرقص ولأن نسبة ما فيها من الدراما لا تفوق ما في الرواية من دراما وإلا من يفكر بما في روايات ديستويفسكي واندريه مالرو وبلزاك من روح درامية وإلا كيف فشلت بعض مسرحيات (كورني - وارسين) عندما تحولت الى أفلام رديئة؟ مجددون سينمائيون أما المجددون السينمائيون الذين أشار إليهم أوزفيك بدءاً من جريفت وحتى انجمار برجمان، فلم يحاولوا تقليد المسرح، وإنما حاولوا التوصل الى ما يستطيع المسرح القيام به في حين رفض دوهاميل وبرناردشو (السينما كوجود) أما اندريه بازان، فاعتبر السينما شأنها شأن الشعر لا يمكن اعتبارها عنصراً منفرداً أو معزولاً، وإنما بالامكان جمعه على شريط واحد. إن الأفلام السينمائية بتأكيدها على الحركة والصورة، تتفوق في مسألة خلق واقع بصري بشكل واقعي، بينما المسرح الذي تكمن قوته في عالم التفكير والتأمل يخلق واقعاً متخيلاً بشكل مجازي، فالسينما كما ترى جيانا كاريس ليست حصراً أداة بصرية ولا المسرح أداة كلامية لأن السينما مثل المسرح توجه الى لغة الحوار أهمية أقل مما توجهه الرواية، أما الحوار الجوهري الذي يجري في إطار مشهد محدد فهو موضوع لا يمكن وضع قواعد عامة له، لأنه ذو بُعد درامي ينفصل فجأة عن كل شيء. الكون والحرية والحركة التمثيلية هنا لا تخدم الحوار لأنها تكرر ما يقوله كاتب المسرحية ،لأن التمثيل المنظور عليه ان يقدم الموضوع بطريقة غير ميسورة للأدب، فيتحقق هنا واحد من الشروط اللازمة لربط الوسائل، وكما يفعل المسرحي يفعل السينمائي، فهو يرتب الأشياء ضمن فراغ محدد ثلاثي الأبعاد ما أن يتم حتى يتحول الى صورة ذات بُعدين، لأن الفراغ في السينما ليس ما يشغله جمهور المتفرجين. إن لغة المقارنة غير المتناهية لا يمكنها تحديد الخواص المشتركة في السينما والمسرح، لأن المسرح بسبب الحوار والبطء ووجود الممثلين، أقدر على التعبير من العواطف والأفكار في وقت تعتمد السينما في تعبيراتها على المشاعر المحسوسة مثل حركة الأصابع وارتعاشات الوجه، مثلما ظهرت ليليان جيش في فيلم “التعصب” أول بواكير السينما الصامتة. * شارك في أيام الشارقة المسرحية (الدورة 17) الخليج الإماراتية في 7 أبريل 2007
|