سينماتك

 

"طريق البطيخ" يحصد ذهب "تطوان السينمائي"

حميد الأبيض

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

لم تخرج السينما العربية خاوية الوفاض من الدورة الـ13 من المهرجان الدولي لسينما حوض البحر الأبيض المتوسط التي احتضنتها مدينة تطوان شمال المغرب (24 إلى 30 مارس)، بل استحوذت على نسبة مهمة من الجوائز.

ورغم عدم تتويج السينما المصرية فإن نظيرتها السورية والتونسية والمغربية حضرت بقوة، وتوجت في مختلف فئات مسابقات المهرجان.

ورأى متتبعون في حجم الجوائز المحصودة عربيا، "انتفاضة" وقفزة نوعية أمام قوة سينما باقي الدول المتوسطية المشاركة، خاصة اليونانية والإيطالية والأسبانية منها، كما وصفوا نصيب الأفلام المغربية من مجموع الجوائز -التي بلغت قيمتها الإجمالية 265 ألف درهم موزعة بين الأفلام الطويلة والقصيرة والوثائقية- بـ"الهزيل" وهي التي لم تتوج سوى مرتين برغم مشاركاتها المكثفة.

تتويج بلغة الضاد

"آخر فيلم" للمخرج التونسي "نوري بوزيد"، وهو العمل العربي الوحيد المتوج في مسابقة الأفلام الطويلة فاز بجائزة "محمد الركاب" (جائزة خاصة للجنة التحكيم، 40 ألف درهم)، وذلك رغم المشاركة الفعالة لفيلم "45 يوم" للمصري أحمد يسري، و"علاقات عامة" للسوري "سمير ذكري"، والفيلمين المغربيين "لعبة الحب" و"ملائكة الشيطان".

ويختصر "آخر فيلم" مراحل بحث "بختة" الشاب الراقص، عن مكان يزاول فيه عمله وفرقته بعد تخليه عن حلم الهجرة إلى أوروبا بسبب الحرب في العراق، إلى أن يجد نفسه متورطا مع "مجموعة متطرفة" إثر فراره بعد صراع طويل مع الشرطة، ومن ثم رفضه الاستمرار في لعب دور "المتطرف".

وكان التتويج والمشاركة في مسابقتي الأفلام الوثائقية (8 أعمال عربية من أصل 9 مشاركين)، عربيا بامتياز حيث عادت الجائزة الكبرى للشريط السوري "أنا التي أحمل الأزهار إلى قبرها" لهالة عبد الله وعمار البيك، فيما توج "مراد بوسيف" المخرج المغربي الشاب المقيم ببلجيكا بجائزة التقدير للجنة التحكيم عن فيلمه "لون التضحية".

ويمنح فيلم "لون التضحية" الكلمة لأولئك المغاربة الذين جندوا قصرا ولعبوا دورا كبيرا في الحرب العالمية الثانية وتحرير فرنسا. وتنقل تجربة الفيلم السوري "أنا التي أحمل الأزهار" المتوج المشاهد في لقاءات ومسارات على طرق سوريا حيث التيه بين السجن والمنفى والماضي والحاضر والحب والموت.

وكان التتويج العربي في الأفلام القصيرة من نصيب فيلم "الحساب" لمخرجه المغربي "محمد بن إبراهيم" الفائز بجائزة الإبداع من بين 17 شريطا مشاركا في المسابقة. ويسرد قصة عثور شاب مفلس على ورقة نقدية تحت عجلة سيارة لا يجد طريقة لصرفها غير الجلوس في المقهى.

طريق البطيخ

حصد الفيلم الكرواتي "طريق البطيخ" لمخرجه "برانكو شميت"، جائزتين من جوائز مهرجان تطوان حيث فاز بالجائزة الكبرى (70 ألف درهم)، في حين حاز الممثل الكرواتي "كريسيمير ميكيك" على جائزة أحسن تشخيص عن دوره في هذا الفيلم (20 ألف درهم).

ويحكي "طريق البطيخ" (إنتاج 2006) حكاية قائد شرطة يدعى "ميركو" يخوض تجربة مع المافيا المحلية بعد أن يعبر وادي "سافا" إلى حدود البوسنة وكرواتيا في اتجاه الغرب، حيث ينقلب به يوما مركبه المحمل بمهاجرين صينيين، وهو الحادث الذي لا تنجو منه سوى امرأة واحدة يقرر إخفاءها وتكون سببا في تغيير جذري يطول حياته كلها.

وجاء تتويج هذا الفيلم الذي يستحضر أقوى اللحظات التي أعقبت اختطاف المرأة الصينية الناجية من الحادث من قبل المافيا لاعتبارها شاهدا، من بين 11 فيلما بمسابقة الأفلام الطويلة التي عرفت مشاركة 5 أشرطة عربية من تونس ومصر وسوريا والمغرب.

المهرجان كرم السينما الإيطالية بعرض 6 أفلام طويلة و9 قصيرة خارج المسابقة. ونوهت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، بالفيلم الإيطالي "الجزاء الأخير" لمخرجه "ماسيمو ماسيلوني"، وهو يحكي قصة عنف وفرصة للانتقام لثلاثة عقود من الوحشية والقمع في مبارزة ثنائية لحياة برمتها.

ذاكرة حلوة

على صعيد آخر اعتبر بعض النقاد السينما اليونانية أكثر حظا خلال هذا المهرجان بالنظر إلى حجم الجوائز التي حصدتها في مختلف المسابقات، وهي المتوجة في جائزة العمل الأول، وأحسن تشخيص نسائي، والجائزة الكبرى للأفلام القصيرة، أي ثلث الجوائز التسع المبرمجة.

ولم يكن غريبا أن يفوز الفيلم اليوناني "ذاكرة حلوة" لمخرجه "كرياسكوس كاتزوراكيس"، بجائزتي "عز الدين مدور للعمل الأول"، وأحسن دور نسائي الذي فازت به الممثلة اليونانية "كاتيا جيرو" (20 ألف درهم)، بالنظر إلى قيمة الإبداع فيه على مستوى التصوير والتشخيص والموضوع.

ويحكي الفيلم المنتج سنة 2005، عن "إرينا" التي تعود إلى اليونان للقاء أخيها بعد عقدين قضتهما بروسيا، غير أن تعرفها على عازف سكسوفون أمريكي ومواطن شاب آخر ووقوع بعض الأحداث الدرامية تكون سببا يدفعها إلى القيام بسفر داخلي نحو الاستيعاب وإعادة تأهيل الذات.

ولم يكن هذا التتويج الوحيد للسينما اليونانية، بل حاز الشريط القصير "مصور كريكالا" لمخرجه "فاسيليس كوسموبولوس" (12 دقيقة) المقتبس عن قصيدة شعرية لكريستوس برافوس، على الجائزة الكبرى لمدينة تطوان (35 ألف درهم).

وهو الشريط الذي تدور أحداثه عام 1923 بقرية "كريكالا" شمال اليونان حيث يفاجأ المصور المحلي في أثناء عودته إلى منزله، بزيارة لص وقاطع طرق شهير اختار مغادرة الجبل والاتجاه نحو المصور؛ لأخذ صور له برغم الوعد بمكافأة لكل من يقبض عليه.

ولم تتوج السينما الأسبانية إلا في مرة واحدة من خلال الشريط القصير "في الحفرة" (24 دقيقة) لمخرجه "دافيد مارتين دي لوس سانتوس" الحائز على جائزة محمد الركاب في هذه المسابقة، الذي يحكي قصة حيرة "لوسيا" التي تتوجها بالانتحار.

التاريخ والذاكرة

لامس المشاركون في ندوة "التاريخ والذاكرة والسينما" بالدرس والتحليل تجارب سينمائية مختلفة سارت في طريق إحياء ذاكرة وتاريخ حوض البحر المتوسط، انطلاقا من النبش في طريقة إخراج وتقديم الأفلام الوثائقية الكولونيالية الرسمية في محاولة لاستخلاص العبر من موضوعات السينما المتوسطية كـ"ذاكرة متخيلة فردية أو جماعية".

وأكدوا أن السينمائي المتوسطي الباحث في الحقيقة التاريخية للحوض جعل مما عرفته المنطقة من وقائع تاريخية كبرى أثرت على العالم بأسره كمعارك الاستقلال ببلدان المغرب العربي -مجالا خصبا وواسعا لحكاياته وإبداعاته، ومبررا مقنعا لمحاولة اقتراح والبحث عن حلول أسطورية للإشكالات الراهنة المطروحة وبلورتها في أعمال سينمائية.

وأشاروا إلى أن الحروب الأهلية والثورات والاغتيالات وسياسة التطهير العرقي وسنوات الرصاص، وكل مشهد قاتم يتناقض مع المتخيل الجماعي لمنطقة متبنية لقيم السلم والتعايش، كانت دوما مواضيع لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط كتعبير عن "الذاكرة المتوسطية وتأريخ لمرحلة معينة عاشت تجربتها المريرة شعوب المنطقة".

وأوضحوا في مداخلاتهم على هامش الندوة التي شارك فيها مبدعون يمثلون غنى البحر المتوسط وتنوعه من بينهم: "ساندرين ليمير" (فرنسا)، و"محمد بن صالح" (الجزائر)، و"كمال بن وناس" (تونس)، و"عبد الله العلوي المدغري" (المغرب)، أن تلك الحقائق كانت دوما خلفية لحكايات السينمائي المتوسطي وذريعة لاقتراح حلول أسطورية للإشكاليات الراهنة.

تميز واجتهاد

فتح مهرجان تطوان عينا متفحصة من خلال هذه الدورة على السينما الإيطالية الشابة، وسينما جزر الكناري والمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمارسيليا الفرنسية، سيرا على نفس الخطى التي سلكها منذ إحداثه عام 1985 من قبل جمعية "أصدقاء السينما"، للتميز عن باقي المهرجانات السينمائية المغربية، في أفق تحوله إلى فضاء حقيقي ومجال خصب لترويج السينما المغربية.

واستطاع من خلال الأفلام المبرمجة في إطار المسابقات الثلاث أو خارجها، إطلاع الحضور على جانبين من السينما المتوسطية؛ واحد يتشبع بالواقع المحلي المعاش، ويعبر عن تطلعات وتوترات وأساطير البحر المتوسط، والآخر يبني لكتابة سينمائية متغيرة من بلد إلى آخر ومن صناعة سينمائية إلى أخرى تدهش الجميع بقوتها؛ لكونها تضرب عرض الحائط كافة القوالب الجاهزة للتعبير السينمائي.

وأدرج المنظمون خلال هذا العام فقرة جديدة في المهرجان تعرض أفلام السينمائيين الشباب (طلاب أو خريجي مدارس عليا)، حيث فتحت الفرصة لعرض 4 تجارب لمدارس عليا للاتصال السمعي البصري ومهن الصورة بباريس ومدريد وبيروت وبولونيا.

وشكل تنظيم تدريبات مدرسية في إطار المهرجان لفائدة المدرسين والتلاميذ والطلبة، لحظة أساسية ضمن الفعاليات المقترحة بالنظر للتجربة المهنية للمؤطرين المنتمين لمختلف البلدان المتوسطية، ولحماس المستفيدين ورغبتهم في تطوير معارفهم المتعلقة بمجال الصورة المتحركة والثابتة والتزود بمهارات إستراتيجية؛ لتمثل المعاني والدلالات المبثوثة في مختلف الإبداعات السينمائية.

بقي أن نقول: إنه برغم أهمية وحجم اجتهاد المنظمين لتطوير المهرجان، فلا يمكن نكران وجود بعض الهفوات التنظيمية -خاصة في حفلي الافتتاح والاختتام- التي تركت المجال واسعا لنسج إشاعات سرت بشكل كبير بين المشاركين إلى حد أثار التخوف والقلق في صفوف بعضهم، من قبيل "مشاركة إسرائيل، واستهداف المهرجان بتهديدات إرهابية".

صحفي وناقد فني مغربي.

إسلام أنلاين في 2 أبريل 2007