سينماتك

 

كتاب جديد للفنان يوسف العاني يجيب عن السؤال:

لماذا لم يتحقق حضور للسينما العراقية؟

بغداد - ماجد السامرائي

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

في وقت كان فيه الفنان يوسف العاني يحتفل بعيد ميلاده الثمانين بعيداً من بغداد (في دمشق)، كان اصدقاؤه، ومحبوه، ومقدرو فنه يحتفلون به على نحو آخر في بغداد: بإصدار كتاب جديد له بعنوان: «السينما: صفحات بين الظلام والضوء»، استعاد فيه هو، واستعادوا هم معه ومن خلاله صفحات مشرقة في هذا الفن الذي ترافقت علاقته به مع ترافق جهده الفني فيه: كاتباً، وممثلاً قديراً، ليكون يوسف العاني السينمائي صنو يوسف العاني المسرحي: مؤلفاً وممثلاً.

ويأتي هذا الكتاب (الصادر عن دار الشؤون الثقافية) ليؤرخ، ليس فقط لمسار الانتاج والعمل السينمائي في العراق (وقد وضعه بين الظلام والضوء)، وانما ايضاً، لمسيرة العاني السينمائية: عاملاً في هذا الحقل، ومشاهداً له ملاحظاته وآراؤه النقدية في ما يشاهد، وقد صار له - كما يقول - موقع في هذا الفن «منذ اكثر من خمسين سنة: متابعاً ومشاهداً وناقداً ومشاركاً وعاملاً ومسجلاً لحالات كثيرة تجمعت» عنده «رأياً وتجربة ووجهة نظر» شاء ان يكون كتابه هذا جامعاً لخلاصاتها التي تمثل – كما يشير- حالات مر بها تجربة، وملاحظات تلقي ضوءاً هنا، وآخر هناك... متابعاً الجانب التاريخي لنشأة هذه السينما (العراقية) وتطوراتها.

ولعل ما بدأ به يوسف العاني من تحر عن «البداية الحقيقية للسينما العراقية» يكشف عن تاريخ شبه مجهول بالنسبة الى الكثيرين، حتى الى العاملين في هذا الحقل... محدداً تلك البداية بالعام 1946 بفيلم «اإبن الشرق»، ومنه الى أفلام أخرى تلت، مثل «القاهرة – بغداد»، لافتاً الى أنهما من الأفلام التي أُنتجت في القاهرة، بممثلين ومخرجين معظمهم من العراقيين – وصولاً الى العام 1948 الذي يحدد به ما يعرف بـ «الميلاد الحقيقي للسينما العراقية»، حيث أُسس «استوديو بغداد»، ومن ثم انتاج فيلم «عليا وعصام» (1949) الذي وإن أخذ عليه «صيغته المصرية» إلاّ أنه يبقى أول فيلم عراقي: كاتباً، وموضوعاً، وأحداثاً، تدور على أرض عراقية... كما أن الممثلين والممثلات فيه كانوا جميعاً من العراقيين، وتحديداً من رواد المسرح العراقي – بحسب تأكيد العاني – وكذلك «الكادر الفني»... عاداً «الأفلام التي سبقت هذا الفيلم» خليطاً لا يصح أن يعدّ عراقياً بهذا المعيار. وكان طموحه، وطموح نفر من زملائه الفنانين، يتجه نحو وضع إطار وصيغة جديدين للسينما التي يسعون الى تأسيسها في بلدهم. والتاريخ الذي يسجله العاني لهذا «الأمل – الطموح» يكشف عن تجربة فريدة، بالنسبة الى جيله، في «الرؤية» و «العمل»، والتي كان البداية فيها فيلم «من المسؤول؟» الذي أخرجه العام 1957 الفنان عبدالجبار ولي... ثم فيلم «سعيد أفندي» (1958) الذي كتب معالجته السينمائية والحوار، وأدى دور البطولة فيه الفنان العاني نفسه... أما مخرجه فهو «كامران حسني» الذي اصدر، في تلك الآونة، مجلة «السينما» لتكون أول مجلة عراقية تُعنى بشؤون السينما وقضاياها، إذ تولت التعريف بالاتجاهات الجديدة في السينما، كما ألقت الأضواء على عديد التجارب والشخصيات السينمائية من مناطق مختلفة من العالم، معرّفة بها، وكاشفة عما يتميز به كل اتجاه أو شخصية في المجال السينمائي – وكانت الغاية الأبعد من وراء ذلك هي: إيجاد ثقافة سينمائية يمكن أن تساعد في خلق وسط ثقافي – سينمائي في العراق، ليس في مستوى المشاهدة فقط، وإنما في مجالات العمل السينمائي.

نقلة نوعية

وكانت تجربة إنتاج فيلم «سعيد افندي» بالنسبة الى الفنان يوسف العاني هي التجربة التي رسخت أقدامه في أرض هذا الفن، إذ يقرّ، هو نفسه، بأن «تجربة العمل فيه لم تكن بالسهلة». وفي ما يدوّنه من تفاصيل، مجهولة بالنسبة الى الكثيرين، عن عمله والآخرين معه في هذا الفيلم يسجل العاني صورة حية، وبالغة الأثر عن ذلك، فهي تمثل صورة الفنان الذي يسعى الى تشكيل عالمه الفني من خلال ما يقدم من عمل متميز، وبما يميزه فناناً. فإلى جانب مضمون الفيلم وتعبيره «عن مرارة عاشها الناس في تلك المرحلة، وعن مشاكل ما زال بعض منها قائماً حتى اليوم» – كما يؤكد العاني – كانت هناك «القيمة الفنية» للفيلم «في تجسيد الواقع والتعبير عنه»، وهو ما حقق له، يومها، نجاحاً كبيراً، فضلاً عن أنه كان «نقلة نوعية في الرؤية الى السينما» التي كان وجيله يحلمون بتحقيقها.

ويتابع العاني في فصول كتابه هذا مسار السينما العراقية ليتوقف عند انجازاتها، ويمرّ على عثراتها، ويرصد المعالم البارزة فيها.. بوعي نقدي بطبيعة هذه المسيرة، بكل ما اكتنفها من تداخلات، بعضها فني والآخر سياسي.. مقدماً لقارئه حقيقة المشكلات التي نستخلص منها الجواب عن ذلك السؤال المتكرر الذي طالما أثاره الفنانون والمثقفون عن أسباب عدم قيام سينما عراقية، بالمعنى الدقيق والحصري، على رغم أن بداياتها كانت مبكرة نسبياً، ومشجعة على الاستمرار؟ وهو جواب من عاش التجربة وعاناها بجميع تفاصيلها.

من بعد هذا، يدخل العاني، الفنان والناقد، في تفاصيل توجهات السينما العراقية، باحثاً في أصول «كوميديا الفيلم العراقي»، ومتابعاً تطورات هذا النوع من الأفلام بين بداية كانت العام 1949، ونهاية يقف بها عند العام 1992، يجد فيها «أفلاماً كوميدية تعلو على مستوى الفيلم الكوميدي المصري»، وإن أخذ على بعضها استغراقه في استرسال «وترهل يتجاوز المطلوب في السياق الدرامي».

ويسجل العاني، أيضاً، في كتابه هذا، بعض ما كان له وللرواد الأوائل في السينما العراقية ممن شكلوا «مجموعة مثقفة وحريصة على أن تكون للسينما العراقية أصالتها وخطواتها السليمة»، وهم الذين راحوا مجتمعين، كما يقول، يحفرون «في أرض عراقية»، مستعينين على ذلك بما اكتسبوه من خبرات من طريق دراساتهم، وتخصصاتهم، ومشاهداتهم... مقدماً، في السياق ذاته، رؤية نقدية لأبرز الأفلام العراقية – التي وصلت قبل سنتين الى الفيلم المئة.

في الإطار ذاته يكتب عن سينمائيين منسيين. ومتعة الكتابة عن مثل هذه الشخصيات – أو الجانب المثير في هذه الكتابة – أنه عايش تلك الشخصيات، وعرفها عن قرب، لذلك لم تكن كتابته عنها كتابة تقليدية.

إن الكتاب، في مجمل فصوله، بقدر ما هو كتاب نقدي، هو، أيضاً، كتاب تاريخي تسجيلي. ولعل أوضح ما جاء في هذا الجانب منه ما يمكن أن نعده تاريخاً للسينما: شخصياتها وافلامها... فضلاً عن جانب آخر مهم يمكن أن نستخلص منه «السيرة السينمائية» ليوسف العاني.

الحياة اللندنية في 6 أبريل 2007