عرض اول لفيلم جاك شاهين في مونتريال...
مونتريال (كندا) – علي حويلي |
صفحات خاصة
|
منذ نشأتها وصناعة السينما الأميركية في هوليوود تبدي بحسب آراء عدد من الباحثين تحيزاً ضد العرب والمسلمين و «تشوه تاريخهم» و «تسخر من ثقافتهم وعقائدهم» وتتعمد احتقارهم و «الحط من كرامتهم وآدميتهم» على خلفية «أحكام مسبقة تفتقر بمعظمها الى قدر كبير من الصدقية والموضوعية». والغريب ان إنتاج هوليوود المسيء للعرب لم يواجه بأي نقد جاد فني أو سينمائي أو فكري أو سياسي ما خلا محاولة هي الأولى من نوعها لجاك شاهين (أميركي لأبوين لبنانيين، 71 عاماً، درس مادة الإعلام في جامعة إلينوي وعمل مستشاراً لشؤون الشرق الأوسط في إذاعة «بي بي سي» البريطانية) الذي تصدى لأعتى إمبراطورية سينمائية في العالم، كاشفاً تزويرها وتحريفها لكثير من الحقائق التاريخية من خلال مشاهدته أكثر من ألف فيلم (صنف 12 منها بالمنصف و50 بالمعتدل والباقي بالمتحامل) استغرق تدقيقها وتوثيقها نحو ثلاثين سنة من الجهد الى ان تسنى له إصدارها عام 2001 في كتاب «العرب السيئون... كيف تشوه هوليوود شعباً؟»، وحوله أخيراً الى فيلم تسجيلي وثائقي تتكرر أحداثه منذ بداية القرن العشرين. حل جاك شاهين ضيفاً على مونتريال بدعوة من «الشبكة الدولية للأفلام السياسية الحرة». وعرض فيلمه في جامعة كونكورديا التي غصت بحضور اقتصر بمجمله على الفئات المثقفة من الكنديين ومن أبناء الجاليات العربية والإسلامية بينهم كتاب ومسرحيون وسينمائيون ومخرجون وسياسيون وزعماء أحزاب وإعلاميون وأساتذة وطلاب جامعيون علاوة على ممثلي بعض الهيئات الديبلوماسية. استغرق عرض الفيلم نحو خمسين دقيقة وتلاه مناقشة مستفيضة تمحورت في جانب منها حول دور الدعاية الهوليوودية المبرمجة والموجهة عن سابق تصور وتصميم، للنيل من كل ما له علاقة بتاريخ العرب وثقافتهم ماضياً وحاضراً. وفي جوانب أخرى على أهمية الرابط الفني والسياسي بين هوليوود وواشنطن كوجهين لمظهر واحد في عدائهما الأيديولوجي المشترك للقضايا العربية والاسلامية العادلة قبل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001 وبعدها. تضمن العرض مشاهد وصوراً من أفلام متنوعة كانت قد أنتجتها هوليوود على فترات زمنية مختلفة بينها الأفلام الصامتة والكرتون والأفلام الحديثة. إنما الصورة النمطية للعرب فيها كانت بحسب كتاب شاهين وفيلمه بجوهرها على درجة متشابهة من التحقير والتشويه والسخرية، علماً ان هذه الصورة كانت تتطور دائماً في شكل سلبي ومن سيئ الى أسوأ في كل مرحلة من تاريخهم القديم والحديث. وتتداعى المشاهد المسيئة واحدة تلو الأخرى، من قطاع طرق في عصر البداوة (لقطات من فيلم «أسير عند البدو») الى مجرمين وعنصريين كما في فيلم الصور المتحركة «علاء الدين» الذي يبدأ بأغنية «نحن قادمون من بلاد يقطعون فيها أذنك إذا لم يعجبنا وجهك» علماً ان ديزني سجلت الأغنية على اسطوانة (دي في دي). أما المفاصل الأساسية للعرض فتمحورت حول ثلاث محطات رئيسة: الصراع العربي- الاسرائيلي الذي احتل فيه الفلسطينيون حيزاً كبيراً يظهرون فيه جماعات محترفة بفنون خطف الطائرات وقتل المدنيين. وأزمة النفط في الستينات التي خلفت ثراء فاحشاً لدى بعض الأمراء والشيوخ واعتزازهم بكبريائهم وذكوريتهم أثناء تجوالهم في بعض العواصم الغربية وهم يجرون خلفهم سيدات يلفهن السواد، والثورة الإيرانية في آخر سبعينات القرن الفائت التي سلّطت أنظار العالم على المسلمين واتهامهم بارتكاب اعمال ارهابية لمجرد وقوعها في بلد غربي (تفجيرات أوكلاهوما في المسلسل 24 الاميركي). وانسحبت هذه الاتهامات أيضاً على العرب والمسلمين الأميركيين في مشاهد من فيلم «الخلايا النائمة» وهم يخططون لتدمير المصالح الاميركية الحيوية. يبدو من خلال تسويق هوليوود لتلك المشاهد والصور، وربما يوحي شاهين بذلك أيضاً، انها ترمي الى توجيه ثلاث رسائل سياسية: واحدة للتأثير في الرأي العام العالمي من خلال تكرار الصورة النمطية للعرب والمسلمين (الشبيهة بالصورة التي روج لها الأوروبيون والمستشرقون ردحاً طويلاً من الزمن) وتكريسها في ذاكرة الشعوب، وواحدة الى المسؤولين والمواطنين الأميركيين تحذرهم من ان نهاية أميركا ستكون على يد العرب والمسلمين إذا ما استهانت بأيديولوجيتهم المدمرة أو إذا ما تخلت عن نهجها العدواني لردعهم في عقر دارهم (مشهد من فيلم مطلوب حياً أو ميتاً)، وأخرى لتعميم حال الإحباط في أوساط العرب والمسلمين وإقناعهم بأنهم شعب متخلف يعيش خارج العصر والتطور وأمله بالتقدم والتحرر مرهون بخضوعه واستسلامه لمنظومة القيم والمثل والأفكار الغربية. أمام سبل التصدي لدعاية هوليوود «العدوانية» كما أوجزها شاهين في إحدى مداخلاته «سنواصل كشف الوجه العنصري لهوليوود وسنصل يوماً الى إرغامها على التخلي عن أحكامها المسبقة إزاء العرب والمسلمين على رغم ما فيهم من عيوب. فهم بالتالي كغيرهم من البشر يحبون الحياة ويعشقون الجمال ولهم أحلام وردية» مشيراً الى عشرات المخرجين الصاعدين والى سوق عربية إسلامية تزيد على بليون ونصف البليون. أما أبرز الانتقادات التي وجهت في نهاية العرض لمؤسسة هوليوود فجاءت على لسان جاك فالنتي رئيس «جمعية الفيلم السينمائي الأميركي» في تصريح مقتضب بالغ الدلالة لجريدة «لا برس» المونتريالية «ان هوليوود وواشنطن هما من جين ايديولوجي واحد». الحياة اللندنية في 6 أبريل 2007
|