حركة إنتاجية لافتة في الخليج منذ خمس سنوات نجومها مخرجون شباب
ريما المسمار |
صفحات خاصة
|
خلال انعقاد الدورة الاخيرة لمسابقة أفلام من الامارات، بدت الفرصة مؤاتية لتوجيه الأسئلة العالقة حول "السينما" الخليجية إلى أصحاب الشأن والفعل. فهناك في أبو ظبي اجتمع ما يزيد على ستين مخرجاً خليجياً من أجيال متفاوتة وعدد من الصحافيين والنقاد المتابعين للمسابقة وتالياً لحركة الانتاج الفيلمي في الخليج الرائجة منذ نحو خمس سنوات. مجموعة من المخرجين الشباب هم الكويتي عبد الله بوشهري والعماني مازن حبيب والاماراتيون وليد الشحي وهاني الشيباني ونواف الجناحي وعبد الله حسن أحمد يتحدثون عن السينما وطموحاتهم. بينما يوسع المخرج البحريني بسام الذوادي الصورة ويربطها ببدايات السينما الخليجية ويقوّم الناقدان اللبناني محمد رضا والمغربي مصطفى المسناوي الظاهرة ومستقبلها. *** بعد نيف ومئة عام على ولادة فن السينما، وجدت الصورة طريقها إلى الخليج. يطرح هذا الموضوع اشكالية الصورة والحاجة. هل فعلاً الصورة حاجة تعبيرية لا غنى عنها؟ واذا كانت كذلك، فكيف استطاعت مجتمعات كالمجتمعات الخليجية أن تحيا بدونها كل هذا الوقت؟ هل الصورة التلفزيونية بديل منها؟ خلّفت الولادة المتأخرة للافلام الخليجية حالة من الدهشة والاحتفال فاقت أحياناً الحالة نفسها. فبرزت مهرجانات دولية أفسحت لها المجال واسعاً. ولكنها ايضاً حالة جديرة بالرصد، مشرعة على التساؤلات. هل هي سينما خليجية أو افلام خليجية أو ظاهرة خليجية؟ قد تختلف التسميات ولكن النتيجة واحدة: لقد أصبح للخليج صورة تكرسها أفلام آخذة بالتراكم منذ نحو خمس سنوات. الحالة انطلقت من الامارات لتنتقل عدواها إلى باقي دول الخليج. البحرين والكويت وقطر والسعودية وسلطنة عمان واليمن كلها أصبحت على الخارطة السينمائية بأفلام متفاوتة الكم والنوع. تجارب فيلمية قصيرة روادها شباب وجدوا أنفسهم في عصر تحكمه الصورة ويشترط عليهم فهم لغتها كجواز سفر إلى حداثته. على أن تلك المواهب الشابة لم تنبت في صحراء قاحلة تماماً. ولم تأتِ من فراغ مطلق. بل هم امتداد لمحاولات سينمائية عرفها الخليج منذ ستينات القرن الماضي. ولكنها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بشركات النفط فلم تتمكن من تحقيق استمرارية ولا تراكماً وتوقفت عند حفنة من الرواد، لم يتخطوا هم بدورهم شرف المحاولة الاولى. في استعادة لتاريخ السينما في الخليج يقول المخرج البحريني بسام الذوادي: "في الخليج بدأت الافلام بالظهور من خلال شركات النفط التي جاءت بهدف إكتشاف النفط ومن ثم بدأ الاجانب يسجلون أحداثاً يومية وانجاز جريدة سينمائية تحتوي على الأخبار. إبتدأ الخليجيون يهتمون بالسينما، فظهرت في الأربعينات والخمسينات محاولات قصيرة. في البحرين، برز خليفة شاهين الذي أنجز أفلاماً وثائقية وتسجيلية. من خلال عمله في شركة نفط، تعلم التصوير من الاجانب ثم سافر ليدرس ورجع بعدها لينجز أفلاماً تسجيلية في البحرين. والتجربة واحدة في الخليج كله لا يوجد تجربة مميزة بأي شكل، الأجانب هم الذين أطلقوا الحركة السينمائية والخليجيون واصلوا فيها." واذا كان لا بد من تسمية أب للسينما الخليجية فإن الكويتي خالد الصديق يبدو الأجدر باللقب. ففيلمه "بس يا بحر" المنجز عام 1970 كان أول فيلم روائي طويل في الخليج وفوق ذلك كان أول فيلم عربي يستخدم تقنية التصوير تحت الماء. يبرز الصديق في السينما الخليجية ليس كرائد فحسب بل كنموذج شبه يتيم استطاع ان يتخطى التجربة الاولى إلى ثانية في عنوان "عرس الزين" وثالثة حملت اسم "شاهين" ولكنها لم تكتمل. " لم ينفذ أي فيلم روائي بحق في الخليج لغاية بداية تصوير "بس يا بحر" في 1969" يقول الذوادي ويكمل " قبله لم تكن هناك أفلام روائية فعلية ولم تكن هناك عروض والجمهور لم يكن معتاداً الأفلام الخليجية. حقق "بس يا بحر" نقلة وأثبت انه إمن الممكن عمل أفلام في الخليج." بين تاريخ ظهور أول فيلم روائي طويل "بس يا بحر" عام 70 و1981 لم يظهر الا فيلم واحد هو "الصمت" (1981) للكويتي هاشم محمد. ويشير الذوادي إلى تجربة انطلقت في البحرين مع ابراهيم الجناحي ولكنها أُجهضت قبل أن تكتمل بينما كان يمكن ان تكون اول تجربة بحرينية طويلة فيما لو اكتملت: "بدأت في البحريين عام 1975 تجربة بعنوان "الأحدب" لإبراهيم الجناحي ولكن الفيلم الذي صور بالفعل لم يكتمل بسبب وفاة شقيق المخرج خلال التصوير. فابتعد الاخير عن السينما ومازال إلى اليوم." بعده، اندثرت المحاولات السينمائية في الخليج باستثناء فيلم يتيم هو "الحاجز" للذوادي عام 1990 الذي اعتبر أول فيلم بحريني طوبل. ولم تعد إلى الظهور الا في العام 2002 عندما اتاحت مسابقة أفلام من الامارات الفرصة لاكتشاف أفلام قصيرة كانت تُنجز بين الشباب من دون أن تجد منصة للتواصل مع المشاهد. على الرغم من ظهور تجارب روائية طويلة بين عامي 2004 و2005 مثل "البوم" لخالد الزجالي في عمان و"شباب كول" لمحمد دحام الشمري في الكويت و"حلم" لهاني الشيباني في الامارات و"ظلال الصمت" لعبد الله المحيسن و"كيف الحال" لايزيدور مسلم في السعودية وقبلها "الزائر" عام 2003 للذوادي، الا انه يمكن القول أن تلك الفورة للأفلام القصيرة التي بات بجاوز عددها المئة فيلم في العام الواحد هي التي حققت نوعاً من انطلاقة جديدة للسينما الخليجية من خلال تراكم لم تعرفه الأخيرة من قبل. الشباب والسينما أفلام أو سينما.. حركة أم طفرة أم ظاهرة.. تساؤلات يقف عندها المتابعون في محاولة لاستشفاف ما يدور في المشهد السينمائي الخليجي اليوم. هل هي سينما جديدة؟ أم خربشات عشوائية على الشاشة؟ بتلك الاسئلة وغيرها ذهبنا إلى مجموعة من المخرجين الخليجيين الشباب، يقودنا أولاً الفضول إلى معرفة كيف جاؤوا إلى السينما ومن أين. ما هي التأثيرات السينمائية وماذا يشاهدون؟ يستعيد المخرج الكويتي عبد الله بوشهري ـ حائز جائزة أفضل فيلم وثائقي خليجي عن "فقدان أحمد" في الدورة الاخيرة للمسابقة ـ الذي درس السينما في الولايات المتحدة الاميركية العلاقة الاولي بالسينما: "لو عدت بالتاريخ قليلاً إلى الوراء أكتشف أن ذاكرتي السينمائية تشكلت عندما كان والدي يعرض لنا أفلامه القصيرة على حائط غرفة الجلوس. فهو كان في بداية حياته الفنية يصنع أفلاماً قصيرة وربما كان فيلمه القصير الصامت "الحقيبة السوداء" عام 1963 اول فيلم كويتي. امتد تأثير والدي في كفنان تشكيلي ايضاً يتعامل بالألوان الزيتية والمواد المتعلقة بها وهذا بحد ذاته كون ذاكرتي الفنية أي مشاهدة والدي يرسم تقريباً بشكل يومي ويقرأ بشكل يومي يكتب ويصطحبني إلى المعارض الفنية." أما الاماراتي عبد الله حسن أحمد فأتى السينما من المسرح عندما انطلقت مسابقة أفلام من الامارات: "علاقتي بالسينما بدأت في مسابقة أفلام من الإمارات التي كانت بداية أغلب الشباب السينمائية. خلا ذلك، كنت كغيري من الاولاد اشاهد التلفزيون وأفلاماً لا أعرف عناوينها. السينما المصرية كانت هي السائدة بالطبع. ولكن في مرحلة متأخرة، اكتشفت ان ليس الأفلام المصرية فقط هي التي تخاطب مشاعري. بدأت أشاهد الأفلام الإيرانية فلمست عالماً جديداً وقدرة عالية على العمل في نطاق ضيق من الحريات وانما بأسلوب بصري عال جداً وبإمكانيات بسيطة. التجربة الإيرانية هي أكثر تجربة أثرت فيّ." بالنسبة إلى المخرج العُماني مازن حبيب الذي خاض تجربته الروائية من خلال الفيلم القصير "العودة" والذي عُرض في الدورة الاخيرة للمسابقة، بدأت علاقته بالسينما عن طريق الصدمة عندما سافر إلى الولايات المتحدة الاميركية لدراسة علوم الكومبيوتر: "الصدمة المباشرة لم تأتِ من الأفلام نفسها بقدر ما أتت من المكان. أتصور أن قدومي من مكان قاحل وصحراوي وجبلي ومن ثم إرتحالي إلى ذلك المكان الذي هو بقعة مختلفة تماماً بصرياً على الأقل وكذلك البشر واللغة ..ربما أسهمت في صنع هذا المناخ السينمائي." أسباب... يستدعي هذا الحضور الكثيف للتجارب الفيلمية في الخليج خلال السنوات الخمس الاخيرة سؤالاً حول أسباب ذلك الحراك وان بدا بعضها بديهياً. الثورة التقنية وافتتاح المدارس السينمائية والانفتاح على ثقافة الصورة من خلال الفضائيات ووسائل التواصل الاخرى كلها مظاهر ملموسة تقف خلف الحركة الانتاجية الخليجية. ولكن ثمة ما هو غير ملموس ويتمثل في حاجة تلك المجتمعات إلى الانضمام إلى العصر الحديث والصورة احدى السبل إلى ذلك. "لماذا لا يشتغل الناس سينما في الخليج؟" يسأل الذوادي ومن ثم يجيب: " بسبب الكلفة العالية أولاً وعدم توفر التقنية السينمائية ثانياً. عندما أنجزت فيلم "الزائر" عملناه بكاميرا رقمية وعرض في مهرجان الإمارات وفي مهرجانات لم نتوقعها، تحرك الكثير من الشباب لأنهم لمسوا في الديجيتال امكانية صنع فيلم جيد. كأنها باب وفتح. تحركت الكويت اولاً فظهر فيلم "شباب كول" لمحمد دحام الشمري. أعتقد إن كاميرا الديجيتال هي المفتاح أو الحل لعمل سينما خليجية بالنسبة للشباب الحاليين." من جهته، يعتبر الناقد السينمائي محمد رضا المتابع لحركة الافلام الخليجية ان "الأسباب كثيرة اولها توفر المناسبة المتمثلة بمسابقة أفلام من الامارات التي ولدت الحماس لتلبيتها. السبب الثاني هو هذا الجيل المنفتح على العمل التصويري أو البصري سينما أو تلفزيون. حتى أواخر الثمانينات، كانت السينما إختصاصيّة اليوم صارت متاحة. السبب الثالث هو دوران العجلة الإنتاجيّة. اليوم هناك شركات إنتاج في الامارات والكويت والسعوديّة والبحرين...". يضيف الناقد المغربي مصطفى المسناوي الذي اختير الناقد الرسمي للدورة فشاهد الافلام وناقش مخرجيها، يضيف وجهة نظر مختلفة حول الظاهرة الانتاجية الفيلمية في الخليج: "تعيش المجتمعات الخليجية فترة تحول واضحة على المستوى المعماري. هناك إكتساح لما يمكن أن نسميه التحديث في هذه المجتمعات على مستوى التكنولوجيا، الإنترنت على سبيل المثال وأحدث التقنيات في مجال التواصل. هناك نمو لناطحات السحاب التي لم يكن ممكناً تصور وجودها قبل 15 سنة. بطبيعة الحال هذه التحولات التي تحدث على هذا المستوى لا تُقابل بتحولات إجتماعية واضحة ولكن الأكيد أن السينما هي جانب من جوانب التعبير عن هذه التحولات التي هي الآن قيد التحقق في المجتمعات الخليجية. فترة التحول هذه تجعل من الضرورة التعبير عنها بوسيلة من الوسائل وخاصة من قبل الذين يحسون بهذا التغيير أو بهذا التحول وهم غالباً فئة الشباب. ليس من قبيل العبث أن معظم المخرجين الخليجيين والإمارتيين هم من الشباب وتحديداً من مواليد السبعينات والثمانينات. هم يملكون وجهة نظر يريدون التعبير عنها ويجدون في السينما ملاذاً مهماً جداً." ...ومشكلات تختلف مشارب المخرجين وانجازاتهم. بعضهم يملك تجربة واحدة وبعضهم الآخر تجربتين أو أكثر. منهم من لم يدرس السينما ومنهم من درسها في الخارج. غير أن ما يجمعهم انهم يخوضون تجاربهم المتعثرة في ظروف مشابهة في غياب البيئة السينمائية. بعيداً من الصالات التجارية اذا توفرت، تنتفي طقوس المشاهدة السينمائية ولا يعثر الهاوي على مرجعية للاستزادة من تاريخ الفن السابع واتجاهاته. وفي غياب الدعم المادي، يتحول الفيلم مغامرة فردية غير محسوبة النتائج، تفتقر إلى المادة والخبرات البشرية والخلفية السينمائية لصاحبها. "للأسف ليست لدينا الفرصة لمشاهدة أفلام غير الأفلام الهوليوودية المنتشرة في كل مكان في دور العرض وحتى في التلفزيون" يقول المخرج الاماراتي وليد الشحي صاحب "حارسة الماء" الذي حاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة في المسابقة الاماراتية. اما المخرج هاني الشيباني صاحب اول فيلم اماراتي طويل "حلم" عام 2003 فيلخص مشكلات الفيلم الخليجي بغياب الدعم المالي: "المشكلة الأساسية مادية. أن تصنع فيلماً من إنتاجك الخاص يفرض عليك شروطاً إنتاجية قد تترك أثرها على الفيلم وكيفية التعبير عن الافكار في ظروف ضاغطة. المخرج نواف الجناحي الذي عرض في الدورة الاخيرة "مرايا الصمت" خارج المسابقة وهو من بين قلائل درسوا السينما في الخليج يشير إلى مشكلة غياب القاعدة السينمائية: "قد يكون الإنتاج مشكلة أساسية لن نستطيع في الفترة القادمة ولكن ثمة مشكلات أخرى أساسية أبرزها غياب القاعدة السينمائية. الإشكالية الموجودة في الخليج تتمثل في ان أغلب الشباب يريدون أن يكونوا مخرجين. فكرة التخصص ليست واضحة. نادراً ما نجد متخصصاً في التصوير أو المونتاج. إذا أردنا اختصار مشكلات الفيلم الخليجي اليوم نقول الإنتاج والخلل الموجود في القاعدة." ويعتبر الناقد رضا ان "المفقود هم السينمائيون بالمعنى الكامل للثقافة السينمائيّة، بمعنى آخر المخرج الذي يملك الخلفية السينمائية والمعرفة والاطلاع على أمثال أنطونيوني وآرثر بن وكمال الشيخ وسواهم من علامات السينما. هذا السينمائي هو المفقود في هذه الحركة الفيلمية. المخرجون كثر في العالم ولكن السينمائيين قلة." في غياب الثقافة السينمائية، تتضاعف مشكلة غياب الدراسة السينمائية التي يمكن أن تعوض الشباب عن جزء من الثقافة المفقودة. قلة من بين المخرجين الخليجيين درست السينما. السواد الأعظم جاء السينما من علوم الكومبيوتر او المسرح او الصحافة او التصوير الفوتوغرافي. بالنسبة إلى الكويتي بوشهري الذي درس السينما في الولايات المتحدة الاميركية، يعتبر ان "دراسة السينما لا تعني وجود أو صناعة مخرج. هناك مخرجون كبار مروا في تاريخ السينما لم يدرسوا السينما في حياتهم أبداً. دراسة السينما تشكل جانباً معين من المخرج ولكن لا بد للأخير من ان يمتلك الوعي السينمائي إلى الدافع والرغبة. الفرق بين من درس السينما ومن لم يدرسها قد يتجلى في الوعي والتقنية وأسلوب الطرح وانما ليس بجماليات الصورة. الاخيرة قد تكون موجودة عند شخص لم يدخل الجامعة لأنها تعتمد على الذاكرة الفنية وعلى الموهبة." المحظورات والانتماء من التبسيط بمكان ربط مشكلات الافلام الخليجية بغياب الصناعة والانتاج فقط. فالحديث على صناعة وبنية سينمائيتين يبدو مبكراً بالنسبة إلى صورة وليدة لم تتحدد معالمها بعد. وغياب الدعم الانتاجي حكاية تتشابه فصولها في سينمات كثيرة في العالم. ولكن ماذا عن البيئة الاجتماعية المنغلقة؟ هل يمكن الصورة السينمائية أن تشق طريقها وسط مجتمع محافظ تحكمه المحظورات؟ وان استطاعت، فأية صورة ستخرج؟ وإلى أي حد ستشبه مجتمعها وتعبر عنه؟ "عندما أشاهد فيلماً عن الشباب يتكلم عن نزع الشعر لدى الشبان والمانيكور والبيديكور ويتكلم عن السلاسل والوان الثياب الفاقعة، اعتقد إنه موضوع حساس في الخليج ومع ذلك يتناولونه بكل جرأة" يقول الذوادي متابعاً "هم كسروا بعض العادات والتقاليد بكشف الخيانات الزوجية وغدر الأخ لأخيه وبالحديث عن العمالة وعدم التوظيف في هذا البلد الغني." من خلال تجربته في الافلام القصيرة والفيلم الروائي يروي الشيباني انه "صدقاً لم اصطدم بممنوعات كثيرة. ربما لأن الموضوعات التي اشتغلت عليها كانت حكايات إنسانية لم تتوصل إلى مرحلة التقاطع مع محظورات إجتماعية. ولكن أعتقد ان المجتمع صار أكثر إنفتاحاً حالياً وأكثر تقبلاً لمناقشة مواضيع مختلفة. في فيلمي الطويل مثلاً، كانت هناك حكاية بنت تخرج مع مجموعة من الشباب إلى الصحراء. أثار ذلك البعض معتبراً انه يظهر الفتاة الإماراتية في صورة غير مستحبة. ولكن الفيلم عُرض من دون مشكلة." أما رضا فيعتبر انه "لا يمكن أن نعول كثيراً على كسر افلام الشباب للمحظور. ما نشاهده هو ضمن المتاح والمشكلة الفيلم الذي يجرؤ على قول أمور أعمق وأهم انه سيؤول إلى نوع من العزلة. هناك جزء كبير من الأفلام المنتجة لا تستطيع توصيل افكارها لأنها لا تريد صداماً مع المجتمع." يؤكد بوشهري على كلام رضا بالقول: "مشكلتنا في الخليج هي بشكل أساسي تكوين الفكر الخليجي أو الشباب الخليجي القائم على الحواجز الفكرية الموجودة في المجتمع. جميع التجارب نقول الناجحة والجريئة على مستوى العالم هي التي تقوم على الكثير من صدق المخرج أو صدق الكاتب وجرأة طرحه حتى لو كان الموضوع بسيطاً لا علاقة له بالدين أو بالجنس. أتكلم عن جرأة الفكر جرأة الطرح والدخول في عمق المجتمع والإنسان الخليجي. أعتقد هذا تفتقر اليه التجارب الخليجية." بهذا المعنى، إلى اي حد تنتمي افلام الشباب إلى بيئتها وتعكس مجتمعها؟ "يشعر الذي يشاهد هذه الأفلام أنها في معظمها بعيدة عن المجتمع ويرى فيها إنعكاسات لحياة أخرى أتصور انها ليست الحياة التي تعيشها بلدان الخليج. معظم هذه الأفلام تعتبر أو يعتبر مخرجوها أن السينما هي نوع من الحلم أو العالم المنفصل عن الواقع." "هوية هذه الأفلام خليجية تكمن في انها حالة جديدة" يقول رضا رداً على علاقتها بمحيطها ويتابع "أهميتها انها تحاول أن تفهم دور المجتمع الخليجي في التكوين الشامل وبشيء من البحث عن الصورة. هويتها ان أمامها مشوار طويل تقطعه قبل أن تتشكل ملامحها." ويعتبر بوشهري ان هناك " نسبة كبيرة من التجارب الخليجية التي ظهرت في الفترة الأخيرة نابعة من الخليج مثل النخل. يعني اساسها من بيئة الخليج ورائحتها رائحة الخليج وصورتها صورة الخليج. وهنا في المقابل تجارب لا تمت للخليج بصلة بل هي تقليد للغرب بشكل واضح." ملامح لم يؤسس بعد الكم الكبير من الافلام الخليجية الشابة لظاهرة ذات ملامح خاصة وان بدا ممكناً استخلاص بعض الجوانب. على صعيد النوع، تميل الافلام إلى الروائي على حساب الوثائقي. معظم المخرجين ينجزون الافلام الروائية مثل عبد الله حسن أحمد الذي أنهى أكثر من أربعة أفلام روائية قصيرة بينما لم يتجه إلى الوثائقي الا مرة واحدة: "في الامارات هناك ضعف في الفيلم التسجيلي بسبب الخوف من ردود الفعل. لسنا معتادين مثل دول أخرى على حمل الكاميرا والنزول إلى الشارع وبين الناس وتصويرهم. هذا يحتاج إلى جرأة من المخرجين وانفتاح من الناس على البوح بالمشكلات الانسانية." الجناحي الذي يشتغل بالروائي والتجريبي يعتبر ان قلة الانتاج الوثائقي في الخليج "قد تكون لصعوبة الفيلم التسجيلي أو لصعوبة الخوض في مواضيع معينة في الفيلم التسجيلي وربما لخطورة الفيلم التسجيلي بحد ذاتها لان الاخير يتكلم عن واقع بما يحتاج من المخرج إلى مسؤولية كبرى وجرأة و مواجهة مع الجمهور." أما رضا فيرد الاعراض عن الوثائقي لدى المخرجين الشباب إلى "الحلم الذي يداعب عدد كبير منهم هو أن يصبحوا مخرجين معروفين ومجال السينما التسجيلية لا يزال محدوداً. والسينمائي المحلي سواء أكان تفكيره صائباً أم لا يفكر بسرعة ويريد الوصول بسرعة فيبدو الروائي له أسرع من التسجيلي لتحقيق ذلك." في المضمون، تراوح اهتمامات المخرجين بين العلاقات الانسانية والموضوعات الاجتماعية السائدة كالخيانة والغدر. "أميل غالباً إلى مواضيع العلاقات الإنسانية" يقول الشيباني "وكيف يمكن علاقة إنسانية أن تتشكل في وضع غير طبيعي. لماذا تفشل العلاقة الإنسانية في لحظة ما ولماذا تنجح؟ هذا أكثر ما يشغلني كيف يتواصل الناس وكيف ينظر واحدهم إلى الآخر." بعيداً من المواضيع الاجتماعية، يميل الشحي إلى السينما الشعرية والرمز: "أميل إلى السينما الشعرية غير الكلاسيكية التي تترك للمشاهد أن يشكل وجهة نظره الخاصة. إذا تكلمنا عن الفيلم القصير فنجن اذاً نتكلم عن التكثيف ربما لهذا أتجه إلى الرمز وإلى جمالية الصورة لأوصّل المعنى." يجد الناقد رضا ان السمة الشعرية قد تكون سمة غالبة ومشتركة بين تجارب خليجية عدة: "هناك ملامح عامة مستقاة من حب التأمل ومن الوصف الأدبي للأمور أكثر منها ملامح سينمائية تقنية بحتة. بين "حنين" و"حلم" و"ظلال الصمت" حالة متشابهة من التأمل البصري بدون التعمّق فيه. واذا أردنا الاسترسال في تحديد ملامح مشتركة للافلام الخليجية الشابة لا بد من الحديث على المداهمة التلفزيونية حيث تحضر في الافلام وبقوة المفردات التلفزيونية للقطات وتوزيع اللقطات والايقاع ." أي مستقبل؟ في الوقت الذي تحظى فيه التجربة الفيلمية الخليجية باهتمام المهرجانات العالمية، تعلو الأصوات التي تعتبر الظاهرة مضخمة وتكثر الاسئلة حول مستقبلها. يعلق الناقد المسناوي على ذلك بالقول "هناك ربما رغبة من طرف العالم الغربي في إكتشاف ما يجري في الخليج بصفة ما يمكن أن نسميه التحديث السريع والمفاجئ لهذه المجتمعات. يدخل الإهتمام بالسينما الإماراتية والخليجية في هذا الإطار. لا شك في ان مقارنة هذه الظاهرة مع ظواهر أخرى تحصل في العالم في كوريا على سبيل المثال أو جنوب شرق آسيا ستكشف لنا أنه نوع من تضخيم للظاهرة الخليجية. إذا كان هذا الأمر جيداً من الناحية الإعلامية الا انه من الممكن أن يسيء إلى هذه التجربة في المستقبل لأنها إذا ضُخمت على غير اساس لا يمكنها أن تصل إلى السينما الخليجية المنشودة برؤيتها الخاصة وبمخرجيها المتميزين الذين يستطيعون فرض أنفسهم ليس فقط في مهرجانات محدودة وصغيرة إنما على الصعيد العربي ككل." · ما هو مصير هذه الظاهرة؟ هل تؤسس لسينما خليجية؟ "تأسيس سينما خليجية بمعنى سينما ليس مرتبطاً بالشباب فقط" يقول رضا "بل بعدة عوامل منها إستعداد الدولة للمساعدة وتوفير الاسواق . ما لم يتوفر الدعم المادي لن تعيش الظاهرة لاسيما ان من يصممون على استكمال الكشوار هم قلائل في كل الاحوال. ربما من المبكر ان نستتنج ما اذا كانت تلك الحركة ستكمل ام لا. انها علامة استفهام كبرى." اما الذوادي فيشير إلى ان "هؤلاء الشباب اذا قادوا العملية بشكل صحيح وفكروا فعلاً بالبنية التحتية وتكوين قاعدة فسيحققون السينما الخليجية. إحساسي انهم في الطريق الصحيح وربما خلال السنتين القادمتين سنشهد على خروج مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة على ايديهم وربما نستطيع في يوم من الأيام القول إن هناك سينما خليجية." · ولكن هل يصمد الشباب في هذا المشوار الطويل والاختبار الصعب؟ "صدقاً أنا بدأت أحس بالتعب" يقول الشيباني "لقد زادت المسؤوليات وأصبح عمل الأفلام مرهقاً لاسيما انني موظف ومسؤول عن عائلة. صار العمل السينمائي شيء إضافي مرهق ولو ان إحتمال التخلي عنه ضعيف جداً." · غيره، مازال متسلحاً بالامل والطموح: "حلمي من خلال السينما أن أعكس صورة مشرقة صورة مختلفة عن بلدنا. نحن ظلمنا كعرب ودورنا كبير في أن نغير هذه الصورة من خلال أعمالنا." يقول الشحي ويضيف بوشهري: "أملنا أن ننطلق إلى العالم وأن نصنع أفلاماً أكثر صدقاً وأكثر تعبيراً عن بيئتنا العربية الخليجية." أما حسن أحمد فمدرك لصعوبة الاستمرارية: "طموحاتي أن أستمر وإن أظل صانع أفلام. السينما بالنسبة الي هي هذه الحاجة إلى الاستمرارية لأن هذه البلد تحتاج إلى السينما مثلما تحتاج إلى المهندس والطبيب". المستقبل اللبنانية في 6 أبريل 2007
|