سينماتك

 

«أحلام» للعراقي محمد الدراجي

إدانـــة ناقصـــة

محمد رضا

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

أخيراً، وبعد أكثر من عام على إنتاجه، سيتم عرض فيلم «أحلام» لمحمد الدراجي على الشاشة الكبيرة في بغداد. إنجاز مهم لفيلم صنعته ظروف العراق أكثر مما صنعته خامات ومواهب متمكّنة. وبحسب أنباء، فإن حفنة من الناس تعلم متى وأين بالتحديد سيتم العرض، حتى لا يقوم متهوّر بتفجير نفسه بين الحاضرين، فتنقلب الأحلام الى كوابيس.

«أحلام» هو واحد من بضعة أعمال عراقية مختلفة، تسجيلية وروائية، قصيرة وبعض أقلّ طويل، تم تحقيقها في الأعوام الأربعة الأخيرة على الرغم من الظروف الأمنية والمادية الصعبة، والتماوجات السياسية للبلد والعالم العربي، وعزوفه عن اعتماد السينما وضروب الثقافة بأسرها، وسيلة تنوير وتحديث ومواجهة ضد أنواع الإرهاب، المحلي منه والمستورد. وبحسب المخرج، فإن الفيلم كاد ألا يُنجز، إذ تعرّض لمحاولة إيقافه من أطراف عراقية (رسمية أو غير رسمية؟) وأميركية: «كنت أحمل الكاميرا بيد، والسلاح بيد أخرى»، كما قال المخرج مؤخراً في تصريح للمجلة الأميركية «فاراياتي». سواء كان هذا القول صحيحاً أم نصف صحيح أم أقل من ذلك، فإنه قابل للتصديق، لأن الوضع الأمني نتيجةُ فوضى الوضع العبثي الذي يُمكن لأحدهم فيه أن يُطلِق النار على كل من يحمل الكاميرا، بصرف النظر عن هويّته أو سياسته أو انتماءاته الخاصة.

تصفية حساب

يبدأ عرض الفيلم الآن، لينقل للعراقيين بعضاً مما يكتنزه فريق كبير منهم ضد النظام السابق. إنه فيلم عن معاناة شيعيين تحت وطأة نظام صدّام حسين، من دون لفتة سياسية ذكية تعكس حقيقة أن الذين عانوا وطأة نظام صدّام حسين ليسوا الشيعة فقط، بل السنّة عرباً وأكراداً وكل من لم يتبرّع للنظام الماضي بحياته وتأييده المطلق، أصاب الرئيس أم لم يُصب. لذلك، فإن «أحلام»، عوضا عن أن يستغل فرصة أنه فيلم عاند مخرجه وجاهد لأن يُصنع فيتوجّه برسالة تجمع العراقيين جميعهم تحت راية شبيهة بتلك الراية التي حملتها شذى حسّون مؤخراً، نراه نوعاً من تصفية حساب مع النظام السابق. صفحة من جزء معيّن من ذاكرة خاصّة تقصد الانتقام من صدّام حسين ومرحلته بصنع فيلم يحتضن الهويّة الطائفية وحدها لصانعيه.

في طيّات ذلك، كما أشار معظم النقاد المصريين حين تم عرض الفيلم في العام الأسبق في «مهرجان القاهرة السينمائي»، موقف حذر من إدانة فترة ما بعد صدّام حسين، ولو أن المخرج نفى ذلك وأصرّ على أن فيلمه هو ضد الاحتلال الأميركي الحالي أيضاً. صحيح أنه يُظهر قصف الأميركيين لمستشفى المجانين، لكن هذا حدث وسط دمار شامل يُعيد الكرة الى ما جلبه النظام السابق على نفسه، أكثر مما يدين سواه.

فنياً، وعلى نحو لغوي بحت، هو فيلم فجّ الطرح وعنيف الوقع، لكنه مؤثّر من ناحيتين اثنتين: إنه طموح يجسّد على الشاشة نتائج بصرية، هي على تواضعها أعلى من الإمكانيات المتاحة، ثم إن المرء يريد من بعد مشاهدة الفيلم أن يمسح بكف يده الحزن عن جباه تلك الشخصيات التي عانت كثيراً تحت وطأة الحكم. وبصرف النظر عن اختلاف وجهات النظر، فإن الآلام المختزنة كلّها هي التي حركّت صانعي الفيلم لإنجازه. المرء يدرك ذلك، ويجد نفسه متردّداً في حجم الأعذار كافة.

بطلة الفيلم أحلام (أصيل عادل) فتاة مثقّفة تحب أحمد (مرتضى سعدي) وعلى وشك الزواج به. علي (باشر المجيدي على أغلب الاعتقاد) هو جندي طيّب العشرة يتوجه مع رفيقه في السلاح خالد (كحيل خالد) إلى الجبهة. كلاهما (أحلام وعلي اللذان لم يلتقيا من قبل) لا يستحقّان ما سيحدث لكل منهما. ففي يوم عرسها، يقتحم مسلّحون من حزب البعث المنزل ويلقون القبض على عريسها. لا بدّ من أنه فعل شيئاً نكِراً الى درجة اختيار يوم زفافه تحديداً للقبض عليه. المهم أنهم يتركونها مصدومة، لدرجة تستوجب وضعها في المصحّة النفسية. على الجانب الآخر، توقف الشرطة العسكرية الحافلة التي يستقلّها علي وحسن، وتبدأ بإنزال المتخلّفين أو الذين لا يملكون وثائق تثبت أنهم في إجازة رسمية أو تمنحهم حق التواجد بعيداً عن الجبهات. هذا مشهد يُراد له أن يسجّل قسوة النظام على جنوده، لكن اختيار المناسبة، وعدم وجود ممثلين بملامح شخصية مكثّفة، وابتعاد تصميم اللقطات عن تأييد المنحى العاطفي المقصود، هذا كلّه لا يفعّل المشهد لتأدية الغاية المرجوّة منه إلاّ على مستوى من نوع الشيفرة المتعارف عليها مع المتفاهمين مع وضعه، طائفياً على الأقل. بعد ذلك، وفي عتمة الليل، تدك الطائرات الأميركية موقع الكتيبة التي انضم إليها علي وحسن، فتقتل جميع من فيها باستثناء علي وحسن، ولو أن الثاني سقط جريحاً، ما يدفع زميله الى حمله بحثاً عن مكان يستطيع اللجوء إليه لإنقاذ حياته. بعد مشاهد الوقوع والنهوض ثم الوقوع مجدّداً في خلال الرحلة، وهي كثيرة، تلتقط دورية عسكرية الرجلين وتقضي بأنهما كانا يحاولان الهرب. يتمّ قطع أذن علي كشأن الهاربين من خطوط القتال، وها هو أحد نزلاء المستشفى نفسه الذي دخلته أحلام. وسرعان ما تنقض عليه الطائرات الأميركية (مسموعة وغير مرئية)، وتحوّله الى ركام. أحد الناجين هو الطبيب المهدي (محمد هاشمي)، الذي يؤول على نفسه البحث عن أحلام التي هربت بجنونها الى الشوارع المهدّمة تبحث عن حبيبها وهي لا تزال ترتدي فستان العرس للتدليل على ذلك. وسط الدمار الكبير والانفجارات والمعارك بين مختلف القوى، تدور أحداث ثلث الســــاعة الأخير حيث يتـــم حشد تلك المفادات لينتهي الفيلم في محـــاولة لخلق شفافية شعرية وسط الدمار السائد.

فوضى الحياة

لا يختلف ثلث الساعة الأخير من الفيلم، أو نحوه، عما سبقه إلاّ في مساحة الضوء فيه. فمعظم المشاهد السابقة تتم في العتمة، سواء أكانت عتمة مناسبة أم غير مناسبة، عوضا عن تصميم مدروس يؤدّي إلى غاية أرقى من مجرّد نقل الطبيعي إلى الشاشة. كذلك كل ما له علاقة بكيفية إيصال أحداث لا ريب في أنها تعني الكثير، وتطمح الى تجسيد معاناة الى مستوى بصري وذهني متقدّم وأعلى شأناً من مجرّد العرض وجعل المُشاهد يحسّ بالمعاناة نفسها. عدم وجود ذلك المستوى يجعل المعاناة مزدوجة: واحـــدة في الفيــلم، وأخرى مقحمة على المُشَاهد الذي يواجه تبعات أسلوب تعبيري مباشر في معظم حالاته.

الفيلم مثير للعين طوال الوقت، على الرغم من دكانة الصورة من دون مبرر. أعتقد أن موهبة المخرج تكمن في إطار حشد عناصر الصورة البصرية أكثر مما تكمن في توفير عناصرها الدرامية والشخصية. فما ينجح المخرج في توفيره، هو الإحساس بفوضى الحياة وألم المحنة وكابوس الأيام، طالما أن الصوَر تنضح بالرموز الجامدة لتلك المعاناة (الشوارع، المباني، الجموع في محنها... إلخ). أما حين يُراد الحديث عن معاناة الشخصيات الرئيسة، فإن الفيلم يسقط في ضيق أفق الكتابة، والاتجاه الواحد للشخصيات والتمثيل السيئ جداً لمعظم المشخّصين.

لكن، وسط ظروف كتلك التي صُنِع الفيلم فيها، فإن الناقد لا يسعه سوى قبول بعض الأعذار حتى وإن لم يكن مقتنعاً تمام الإقتناع بها. ما هو مُتاح هنا، هو ضم هذا الفيلم الى تلك الحركة الخجولة للسينما العربية حيال مسألة التعرّض لما تنضح به المرحلة السياسية للعالم العربي. ها هم النقاد السينمائيون ينادون المخرجين إنجاز أفلام ناقدة وجريئة، لكن هؤلاء إما يحثون الخُطى لتحقيق أفلام ذاتية، وإما يسعون إلى كل حلم بتحقيق «نصر» تجاري جماهيري في واحدة من المناسبات الماسية الثلاث: عيد الفطر وعيد الأضحى وموسم الصيف.

إنجاز مهم أن يجد الفيلم العراقي وسيلة عرض، لكن الخطر هنا كامنٌ في أنه، بالتغاضي عن مكوّنات الوضع ما بعد فترة صدّام حسين، يدفع بالجمهور الى ممارسة تلك الإدانة الجاهزة، فيتبلور كأداة تحريض، ويضمحل كوسيلة لتداول الواقع ودرس مسبباته.

(هوليوود)

السفير اللبنانية في 5 أبريل 2007