سينماتك

 

كوميديا رومانسية راقية

عندما يقهر الحب فشلنا في الحياة

د. نهاد إبراهيم

 

 

 

 

ما كتبته

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

 

صفحات خاصة

أمين صالح

عبدالقادر عقيل

يوخنا دانيال

 

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

 

سجل الزوار

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

 

سينماتك

 

>> قصة حب مليئة بالمواقف المؤثرة بين الحبيبين بداية من التعارف والاعجاب ثم إثبات الحب فالخصام والصلح والملاطفة والمشاغبة

> مخرج الفيلم صاحب خبرة طويلة في كتابة الكوميديات الرومانسية الناجحة التي تركز علي تشريح المشاعر الإنسانية  

في الماضي كان يغني .. في الماضي كانت تكتب . الآن لم يعد هو يغني.. الآن لم تعد هي تكتب ! مأزق حياتي إبداعي مشترك كان يعانيه كل منهما بمفرده ، من هنا كان الاحتياج إلي لحظة اللقاء والتلاقي والأمل ..

هذان المتأزمان هما بطلا الفيلم الأمريكي "كلمات وألحان / Music and Lyrics 2007 » إخراج الأمريكي مارك لورانس في فيلمه الثالث كمخرج ، بينما يمتلك علي الجانب الآخر خبرة أكبر وأقوي في كتابة الأفلام الكوميدية الرومانسية الناجحة ولو بقدر متفاوت، من بينها "قوي الطبيعة" 1999 و"الآنسة عميل سري" 2000 و"أسبوعان تحت الملاحظة" 2002 ؛ هذا بخلاف أعماله التليفزيونية المتنوعة التي يركز فيها أيضا علي تشريح المشاعر الإنسانية من خلال سياق كوميدي في أغلب الأحوال.

كيمياء التواصل

يتمتع فيلم "كلمات وألحان" بمجموعة من المميزات المتراكمة صعدت به ليحتل قمة عالية في الإيرادات وتقديرات النقاد ، من أهمها أنه واحد من أفضل الأفلام التي تقدم نموذج خلق وتوظيف الهارموني بين البطلين ، وكيف تتسبب هذه الكمياء المتفاهمة بينهما في تمرير الكثير من الصعاب ، ومعها ترتفع نسبة الاستقبال والتواصل بين العمل والمتلقي بكل سلاسة وذكاء دون أن يشعر أحد. كما وزع السيناريست محاور توليد الكوميديا زمانيا ومكانيا واجتماعيا وسيكولوجيا وهو قادر علي ذلك ، بداية من أساس المعالجة السينمائية وتفاصيل التركيبة الدرامية للشخصيات بأبعادها المختلفة ، وتوحيد أدوات كل طاقم العمل ليصب في نفس التيار المتناغم ، والاعتماد علي حوار مدروس بعناية بعيدا عن الاختيارات السهلة ؛ والخلاصة أننا نشاهد كوميديا سينمائية راقية بالصورة والصوت وليس العكس . أضف إلي ذلك نجاح مارك لورانس في توظيف كل الشخصيات والمواقف الرئيسية والثانوية بإيقاع منضبط ، موزع بحرفية وعدالة دون ملل لتحقيق أهداف مجتمعة . كل هذا وغيره أثمر تحقيق منظومة كوميدية موسيقية غنائية ، تقوم علي قصة حب جميلة كتيمة معتادة في هذه النوعية ، لزرع المواقف واللحظات الدرامية المؤثرة بين الحبيبين ، من تعارف إلي إعجاب إلي إثباتات إلي خصام إلي تصالح إلي مشاغبات إلي ملاطفات ؛ وهذا الفيلم للعلم من الأعمال القليلة التي تناقش أحوال الفن نفسه وقليلا من كواليسه الخفية المثيرة.

أما البطل فهو مغني البوب السابق أليكس فلتشر (هيو جرانت) ، عضو الفرقة الغنائية التي حققت نجاحات كاسحة في الثمانينيات وبدايات التسعينيات في القرن الماضي ، وبعدما خبت عنه الأضواء يحاول مدير أعماله المخلص المرح كريس ريلي (براد جاريت) العثور علي أي فرصة ممكنة لاستمرار بطله علي الساحة ، حتي لو علي مستوي فقرات النوادي الليلية وملاهي الأطفال وحفلات المزارع وما شابه من هذه الفتافيت التي لا تكفي لسد الجوع ، لكنها تبقي علي قيد الحياة بأصغر أنبوبة أوكسجين صناعية ضرورية ، لضخ الحياة في تاريخ فنان مغني وملحن انتهت صلاحيته دون سبب وهو في عز الشباب .. بكل هدوء وبساطة وصل السيناريست إلي تهيئة فرصة للقاء البطلين بشكل غير مباشر بمنطق الاحتياج والضرورة ، عندما ظهرت المغنية الشابة نجمة النجوم كورا كورمان (هالي بينيت) التي تعتنق تعاليم بوذا الدينية إلي درجة الصوفية ، ثم تمزجها بالعري في الغناء كنموذج للفنان التاجر البارع جدا المتفهم لظروف العصر والبشر جيدا ! وإذا بها تطلب من أليكس تأليف وتلحين أغنية في خلال أيام قليلة جدا ليغنيها معها في دويتو بصفته معشوقها الأصيل منذ صغرها ، هنا لم يكن أمام أليكس أي اختيار ديموقراطي .. فقد فرض عليه الواقع الديكتاتوري ومنتهي أمله في العودة إلي مكانته الضائعة ولو من بعيد ، لمحو اسمه من خانة الذكريات الضيقة وتحويلها إلي خانات الحاضر الواسع ، قبول التحدي بدون أدني تفكير وإلا ستضيع أخطر فرصة في حياته إلي الأبد ؛ وهو يدرك جيدا أن الحياة فرص ..

أخيرا أصبح الطريق الدرامي ممهدا من خلال مصادفة مقبولة ومبررة منطقيا ليس فقط للقاء البطلين ، وليس فقط لاشتراكهما في هذا التحدي الفني رغم الاعتراض التام علي منهج كورا الفكري ، لكن أيضا بغرض التعرف علي كل منهما والتقرب والتعمق داخلهما ، من خلال الاحتكاكات والمجاملات والمصارحات ومفاجآت الأمر الواقع ؛ فصوتان متفاهمان في الحياة أفضل من صوت واحد خاصة لو كان في حالة ضعف وارتباك .. جاء مبرر الاحتياج بسبب عدم قدرة أليكس علي كتابة الشعر الغنائي ، وبالمصادفة البحتة اكتشف قدرات شعرية هائلة في منسقة الزرع الشابة الجميلة صوفي فيشر (درو باريمور) ، التي حلت محل الفتاة الأصلية التي لا نعرف عنها شيئا ولا نريد . هنا قام المخرج والسيناريست مارك لورانس بتفريع ثلاثة خيوط درامية أساسية بالتوازي ثم بالتقاطع ، وهي قدرة كل منهما علي مواجهة نفسه وغيره ، سباق الثنائي مع الزمن لإنجاز المهمة الفنية ، مناقشة قضية الفن وأحواله كمظلة عامة وخاصة معا بنسب متفاوتة . ومع الاختبارات العملية اكتشفنا أن مشكلة صوفي تتركز في فقدانها الثقة الكافية بنفسها ، نتيجة تجربة عاطفية إبداعية سابقة فاشلة ، بعدما أقنعها أستاذها في الجامعة أنها موهبة زائفة ، واستغل علاقته معها كمادة لكتابة رواية نجحت نجاحا ساحقا بكل أسف ! لكن صوفي تعلقت بهذه التجربة المريرة في الاتجاه الخاطيء ، واتخذتها حجة كي لا تقدم علي أي خطوة جديدة لتعيش في الماضي القبيح ، كصورة ترديدية بتنويعة مختلفة علي المأزق الذي يعيشه أليكس بعدما سجن نفسه بنفسه في ذكريات الماضي البعيد ، دون التوقف والتأمل ومحاولة التغيير ليسأل نفسه، لماذا هرب منه النجاح واعتزل زيارته منذ زمن بعيد . فشتان الفارق بين تنسيق زرع طبيعي أو بلاستيكي من صنع يد الغير ، وبين الاستمتاع بحلاوة وصعوبة غرس النبتة من البداية بيد الإنسان نفسه مهما كانت النتيجة ..

توليفة كوميدية

من قلب مناطق الصراع الأساسية والفرعية وظف المخرج والسيناريست شقيقة صوفي مجنونة أليكس السيدة المتزوجة المرحة القوية جدا روندا فيشر (كريستين جونستون) ، مع زوجها المسالم جدا جاري فيشر (آدم جروبر) ، مع مدير أعمال أليكس فيشر لدفع العجلة الدرامية إلي الأمام بالآراء والأفعال المقصودة وغير المقصودة ، وأيضا لتوظيف مصادر الكوميديا وأنواعها المختلفة ، فكانت المحصلة مزيجا ناجحا من توليفة راقية تنتهج كوميديا الشخصية والموقف والمفارقة والكوميديا اللفظية ، وأيضا كوميديا السلوك التي تتناول بالنقد اللاذع والسخرية وقائع عصر بأكمله .. مثل هذا النوع من الأفلام يحتاج إلي تركيز متواصل من المتلقي رغم البساطة الظاهرية لبعض المواقف والشخصيات أحيانا ، لكن إذا استقبلنا هذه الكوميديا القوية بما تستحقه من النشاط الذهني واليقظة ، سندرك كيف لعب مدير التصوير خافيير بيريز جروبت والمونتيرة سوزان أي. مورس والمؤلف الموسيقي آدم شلسنجر ، مع مصممة الديكور إلين كريستيانسين ومصممة الملابس سوزان ليال أدوارا متكاملة في عدم إضاعة أي فرصة ممكنة قدر المستطاع دون الاستفادة بها بهدف خلق بنية ضاحكة إنسانية ديناميكية متطورة . فعلي سبيل المثال نجد الكادرات المتوسطة مع الكلوز القريبة تستوعب أنواع الصدامات المتوالية بين البطلين ، أحيانا بالفصل المعنوي الوهمي بينهما باختلاف المفاهيم والتصرفات والكلمات والدلالات والإيحاءات والتوجه الفكري، وأحيانا بالفصل المادي بينهما بوضع بعض الحواجز الخفيفة هنا وهناك ، أو بالفراغات الواسعة لتجسيد بُعد المسافات بينهما وعدم التلاقي بما يكفي . وهكذا حتي تساقطت الحواجز تدريجيا بعدما لعب معهما كل فريق العمل علي أوتار الشد والجذب المتواصل ، لكن في حدود مقننة للتأكيد المستمر علي حالة الانجذاب الخفي ثم الظاهري بين البطلين حتي دون وعي منهما . ومن أفضل مميزات مونتاج هذا الفيلم أنه دائما يلجأ إلي ترتيب سياق علي المدي القصير والبعيد خارج توقعات المتلقي ، فمن الصعب تخمين بداية ونهاية المشهد كفعل وزمان ومكان ، استغلالا لطبيعة الشخصيات المهتزة الانسحابية ومراحل تطورها المتأرجحة ، ولأن البطلين يتحركان وفقا لطبيعة شخصية الفنان غير التقليدية عندما تبحث عن لحظة إلهام بأي وسيلة ، حتي لو كانت التنقير المزعج بالقلم كعلامة صوتية غاية في البساطة لإعلان القلق الإيجابي واقتراب مولد الفن الجميل .. صنع المخرج عدة طبقات موسيقية متدرجة ، منها دندنة أليكس الخفيفة علي البيانو للتعبير عن توتره وحزنه الكامن وفراغه الداخلي ، وأيضا لملء المساحات الناتجة عن حالة الصمت والتفكير الطويل ، وللتأكيد علي قدرة الدلالات الصوتية للآلة الموسيقية وإنابتها عن الفنان في المحاورات والآراء والمعارك ، ولإعلان قدرة المخرج علي طرح رؤيته الموسيقية كأساس لهذا الفيلم . ثم وصلنا إلي المستوي الثاني أثناء إبداع بعض الجمل الموسيقية المكتملة المتفرقة، لمنح تباشير انفراجة وتحرر الشخصية الكامنة الهاربة للبطلين لأن أليكس يلحن كلمات صوفي ، مع استمرار سريان هذه الموسيقي كخلفية جمالية درامية خاصة في المواقف الناعمة . وأخيرا كانت المرحلة النهائية بتقدم أغنيتين عاطفيتين تنمان عن غزارة في المشاعر الفياضة ، لإبراز مدي التغير الذي طرأ علي البطلين ، وتقديم دليل عملي علي موهبتهما الفنية والإنسانية ، وقدرتهما علي تجاوز معاناة الفشل وصدمات الزمن في حفل عام علي الملأ .

ولأول مرة تتخلي المطربة الشابة كورا عن رقصها الخليع في الدويتو مع أليكس ، بعدما أقنعها بالبرهان والمسايسة أنه لا يوجد أي علاقة أو قرابة أو نسب بين الدلاي لاما العظيم وبين حيوان اللاما !

جريدة القاهرة في 3 أبريل 2007