الفتي الأسمر.. بطل البسطاء تعلم في ظروف قاسية.. وإرادته القوية وراء نجاحه الكبير بقلم : محفوظ عبدالرحمن |
صفحات خاصة
|
أغلب الظن أن ذلك كان في عام 1969: كنت جالسا مع أحد مخرجي التليفزيون في مكتبه عندما دخل شاب أسمر اللون بسيط الثياب شديد الحياء حتي أنه لم يرفع نظراته عن الارض، لم يحي أحدا عند دخوله أو خروجه. ذهب مباشرة إلي مخرجة نشطت لفترة قصيرة ثم اختفت، ولايذكر أحد اسمها الآن. وعرفنا فيما بعد انها كانت قد اختارته لدور في تمثيلية تقوم باخراجها. ولندرة الانتاج آنئذ، ولازدحام طرقات الدور الاول حيث كانت 'مراقبة' التمثيليات بالممثلين الكبار الذين يحلمون بدور مثل هذا، كانت هذه فرصة ذهبية للممثل الناشيء. ولم يستغرق الشاب سوي دقائق معدودة ترك بعدها المكان يلملم نفسه، وينظر في الفراغ، وكأنه يبحث عن شيء مجهول. وضربت المخرجة كفا بكف، فخرج الأمر من الهمس إلي العلن، وهي تبدي دهشتها، بل ذهولها لاعتذار أحمد زكي وكانت هذه أول مرة انصت فيها للاسم عن الدور المهم الذي عرضته عليه ليس لأن الدور اكبر من قدراته هكذا قالت ساخرة أو لانه مريض أو مسافر أو انه حتي مشغول.. بل كان الدور ليس فيه شيء، وانه مسطح وغير منطقي من بدايته إلي نهايته. ويشاركه الدهشة بعض الجالسين مع تعليقات عن هذا الزمن الرديء. وكانت هذه أول مرة أري فيها أحمد زكي 'ومن الغريب' ولماذا من الغريب؟! ان ما حدث في هذا المكتب شغلني، وكثيرا ما كنت اتذكره. وفي هذه الفترة قام أحمد زكي بدور صغير جدا مقحم علي مسرحية غهالو شلبيف لفت الانظار، وأظن ان هذا الدور كان طريقه إلي غمدرسة المشاغبينف. ورغم انه لم يحقق في غمدرسة المشاغبينف النجاح الجماهيري الهائل الذي حققه عادل امام وسعيد صالح ويونس شلبي وسهير البابلي، الا انه أصبح اسما معروفا. وكثر الحديث عنه في الوسط الفني، وتحمس له البعض، وتحمس ضده البعض، وقال عنه اكبر منتج سينمائي آنئذ انه لن يتجاوز ادوار الكومبارس، ومن الذين تحمسوا له آنئذ المخرج الراحل يوسف مرزوق وقدمه في مسلسل واحد علي الأقل تم تصويره في دبي. ومر علي رؤيتي لاحمد زكي اكثر من عشرة اعوام عندما اتصل بي الممثل الراحل الموهوب ابراهيم عبدالرازق وكان علي موعد معي وقال انه سيصحب معه أحمد زكي (الذي صار شهيرا الآن) لأنه يريد ان يتعرف بي، ورحبت بحماس. فلقد احببته كثيرا كممثل. وكان قد تغير، بدا أقل خجلا، وثيابه اكثر ترتيبا ليس اكثر بشكل لافت للنظر وما عاد الصامت الذي رأيته والذي تحدث مع المخرجة في همس، انه الآن يتكلم، وكان الكلام فنا من فنون أحمد زكي، ولم يكن يحب من أحد أن يقاطعه. وبالتأكيد كان يرتب كلامه قبل اللقاء حرفا بحرف، وأعتقد ان الكلام كان بالنسبة له تدريبا علي الالقاء، فضلا عن انه كان له أدوار أخري. فذات مرة بدأ يحكي لي قصة اعرفها، فقاطعته قائلا انني اعرفها، فقال: دعني احكها، فهذه هي الوسيلة الوحيدة لاواجه الحياة!! وكان أحمد زكي موهبة فريدة، لكنه بذل جهودا كبيرة لتنمية هذه الموهبة، وكان أول ما فعله في هذا اصراره الشديد علي دخول معهد الفنون المسرحية. وكانت الثانوية الصناعية التي حصل عليها تتيح له نظريا دخول المعهد بل والجامعة، ولكن واقعيا ذلك كان شبه مستحيل. لكنه في النهاية دخل المعهد، ودرس في ظروف لايستطيع تحملها انسان. واظن انه اكمل موهبته حتي نهاية حياته بوسيلتين. الأولي هي مراقبته للناس، كان يقابل الوجوه وتعبيراتها والاصوات ونبراتها، وكان يقول: فلان لن يأتي إلي اللقاء، ولما اسأله: لماذا؟ يقول لي لانه قال: سأحضر! بهذه الطريقة. ويعيد أداءه، وكان يسمع ما تقول لكنه ايضا كان يغوص في معانيه. ايضا كان يراقب النظرات وتعبيرات الوجه والايدي وغير ذلك كأنه كاميرا من نوع خاص. الوسيلة الثانية هي الاغاني. كان أحمد زكي يغني طول الوقت الاغاني الهامة خاصة اغاني ام كلثوم وعبدالحليم. وكان يري انها نجحت لانها جيدة، وكان يدلل علي هذا بأداء الأغاني والانتقال من معني إلي معني ومن احساس إلي احساس، ولم يكن يتردد في ان يغني بصوت عال في المقهي الموجود بالفندق الذي كان يسكنه معظم الوقت، والذي يؤكد البعض ان جلساته الطويلة في هذا المقهي حيث الشيشة تحاصر كل رواده كانت من أسباب مرضه. وكان أحمد يحب الجلوس في هذا المكان لانه كان يحب الناس، وكان دائم الاحساس بالوحدة. ولم تبدأ الصداقة بيننا الا بعد فترة من التعارف، وكانت صداقة بعيدة عن العمل رغم اننا تشاركنا بفيلمين. بالنسبة لي لم تكن صداقة مرتبطة بالعمل. ولكن أحمد زكي لم يكن يشغله في الحياة سوي العمل. أتذكر الايام الاولي لدخوله المستشفي. في اليوم الاول كان لدينا موعد مع الاستاذ حسن حامد رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون آنئذ. واتفقنا علي ان نلتقي في السكرتارية. وعندما وصلت كلمني أحمد زكي معتذرا عن الموعد وقال انه في المستشفي سألته عما به فأشار إلي الانفلونزا التي كان يعاني منها منذ أسابيع وقال أتيت لاعرف الحكاية. ولم أحس بالازعاج فمنذ شهور قليلة قبل ذلك اتصل بي ليسألني هل من الممكن ان يمر عليٌ، واجبته بالايجاب، وسألته أين هو، قال انه في مستشفي إلي جوار بيتي، وقال انه لم يذكر الامر لاحد حتي لاينزعج اصدقاؤه. وكنت اعرف ان ضغطه يرتفع إلي حدود غير مقبولة. وكنت اتخيل ان لجوءه إلي المستشفي أحيانا للبحث عن الراحة! وذهبت إلي المستشفي بعد انتهاء الموعد. وأظن انه في هذا اليوم قال لي انهم وجدوا ماء علي الرئة، وانهم بذلوا كذا لتر لا أذكر اذا كانت ثمانية أو حول ذلك، وكان يبدو وكأنه يتباهي بهذا!! بل الح علي في اليوم التالي ان انزل إلي المعمل لاري ان لون الماء المسحوب يميل إلي الاحمرار مما يدل علي امتزاجه بالدم، ولما لم أفعل اتهمني بقلة الفضول مع ان الفضول أهم صفات الكاتب والفنان. المهم انني وجدته منذ اللحظة الاولي يطلب احضار كاميرا لتصويره وهو مريض، وكيف يعالج، ثم ادخال هذه المشاهد في فيلم غحليمف الذي لم يكن قد بدأ بعد واعترضت تماما علي الفكرة. فالآن هو مريض وهذه هي المشكلة الاولي وعليه ان يخرج من المرض أولا. ثم قلت له: ولايستطيع ان يمثل دور المريض الا ممثل صحيح الجسد، وهي كلمات ندمت عليها ندما شديدا فيما بعد، وذلك عندما بدأ في تمثيل الدور وهو مريض، وفي أحيان كانت آلامه لاتحتمل، وغالبا كان في حالة لاتصلح للتمثيل. وكنت اقرأ ما قلت في نظراته. ولم يكن من الذين يخافون عرض حالتهم. ولكنه لم يتكلم في هذا الامر ابدا مما كان يدل علي انه شديد القسوة عليه. كان فيلم غحليمف هو اكبر حلم في حياة أحمد زكي الذي كان يحيا بالاحلام. وذات يوم تعرض مشروع الفيلم لضربة قاصمة، فذهبنا من حيث كنا إلي أحد الفنادق وجلسنا نتحدث في المشكلة التي نواجهها، وطال الحديث فأحسست بإرهاق شديد، ونظرت إلي الساعة فادركت اننا ظللنا نتكلم عن المشكلة ست ساعات متصلة. وفكرت ان العقل لايحتمل هذا الجهد. واننا لابد ان نستريح ولو دقائق. وبدأت في تغيير الموضوع، وإذ به يغضبه، فقاطعته شارحا ما نحن فيه. ورأي ان الفكرة وجيهة، واننا فعلا تحدثنا كثيرا في المشكلة. وانه علينا ان نستريح. ولكن الراحة لم تستمر اكثر من ثوان، عاد بعدها إلي المناقشة بانفعال اكبر. ولم استطع الاحتمال فقلت له انني ذاهب إلي الحمام، وانصرفت. وعندما تقابلنا بعد ذلك اكمل الحديث من حيث انتهينا، ولم يعاتبني علي هروبي، وأظن انني لم أكن أول الهاربين في مثل هذه الاحوال. أخبار النجوم في 31 مارس 2007
في الذكري الثانية لغياب الأب الحنون .. يداوي جراحةبالذكريات هيثم احمد زكي يكشف وصية والده الأخيرة حوار: خالد محمود حنين وذكريات.. ماض وحاضر.. مشاعر اختلطت وذابت بعقل ووجدان هيثم أحمد زكي في الذكري الثانية لرحيل والده النجم الاسمر التي توافق يوم الثلاثاء الماضي 72 مارس. شاركناه ذكري والده فاستدعي مواقف وحكايات وأسرارا لم تنشر من قبل عن علاقة الابن بوالده وما هي تفاصيل آخر لقاء جمع بينهما وبماذا أوصاه والده.. ومن أي شيء يخاف؟!دموع وابتسامات.. كان اللقاء في شقة أحمد زكي بالمهندسين أمام صوره وجوائزه.. وشهادات التقدير .. أمام كل هذا فاجأنا هيثم أن أباه لم يأخذ حقه في حياته وخلال سنوات تألقه، وأنه لو كان يدري أن الناس تحمل له كل هذا الحب والاعجاب الذي أحس به في أيامه الاخيرة لربما تغلب علي كل الآلام. وهنا انهمرت الدموع من عيني هيثم .. ثم عاد ليواصل حديثه بكل هدوء وثبات وسكت.. فضلت ان اتركه يتكلم ويبوح.. لكنه نظر الي صامتا. · عامان مرا علي رحيل احمد زكي الاب والفنان ..كيف عشت هذه المرحلة؟ بعد رحيل والدي حاولت ان أمارس حياتي الطبيعية لكنني لم استطع فقد حدثت لي هزة نفسية وعصبية كبيرة كياني كله انقلب وحتي الان احاول ان اصدق الواقع واعيشه لكنني لا استطيع وربما يكون فيلم 'حليم' شغلني بعض الوقت ولكن بعده وحتي الان شعرت بهزة كبيرة ودائما اشعر رغم مرور الايام ان وفاة والدي كانت بالامس فقط. وعندما تعرض افلامه علي الفضائيات يحدث لي انهيار عصبي وتنتابني احاسيس مختلفة ومتناقضة خاصة عندما اشاهد فيلمي 'السادات' وارض الخوف لانني كنت معه اثناء تصويرهما وايضا كان معروف عنه انه كثيرا مايتقمص الشخصيات التي يجسد ها في الواقع لذلك عندما اشاهدها علي الشاشة اريد ان اكسر شاشة التليفزيون لاعانق ابي واقبل رأسه. · وتسود لحظات صمت طويلة ليعود هيثم احمد زكي ليقول: طبعا.. ابي كان يحميني من اشياء كثيرة لقوته وقوة شخصيته.. فالدنيا ليست سهلة كان ظهري في الدنيا ولم اكن اشعر بقسوة الحياة اثناء وجوده فعندما واجهت العالم بمفردي واقتربت منه اكثر وجدت دنيا اخري، وواجهت اشياء كثيرة وصعبة في الحياة.. لقد ترك ابي فراغا كبيرا في حياتي فقد كنت استمد قوتي منه.. وكان مجرد جلوسي امامه وفضفضتي معه تكفي. · اذن طوال الفترة الماضية انت كنت في رحلة بحث عن هيثم الذي يعتمد علي نفسه ويواجه الحياة؟
· هل كنت دائما تشعر او تعلم ما الذي يرضيه؟
· وما الذي كان يغضبه منك؟. ان اقوم باي شيء يضر بي، وقد كان رضاه وغضبه عني من اجل مصلحتي ورغم اننا لم نكن نقيم مع بعض باستمرار حيث يلتقي بي يوم واحدا فقط في الاسبوع الا انه كان من خلال هذا اليوم يقوم بدور الاب العادي خلال عام كامل. فقد كنت استمد قوتي منه، وعندما اشعر بالضعف او اكون مهزوزا من شيء او متعبا كان بمجرد جلوسي معه يلقي بنظرة في عيني وأسمع منه بعض الكلمات فتذوب كل مخاوفي. · هل حديثه لك كان يؤكد وجود فلسفة خاصة به في الحياة؟
· وهل ستسير علي نفس فلسفة والدك في التفكير بطريقة أخري؟. سوف أمضي علي نفس فلسفة والدي واجتهد، واعطي كل مالدي وأتمني ان يعينني الله ان استمر علي ذلك، لكن في نفس الوقت لن أقلده، فليس هدفي ان اكون احمد زكي، فأنا ممثل شاب واسمي هيثم، واذا كانت الناس احبت احمد زكي فمن الممكن ان تتعاطف مع ابنه هيثم احمد زكي لكنها لن تحبه كفنان الا اذا كان بالفعل فنانا جيدا. فلابد ان يكون لي لوني الخاص وطعمي الخاص وتفكيري مع احتفاظي بمباديء مدرسة والدي. · بعد رحيل والدك هل مازال هناك من يسألون عنك؟. كل أصدقاء وزملاء أبي يسألون عني، ولكني دائما اشكر كل من يسأل، فأحمد حلمي مثلا يتحدث الي كثيرا وآخذ رأيه دائما ومحمد هنيدي يكلمني في كل مناسبة وأنا أعلم ان هناك كثيرين يريدون أن يتحدثوا الي ويطمئنوا علي لكني كثيرا ما اغير رقم تليفوني. · ماذا فعلت يوم 28 مارس.. يوم ذكري رحيل والدك؟. أشياء بيني وبين نفسي لمصلحة أبي. · أراك تطيل النظر في صور والدك وكأنك تراها للمرة الأولي لماذا؟. في كل وقت أعيش ساعات مع هذه الصور فكل صورة تعطي لي رد فعل كان يظهر به في الحقيقة وأحاول أعيش هذه اللحظات فهذه الصور تعود بي لمواقف وذكريات وقعت بيننا في الحياة. · وما هي المواقف التي تطاردك دائما؟ علي حسب الصورة، لو بيضحك أتذكر عندما كان يجلس ويداعبني ويتحدث الي.. وعندما تعكس ملامحه الغضب والقلق اتذكر عندما يكون قد غضب من أجل شيء ما فعلته.. ودائما تردد في اذني كلماته لأصحابه حيث كان يقول للجميع دائما: ابني سيكون احسن ممثل في مصر، وأتذكر أيضا موقفه حينما كان عمري 8 سنوات بعد رحيل امي، وكان يريد ان يسعدني وأنسي الاحزان وذهبت معه الي حمام سباحة ومثلت عليه اني أغرق في الماء، وهو لم يكن يجيد السباحة وفي اللحظة التي قرر فيها النزول الي حمام السباحة لانقاذي قمت انا وخرجت من الماء وضحكت. · هل غضبت يوما من والدك؟ كان بيننا مشاكل عادية لاننا من جيلين مختلفين وليست مواقف خاصة. أخبار النجوم في 31 مارس 2007
|